وزير خارجية تونس رفيق عبدالسلام: قرار طرد السفير السوري.. نهائي

وزير خارجية تونس رفيق عبدالسلام: قرار طرد السفير السوري.. نهائي

[caption id="attachment_55231810" align="aligncenter" width="608" caption="وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام"]وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام[/caption]



أجهضت روسيا والصين مشروع قرار عربي أوروبي حول سوريا أمام مجلس الأمن الدولي خلال جلسة مفتوحة للتصويت. فقد استعمل المندوبان الروسي والصيني حق الاعتراض (الفيتو) مما تسبب في إحباط المشروع في مجلس الأمن.
ونص مشروع القرار على دعمه الكامل لخطة الجامعة العربية من أجل انتقال ديمقراطي في سوريا، من دون الإشارة إلى العقوبات الاقتصادية ولا بيع أسلحة لسوريا.
أمام فشل مجلس الأمن، ومع استمرار آلة القتل في حصد مزيد من أرواح المدنيين العزل في سوريا وبخاصة في مدينة حمص التي سقط فيها العشرات جراء قصف أحيائها السكنية بالدبابات والأسلحة الثقيلة، جاءت بارقة أمل من تونس مهد الثورات العربية التي أعلنت طردها للسفير السوري في قرار هو الأول من نوعه ما قد يشجع دولا عربية أخرى لاتخاذ قرارات مماثلة تزيد من عزلة دمشق وتدعم صمود أبناء الشعب السوري في ثورتهم على بشار الأسد ونظامه.

الرئيس التونسي المنصف المرزوقي قال إن الحل الوحيد للأزمة السورية هو تنحي بشار الأسد فورا عن السلطة وفسح المجال للانتقال الديمقراطي في سوريا.
وجاء في بيان صادر عن الناطق باسم الرئاسة في تونس أن الدولة التونسية بعد ما تابعت ما يتعرض له الشعب السوري من مجازر فإنها بدأت بالإجراءات العملية لطرد السفير السوري من تونس، وإنها تعلن سحب اعترافها بالنظام الحاكم في دمشق.
وأضاف البيان أن تونس تدين إدانة مطلقة المجازر التي ارتكبها النظام السوري في حمص ليلة المولد النبوي الشريف.
من جهته أكد وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام أن حكومة بلاده اتخذت قرارا بطرد السفير السوري في تونس وقال إن قرار الحكومة التونسية جاء احتجاجا على المجازر التي جرت وتجري في حمص وفي غيرها من المدن السورية، وأوضح أن وزارته ستقوم بتنفيذ القرار في القريب العاجل وستستدعي سفيرها في دمشق.
وتوقع الوزير أن تحذو معظم الدول العربية حذو بلاده في هذه الخطوة، وخص بالذكر مصر والمغرب ودول الخليج، وقال "نحن ننسق مع شركائنا في الدول العربية".

المجلة التقت رفيق عبد السلام فكان الحوار التالي:

"المجلة": أعلنت الحكومة التونسية طرد السفير السوري لديها، فما هي دواعي هذا الإجراء الدبلوماسي الأعلى، وهل هو نهائي ويمكن أن يصل إلى قطع العلاقات بين البلدين، ولماذا اتخذت تونس هذا القرار من دون وقبل كل البلدان العربية و العالمية؟
-هذا القرار جاء بعد دراسة وتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة (حمادي الجبالي) ووزير الخارجية في ظل ما جرى من تطورات في سوريا من قتل عشوائي بنسق غير مسبوق، اذ سقط أكثر من 160 قتيلا، وهو ما يفرض أخلاقيا وسياسيا ومن منطلق قيمنا الثورية مناصرة الشعب السوري وإدانة الجرائم الوحشية التي ارتكبت ضده.
وهذا القرار نهائي ونتمنى ألا يصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لكنه قد يصل إلى ذلك، والمهم أننا وجهنا رسالة واضحة إلى القيادة السورية لإيقاف هذا العمل الإجرامي واتخذنا هذا القرار بتنسيق مع دول عربية أخرى إضافة إلى تأييدنا وتبنينا لقرار مجلس الأمن في هذا الشأن.
ونحن نطالب القيادة في سوريا بفتح حوار جاد مع الشعب السوري عبر ممثليه و التوجه نحو اقامة نظام ديمقراطي وعادل.

"المجلة": ما هي مرتكزات و أولويات الدبلوماسية التونسية بعد الثورة، هل ستكون دبلوماسية اقتصادية تماشيا مع الظرفية الاقتصادية الصعبة لتونس و لبعض كبار شركائها، أم أنها ستعمل على استعادة موقعها و إشعاعها الذي فقدته في العهد السابق؟
-كل هذه العناصر مترابطة وليست متناقضة، فالدبلوماسية ستكون نشيطة و فاعلة في مختلف الاتجاهات وفي جميع المجالات، فمهم لنا إبراز الصورة المشعة والجالبة لتونس في مرحلة ما بعد الثورة ثم بعد تشكل هذه الحكومة التي تعتبر مولودا طبيعيا لأول انتخابات ديمقراطية وحرة في التاريخ السياسي الحديث لتونس.
الجانب الثاني هو دعم الدبلوماسية الاقتصادية أو بالأحرى صنع دبلوماسية اقتصادية، فنحن لسنا استثناء من القاعدة في الدبلوماسية العالمية إذ تتجه الدول أو تعطي حيزا متقدما و فاعلا للدبلوماسية الاقتصادية، ونحن سنعمل على دعم هذا البعد في سياستنا الخارجية إلى جانب دعم حضورنا و إشعاعنا بالخارج والذي تراجع مع الأسف خلال العقود الأخيرة نتيجة قصور علاقاتنا بالعالم الخارجي وبمحيطنا المغاربي و العربي والإفريقي.

"المجلة": هل لديكم توجه نحو إعادة ترتيب أولويات علاقاتكم الخارجية بعد الأولوية التي كانت ممنوحة للغرب وأوروبا بصفة خاصة؟
-لا، أولوياتنا لن تتغير،لأنها لا تصنعها سياسة وزير أو حزب أو أي فرد، بل تصنعها قوانين الجغرافيا السياسية والمعطيات الموضوعية في البلد تؤكد أننا بلد متوسطي، وهذا بعد أساسي في سياستنا الخارجية و80 في المائة من معاملاتنا التجارية تتم مع الاتحاد الأوروبي و سنعمل على تطويرها و نحن الآن نتفاوض مع الاتحاد الأوروبي في اتجاه شراكة متميزة، ورئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي في زيارته الخيرة إلى بروكسل طرح هذا الموضوع على طاولة المفاوضات ووجد تجاوبا كبيرا من شركائنا الأوروبيين لدعم هذه الشراكة المتميزة، وهذا لا يتناقض مع توسيع علاقاتنا مع الدوائر الأخرى التي تمثل امتدادا طبيعيا لتونس في بعدها المغاربي والعربي والإفريقي ، فلا أحد ينكر أن تونس بلد متوسطي ومغاربي وعربي وإفريقي، وعلينا أن نتحرك في مختلف هذه الاتجاهات.


[caption id="attachment_55231811" align="alignright" width="300" caption="الرئيس التونسي المنصف المرزوقي "]الرئيس التونسي المنصف المرزوقي [/caption]


"المجلة": هناك حرص شديد عبر عنه رئيس الجمهورية في دعم و تطوير علاقات تونس المغاربية والعمل على بعث سوق موحدة بين أقطارها وهو ما أكده في زيارته إلى ليبيا في انتظار زيارته إلى بقية الأقطار المغاربية خلال الأيام القادمة؟
-هذا صحيح، سيقوم رئيس الدولة مصحوبا بوزير الخارجية بجولة مغاربية تنطلق من المغرب فموريتانيا والجزائر لاستكمال الخطوة التي كنا بدأناها من ليبيا باتجاه تفعيل الاتحاد المغاربي، وهذه أولوية كبرى في سياستنا الخارجية لدعم التكامل الاقتصادي والسياسي المغاربي، الذي تعطل لسنوات طويلة، بما يمس من مصالحنا و من مصالح بقية الأقطار المغاربية .

"المجلة": ينعقد بعد أيام بالمغرب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد المغاربي في محاولة عقد القمة الرئاسية التي لم تنعقد من أكثر من عشرين عاما.
-نعم سينعقد هذا الاجتماع ويتزامن تقريبا مع ذكرى تأسيس الاتحاد وسيمهد فعلا لانعقاد القمة وهناك رغبة لدى كافة أقطار المنطقة لتفعيل الاتحاد المغاربي، وأعتقد انه ليس هناك ما يبرر إعاقة المسار المغاربي لأن هذه المنطقة من مناطق العالم العربي هي الأكثر انسجاما من كل النواحي، وأساسا من ناحية المصالح.

"المجلة": اذا كان الأمر كذلك فلماذا تعطل المسار المغاربي ولم يجتمع قادته منذ حوالي عشرين عاما؟
-من المؤسف له أن هذه القمة لم تنعقد طيلة هذه الفترة، وليس هناك ما يبرر استمرار هذه العطالة المغاربية ويبدو لي أن الظروف الموضوعية قد تغيرت ولمسنا وجود رغبة جدية لدى القيادات السياسية المغاربية لإحياء فكرة المغرب العربي و تفعيل الكيان المغاربي.

"المجلة": لكن معوقات تفعيل الاتحاد المغاربي مازالت قائمة وفي مقدمها ملف الصحراء الغربية، هل تم الحديث في هذه المسألة في الفترة الأخيرة؟
-هناك تقريبا اتفاق بين المغرب و الجزائر على ألا يكون هذا الملف عائقا على تواصل و تفعيل الكيان المغاربي بوضع قضية الصحراء جانبا لتتم متابعتها في إطار الأمم المتحدة على ألا تكون معيقا على تحسين التواصل الاقتصادي والتنموي بين دول المغرب العربي.

"المجلة": وماذا عن توجهات وزارتكم المكثفة نحو الخليج العربي.
-هذا ليس عيبا.

"المجلة": نحن لم نقل أنه عيب لكن أردنا معرفة آفاق هذا التوجه الذي كان ضعيفا في العهد السابق؟
-سبق وأن قلنا أن تونس بلد متعدد الأبعاد، وتوجهنا نحو تحسين وتطوير علاقاتنا مع بلدان الخليج بخاصة في الجانب الاقتصادي والتنموي لأن لدينا مصالح مشتركة تفرض علينا تطوير علاقاتنا، ثم كل العالم يتجه اليوم نحو الخليج للبحث عن الاستثمارات و الفرص، ونحن لسنا استثناء من هذه القاعدة العامة.

"المجلة": هذه الحكومة الجديدة التي لم يمض على مباشرتها العمل غير شهر تحركت في كل الاتجاهات لجلب التمويلات و الاستثمارات لاقتصادها و تلقت وعودا، هل تعتقدون أن هذه الوعود ستتحقق بسرعة لتساهم في معالجة الظرفية الاقتصادية الصعبة؟
-في السياسة لا توجد حلول معجزة و سريعة خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع، هناك خطوات عملية بذلت، نحن في ألمانيا مثلا تمكنا من إلغاء الديون و تحويلها الى استثمارات، وهذه خطوة مهمة ستنعكس ايجابيا على اقتصادنا، وهناك رغبة خليجية كبيرة في البحث عن الفرص الاستثمارية في تونس في كل المجالات، وكذلك رغبة حتى في دعم المشاريع التنموية و في معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في تونس، هناك مشاريع تنموية سيتم تنفيذها و ستؤثر ايجابيا في مختلف القطاعات الاجتماعية و بخاصة في ما تعلق بالسكن و الشغل.

"المجلة": هناك انتقادات توجهها بعض الأطراف في تونس وتقول إن هناك خلافا في السياسة الخارجية بين الرئيس ووزير الخارجية؟
-أبدا وعلى الإطلاق، نحن سياستنا تقاد بانسجام تام وكامل، وأنا باتصال وتنسيق مستمر مع رئيس الدولة ورئيس الحكومة، هناك تشاور مستمر واتفاق، وليس هناك اختلاف في رؤيتنا للسياسة الخارجية، فهي لا تخضع لرغبات الأفراد، ومنذ أن تشكلت هذه الحكومة الائتلافية كان هناك تصور ورؤية مشتركة موضع اتفاق في سياستنا الخارجية وفي كل أبعادها، ونحن نشتغل في حقيقة الأمر كفريق عمل متكامل.

"المجلة": وماذا عن الدبلوماسية الشعبية التي يقودها الشيخ راشد الغنوشي (رئيس حركة النهضة)، وما حقيقة تمتعه بمكتب وبامتيازات داخل وزارة الخارجية؟
-الدبلوماسية الشعبية لم يبتدعها الشيخ راشد الغنوشي، وهو مصطلح مستخدم في المجال الأكاديمي وفي العلوم السياسية، والأصل في الأشياء أن الدبلوماسية الشعبية لا يمارسها فقط الشيخ راشد الغنوشي، بل أن تمارسها كل الأحزاب وأنا أدعو كل مكونات المجتمع المدني إلى أن تمارسها وأن تساعدنا في هذا المجال بما يخدم مصالحنا الوطنية.

"المجلة": لكن الشيخ راشد الغنوشي يتم استقباله استقبالا رسميا أين ما يحل؟
-هذا شأن يخص البلدان التي تستقبله، ولسنا مخولين لإعطاء وصفات لهذه الدول حول كيفية استقبال ضيوفها.
وبالنسبة للشيخ راشد الغنوشي فهو ليس نكرة أو اكتشافا لفترة ما بعد الثورة، فهو كان يحضر مؤتمرات و ملتقيات لما كان في بريطانيا معارضا وملاحقا من البوليس السياسي، ويستقبل على أعلى المستويات.
أما عن إشاعة وجود مكتب للشيخ راشد الغنوشي فأترك لها مهمة استقصاء الأمر لدى إطارات وموظفي الوزارة، وهي في مطلق الأحوال إشاعة مثل العديد من الإشاعات التي تم إطلاقها.

"المجلة": هناك سؤال يشغل بال التونسيين يهم مساعيكم من أجل استرجاع الأموال التي نهبها الرئيس الهارب وأقاربه، وأيضا جلب هؤلاء إلى تونس ومحاكمتهم، فأين وصلتم في هذا الملف؟
-نحن مع استرجاع الأموال المنهوبة والأشخاص الناهبين و الهاربين لكن ذلك يجب أن يتم عن طريق إجراءات قانونية عادلة في إطار مؤسسة القضاء، وهذا مطلب مشروع، ونحن كحكومة معنيون برفع هذا المطلب والاستمرار في مطالبة الدول المعنية بتسليم هؤلاء المطلوبين للقضاء التونسي وبعودة الأموال المنهوبة التي هي حق للشعب التونسي.


[caption id="attachment_55231812" align="alignleft" width="300" caption="تونسيون يتظاهرون ضد نظام الأسد أمام سفارة سوريا في تونس"]تونسيون يتظاهرون ضد نظام الأسد أمام سفارة سوريا في تونس[/caption]


"المجلة": يلومك البعض بعدم توظيف علاقاتك وعلاقات حزب النهضة الحاكم المتميزة مع قطر لمطالبتها بتسليم صهر الرئيس السابق صخر الماطري؟
-علاقتي متميزة مع كل الدول العربية وحتى الأوروبية، إذ أنني استقبلت ثلاثة وزراء أوروبيين خلال الأسبوع الأول لتولي حقيبة الخارجية وهم وزراء خارجية فرنسا وألمانيا و ايطاليا وزرت الإمارات العربية وقبلها تركيا و لبنان و مصر ولم تتوفر لي فرصة لزيارة قطر لكنني سأزورها و بقية بلدان الخليج العربي إضافة إلى أوروبا و آسيا.

"المجلة": لكنك لم تجبني عن موضوع جلب صخر الماطري من قطر؟
-نحن نطالب بعودة كل الأشخاص المطلوبين من القضاء للمثول أمام المحاكم سواء منهم المتورطين في سرقة المال العام أو غيرها من الجرائم المرتكبة ضد الشعب التونسي، لكنني أريد أن أشدد على أن هذه الملفات لا يمكن أن تكون عقبة في طريق تطوير علاقاتنا العربية التي تشغل أولوية مطلقة قي مجال سياستنا الخارجية.

"المجلة": المملكة العربية السعودية وجهت دعوة لرئيس الحكومة لزيارتها فما هي انتظاراتكم من هذه الزيارة وكيف ترون مستقبل العلاقات التونسية السعودية؟
-المملكة وجهت دعوة لرئيس الحكومة ولوزير الخارجية وسألبي شخصيا هذه الدعوة قريبا والمهم أن نطور علاقاتنا بالمملكة العربية السعودية فهي بلد مهم و مؤثر من الناحية السياسية والاقتصادية والإستراتيجية ونحن معنيون بتطوير هذه العلاقة بما يخدم شعبينا وبما يخدم الأمة العربية.

"المجلة": وكيف هي علاقتكم بالسلطة الفلسطينية بخاصة بعد الزيارة التي أداها إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة والاستقبال الكبير الذي حظي به؟
-نحن التقينا وزير خارجية فلسطين وأكدنا له أن تونس تقف على مسافة واحدة من كل الفصائل الفلسطينية ونرغب في أن نرى وحدة الصف الفلسطيني لأن هذا مهم لنا كتونسيين، وأكدنا على ثوابتنا في دعم القضية الفلسطينية وحق أشقائنا الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وتفكيك الاستيطان وإيقاف تهويد القدس.

أجرى الحوار: نجم الدين العكاري
font change