أطفال الجزائر بين قصور الحماية القانونية وعنف الشارع

جمعيات ومختصون يدعون لمزيد من الدعم

قصور قانوني في حماية أطفال الجزائر من العنف

أطفال الجزائر بين قصور الحماية القانونية وعنف الشارع

الطفولة في الجزائر تعاني مشاكل عويصة، خاصة مع بروز ظواهر جديدة مثل ظاهرة الاعتداءات الجنسية، والهروب من المنزل، واستغلال البراءة في التسول
* هناك سنوياً نحو 200 ألف طفل تحت سن 16 سنة في سوق العمل، ويرتفع هذا الرقم لنحو نصف مليون خلال موسم رمضان، وموسم الاصطياف
اليوم العالمي للطفولة فرصة لتقييم وضع الأطفال في الجزائر في ظل المستجدات والمتغيرات الاجتماعية

الجزائر: في آخر تقرير لها، حول واقع الطفولة بالجزائر، رسمت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان )منظمة غير حكومية(واقعاً أسود عن هذه الفئة الهشة من المجتمع، فرغم الإجراءات التي أقرّتها الحكومة الجزائرية لحماية هذه الفئة من الانتهاكات المتكررة والمتنوعة، إلا أن المنظمة سجلت قصوراً واضحاً، وهي المسؤولية التي لا تكفي الترسانة القانونية القائمة برأي الرابطة في تحقيق الهدف المنشود منها، دون تكاثف جهود المجتمع مع المؤسسات الحكومية.

في التقرير الذي تسلمت «المجلة» نسخة منه، والذي صدر عشية احتفال الجزائر على غرار دول العالم باليوم العالمي للطفولة المصادف للأول من يونيو (حزيران) من كل عام، أكدت المنظمة أن «الطفولة في الجزائر لا تزال تعاني جملة من المشاكل العويصة، خاصة مع بروز ظواهر جديدة طفت إلى سطح المجتمع، كظاهرة الاعتداءات الجنسية، والهروب من المنزل، واستغلال البراءة في التسول»، وأكدت المنظمة أن هذا الأمر «واقع تعكسه أرقام مخيفة عن وضع الطفولة في الجزائر».

وبلغة الأرقام سجلت الرابطة أرقاماً وصفتها بـ «المرعبة»، حيث قدّرت عدد الأطفال الذين بلا هوية بأكثر من 45000 طفل، وقالت إن «عدم تسجيل هؤلاء الأطفال تترتب عليه آثار وخيمة، وتحرمهم من حقهم في النسب والهوية والتمدرس، وكل الحقوق المنصوص عليها في الدستور».

 

منظمات وجمعيات تطالب بالتصدي للانتهاكات الممارسة ضد الأطفال

وفي المقابل كشفت عن تعرض نحو 361 ألف طفل لمختلف حوادث العنف، من بينهم 1131 حالة اعتداء جنسي، فيما تم إحصاء 887 حالة هروب من المنزل، لأسباب متعددة أبرزها، النتائج الدراسية السلبية، والمشاكل الأسرية، وكشفت المنظمة عن تفشي ظاهرة التسرب المدرسي والتي فاقت 500 ألف طفل.

الرابطة نوّهت بما حققته الجزائر من تطور وتقدم في طريق القضاء على عمالة الأطفال، حيث صنفت الجزائر ضمن الدول الرائدة التي تحركت على مختلف الجبهات من أجل وضع حد للمتاجرة بالأطفال واستغلالهم، وذكّرت بتصريحات سابقة لوزير العمل والتشغيل مراد زمالي، الذي أكد في مناسبة سابقة أن عمالة الأطفال في الجزائر لا تتعدى 0.5 في المائة مقارنة بمجموع العمال المتواجدين بأماكن العمل المراقبة.

لكن رغم التنويه السابق، إلا أن المنظمة أكدت أن ظاهرة عمالة الأطفال لا تزال قائمة، حيث تؤكد أنها «تسجل سنوياً نحو 200 ألف طفل تحت سن 16 سنة في سوق العمل، ويرتفع هذا الرقم لنحو نصف مليون خلال موسم رمضان، وموسم الاصطياف، حيث يعمل هؤلاء في جني المحاصيل الزراعية وتسويقها، وبعضهم يبيع الخبز ومختلف المأكولات الجاهزة في الشوارع الجزائرية، ومما شجع هذه الظاهرة في رأي الرابطة هو «تدهور القدرة الشرائية للكثير من الأسر الجزائرية، والتي وجدت نفسها مرغمة على إشراك أطفالها على مجابهة الظروف المعيشية المعقدة».

وفي نفس الاتجاه، تكشف الرابطة أن الدراسات المتعلقة بعمالة الأطفال في الجزائر تشير إلى أن السوق الموازية للشغل في الجزائر تستغل الأطفال بشكل غير قانوني يمس بحقوق الأطفال، حيث يتم استغلال 54 في المائة من الأطفال العاملين في أعمال شاقة، فيما يعمل 41في المائة منهم بصفة دائمة. وتؤكد دراسة بأن نسبة الذكور من بين الأطفال العاملين تصل الى 77في المائة فيما تستغل الإناث بنسبة 23في المائة في ذات المجال.

 

وحسب الدراسة أيضا فإن 27 في المائة من الأطفال العاملين في السوق الموازية مجبرون على العمل، فيما يختار 73في المائة منهم العمل بمحض إرادته رغبة في تغطية مصاريفه الدراسية واليومية.

ومن الظواهر المقلقة برأي المنظمة ما يسمى أطفال الشوارع والمشردين، أمام تناميها، وازدياد عدد أطفال الشوارع بالمدن الجزائرية الكبرى يوما بعد يوم.

وفي السياق سجلت الرابطة  أكثر من 5400 طفل متشرد، يعيشون الأمرين في الشوارع، وهي الظروف التي تدفعهم للإجرام بأنواعه،ومن ثم إلى السجن، في حين يصبح عدد منهم ضحايا للاستغلال الجنسي من طرف المنحرفين.

هذا الوضع السوداوي، دفع بالأمين الوطني المكلف بالمرأة وشؤون الأسرة بالرابطة،السيدة نجاح شمس الهدى، إلى التحذير من تداعيات «إغفال الحقوق الأساسية للأطفال وحمايتهم جراء الأوضاع المعيشية المزرية والصعبة الناتجة عن الظروف الاجتماعية والمادية القاهرة التي تتخبط فيها الأسرة الجزائرية»، وهو الأمر الذي أدى برأيها «إلى بروز ظواهر جديدة للجريمة بأنواعها».

 

جمعيات تساهم في دعم حقوق الطفل وحمايته

وأشارت في حديثها لـ«المجلة» إلى أن «اليوم العالمي للطفولة فرصة لتقييم وضع الأطفال في الجزائر في ظل المستجدات والمتغيرات الاجتماعية»، وبرأيها فإن تحسين واقع الطفولة ببلادها يجب أن يمر حتما عبر اتخاذ عدة خطوات وإقرار مجموعة من القوانين التي تحمي هذه الفئة، ومن ذلك «ضرورة الإسراعبمراجعة القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان مؤخراً، والذي يعنى بحماية الطفل من مجمل الآفات الاجتماعية التي يكون عرضة لها نتيجة المشاكل العائلية والاجتماعية التي لم يتطرق إليها القانون».

كما نوّهت نجاح بـ«ضرورة الاهتمام بالأطفال الذين يعيشون وضعيات صعبة، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين يعانون من مختلف الإعاقات الذهنية والجسدية، مع إعطاء الطفل الفرصة الكاملة للحوار، والتعبير والمشاركة، عبر خلق فضاءات الترفيه، مع خلق ميكانيزمات جديدة تضمن راحة الطفل بصفة عامة، والأطفال المحرومين من أسرة على وجه الخصوص، أو المعرضين لخطر معنوي أو جسدي».

وفي المقابل أكدت نجاح أن «الجهود السابقة لا يمكن أن تنجح دون إشراك منظمات المجتمع المدني»، التي تضطلع حسب حديثها بدور هام، لذلك وجب وفق تقديرها «تشجيع الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني التي تقوم برعاية الأطفال بالوسائل المعنوية والمادية، مع ضمان دورات تدريبية في طريقة التعامل مع هذه الفئة وتكريس ودعم وسائل حمايتها، مع تمتين وخلق علاقات حقيقية بين مختلف هذه المؤسسات».

 

وتُعدُ «شبكة ندى لحقوق الطفل»من ضمن الجمعيات الناشطة بقوة في مجال حماية الطفولة، وعشية الاحتفال العالمي بحقوق الطفل يؤكد رئيس الشبكة عبد الرحمن عرعار في تصريح لـ«المجلة» أن «هذه المناسبة تأتي هذا العام في ظل ظروف جد استثنائية بسبب وباء كورونا، وهي الظروف التي أجبرت الأطفال على المكوث في منازلهم، وهو ما يجعلهم بالمقابل عرضة أكثر لمختلف أنواع العنف الأسري الممارس ضد بعضهم».

وفي السياق تكشف «شبكة ندى» ضمن تقاريرها إلى تسجيل نحو 40 اعتداء جنسياضد الأطفال كل يوم بالجزائر، ونحو 10 آلاف حالة اعتداء جنسي سنويا، وهو رقم تقول المنظمة إنه «مخيف، ويعكس تصاعد ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال»، الأمر الذي يتطلب اتخاذ تدابير إضافية وعاجلة لحماية هذه الفئة.

الجريمة الإلكترونية، هي الأخرى برأي عرعار من الجرائم الخطيرة التي تهدد أطفال الجزائر، وطالب بضرورة تفعيل كل الآليات القانونية والتقنية لحمايتهم، بالاستثمار في تطوير تطبيقات لحجب المواقع غير المرغوب فيها.

 

عبد الرحمن عرعار رئيس شبكة ندى لحقوق الطفل

وعن استغلال الأطفال في سوق العمالة أكد عرعار أن الظاهرة مقلقة وتستدعي مكافحتها، ورغم أن قانون العمل يقر عقوبات صارمة تصل إلى السجن في حق أصحاب العمل والشركات التي تشغل الأطفال، إلا أن الواقع يؤكد أن كل طفل جزائري من ضمن سبعة أطفال يشتغلون سواء لفائدته، أو لفائدة عائلته أو لفائدة الغير. وأوضح أن «النسبة الكبيرة يشتغلون في أعمال تجارية مثل بيع الخبز والخضر والسجائر مع مختلف المهن الفلاحية والموسمية». وعلى عكس أرقام الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تتحدث عن نحو نصف مليون متسرب من الدراسة، فإن «شبكة ندى»تقدر عددهم بنحو 200 ألف طفل.

وخلال نزولها ضيفة على الإذاعة الجزائرية الحكومية، أكدت رئيسة المفوضة الوطنية لحماية الطفولة )مؤسسة حكومية)، مريم شرفي، أن «الجزائر واكبت منذ الاستقلال التطورات التي عرفتها تشريعات حماية الطفولة، وكانت سباقة إلى التوقيع على الاتفاقيات الدولية  في هذا الشأن»، مستدلة على ذلك بتوقيع بلادها على قانون حماية الطفل في 19 ديسمبر (كانون الأول) 1992، مضيفة أن «الجزائر خطت خطوة كبيرة باستحداثها الهيئة الوطنية لحماية الطفولة واستحداث قانون خاص بحماية الطفولة سنة 2015 بعدما كانت قوانين حماية الطفل موزعة على المنظومة القانونية في قانون الأسرة وقانون العقوبات وغيرهما». ودعت إلى «ضرورة تشجيع ثقافة التبليغ على التجاوزات في حق الطفولة»، مجددة الدعوة إلى «الاتصال بالرقم الأخضر الذي وضعته الهيئة للتبليغ والاستفسار، وهو (11-11)»، كاشفة أن «الهيئة تتلقى من 5 آلاف إلى 10 آلاف اتصال يوميا، من بينها 20 تبليغا على الأقل من كل الفئات بما فيها الاطفال».

مريم شرفي رئيسة المفوضية الجزائرية لحقوق الطفل

وأضافت شرفي أن «الهيئة تهدف إلى إنقاذ الطفل من سوء المعاملة»، وأنها «تفكر في آليات تخولها للتدخل لإنقاذ الأطفال»، كاشفة عن «تخصيص موقع إلكتروني لتسهيل عمليات التبليغ يضاف إلى الخط الأخضر».

وخلال لقاء نظمته المديرية العامة للأمن الجزائري، عشية الاحتفال باليوم العالمي للطفولة، عرضت رئيسة مكتب حماية الفئات الهشة بالشرطة القضائية ياسمين خواص إلى جهود قطاع الأمن لحماية الطفولة خلال فترة الحجر المنزلي، من خلال تكثيف حملات التوعية الموجهة للعائلات، بتخصيص مواضيع عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية للتعريف بطرق التعامل مع الأطفال والاستماع إلى انشغالاتهم، ومنحهم الرعاية العاطفية في ظل التباعد الاجتماعي، مع مراقبتهم أثناء استعمال وسائط التواصل الاجتماعي ومختلف الأجهزة الإلكترونية. وقدمت المتحدثة أرقاما حول جنح الأطفال المسجلة في الأربعة أشهر الماضية، حيث تم تسجيل 1780 قضية من بينها 1766 جنحة تتعلق بظاهرة السرقة والضرب والجرح العمدي والانحراف وتعاطي المخدرات. كما تم تسجيل 1970 ضحية تعرضوا للضرب والجرح العمدي والاعتداءات الجنسية إلى جانب تسجيل 300 حادث منزلي خاص بشريحة الأطفال و34  حالة تسول. 

من جهته، أكد رئيس خلية الاتصال والصحافة بالمديرية العامة للأمن، عميد أول شرطة عمر لعروم، أن «الاهتمام الذي يوليه قطاع الأمن لمجال دعم التحسيس والتوعية تجاه الأطفال من خلال أنشطته التحسيسية المتواصلة عبر الفضاءات العمومية بالإضافة إلى تثمين استحداث أرقام خضراء داخلية خاصة بخلايا الإصغاء النفسي عبر 48 أمن محافظة تهتم بالمرافقة والمتابعة النفسانية للأطفال خاصة خلال فترة الحجر الصحي وتمكينهم من التأقلم مع هذا الوضع الصحي بالاستعانة بالتكنولوجيات الحديثة للاتصال».

font change