ماذا يعني تعيين رئيس وزراء مدني جديد في السودان؟

الاتحاد الأفريقي شدد على أن استعادة السودان لعضويته الكاملة مشروطة بتشكيل حكومة مدنية انتقالية

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الدكتور كامل الطيب إدريس، المدير السابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)

ماذا يعني تعيين رئيس وزراء مدني جديد في السودان؟

أجاز مجلس السيادة السوداني، بحسب مصادر موثوقة، في وقت مبكر من يوم الاثنين 19 مايو/أيار 2025، تعيين الدكتور كامل الطيب إدريس، المدير السابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، رئيسا للوزراء في السودان، مع منحه صلاحيات كاملة لحل الحكومة المكلّفة وتشكيل حكومة جديدة تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة.

ويُعدّ هذا التعيين الخطوة الرسمية الأولى نحو حكومة مدنية برئيس وزراء ذي صلاحيات كاملة، منذ استقالة الدكتور عبد الله حمدوك في 2 يناير/كانون الثاني 2022. وكان حمدوك قد تولى هذا المنصب عقب الإطاحة بحكم الرئيس عمر البشير في عام 2019، وهو الحكم الذي سيطر من خلاله الإسلاميون على مفاصل الدولة منذ انقلابهم العسكري عام 1989.

يتشابه كامل إدريس، الحاصل على دكتوراه في القانون الدولي، وعبد الله حمدوك، الحاصل على دكتوراه في الاقتصاد الزراعي، في عدد من الجوانب اللافتة، أبرزها الخلفية الفكرية اليسارية، وانتماؤهما المبكر للحركة اليسارية في السودان، إلى جانب مسيرتهما المهنية داخل منظومة الأمم المتحدة. فقد شغل إدريس منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية بين عامي 1997 و2008، وكان أول سوداني وأحد أوائل الأفارقة الذين قادوا إحدى أكبر المنظمات الأممية، ثم تولى لاحقا الأمانة العامة للاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة. أما حمدوك، فقد عمل في مؤسسات دولية وإقليمية عديدة، أبرزها اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، حيث شغل منصب الأمين التنفيذي بالإنابة في عام 2016.

وكان الاتحاد الأفريقي قد قرّر تجميد عضوية السودان عقب الانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي نُفّذ بتحالف بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، الحليفين آنذاك والخصمين في الحرب الحالية. وقد استند القرار إلى المبادئ التأسيسية للاتحاد التي ترفض التغييرات العسكرية لأنظمة الحكم، وتُلزم الدول الأعضاء بمسار التحول الديمقراطي والحكم المدني. ومنذ ذلك الحين، تمسّك الاتحاد الأفريقي بموقف واضح، مفاده أن استعادة السودان لعضويته الكاملة مشروطة بتشكيل حكومة مدنية انتقالية ذات طابع تنفيذي حقيقي، لا مجرد حكومة مكلفة ذات طابع شكلي.

أمن السودان يخدم أمن القرن الأفريقي، وأي ضرر يلحق بالسودان يؤثر على القارة الأفريقية بأكملها

لكن الواقع السياسي في السودان، بعد الانقلاب، اتجه نحو مزيد من التعقيد، لا سيما بعد اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023 بين أطراف الانقلاب أنفسهم، ما زاد المشهد تعقيدا، وقلص من قدرة الاتحاد الأفريقي على المبادرة الفاعلة، وأربك أدواته في الوساطة، وأدى إلى تعميق أزمة الشرعية في البلاد. وبينما استمر الاتحاد الأفريقي في التمسك من حيث المبدأ بشرط تشكيل حكومة مدنية لاستئناف عضوية السودان، فإن تطبيق هذا الشرط ظل مرهونا بالتجاذبات السياسية، والمصالح الإقليمية المتعارضة، وانقسام القوى المدنية، إضافة إلى ضعف الإرادة الدولية في فرض تسوية جدية.

أ ف ب
الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بعد توقيع الاتفاق على الانتقال إلى الحكم المدني في السودان في 21 نوفمبر 2021

ويبدو أن الانتصارات العسكرية الأخيرة للجيش السوداني، واستعادته السيطرة على ولايات الجزيرة والعاصمة الخرطوم، وتقدمه المطّرد في دارفور وكردفان، قد دفعت به نحو اتخاذ خطوات تهدف إلى تحريك ملف التطبيع الدبلوماسي مع المجتمع الدولي، بدءًا بالاتحاد الأفريقي، وعكس مسار الانقلاب الذي قاد البلاد إلى الحرب.

ويأتي ذلك خصوصا بعد التصريحات الإيجابية الأخيرة لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، على هامش القمة العربية في بغداد، والتي قال فيها إنه "مستبشر خيرا ومتفائل بتمكن القوات المسلحة السودانية من السيطرة على مناطق كثيرة"، مضيفا أن "أمن السودان يخدم أمن القرن الأفريقي، وأي ضرر يلحق بالسودان يؤثر على القارة الأفريقية بأكملها". ويُقرأ تعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء بصلاحيات كاملة كخطوة في هذا الاتجاه، عبر إحياء المسار السياسي المدني للتطبيع مع الاتحاد الأفريقي.

أ.ف.ب
أشخاص فروا من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة قوات الدعم السريع، يصطفون للحصول على حصص غذائية، في منطقة دارفور غرب السودان في 13 أبريل

إلا أن هذا التعيين، في حد ذاته، لا يكفي. فالحكومة الجديدة ستكون بحاجة إلى الشروع في عملية توافق سياسي وطني شاملة لتفادي أن يُنظر إليها كمجرد واجهة مدنية لسلطة عسكرية، وأن تسعى إلى تحقيق توافق واسع يضم قوى الثورة، وممثلي الأقاليم، والقوى السياسية والمدنية غير المنخرطة في الحرب، ومعالجة آثارها، إضافة إلى السعي الجاد نحو إنهائها عبر تناول جذورها وأسبابها العميقة.

ستواجه الحكومة المدنية الجديدة تحديات هائلة في مجال تقديم الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والإدارة المحلية وبسط الأمن، في ظل ظروف الحرب المستعرة

كما ستواجه الحكومة المدنية الجديدة تحديات هائلة في مجال تقديم الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والإدارة المحلية وبسط الأمن، في ظل ظروف الحرب المستعرة. وستتطلب هذه المهام جهودا ضخمة، وسعيا للحصول على دعم دولي وإقليمي حقيقي لا يقتصر على الترحيب الشكلي، بل يخدم تمكين الحكومة المدنية من القيام بمهامها الفعلية.

"المجلة"

وتعيين رئيس وزراء مدني جديد في السودان، في هذا السياق الذي يشهد حربًا داخلية مدمّرة تطوّرت لتُصبح واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية المعاصرة، لا يمكن قراءته كحدث سياسي اعتيادي. بل يجب النظر إليه ضمن تعقيدات المشهد السياسي والعسكري والإنساني الراهن في البلاد. فهذا التعيين يحمل دلالات متعددة، وستتفاوت نتائجه بحسب مدى ارتباطه بعملية سياسية شاملة تهدف إلى استعادة الاستقرار وبناء حوكمة رشيدة في السودان.

font change