فيما تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، نجد أنفسنا أمام سؤال جوهري ستترتب عليه عواقب استراتيجية كبرى: أي من الدولتين تمتلك الأفضلية اللازمة للصمود والانتصار؟ وكيف ستكون نهاية اللعبة؟ يشير التقييم الرصين للديناميكيات الحالية إلى أن الصين في وضع أفضل، إذ لا يمكنها الصمود في وجه الضغوط فحسب، ولكن لديها أيضا أفضلية لهندسة نظام اقتصادي جديد متعدد الأطراف، وذلك بناء على المعطيات الآتية:
أولا: الحرب التجارية بين أميركا والصين تعلن نهاية النظام الاقتصادي العالمي في فترة ما بعد الحرب الباردة
وصل النزاع التجاري المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين إلى منعطف حاسم مع فرض كلا البلدين تعريفات جمركية كبيرة. ففي 2 أبريل/نيسان 2025، أعلن الرئيس دونالد ترمب مجموعة شاملة من التعريفات الجمركية، بما في ذلك تعريفة أساسية بنسبة 10 في المئة على الواردات العالمية وتعريفات أخرى "متبادلة" تستهدف مجموعة من الأسواق المحددة، وفي مقدمتها الصين، التي واجهت تعريفة إضافية بنسبة 34 في المئة على جميع صادراتها إلى الولايات المتحدة، لتصل التعريفات الجمركية على تجارة السلع إلى الولايات المتحدة إلى نحو 145 في المئة. وفي رد فعل انتقامي، أعلنت الصين فرض تعريفة جمركية بنسبة وصلت الى 125 في المئة على كل الواردات الأميركية، على أن تسري بعد يوم واحد من سريان تعريفة ترمب.
جاء رد فعل الصين سريعا وحاسما ومحسوبا بشكل ملحوظ. وأرسلت بكين إشارة واضحة، مفادها أنها لن ترضخ للإكراه الاقتصادي. بيد أن الرد الأكثر أهمية يكمن في تحول الصين المستمر نحو المشاركة العالمية خارج الولايات المتحدة. فبدلا من الانكفاء إلى العزلة الدفاعية، تقدم الصين نفسها بشكل متزايد كرائدة للتجارة الحرة المتعددة الأطراف، وتعزز العلاقات مع أوروبا ودول الجنوب.
ثانيا: الصين تعيد صوغ نظام تجاري متعدد الأطراف
تتميز حقبة العولمة الصينية بالتجارة المفتوحة، والاستثمارات في البنية التحتية، وإلغاء الاعتماد على الدولار في التبادلات التجارية العالمية. ففي الوقت الذي تضاعف فيه الولايات المتحدة الرسوم الجمركية وتركز على سياسات "أميركا أولا"، تنفذ الصين استراتيجيا محسوبة وطويلة الأجل لتقدم نفسها كقائدة للعولمة.