عودة السفير الأميركي إلى دمشق.. إذعان أم صفقة؟!

عودة السفير الأميركي إلى دمشق.. إذعان أم صفقة؟!

[caption id="attachment_1467" align="aligncenter" width="620" caption="السفير الأميركي الجديد في دمشق روبرت فورد "]السفير الأميركي الجديد في دمشق روبرت فورد [/caption]


في وسط الأزمات التي تمر بها كل من لبنان ومصر، لم تحظ عودة السفير الأميركي إلى دمشق بكثير من الضجة. وعندما وردت أنباء عن تعيين روبرت فورد في عطلة الكونغرس، سارع بعض المحللين العرب بالتكهن بالسبب الذي يكمن خلف الخطوة الأميركية. يقول محللون إن مثل تلك الخطوة لا بد أنها نتيجة إما لإذعان أميركي أو صفقة ما عقدت مع دمشق. فليس من المعقول أن تقدم قوة عظمى تنازلات من دون مقابل لخصم عنيد. ولكن يبدو أن كسر قاعدة معاقبة الأعداء ومكافأة الأصدقاء هي السمة الأساسية لهذه الإدارة.

لم يكن قرار الرئيس أوباما بالتحايل على الكونغرس متعلقا بأي من تلك المبررات. في الواقع، لا يتعلق الأمر بسورية على الإطلاق - أو السياسة الخارجية عامة. ولكن يرجع الدافع وراء هذا القرار إلى السياسة الداخلية فقط، بعد الهزيمة الساحقة التي لحقت بالحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي التي أجريت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، ويبدو أنه لم ترد فكرة كيفية تأثير ذلك على المصالح الأميركية.

هناك قضايا أخرى تم تجاهلها. على سبيل المثال، عندما صدر قرار التعيين بمرسوم، كانت سورية في وسط مفاوضات مع المملكة العربية السعودية تهدف، من وجهة نظر دمشق، إلى إجبار رئيس الوزراء اللبناني في ذلك الوقت سعد الحريري على إدانة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وإنهاء تعاون لبنان معها. بالإضافة إلى ذلك، كان نظام الرئيس السوري بشار الأسد يتوقع أن تقبل السعودية بعودة النفوذ السياسي السوري في بيروت.

وكان من الواضح أن الرياض لا تريد التعامل مع حيل دمشق. وعندما وجدت السعودية أن دمشق لا ترغب في تحمل مسؤوليتها في الاتفاق الذي كان من المقرر أن ينعقد في مؤتمر للمصالحة الوطنية اللبنانية في الرياض، حسبما قال الحريري، صرح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بأن المملكة انسحبت من المساعي المشتركة مع دمشق من أجل حل الأزمة في بيروت. وقال وزير الخارجية إن الاتفاق بين السعودية وسورية لم يتم لأن سورية لم تف بتعهداتها.

وكان على إدارة أوباما أن تقدم حجة مقنعة، بعيدا عن المظاهر الخارجية، لما تتوقعه تحديدا من تعيينها للسفير. وحتى الآن تقف الإدارة في موقف مؤسف غير مقنع، حيث أوضحت أن التعيين مهم من أجل توصيل رسائل وطلبات واشنطن إلى السوريين بصورة فاعلة، للتأكيد على المصالح الأميركية في دمشق. وكما أشار بعض المحللين المطلعين على الشؤون السورية، من المرجح أن يمضي فورد فترة خدمته في «تسليم رسائل دبلوماسية» بشأن سياسات سورية السلبية.

بعيدا عن ضعف هذا المنطق، حيث إن الولايات المتحدة وضحت موقفها مرارا وتكرارا للقيادة السورية، فإن هذا الضعف يزداد إذا اعتبرنا أن الإدارة لم تحدد بوضوح ثمن استمرار عدم الالتزام السوري. وباختزال السياسة تجاه سورية إلى خطاب أجوف، تخاطر الإدارة الأميركية بأن تظهر في صورة غير منطقية، مما يسمح للأسد بتجاهلها من دون تداعيات جادة.

ويفتقد الجدية ذاتها ادعاء السفارة الأميركية في دمشق بأن تعيين فورد «يمثل خطوة أميركية ملموسة في محاولة لإيجاد مصالح مشتركة بين سورية والولايات المتحدة». ومن الواضح للأسف أنها خطوة غير مجدية. ويبين الاطلاع السريع على الرسائل الدبلوماسية الأميركية المسربة أخيرا سبب عدم جدواها.

في ثلاث قضايا رئيسة متنازع فيها - النقل غير المشروع للأسلحة إلى حزب الله، وعدم التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإيقاف شبكات البعثيين العراقيين والمقاتلين الأجانب المستقرين في سورية - توضح الرسائل الدبلوماسية ضعف احتمال حدوث تغيير كبير في تصرفات الأسد.

على سبيل المثال، أوصلت بالفعل وزارة الخارجية الأميركية رسالة دبلوماسية من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى السوريين بشأن تهريبهم صواريخ بالستية إلى حزب الله. وأنكر السوريون قيامهم بهذا الفعل، وتجاهلوا الرسالة، واستمروا في نقل الأسلحة. ويضعف ذلك من حجة الاحتياج إلى تواصل أفضل، بل ويعني عدم الرد الأميركي القوي أنه سيتم تجاهل شكاوى فورد المستقبلية.

وتستمر دمشق أيضا في منع وصول وكالة الطاقة الذرية إلى منشآتها. وفي حين تهدد الولايات المتحدة بإجراء تحقيق خاص، تمتنع الوكالة الدولية عن اللجوء إلى هذا الخيار. ومن جديد تتحدى سورية العالم، ولا تدفع ثمنا لفعلها.

أما بالنسبة للعراق، تظهر إحدى الرسائل الدبلوماسية، المكتوبة بعد زيارة قام بها منسق جهود مكافحة الإرهاب دانيال بنجامين إلى دمشق، عدم جدية سورية بالإضافة إلى ازدرائها للولايات المتحدة، وهو ما اتضح من ضعف أداء بنجامين أثناء الاجتماعات التي أجراها. ووضعت سورية عددا من المطالب التي أرادت تنفيذها أولا، بينما ظل الجانب الذي تتحمله في الاتفاق مبهما ومؤجلا إلى المستقبل وقيد مزيد من الشروط.

ولكن لم تفرض عليها إدارة أوباما دفع ثمن هذا الازدراء المتعالي للمصالح الأميركية. بل ولم تفكر حتى في تغيير موقفها بعد الاستفزازات التي وقعت أخيرا في لبنان. وبدلا من ذلك، استمرت في تكرار - على ما يبدو لذاتها قبل أي شخص آخر - أنه لا يجب اعتبار التعيين مكافأة لدمشق.

ولكن لا يصبح الأمر صحيحا لمجرد أن الإدارة تقول إنه كذلك. عندما أطاحت سورية وأصدقاؤها بحلفاء أميركا في لبنان واستعاد الأسد العلاقات الدبلوماسية في المقابل، أصبح دفاع الإدارة الضعيف أجوف. والأسوأ من ذلك هو أن واشنطن، التي لا تدعم مطالبها بردود فعل واضحة على عدم الالتزام، تغامر بالظهور في موقف ضعيف خطير.

لذلك بعد كل ما قيل، الميزة الوحيدة في قرار التعيين غير الحكيم هو أنه لمدة عام واحد فقط. ولكن بخلاف ذلك، لا يمكن أن تنجح سياسة خارجية أميركية تفتقد إلى رؤية قاعدة معاقبة الأعداء ومكافأة الحلفاء.

توني بدران
font change