في عالم يمكن أن تمر فيه عقود من الزمن دون تغيير يُذكر، لتقطعها أسابيع بل أيام تتغير فيها الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية بشكل دراماتيكي، أصبحت وتيرة الأحداث العالمية أكثر سرعة وتقلباتها غير متوقعة أكثر من أي وقت مضى. وفي الآونة الأخيرة، شهدنا مثلاً صارخًا على هذه الظاهرة: مسار العلاقات التجارية الأميركية مع الصين، التي تتأرجح بين الاقتراب من قطيعة محتملة، ثم هدوء في العلاقات، ثم العودة إلى حالة الجمود، مما يسلط الضوء على التقلبات التي تميز العلاقات الدولية اليوم.
لإلقاء نظرة متأنية على هذه التطورات وتداعياتها الأوسع نطاقًا، تحدثنا مع الدكتور محمود محيي الدين، وهو خبير اقتصادي مصري رائد يحظى بتقدير كبير في مجال السياسات الاقتصادية الإقليمية والعالمية. شغل العديد من المناصب البارزة في مؤسسات دولية عدة، وفي مقدمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كما أنه كان وزيرا للاستثمار في مصر. ويشغل حاليا منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة.
نتناول في هذه المقابلة الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لدول الخليج العربي، والديناميكيات المتغيرة للعلاقات الدولية والإقليمية في ضوء تحالفات اقتصادية قائمة مثل "بريكس" و"آسيان"، إضافة الى قضايا التعريفات الجمركية، والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي. وهنا نص الحوار:
لنبدأ من القمة الأميركية السعودية الأخيرة في الرياض، اللافت بعيداً من لغة الأرقام والصفقات، هذا التحول الاستراتيجي في العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية؟
العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية في تطور مستمر على مدار عشرات السنين، وأتصور أن الفترة الماضية التي سبقت زيارة الرئيس الأميركي للخليج، وللسعودية تحديدا، أتاحت فرصة للتعرف الى تطورات هذه الزيارات وأهدافها وما ترتب عليها من قرارات اقتصادية وأيضا سياسية. لكن من المهم أن نقارن بين هذه الزيارة الأخيرة، وتلك السابقة التي قام بها الرئيس ترمب في ولايته الأولى. وأعتقد أنه قد جاء إلى المملكة الآن، وهي أكثر تطورا بالنسبة إلى إنجازاتها في إطار الرؤية المتكاملة للتنمية، "رؤية السعودية 2030".
في زيارته الأولى، كانت المملكة في أولى خطواتها الرئيسة المهمة للتحديث والتطوير والتنويع لتمكين الشباب والمرأة، ولإحداث تحول مهم في دور القطاع الخاص، ورسم خطط طموحة، إلى غير ذلك مما شاهدناه على مدى السنوات الماضية. ولكن الزيارة الأخيرة تأتي مع نضوج التصور لما يجب أن تكون عليه المشاركات ولما أصبح أكثر تطوراً وتحديداً في أهدافه، حتى إذا ما جاءت الأمور في إطار استثمارات أو عقد اتفاقات في حقول التجارة والاستثمار فهي تندرج في إطار بناء متكامل، وهذا يأتي بعائد أعلى في التنمية وفرص العمل والتشغيل.