الاقتصاد السعودي.. السيناريوهات الممكنة

الاقتصاد السعودي.. السيناريوهات الممكنة

[caption id="attachment_55227332" align="aligncenter" width="640" caption="هل تحتاج السعودية لاستراتيجية نفطية جديدة!"]هل تحتاج السعودية لاستراتيجية نفطية جديدة![/caption]

في المملكة العربية السعودية، يمثل النفط ما نسبته 90 في المائة من الصادرات. ومع ذلك، لم يعلن الى الان عن قرار قابل للقياس والتنفيذ يوجه بتخفيض هذا الاعتماد الى نسبة معينة في وقت معين. فعلى الرغم من أن الاعتماد الكلي على النفط مكّن السعودية من تخطي الأزمة الإقتصادية العالمية، فانه يمثل تحديا اقتصاديا في المستقبل المتوسط والبعيد وفي ظل جميع السيناريوهات الممكنة في الساحة الاقتصادية.

السيناريو الأول: استمرار الاعتماد الكلي على النفط في ظل نمو الاستهلاك المحلي
يمثل الاستهلاك المحلي المتزايد للنفط عائقا للتصدير إلى الخارج. من بعض القراءات في تقرير جدوى للاستثمار عن الوضع النفطي للسعودية، يتوضح الآتي:

- في الفترة بين مايو 2010- مايو 2011، ارتفع الاستخدام المحلي للنفط بنسبة 11 في المائة ليصل الى ما بين 2.5 إلى 3.2 مليون برميل يوميا وبمعدل زيادة قدرها 200 ألف برميل يوميا.
- بناءا على المعطيات الإقتصادية، يتوقع ان يصل الاستهلاك المحلي للبترول إلى 6.5 مليون برميل يوميا في عام 2030، الكمية التي ستفوق ما تصدره السعودية للخارج. من جانب آخر، توقع المهندس خالد الفالح، رئيس شركة أرامكو، ان يرتفع الاستهلاك المحلي إلى 8.3 مليون برميل في 2028.

يمثل هذا الارتفاع أحد أعلى النسب العالمية في استهلاك النفط، الأمر الذي يعزوه صندوق النقد الدولي إلى انخفاض سعر الطاقة المحلي. تشير الإحصائيات بأن الشركات المحلية مثل الشركة السعودية للكهرباء تدفع 4.3 دولار لبرميل النفط فقط، حوالي 5 في المائة من السعر العالمي. وعلى الرغم من ان انخفاض السعر محليا يمثل ميزة تنافسية، إلا ان الاستهلاك مركز في توليد الكهرباء وتحلية المياه والنقل، بينما تظل صناعات الطاقة المكثفة متدنية نسبيا. اشارة الى تقرير جدوى للاستثمار، رفع سعر برميل النفط داخليا إلى 10 دولارات سيزيد ايرادات السعودية بمقدار 60 مليار دولار في السنة - ما يعادل زيادة قدرها 25 في المائة في الدخل النفطي.

في سيناريو استمرار العصر الذهبي للنفط واستمرار تصدير السعودية على ما هو عليه اليوم، فإنها ستظل مهددة في ظل نمو الاستهلاك المحلي الذي سيؤدي إلى تخفيض كمية النفط المصدر للخارج وتقليص ايرادات الدولة.

السيناريو الثاني: استمرار الاعتماد الكلي على النفط مع ظهور منافسة عالمية في الانتاج

أحد التحديات الرئيسة في المستقبل المتوسط هو ضمان استمرارية دور السعودية كمصدر رئيس للنفط في العالم. في حال بروز دول أخرى مصدرة للبترول سيؤدي ذلك إلى زيادة العرض النفطي مما سيخفض الاسعار والكميات المستوردة من السعودية في وقت واحد. يمثل هذا السيناريو خطرا حقيقيا عند الأخذ بالاعتبار بأن السعر التعادلي للنفط المطلوب لموازنة الإنفاق الحكومي في عام 2030 سيصل إلى 320 دولارا.

[caption id="attachment_55227358" align="alignleft" width="240" caption="توماس فريدمان"]توماس فريدمان[/caption]

في عام 2010، اصدرت مؤسسة أمريكية جيولوجية تقريرا يفيد بأن فنزويلا قد تكون مؤهلة لاحتضان أضخم احتياطي في العالم من النفط. التقرير اعتمد على تحديد نسبة النفط القابلة للاستخراج بنسبة 40-45 في المائة، ما يعادل 513 مليار برميل - ضعف الاحتياطات النفطية السعودية.

كما تؤكد الباحثة في شؤون النفط، آمي جاف، أن القارتين الأمريكيتين ستكونان في المستقبل القريب قادرتين على استخراج كميات كبيرة من النفط كانت تشكل التقنية عائقا للوصول إليها، خصوصا من البحار والرمل النفطي. في المستقبل المتوسط، كندا والولايات المتحدة وقارة أمريكا الجنوبية ستكون قادرة على استخراج 6 تريليون برميل من النفط. على سبيل المثال، سيستطيع حقل واحد في ولاية تكساس من توفير 1.5 مليون برميل يوميا - ما يعادل 8 في المائة من احتياجات الولايات المتحدة النفطية، وهو اكثر من ما تستورده الولايات المتحدة من السعودية.

في المحيط الإقليمي، ستتمكن عدد من دول الشرق الاوسط من رفع انتاجها النفطي إلى مستويات منافسة. فبما أن عدم الاستقرار السياسي يمثل عائقا للإنتاج، تتوقع الدراسات في حال استقرار العراق ان يرتفع انتاج النفط الى 12 مليون برميل عام 2020، مقارنة بـ 2.5 مليون برميل اليوم. وفي حال عاودت إيران إنتاجها على غرار ما كان متبعا في عهد الشاه، فإنها انتاجها النفطي سيرتفع إلى 6 مليون برميل يوميا - مقارنة بـ 4 مليون برميل اليوم. فبمعادلة بسيطة، الاستقرار السياسي في العراق وإيران سيضح 12 مليون برميل إلى السوق في السنوات القادمة.

في سيناريو استمر الاعتماد على النفط كسلعة أساسية في العالم، سيمثل العرض المتزايد للنفط، وخصوصا في الدول المتقدمة، وسيلة لتخفيض دخل السعودية من الصادرات النفطية.

السيناريو الثالث: استمرار الاعتماد الكلي على النفط مع ظهور استخدامات اكثر فعالية للطاقة البديلة

في كتابه المشهور "حار ومسطّح ومزدحم"، (2008) يؤكد الكاتب الامريكي توماس فريدمان بأن الهدف الاقتصادي العالمي بدا يتمحور عن طريق توفير طاقة بديلة فاعلة باسعار رخيصة.

مع التطور السريع في صناعات الطاقة البديلة والمتجددة، اصبحت الاستخدامات النفطية تتركز بنسبة 50 في المائة او اكثر في النقل ووسائل المواصلات. في حال قامت شركات تصنيع السيارات بتقليص نسبة الاعتماد على البنزين وزيادة الاعتماد على الكهرباء او الهيدروجين في السيارات، فإن ذلك سيمثل نقطة تحول سلبية في قيمة النفط كسلعة في السوق.

في حال اضمحلال الاستخدامات النفطية، فان ذلك لن يؤدي إلى خسائر في الدخل الحكومي فقط، ولكنه سيؤثر سلبا على البنية الاقتصادية القائمة كليا على القطاع النفطي. كما ستتأثر القطاعات المساندة للصناعات النفطية مما سيضر بعدد كبير من الوظائف المحلية.

في عام 2011، اعلن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في مبادرته العالمية بحضور الرئيس باراك أوباما، أن الطاقة النظيفة هي الوسيلة الوحيدة لحل جميع مشاكل العالم من وظائف جديدة إلى التلوث، ومن الفقر إلى التغير المناخي.
في عام 2012، سيجتمع زعماء العالم في البرازيل في قمتهم الثالثة للبيئة والتنمية المستدامة، الامر الذي قد يؤدي الى استصدار ميثاق دولي جديد يشجع الدول والشركات على الاستثمار في مجالات الطاقة النظيفة وخلق اقتصاد أخضر جديد - لن يهيمن فيه النفط بالتأكيد.

في ظل هذا السيناريو، لن تكون هناك مشكلة في وجود فائض من النفط، ولكن ستكون المشكلة في ايجاد الطلب الكافي للسلعة بشكل يضمن ابقاء الاقتصاد والوظائف في نمو.

إن الاعتماد الكلي على النفط يمثل تحديا لخلق تنمية اقتصادية مستدامة. نمو الاستهلاك المحلي، تغير اسعار النفط، ظهور تقنيات جديدة، بالإضافة إلى المخاوف البيئية والأزمة الاقتصادية العالمية تدعو السعودية إلى إعادة صياغة استراتيجيتها الاقتصادية. مراعاة لما قيل، فانه من اللازم دراسة توجه يحدد فيه تخفيض الاعتماد على النفط بنسبة يحددها الخبراء قبل عام 2020. قرار من شأنه أن يكون محركا ودافعا لخلق قطاعات استثمارية جديدة.
font change