العلاقات المصرية - الإيرانية.. مؤجلة حتى إشعار آخر

العلاقات المصرية - الإيرانية.. مؤجلة حتى إشعار آخر

عضو الوفد المصري و رئيس لجنة الفتاوى السابق بالأزهر الشريف الشيخ جمال قطب يلقي كلمة قبل خطبتي صلاة الجمعة في طهران تحت أنظار الخميني وخامنئي

الطائرة التي حملت الدبلوماسي الإيراني "المرحّل" حملت أيضا وفد "الدبلوماسية الشعبية" الذي لقي ترحابا كبيرا في طهران واستقبله الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي أكد استعداد بلاده لنقل خبرتها في مختلف المجالات التقنية وتكنولوجيا الطاقة النووية المدنية على وجه الخصوص إلى مصر.

ويضم الوفد الشعبي المصري، الذي يترأسه السفير أحمد الغمراوي رئيس جمعية الصداقة المصرية الإيرانية، 45 من الشخصيات السياسية والإعلامية والسياحية والثقافية ورجال الأعمال وعلماء الأزهر الشريف من بينهم المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض الأسبق والدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب الأسبق والفنان عبد العزيز مخيون، والدكتور إبراهيم الزعفراني أمين لجنة الإغاثة باتحاد الاطباء العرب ومؤسس حزب النهضة، وزوجته الدكتورة جيهان الحلفاوي مرشحة جماعة الإخوان في انتخابات مجلس الشعب 2005، والشيخ جمال قطب وعصام سلطان القيادي بحزب الوسط والإعلامي وائل الإبراشي.

وقال جمال زهران عضو الوفد إن الهدف من هذه الزيارة العمل على إعادة العلاقات التاريخية بين البلدين وإعادة هيكلة سياسة مصر الخارجية لتلافي الأخطاء التاريخية التي وقع فيها النظام السابق، موضحا أن الوفد يضم العديد من الشخصيات العامة المصرية، ويضم فنانين وسياسيين وأقباطا وإخوانا مسلمين ومحامين إسلاميين ويساريين وممثلين حزبيين.

وتعتبر الزيارة الاولى من نوعها منذ ثلاثين عاما بعد قطع العلاقات الايرانية المصرية بأمر مباشر من الامام الخميني احتجاجا على توقيع النظام المصري برئاسة الرئيس الاسبق انور السادات اتفاقية السلام مع اسرائيل.

المربع الأول

هذه المفارقة الجديدة تكشف إلى حد كبير عن حال هذه العلاقات التي تواجه صعوبات عديدة لم تبرح بسببها مربعها الأول منذ قطعها في عام 1980، على الرغم من المبادرات المتعددة التي طرحت لتطويرها بدءا من افتتاح مكاتب متبادلة لرعاية المصالح عام 1991، مرورا بلقاء الرئيسين السابقين محمد خاتمي وحسني مبارك على هامش قمة المعلومات بجنيف عام 2003، وانتهاءً بتوقيع اتفاقية لاستئناف الرحلات الجوية المباشرة عام 2010.

لكن ربما لم تشهد هذه العلاقات، في أي وقت مضى، هذه الحالة من الشد والجذب التي تتعرض لها في الوقت الحالي، وذلك على خلفية التغير الملحوظ في توجهات السياسة الخارجية المصرية عقب نجاح ثورة 25 يناير 2011 في الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، والذي عبر عنه وزير الخارجية نبيل العربي بقوله إن "الدبلوماسية المصرية والسياسة الخارجية المصرية تفتح صفحة جديدة مع جميع الدول بما فيها إيران ومع جميع الأحزاب السياسية في جميع الدول بما فيها حزب الله".

وفي الواقع، فإن التغير الظاهر الآن في أداء مصر الخارجي يبدو نتيجة منطقية ومتوقعة إلى حد كبير، في ضوء وجود تصور عام، داخل وخارج مصر، مفاده أن السياسة التي انتهجها النظام السابق أضعفت إلى حد كبير من دور مصر الخارجي وقلصت من المكانة التي حظيت بها كقوة إقليمية مهمة في الشرق الأوسط، ومنحت قوى أخرى الفرصة لاستثمار الفراغ الناتج عن الانسحاب المصري لتصبح أرقاما مهمة في معظم الملفات الإقليمية إن لم يكن مجملها.

ومن هنا بدا أن ثمة توجها جديدا لدى القاهرة لـ"تصفير الأزمات" مع محيطها الإقليمي والدولي من خلال إجراء تغييرات، باتت ملحة، في السياسة الخارجية بهدف تقليص حدة التوتر مع بعض القوي مثل إيران وسوريا، وتنفيس الاحتقان السائد لدي الرأي العام المصري والعربي من أداء النظام السابق لاسيما إزاء القضية الفلسطينية التي مازالت تحتل مكانة مركزية في العالم العربي، إلى جانب منح القاهرة حرية حركة أكبر وهامش مناورة أوسع للتفاعل بجدية مع الأزمات الخارجية المتعددة التي تواجهها في آن واحد، بدءا بالصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، مرورا بالأحداث التي تشهدها ليبيا والسودان، وانتهاءً بقضية المياه في حوض النيل.

اتجاه القاهرة لتفعيل سياسة "تصفير الأزمات" بدا جليا في مناسبات عديدة. فقد أعلنت، فور تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، التزامها بالاتفاقات والمعاهدات الإقليمية والدولية كافة التي وقعت عليها في السابق وعلى رأسها بالطبع اتفاقية السلام مع إسرائيل. كما وافقت على عبور سفينتين حربيتين إيرانيتين من قناة السويس، في فبراير الماضي، رغم ما أثارته هذه الخطوة من ردود فعل متشددة من جانب إسرائيل التي حاولت ثني القاهرة عن قرارها، والتي ضخمت من الخطوة الإيرانية لدرجة أنها قدمت أفضل دعاية مجانية لإيران التي كانت تستهدف استعراض قوتها في المنطقة وتوجيه رسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بأن العقوبات والعزلة الدولية المفروضة عليها فشلت في تحقيق أهدافها. وأخيرا أكدت على أن إيران دولة ليست عدوا وأن عودة العلاقات الدبلوماسية معها متوقفة على رد فعلها.

أمن الخليج أولوية قصوى

لكن المشكلة هنا تكمن في أن توقيت إعلان القاهرة عن فتح صفحة جديدة مع طهران تزامن مع تصاعد حدة التوتر والاحتقان في العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، على خلفية التشدد الذي بدا جليا في تعاطي إيران مع الأزمة الداخلية البحرينية لاسيما انتقادها قرار مجلس التعاون الخليجي بإرسال قوات "درع الجزيرة" إلى البحرين لحماية المنشآت الحيوية، وتهديدها بأنها "لن تقف مكتوفة الأيدي" إزاء التدخل الخليجي، في الأزمة، إلى جانب إعلان السلطات الكويتية عن الكشف عن خلية تعمل لحساب الحرس الثوري الإيراني وما استتبعه من تبادل طرد دبلوماسيين من الجانبين.

في هذه اللحظة، بدت الخطوة المصرية، في رؤية بعض الاتجاهات، متجاوزة للسياق الكلاسيكي العام الذي حكم علاقات مصر مع دول مجلس التعاون الخليجي منذ عقود طويلة، ومن هنا ظهرت مخاوف من أن يؤدي انفتاح مصر على إيران إلى تدعيم موقع الأخيرة على الساحة الإقليمية وإجهاض سياسة العقوبات والعزلة الدولية المفروضة عليها لكبح طموحاتها النووية والإقليمية، بل وربما دفعها إلى تكريس تدخلها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي، سواء من خلال استخدام ما يسمي "الخلايا النائمة" التابعة للحرس الثوري الإيراني والتي يمكن أن تتحرك في حالة تعرض إيران لهجوم عسكري، أو من خلال استثمار الوجود الشيعي في معظم هذه الدول وتشكيل قوة ضغط على دول مجلس التعاون الخليجي. وبرزت تحذيرات عديدة بأن طهران تسعى لاحتواء قوة الاندفاع المصري الجديد لاستعادة الدور الإقليمي، من خلال محاولة إقناع القاهرة بالمسارعة في اتخاذ قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية، دون تسوية الخلافات القائمة بين الطرفين.

لكن هذه المخاوف في مجملها لا تتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض والتي تؤكد حقائق ثلاث:

الأولى، أن التهويل من قدرات إيران علي النفاذ والتمدد في الإقليم لا يخدم إلا أهدافها، فهي تعتمد في كثير من الأحيان على "البروباغندا" لإثبات حضورها في المنطقة، دون أن يكون هناك سند حقيقي يدعم ذلك، ومن ثم فإن القول بأن إيران يمكن أن تستخدم التجمعات الشيعية في دول مجلس التعاون لتحقيق أهدافها مردود عليه بأن هذه التجمعات ليست بالضرورة حليفة لإيران، ففضلا عن أن ولاء الشيعة لأوطانهم يبدو حقيقة غير قابلة للتأويل، فإن ثمة تيارات شيعية عروبية تقف على خط مناقض لسياسة إيران بل إن منها من يعتبرها "عدوه الأول".

الثانية، أن "أمن الخليج" يمثل خطا أحمر بالنسبة لمصر لاعتبارات استراتيجية عديدة، بما يعني أن تقاربها المحتمل مع إيران لن يمثل خصما من علاقاتها الوثيقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، أو تهديدا لمصالح الأخيرة في مواجهتها المتكررة مع إيران، بل ربما يساعد على احتواء وضبط الخلافات القائمة في حالة اضطلاع مصر بدور الوسيط بين الطرفين. ومن هنا يمكن تفسير مسارعة القاهرة إلى توجيه رسائل طمأنة لدول مجلس التعاون. فقد أبدت القاهرة تأييدها للتحرك الخليجي للتعامل مع الأزمة البحرينية، خصوصا ما يتعلق بإرسال قوات "درع الجزيرة" لحماية المنشآت الحيوية وهي الخطوة التي هاجمتها طهران بشدة وهددت بالرد عليها. وخلال زيارته للمملكة العربية السعودية ضمن الجولة الخليجية التي قام بها في أبريل الماضي، قال رئيس الحكومة المصرية المهندس عصام شرف إن "أمن الخليج حائط أحمر وجزء أساسي من الأمن القومي المصري في ظل العلاقات التاريخية والدينية والإنسانية الوثيقة بين مصر ودول الخليج".

التقارب سابق لأوانه

مصر لم تكتف بذلك بل وجهت إشارات عديدة توحي بأنها ليست في عجلة من أمرها إزاء رفع مستوى العلاقات مع إيران، وهو ما عكسه تأكيد وزير الخارجية المصري نبيل العربي خلال لقاءه نظيره الإيراني علي أكبر صالحي على هامش قمة عدم الانحياز التي عقدت في بالي بإندونيسيا، في 25 مايو الفائت، على أن رفع مستوى العلاقات إلى درجة سفارة هو أمر متروك للبرلمان المصري الجديد، وهو ما يؤشر إلى أن اتخاذ قرار في هذا الشأن لن يحدث، على الأرجح، خلال العام الحالي، لاسيما أن انتخابات مجلس الشعب، حسب البرنامج الذي وضعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، سوف تجري بدءا من سبتمبر القادم، وبالطبع فإن قرارا مهما على غرار إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران لن يتخذ على الأرجح عندما يبدأ البرلمان الجديد أعماله، بل ربما يتم تأجيله مرة أخرى إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية على أساس أن خطوة من هذا القبيل لن تترجم إلى واقع، في الغالب، إلا من خلال التوافق على أجندة محددة لسياسة مصر الخارجية، وهو أمر مرتبط بدرجة كبيرة بهوية وتوجهات الرئيس الجديد للدولة.

الثالثة، أن تحسين العلاقات بين مصر وإيران أو ربما رفع مستوي التمثيل الدبلوماسي إلى درجة سفارة لا يعني بالضرورة انتهاء الخلافات القائمة بين الطرفين. فوجود خلافات يبقى علامة مميزة في العلاقات بين دول العالم المختلفة. وكثيرة هي الأزمات التي اندلعت بين العديد من هذه الدول، وبعضها وصل إلى مرحلة حرجة، ومع ذلك لم تؤد إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. وتبدو الأزمة التي اندلعت بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي قبل شهرين أوضح مثال على ذلك. فرغم حالة التوتر والاحتقان غير المسبوقة التي شابت العلاقات بين الطرفين، والتي بدت جلية في تصعيد الخلاف إلى مجلس الأمن، حيث طالبت طهران المجلس بالتدخل لوقف ما زعمت أنه عنف يرتكب في حق الشعب البحريني، وقدمت دول مجلس التعاون شكوى لوقف التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية، إلا أن الطرفين بدا حريصين في الآونة الأخير على وضع حد لهذا التصعيد.

فقد قام وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بزيارة خمس من دول مجلس التعاون الخليجي، في مؤشر يوحي بأن الخلافات القائمة بين الطرفين دخلت مرحلة جديدة خصوصا أنها تتجاوز بدرجة كبيرة حدود الأزمات الأخيرة التي طرأت على الساحة الخليجية، إلى عدد من الملفات الإقليمية وعلى رأسها الملف العراقي واللبناني والفلسطيني فضلا عن الملف النووي الإيراني. وخلال زيارته للكويت، تم الاتفاق على عودة السفيرين الكويتي والإيراني إلى ممارسة عملهما بعد فترة توقف دامت أكثر من شهرين على خلفية تبادل طرد الدبلوماسيين الذي أعقب كشف السلطات الكويتية عن الخلية التابعة للحرس الثوري الإيراني.

لكن ذلك لا يعني في المقابل التهوين من الخلافات القائمة بين مصر وإيران، لاسيما أنها ليست ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة. فإلى جانب التباين في التعاطي مع العديد من الملفات الإقليمية، لاسيما الملف الفلسطيني، فإن الملف الأمني يحظي بأهمية خاصة، لاسيما لدي القاهرة، التي لا تخفي مخاوفها من محاولات إيران التدخل في شؤونها الداخلية. ويبدو أن قرار القاهرة طرد الدبلوماسي الإيراني المتهم بالتجسس على مصر ودول الخليج، في 29 مايو الفائت، كان رسالة واضحة بأن الإشارات الإيجابية التي وجهتها القاهرة إلى طهران لا تعني إمكانية غض الطرف عن محاولات الأخيرة تهديد أمنها القومي.

إيران لم تقف كثيرا، على غير عادتها، عند قضية طرد الدبلوماسي، حيث وصفتها بأنها "سوء فهم وتمت معالجته بسرعة"، في إشارة إلى حرصها على استثمار الفرصة لتطوير العلاقات مع مصر، وهو ما عكسته الحفاوة التي قوبل بها وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية إلى طهران. لكن ذلك لم يدفع القاهرة إلى تغيير وجهتها، حيث يبدو أنها باتت تفضل التريث في اتخاذ قرار بهذا الشأن، ربما انتظارا لإنضاج ظروف داخلية وإقليمية أكثر ملاءمة، بما يوحي بأن العلاقات المصرية – الإيرانية لن تبرح مكانها حتى إشعار آخر.

محمد عباس ناجي

font change