التاريخ يعيد نفسه.. الأبناء على خطى الآباء

التاريخ يعيد نفسه.. الأبناء على خطى الآباء

[caption id="attachment_55229164" align="aligncenter" width="620" caption="بشار وماهر الأسد"]بشار وماهر الأسد[/caption]


في أبريل (نيسان) الماضي، ومع تصاعد الأزمة في سوريا، وانشغال الرأي العام العالمي بالعمليات العسكرية في ليبيا، نشرت مجلة «فوغ» تحقيقا عن سيدة سوريا الأولى أسماء الأسد، مع صورة عائلية لها ولأولادها، يظهر فيها زوجها بشار الأسد، وهو ينحني لالتقاط لعبة آلية لابنه.

وعلى الرغم من بساطة اللقطة، التي يظهر فيها رجل سوريا القوي، بوصفه رب أسرة طبيعي، فإنه في الوقت نفسه متهم بقتل وتعذيب الآلاف من أبناء بلده، وربما يكون بعضهم في مثل سن ابنه الذي يظهر في الصورة.
تصدر التحقيق عناوين الأخبار بعد نشره، فقد اتهم البعض مجلة «فوغ» بتجاهل الأحداث الجارية في سوريا، وأن القصة غير مكتملة.

اليد العليا



كيف تمكن بشار الأسد، أن يبقى صاحب اليد العليا في الأزمة، وكيف استطاع أن يمحو آثار الدماء عن يديه، بطريقة تسمح له بالظهور كأب يهتم بتفاصيل أسرته؟ إن أفضل رد عن هذا السؤال يكون بالبحث عن أفراد الأسرة الغائبين عن الصورة العائلية.

بعد مضي شهر، نشرت صورة أخرى، تحمل إشارة إلى أحد الجوانب الأخرى لعصر هذه الأسرة، ففي مقطع فيديو سجله أحد الهواة، ظهر رجل يشبه ماهر الأسد، شقيق بشار، وهو يقف أمام مجموعة من المتظاهرين غير المسلحين في دمشق.

وقد رصدت وسائل الإعلام التي كانت تحاول التأكد من هوية ماهر، الطريقة التي كان يتصرف بها رجال الشرطة حوله، وكيف كانوا يحمونه بدروعهم ويتتبعون خطاه، كان الضباط يلتفون حوله وكأنهم يحمونه ويخضعون لسلطته في الوقت نفسه، وهو ما يرجح أنه من الشخصيات المهمة في دمشق، ثم ألقم الرجل بندقيته وأطلق ما يمكن أن يكون ذخيرة حية، أو قذائف غاز مسيل للدموع مباشرة على الحشد الذي كان يهتف مطالبا بإنهاء عصر الأسد، ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تظهر فيها مثل تلك الصور، رجل سوري ذو نفوذ ضالع في مشهد من العنف المفزع.
ماهر الأسد، في الثالثة والأربعين، هو الأخ الأصغر للرئيس.


[caption id="attachment_55229165" align="alignright" width="300" caption="الرئيس السوري مع زوجته وابنائه في صورة عائلية نشرتها مجلة "فوغ""]الرئيس السوري مع زوجته وابنائه في صورة عائلية نشرتها مجلة "فوغ"[/caption]


وعلى غرار شقيقه بشار، نشأ بعيدا عن الأضواء التي كانت تحيط بوالدهم حافظ الأسد، في البداية درس ماهر إدارة الأعمال في دمشق، ثم تتبع خطى والده، والتحق بالسلك العسكري. بينما كان الشقيق الثالث باسل هو المرشح لتولي منصب الرئيس بعد والدهم حافظ الأسد.

غير أن مسار التاريخ السوري تغير بطريقة دراماتيكية، ففي الساعات الأولى من يوم 6 يناير (كانون الثاني) 1994 وعندما كان باسل يقود سيارته بسرعة شديدة في الضباب الكثيف متجها لمطار دمشق، حيث كان متأخرا على ميعاد الطائرة، اصطدم بحاجز لمرور الدراجات البخارية، ثم توفي وهو في طريقه للمستشفى.

في تلك اللحظة كان الرئيس الأب حافظ الأسد ينظر إلى ولديه بشار وماهر، وكان يفضل دائما ابنه، طبيب العيون وحلو المعشر الذي يعيش في لندن، مرجحا أن يخلفه فقد كان بشار أكثر هدوءا، من شقيقه ماهر السريع الغضب.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1999، وقبل عدة أشهر من وفاة الوالد، أشارت التقارير إلى أن ماهر أطلق النار على نسيبه، آصف شوكت، وأصابه بطلقة في المعدة خلال شجار بينهما، وعلى الرغم من أن الحادثة لم تكن خطيرة، فإن سمعة ماهر كانت قد تلوثت وأصبح غير صالح للرئاسة. وبعدها بعام ورث بشار السلطة.

يمثل ماهر جانبا ربما لم يكن سيظهر في المشهد السوري، إذا ما وصل باسل للسلطة، نظرا لخلفيته العسكرية التي تجعله مختلفا عن بشار الضعيف، وتعويضا عن منصب الرئاسة، استولى ماهر على نخبة الفرقة الرابعة ولواء الحرس الجمهوري، ثم سرعان ما ذاع صيته باعتباره قيادة قوية، لا ترحم، على النقيض تماما من سلوك شقيقه الأكبر.

ومنذ ذلك الوقت، اشتهر بمواجهة معارضيه بالقوة، والأهم من ذلك، أن تقرير ميليس 2005 أشار إليه ضمنا في مؤامرة اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري، وفوق ذلك يمتد نفوذ ماهر الاقتصادي من خلال شراكته مع ابن خاله رامي مخلوف في شبكة من الاستثمارات تمثل نحو 60 في المائة من الاقتصاد السوري، ما جعل من ماهر أحد الأهداف الأولى للعقوبات الاقتصادية الاستراتيجية على سوريا التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

في عام 2008، بدأت التقارير تتسرب من صيدنايا، وهي مدينة تقع على بعد 25 كيلومترا شمال دمشق، تفيد بأن المساجين السياسيين يتم قتلهم في سجن البلدة، وعلى أثرها بدأت انتفاضة محدودة جرى التعامل معها بأسلوب دموي، وتم نشر الجيش لإعادة السيطرة على الوضع، وبعد نحو ثلاثة أيام من ظهور التقارير الأولى حول الأزمة في صيدنايا، ظهر فيلم فيديو يصور رجلا يحمل شيئا صغيرا في يده إلى جانب مجموعة من الجثث المشوهة ذات الأوصال المقطعة خارج السجن، كان الرجل يحمل هاتفا جوالا لالتقاط صور لذلك المشهد البشع، وقد وقف حوله رجال الشرطة في وضع يبدو أنه لحمايته، كما كانوا يتبعون خطاه، وقد تعرفت إحدى قريبات ماهر عليه مؤكدة أنه هو بذاته، ذلك المصور القاسي، ومنذ ذلك الوقت كان ماهر هو الرجل الذي يظهر في صورة من أوكلت له مهمة إنهاء الأزمة في دمشق.





أشعلت الوحشية من قبل قيادات الأسد، الانتفاضة الحالية في صيدنايا ضد بشار، وعلى الرغم من أن قوات ماهر لجأت إلى أساليب وحشية لوقف الاحتجاجات المدنية، وأن عملياته في درعا، جنوب دمشق، قتلت آلاف الناس وبينهم عشرات الأطفال، فإن تلك القوات ما زالت عاجزة عن إنهاء التمرد المدني، إذ يبدو أن الضغوط التي مارستها الآلة الأمنية زادت من نيران السخط.

نرجسية



يعتقد البعض أن ذهنية ماهر النرجسية هي التي تمنع بشار من الموافقة على ما عرضته عليه الجامعة العربية، من أجل وضع حد للأزمة وإنهاء شهور من العنف، فيما يقول آخرون إن صورة الشاب المختل المتعطش للدماء هي خدعة لحماية صورة الرئيس، وخلق نموذج استخدمه من قبل حافظ الأسد وأخوه رفعت، حيث نسبت مذبحة حماه 1982، إلى رفعت الأسد، وهي عملية عسكرية سريعة ووحشية، دمرت ثلاثة أرباع مدينة حماه، وقتلت نحو 30 إلى 40 ألف نفس، وعلى غرار حافظ ورفعت في الماضي، يلطخ ماهر يديه بالدماء فيما يحافظ بشار على مسافة آمنة.

وليس من الواضح إلى أي مدى كان حافظ الأسد مشاركا في التخطيط لمذبحة حماه، فقد تباهى رفعت بعمله - على غرار ما يفعل ماهر الآن - مدعيا أن حصيلة القتلى في حماه كانت تقترب من 40 ألفا.
وعلى الرغم من مشاركته المستمرة في قيادة أخيه، فقد اختلف مع حافظ في عام 1984 حول صلاحية استمرار الرئيس في القيادة في ظل تدهور صحته، وعلى أثر ذلك نفي رفعت، وأمر حافظ بإزالة كل الصور التي يظهر فيها شقيقه.

اليوم، يواجه الرئيس الحالي بشار الأسد زلزالا في قيادته، حيث تعمل تصرفات الشقيق العنيف على تعزيز دوره، وتحد منه في الوقت نفسه، وعلى غرار جيل عائلة الأسد الحالية، فإن صورة الجيل الأول من قيادات العائلة يرسمها إلى حد بعيد من هم خارجها.

مريم إشاني
font change