السعودية تتقدم في سباق الذكاء الاصطناعي... والمفتاح في الرقائق المتقدمة

رقاقات ذكية وشركات عملاقة وتحالفات تقنية

فرانس برس
فرانس برس
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يصافح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال منتدى الاستثمار السعودي-الأميركي في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض

السعودية تتقدم في سباق الذكاء الاصطناعي... والمفتاح في الرقائق المتقدمة

تابع العالم بأسره زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى منطقة الشرق الأوسط، التي شملت المملكة العربية السعودية، قطر، والإمارات العربية المتحدة. وقد عكست هذه الجولة، بوضوح، الأهمية الاستراتيجية المتزايدة التي توليها إدارة ترمب للمنطقة، وفي مقدمها السعودية، في ولايته الرئاسية الثانية.

وسط جدول مزدحم بالملفات، برز الذكاء الاصطناعي كتحدٍ وفرصة في آن واحد، وشكل محورا رئيسيا في المباحثات بين واشنطن والرياض. وأسفرت النقاشات عن صفقات ضخمة، مالية واستثمارية، عززت مكانة المملكة كمركز إقليمي صاعد في ميدان الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.

لم يعد الذكاء الاصطناعي حكرا على المختبرات أو المؤتمرات التقنية، بل تحوّل أداة سياسية واقتصادية فاعلة، تحرك الاتفاقيات وتعيد رسم خرائط النفوذ. وفي خطوة لافتة، أعلن ترمب قبيل زيارته، إلغاء قاعدة "انتشار الذكاء الاصطناعي" التي كان الرئيس السابق جو بايدن قد وقعها في أيامه الأخيرة بالبيت الأبيض، في 13 يناير/كانون الثاني 2024.

غير أن التساؤلات تكثر: ما دلالة هذا القرار في هذا التوقيت تحديدا؟ ولماذا تمضي المملكة قدما في توسيع شراكاتها في الذكاء الاصطناعي؟ ما حجم الصفقات التي تم توقيعها، وما نوعها؟ وكيف تتهيأ الرياض لهذا التحول بإطلاقها شركة "هيومن" كذراع وطنية استثمارية في هذا المجال، في لحظة يتحول فيها الذكاء الاصطناعي أداة نفوذ في العلاقات الدولية؟

رقائق متقدمة

كشفت وكالة "بلومبرغ" عن مفاوضات متقدمة تجري بين الولايات المتحدة والسعودية، بهدف منح المملكة حق الوصول إلى رقائق أشباه الموصلات المتطورة، وهي خطوة تهدف إلى تمكين السعودية من تعزيز قدراتها في مجالات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات العملاقة.

والصفقة، التي تشمل شراء رقائق متقدمة من شركات أميركية كبرى مثل "إنفيديا" و"أدفانسد مايكرو ديفايسز" (AMD)، تفتح الباب أمام السعودية للدخول إلى نادٍ ضيق من الدول التي تمتلك القدرة على تشغيل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي العملاقة، وتضعها ضمن خريطة التنافس التكنولوجي العالمي في هذا المجال الاستراتيجي.

لا يمكن فهم التحول في موقف واشنطن تجاه تصدير الرقائق المتقدمة، دون العودة إلى نهاية عهد الرئيس جو بايدن، حين فرضت إدارته قواعد صارمة تُعرف باسم "قاعدة نشر الذكاء الاصطناعي" و"قاعدة العناية الواجبة". هدفت هذه السياسات إلى تضييق الخناق على الصين ومنعها من الحصول، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على تقنيات الحوسبة المتقدمة، وذلك عبر تشديد الرقابة على تصدير الرقائق وأوزان النماذج المغلقة المصدر.

يعني حصول السعودية على شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة فتح الباب أمامها لتطوير بنية تحتية رقمية فائقة القوة، بما في ذلك تشغيل مراكز بيانات ضخمة وتدريب نماذج ذكاء اصطناعي متطورة محليا، وهو ما يعزز طموحاتها للتحول إلى قوة تكنولوجية إقليمية ودولية

كانت هذه القاعدة تصنف دول العالم ثلاث فئات بهدف تقييد تصدير التقنيات الأميركية المتقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي والشرائح الحوسبية، ضمن إطار تنظيمي معقد. لكن محاولات ترمب لإلغائها مثلت تحولا كبيرا في اتجاه الانفتاح التكنولوجي، وفتح الباب أمام شراكة أعمق مع السعودية، انعكست بوضوح في الاتفاقيات التي وُقّعت خلال القمة.

ومن بين الرقائق التي يدور حولها هذا الصراع، تبرز شريحة H100 من شركة "إنفيديا"، باعتبارها واحدة من أقوى معالجات الذكاء الاصطناعي في العالم. تتمتع هذه الرقاقة بقدرات خارقة في معالجة البيانات، مما يجعلها ضرورية لتشغيل النماذج الكبيرة وتطبيقات الحوسبة الفائقة، بدءا من الأنظمة العسكرية وصولا إلى الذكاء الصناعي التجاري.

ورغم القيود، ظلت الصين تتحايل على العقوبات عبر شراء الرقائق من دول أخرى أو استئجار مراكز بيانات أجنبية، وهو ما دفع واشنطن لتوسيع نطاق الرقابة ليشمل المصانع (مثل TSMC) وشركات التغليف، وإلزامها توثيق كل شريحة تنتج وفق معايير دقيقة، مما يعقد محاولات التهرب من الحظر.

لمح ترمب إلى نيته إلغاء قواعد تصدير الرقائق المتقدمة أو إعادة صياغتها، في مسعى لتبسيط الإجراءات وتحفيز الصادرات، غير أن قرارا نهائيا لم يُتخذ بعد وسط تباين في الرؤى داخل إدارته في شأن المسار الأنسب. وتدور النقاشات حاليا حول أربعة خيارات: الأول هو "المسار المتوازن"، ويقضي بالحفاظ على نظام التصنيف الحالي مع تحسينه وإضافة حلفاء جدد مثل الهند وإسرائيل، الثاني "الاحتكار الأميركي"، الذي يدعو إلى قصر تصدير الرقائق داخل الولايات المتحدة فقط، على غرار نموذج "مشروع مانهاتن"، الثالث "الانفتاح الكامل"، ويقترح إلغاء القيود كليا وتشجيع الشركات الأميركية على الهيمنة التجارية عبر تصدير واسع، أما الرابع فهو "المقايضة الثنائية"، التي ترى في الرقائق أداة تفاوض سياسي مع الدول مقابل تنازلات تجارية أو استراتيجية.

وبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية؛ فإن لكل خيار أخطاره: فالاحتكار قد يضر بالصادرات ويؤدي إلى عزلة، والانفتاح الكامل قد يُسرّع تسرب التكنولوجيا الحساسة، بينما تتطلب المقايضة الثنائية قدرة تفاوضية معقدة قد لا تكون متاحة دائما.

ويعني حصول السعودية على شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة فتح الباب أمامها لتطوير بنية تحتية رقمية فائقة القوة، بما في ذلك تشغيل مراكز بيانات ضخمة وتدريب نماذج ذكاء اصطناعي متطورة محليا، وهو ما يعزز طموحاتها للتحول إلى قوة تكنولوجية إقليمية ودولية. كما يمنحها استقلالية أكبر عن الشركات والمراكز الغربية، ويؤهلها لدخول منافسات استراتيجية في مجالات مثل الأمن السيبراني والتطبيقات العسكرية المتقدمة، فضلا عن تمكينها من استخدام الذكاء الاصطناعي كورقة ضغط دبلوماسية في علاقاتها الدولية. هذا "الحق في الوصول" لا يمثل مجرد صفقة تجارية، بل تحولا جيوسياسيا يضع السعودية في موقع متقدم ضمن خريطة القوى الرقمية العالمية.

ترتيبات متبادلة

وجاءت زيارة الرئيس الأميركي للمملكة العربية السعودية تتويجا لجهود تنسيقية مكثفة بين الجانبين، هدفت إلى ضمان نجاح الزيارة وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.

وأعلنت المملكة إطلاق شركة "هيومين" (HUMAIN) كمبادرة وطنية طموحة في ميدان الذكاء الاصطناعي، تحت إشراف مباشر من صندوق الاستثمارات العامة وفي رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في خطوة تهدف إلى ترسيخ مكانة السعودية كمركز عالمي لتطوير التقنيات الذكية واستخدامها.

وتقدم تلك الشركة منظومة شاملة تجمع بين البنية التحتية المتطورة والحوسبة السحابية والنماذج الذكية والتطبيقات الرقمية لبناء مستقبل رقمي بلا حدود.

وتوفر "هيومن" حلولا سيادية مصممة لمواكبة أسرع التحولات التقنية عبر أربع ركائز أساسية تشمل البنية التحتية المدعومة بوحدات معالجة رسومية (GPUs) ولغوية (LPUs)، ومنصة البيانات الذكية التي تدير دورة حياة البيانات كاملة بمعايير أمان عالية، والنماذج اللغوية المتقدمة مثل "عِلاّم" – أول نموذج لغوي ضخم مخصص للغة العربية.

ضخ صندوق الاستثمارات العامة استثمارا ضخما بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة Groq الأميركية، لإنشاء مركز بيانات متقدم في مدينة الدمام، مخصص لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي

بالإضافة إلى ذلك، تصمم الشركة مجموعة من التطبيقات الذكية التي تحول قطاعات الطاقة والتمويل والحكومات والمدن الذكية، كل ذلك ضمن شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات العالمية مثل "أنفيديا" و"أيه أم دي" و"أمازون" و"كولاكوم"، لتقديم تجارب رقمية فريدة مثل نظام "غروك" للاستدلال الفائق السرعة، في إطار رؤية طموحة تضع الذكاء الاصطناعي أساسا لبناء الحاضر والمستقبل.

وتتصدر "هيومن" المشهد التقني ببنية تحتية سيادية ومراكز بيانات متطورة وحلول قابلة للتوسع، مؤكدة أن المستقبل يبدأ اليوم، وأن حدود الابتكار هي فقط ما يتخيله العقل، كما تعمل على إنشاء منظومة متكاملة تشمل البنية التحتية، والحوسبة السحابية، والنماذج اللغوية، والتطبيقات العملية، لتقديم حلول شاملة دون الحاجة إلى تعدد مقدمي الخدمات.

وتمثل "هيومين" ركيزة أساسية في رؤية السعودية 2030، إذ تراهن المملكة على الذكاء الاصطناعي لتنويع اقتصادها وتوسيع استخدامات التكنولوجيا في مجالات كالصحة، والطاقة، والمدن الذكية، والخدمات الحكومية، والأسواق المالية.

واستثمر صندوق الاستثمارات العامة 1.5 مليار دولار في شركة Groq الأميركية لإنشاء مركز بيانات ضخم في الدمام مخصص لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي في مرحلة "الاستدلال" – أي مرحلة اتخاذ القرارات اللحظية بعد التدريب – وذلك بالشراكة مع Aramco Digital. ويُعد هذا المشروع الأكبر عالميا في مجال الحوسبة الاستدلالية، مما يرسخ موقع المملكة كمحور تقني بارز على الساحة الإقليمية والدولية

كما ضخ صندوق الاستثمارات العامة استثمارا ضخما بقيمة 1.5 مليار دولار 

وتقوم الولايات المتحدة الأميركية الآن بالعمل على تسهيل شراكات وصفقات بين شركات التكنولوجيا الأميريية الكبرى مثل "كوالكوم" و"NVIDIA" و"AMD" من جهة، والقطاعين الحكومي والخاص في السعودية من جهة أخرى، خاصة في ظل استثمارات سعودية ضخمة موجهة لبناء مراكز بيانات متقدمة وتشغيل نماذج ذكاء اصطناعي واسعة النطاق.

وسيمكّن هذا الانفتاح الشركات الأميركية من دخول السوق السعودية الغنية بالطاقة والبنية التحتية، وهو ما يمنحها ميزة تنافسية عالمية في سباق إنتاج القدرات الحوسبية الضخمة المطلوبة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة.

أما على المستوى الاستراتيجي، فإن تعزيز التعاون مع السعودية يرسخ موقعها كحليف تقني محوري في المنطقة، ويُعد ورقة ضغط في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد، خاصة أن بكين تسعى جاهدة إلى بناء منظومة ذكاء اصطناعي خاصة بها بالتوازي مع مشروع "طريق الحرير الرقمي". لذا، فإن رفع القيود وتوسيع الشراكة التقنية بين البلدين يعكس مقاربة ترمب المبنية على المصالح المباشرة والبراغماتية في التعامل مع التكنولوجيا كأداة للنفوذ والتحالفات الدولية.

صفقات ضخمة

يأتي تأسيس شركة "هيومين" في توقيت بالغ الأهمية لتعمل كمنصة موحدة تنسق استثمارات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في المملكة، حيث تهدف إلى توحيد الجهود وتكثيف الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. ويأتي إطلاق الشركة مدعوما بعدد من الشراكات الاستراتيجية مع كبرى الشركات الأميركية التقنية، مما يعكس التوقيت الذكي لهذا الإطلاق وقدرته على توحيد الرؤى والموارد تحت مظلة واحدة.

ومن أبرز هذه الشراكات، صفقة توريد وحدات معالجة رسومية متقدمة من "إنفيديا" تشمل مئات الآلاف من وحدات "Blackwell Ultra"، حيث ستشمل الشحنة الأولى 18 ألف وحدة من هذه الرقاقات الفائقة التطور التي تتراوح تكلفة الوحدة الواحدة منها بين 30 و40 ألف دولار. وتتميز هذه الوحدات بقدراتها الاستثنائية في تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعقدة ومهام الحوسبة العالية الأداء ضمن بيئات مراكز البيانات المتطورة.

وقد تم تصميم هذه الوحدات خصيصا لتلبية متطلبات مشاريع الذكاء الاصطناعي الضخمة، مما يعزز مكانة المملكة كمركز إقليمي ودولي في مجال تقنيات المستقبل. ويُعتبر هذا التعاون نموذجا للشراكات الاستراتيجية التي تهدف "هيومين" إلى عقدها لتعزيز البنية التحتية الرقمية في المملكة وتمكين التحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار.

ساهمت "مايكروسوفت" في تمكين الكفاءات السعودية عبر برامج تدريبية متقدمة في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع مركز التميز ومبادرة "مهارات المستقبل".

ومن المهم الإشارة إلى أن Blackwell Ultra ليست مجرد شريحة، بل وحدة معالجة رسومية متكاملة مبنية على شريحة سيليكون متقدمة تُعرَف باسم GB300. فالشريحة تمثل المكوّن الداخلي، بينما تُعد وحدة المعالجة الرسومية المنتج الكامل الذي يُستخدم في البنى التحتية المتقدمة للذكاء الاصطناعي.

وتكمن أهمية شرائح Blackwell في كونها تمثل الجيل الأحدث من معالجات "إنفيديا"، المصممة لتسريع أداء نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، بما في ذلك النماذج اللغوية الضخمة ومعالجة الصور والفيديو. وتمتاز هذه المعمارية بدمج قدرات معالجة عالية الكثافة مع مرونة برمجية، مما يجعلها الخيار المثالي لبناء مراكز بيانات قادرة على دعم البنى السحابية وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي العملاقة.

كما أعلنت شركة AMD شراكة استراتيجية مع شركة "هيومين" السعودية، تتضمن استثمارا مشتركا بقيمة 10 مليارات دولار على مدى خمس سنوات. وتتضمن الخطة إنشاء بنية تحتية بقدرة 500 ميغاواط لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي، ودعم تطوير منصة حوسبة سحابية من الجيل الجديد باستخدام معالجات AMD المركزية والرسومية، إلى جانب برمجيات متخصصة في إدارة المعالجة الضخمة للبيانات.

كما انضمت "كوالكوم" إلى هذه الشراكات، معلنة توقيع مذكرة تفاهم مع "هيومين" لتطوير معالجات مركزية (CPU) مخصصة لمراكز البيانات في المملكة. وتأتي هذه الخطوة بعد استحواذ "كوالكوم" على شركة Nuvia المتخصصة في معالجات الخوادم، مما يعكس نيتها التوسع في سوق البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

وامتد التعاون السعودي إلى داخل الولايات المتحدة، حيث أعلن البيت الأبيض أن شركة DataVolt السعودية ستستثمر 20 مليار دولار في بناء مراكز بيانات للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي والطاقة في أميركا. كما تم الكشف عن تعاون مشترك بين شركات كبرى مثل "غوغل"، و"أوراكل"، و"سيلزفورس"، و"أوبر"، و"AMD،" و"DataVolt"، لتوظيف نحو 80 مليار دولار في مشاريع تقنية متقدمة في كل من السعودية والولايات المتحدة.

أما شركة "مايكروسوفت"، فقد ساهمت في تمكين الكفاءات السعودية عبر برامج تدريبية متقدمة في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع مركز التميز ومبادرة "مهارات المستقبل". وتضمنت جهودها تأسيس أكاديميات بيانات، وتطوير مهارات الطلاب الرقمية، وتزويد المنظمات غير الربحية أدوات رقمية حديثة، مما أدى إلى تدريب أكثر من 5.5 مليون طالب ومعلم، وتأهيل أكثر من 150 ألف شاب في مجالات الذكاء الاصطناعي.

من جانبها، رسخت شركة "أوراكل" وجودها في المملكة على مدى أكثر من 20 عاما، وساهمت في بناء قاعدة رقمية قوية من خلال برامج مثل "أكاديمية Oracle"، و"جيل Oracle"، و"برنامج مستقبلي" الذي يهدف إلى تدريب 50 ألف شاب وشابة في تخصصات رقمية متقدمة. وتنفذ Oracle عملياتها داخل المملكة بنسبة سعودة تفوق 80%، مما يعكس التزامها العميق تمكين الشباب والمرأة وتعزيز الاقتصاد الرقمي الوطني.

أخيرًا، أعلنت شركة "أمازون"، عبر ذراعها السحابية AWS، شراكة استراتيجية مع "هيومين" السعودية لإنشاء "منطقة ذكاء اصطناعي" باستثمارات تتجاوز 5 مليارات دولار. وتهدف هذه المنطقة إلى أن تكون مركزا إقليميا لتطوير وتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على إنشاء سوق رقمية للوكلاء الأذكياء (AI agents) لتحسين أداء الخدمات الحكومية في المملكة.

وتُعد هذه الزيارة، بما حملته من صفقات استراتيجية كبرى، حجر زاوية تاريخيا في مسار العلاقات بين المملكة والإدارات الأميركية المتعاقبة.

فالزيارة لا تمهد فقط لشراكات تقنية ثنائية، بل تفتح الباب أمام تشكيل تحالف دولي في مجال الذكاء الاصطناعي، شبيه بتحالفات الأمن والدفاع مثل "الناتو"، يجمع بين الدول التي تتشارك في الرؤية والقيم المتعلقة بالاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا، وتسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة الأغراض التنموية والإنسانية، بدلا من التوظيفات العسكرية أو القمعية. هذا التوجه يعكس إدراكا متقدما من الجانبين لأهمية بناء نظام عالمي جديد يقوم على التعاون الرقمي، ويمنح الدول النامية مساحة للريادة بدلا من البقاء على هامش سباق الابتكار.

font change