في الثامن عشر من مايو/أيار 1965، أعدم الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين "شنقا حتى الموت" في ساحة المرجة وسط مدينة دمشق. بقي معلّقا بحبل المشنقة ساعات أمام أعين السوريين ووكالات الإعلام العالمية، وعلى صدره ألصق حكم الإعدام الصادر "باسم الشعب العربي في سوريا".
كان هذا الحدث زلزالا بالنسبة لنظام "البعث" الحاكم منذ عام 1963، وقد طال الكثير من رموزه وفي مقدمتهم، رئيس الدولة في حينها، الفريق أمين الحافظ. تفاخر الإعلام السوري الموجه بهذا المنجز الاستخباراتي الكبير، حتى إن بعضهم قالوا إن "دولة البعث" بالغت في قضية كوهين كثيرا، وضخمت دوره لكي تظهر للعالم– وللسوريين طبعا– أنها متيقظة ومتربصة لأي تهديد يوجه إليها، سواء كان داخليا أم خارجيا. واستخدم الحدث للنيل من سمعة أمين الحافظ، فقد اتهم بأنه كان صديقا مقربا من كوهين، وبأنه فكر جديا في تعيينه وزيرا في حكومة "البعث"، وقيل إن المعلومات التي حصل عليها كوهين أثناء إقامته في دمشق ساهمت إلى حد كبير في هزيمة الجيش السوري في حرب يونيو/حزيران 1967.
بعد أسبوع واحد على سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت إسرائيل عن عزمها العثور على رفات كوهين الذي دفن في قبر مجهول، مات كل من عرف موقعه، مثل أمين الحافظـ، وحافظ الأسد، وأحمد سويداني، ومصطفى طلاس، وغيرهم. لم تكن هذه هي المحاولة الأولى من قبل إسرائيل، ففي عام 2021، توسطت روسيا للبحث عن بقايا كوهين في مخيم اليرموك المدمّر، وبعد أيام من تولّي بشار الأسد الحكم سنة 2000، ناشدته زوجة كوهين للمساعدة في التعرف على قبره، ولكنه لم يستجب.
هناك شخص واحد من تلك المرحلة، كان متصلا بموضوع كوهين، من الممكن أن يعرف مكان دفنه، وهو سعيد جاويش، رئيس مجموعة المداهمة التي ألقت القبض عليه في 24 يناير/كانون الثاني 1965. كان جاويش عضوا في الوحدة 134 المتخصصة في مراقبة الاتصالات اللاسلكية، والتي أنشئت عام 1960، ومن الممكن أيضا أن يكون على معرفة باسم حفار القبور الذي دفنه، مع أنه من المستبعد أن يكون كوهين يرقد في التربة نفسها التي دفن فيها قبل ستة عقود، وعلى الأرجح أن رفاته نقل مرارا من يومها إلى أماكن مختلفة.