الأسواق تتنفس الصعداء بعد اتفاق أميركا والصين على التعريفات

خفض كبير متبادل للرسوم الجمركية بنسبة 115 في المئة وآلية للتشاور التجاري

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
الرئيس الصيني شي جينغ بينغ، يصافح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ولايته الأولى، خلال اجتماعات مجموعة العشرين في أوساكا، اليابان، 28 يونيو 2019

الأسواق تتنفس الصعداء بعد اتفاق أميركا والصين على التعريفات

على شاكلة الدخان الأبيض، حملت مخرجات المفاوضات الأميركية الصينية، أخبارا سارة لعالم التجارة والاقتصاد والأعمال، أنهت المخاوف من حدوث حرب تجارية بين اكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، تزنان معا 50 تريليون دولار.

وتوصل الطرفان عقب مفاوضات في جنيف قادها وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، والممثل التجاري جيميسون غرير مع ممثل الحكومة الصينية هي ليفينغ إلى إتفاق يقضي بخفض متبادل للتعريفات الجمركية بنسبة 115 في المئة مدة 90 يوما، وإنشاء آلية للتشاور التجاري والحوار الثنائي، وتفادي اللجوء إلى تحكيم منظمة التجارة العالمية.

ابتهاج الأسواق وتحسن الاسهم والدولار

ووافقت الصين على خفض الرسوم الجمركية على وارداتها من الولايات المتحدة من 125 إلى 10 في المئة خلال الشهور الثلاثة المقبلة. ومن جهتها وافق فريق التفاوض الأميركي على خفض الرسوم من 145 إلى 30 في المئة فقط، خلال الفترة نفسها، على أن تكون هناك جولة لاحقة من المفاوضات لتقييم التجربة، أو العودة إلى معدلات أعلى. ولم يتم الكشف عن كل تفاصيل الاتفاق.

رويترز
وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت بجانب الممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير، في مؤتمر صحافي لإعلان اتفاق خفض الرسوم الجمركية بين الصين والولايات المتحدة، جنيف، 12 مايو 2025

ارتفعت الأسهم والسندات في جل الأسواق والبورصات العالمية إلى معدلات أحيانا قياسية (فصلية)، تفاعلا مع أكبر صفقة جمركية في تاريخ العلاقات التجارية الدولية، وسجلت البورصات الأميركية والآسيوية والأوروبية والعربية إرتفاعات تجاوزت 3 في المئة في المتوسط، خصوصا أسهم شركات التكنولوجيا والهواتف والسيارات، والطائرات، والطاقة والعقارات.

تعتبر الصين المسؤول الأول عن عجز الميزان التجاري الأميركي بنسبة 25 في المئة، وبلغ الفائض لمصلحتها 295 مليار دولار العام الماضي. بعدما صدرت 440 مليار دولار إلى الأسواق الأميركية

وتحسن سعر صرف الدولار أمام غالبية العملات الدولية. وتنفست الأسواق الصعداء، بعد تحقيق تفاهم أميركي صيني، يعزز الاستقرار المالي الدولي، ويلجم شبح حرب تجارية عالمية، أو انكماشا في الاقتصاد الأميركي، وما يمكن ان يتردد صداه في الاقتصادي العالمي، وأخطار ارتفاع التضخم والأسعار.

وكسبت أسعار النفط الآجلة 3 في المئة في الساعات التي تلت إعلان الاتفاق الجمركي، وتراجعت أسعار الذهب بالقيمة نفسها إيذانا بتحسن مناخ الثقة في السندات والأسهم، وعودة حالة الاستقرار، وتراجع حالة عدم اليقين، التي سادت منذ "يوم التحرير الاقتصادي" في 2 نيسان/ ابريل. واتضح أن قائمة التعريفات العقابية صعبة التطبيق وأخطارها الاقتصادية عالية جدا، وهو ما اعترف به الرئيس ترمب نفسه وقال عشية المفاوضات أنه "يتطلع الى أن يصل إلى تفاهم مع الصين، التي عليها الانفتاح على الشركات الأميركية".

الدور الصيني في عجز الميزان التجاري الأميركي

تعتبر الصين المسؤول الأول عن عجز الميزان التجاري الأميركي بنسبة 25 في المئة، وبلغ الفائض 295 مليار دولار العام الماضي، بعدما صدرت 440 مليار دولار إلى الأسواق الأميركية، ولم تستورد منها سوى 144 مليار دولار من إجمالي مبادلات فاقت 585 مليار دولار. وكان متوقعا أن ترتفع الواردات الصينية إلى 200 مليار دولار على الاقل. وربما لهذا السبب لجأ ترمب الى فرض رسوم جنونية، تبين لاحقا استحالة تنفيذها. ويكلف العجز التجاري مع بكين 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي.

أ.ب.
حاويات بضائع صينية تتجهز للتصدير من ميناء تشينغداو شرق الصين، بعد الاتفاق على خفض الرسوم الجمركية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، 11 مايو 2025

وخلال الربع الأول من العام الحالي بلغ العجز التجاري مع الصين نحو 71 مليار دولار، بالرغم من تراجع الواردات الأميركية، حيث انخفضت من 41.6 مليار دولار خلال شهر كانون الثاني/ يناير إلى 29 مليار دولار في نهاية شهر مارس/ آذار.

ومع الاتحاد الأوروبي وكندا

في شهر مارس/ آذار سجلت المبادلات الأميركية مع العالم عجزا صافيا بقيمة 140مليار دولار، بزيادة 63 مليار دولار عن الشهر نفسه من العام الماضي، بعد أن كان بلغ 123 مليار دولار في شهر فبراير/ شباط الماضي.

يرى محللون أن الاقتصاد الأميركي أكثر ارتباطا بالاقتصاد الصيني مما توضحه الأرقام الخام، كما أن الصناعات الصينية هي أكثر ارتباطا بالأسواق الاستهلاكية داخل الولايات المتحدة من أي سوق بديلة في العالم

وسجل الميزان التجاري الأميركي مع شركائه الثلاثة الكبار، الاتحاد الأوروبي والصين وكندا، عجزا مشتركا بقيمة 189 مليار دولار خلال الشهور الثلاثة الأولى من السنة الجارية، منها 96.3 مليار دولار مع دول الاتحاد الأوروبي، و21.5 مليار دولار مع كندا.

وبلغت المبادلات التجارية بين الولايات المتحدة وكل من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا ما مجموعه 2343 مليار دولار العام الماضي. وخلال شهر نيسان/ ابريل سجل العجز التجاري مع الصين نحو 20 مليار دولار، ليرتفع العجز في أربعة أشهر إلى أكثر من 90 مليار دولار، وفق مكتب الممثل التجاري. وينتظر المراقبون بيانات شهر مايو/ أيار لمعرفة ما إن كان للرسوم الجمركية تأثير فعلي على حجم التجارة البينية وسقف الفائض التجاري.

أرباح الشركات الأميركية من المصانع الصينية

 لكن كل الأرقام لا تكشف الحقيقة، إن جزءا من العجز المفترض هو أموال تعود إلى شركات أميركية، متوطنة في الصين منذ عقود، في مقدمها شركة "أبل" لصناعة الهواتف الذكية التي تحقق 17 في المئة من أرباحها من خلال المصانع الصينية، وكذلك الأمر مع سيارات "تسلا" التي تُصنع داخل الصين أكثر مما تصنع داخل الولايات المتحدة.

 ويعتقد محللون أن الاقتصاد الأميركي أكثر ارتباطا بالاقتصاد الصيني مما توضحه الأرقام الخام، كما أن الصناعات الصينية هي أكثر ارتباطا بالأسواق الاستهلاكية داخل الولايات المتحدة من أي سوق بديلة في العالم. وتاليا فإن أي انفصام أو صراع أو حرب بين الاقتصادين الكبيرين، قد يكون كارثيا على الطرفين معا، المحكوم عليهما بالتعايش تحت سقف من الرسوم المتفق عليها.

 الاعتماد على الصين التي اقتبست أميركا

 في عام 1985، قبل أربعين سنة، كان الميزان التجاري متكافئا بين البلدين، حيث كانت الصين شيوعية المذهب، وكانت الشركات الأميركية لا تغادر القارة إلا نادرا، وتكتفي بكندا والمكسيك في بعض السلع الاستهلاكية. بعد انضمام الصين إلى المنظمة العالمية للتجارة عام 2001، وجدت الشركات الأميركية في الوارد الجديد فرصة التوسع والاستفادة من العولمة. وهكذا توالى توطين مئات الشركات الأميركية في الصين، مستفيدة من إنخفاض اليد العالمة وتكلفة الإنتاج.

لكن الصين اقتبست الصناعة الأميركية واستنسختها في مجال التكنولوجيا والهواتف والألواح والحواسيب والسيارات وحتى الطائرات، وانقلب السحر على الساحر عندما أصبح التلميذ يتفوق على الأستاذ. 

font change

مقالات ذات صلة