حمادي الجبالي.. تونس تختبر حكم الإسلاميين

حمادي الجبالي.. تونس تختبر حكم الإسلاميين

[caption id="attachment_55233403" align="aligncenter" width="620" caption="حمادي الجبالي"]حمادي الجبالي[/caption]

الجبالي، الوزير الأول المؤقت كما يحلو للإعلام المناهض لحركة النهضة أن يسمّيه، يتحّمل مسؤولية ثقيلة في تونس التي لم تعرف منذ استقلالها في العام 1956 غير رئيسين. فقد حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة تونس منذ الاستقلال والى غاية "تنحيته" في انقلاب أبيض على يد زين العابدين بن علي في 1987، وهذا الأخير بقي في السلطة حتى هروبه في 14 يناير 2011.
55 عاما من حكم الرجل الواحد والحزب الواحد. 55 عاما من تكميم الأفواه وسلب الحريات وغياب للديمقراطية، لذلك فإن نجاح حمادي الجبالي، إذا ما نجح، سيكون قد خلق نموذجا يمكن للمنطقة بأسرها أن تحذو حذوه. ولكنه إذا ما أخفق، فسوف يجد المختلفون مع الإسلام السياسي الحجة التي تؤكد أن الإسلام السياسي لا يدعم الديمقراطية، بل ولا يصلح لها.

مهندس "الطاقة الشمسية" حمادي الجبالي هو من مواليد مدينة سوسة التونسية الساحلية. التحق بحركة النهضة الإسلامية منذ بداية الثمانينات. عُرف في الحياة السياسية التونسية بعد اعتقال القيادة التاريخية لحركة الاتجاه الإسلامي ومحاكمتها سنة 1981 . وقد انتخبه مجلس الشورى في سنة 1982 رئيسا للحركة.
برز اسمه كأحد قادة الحركة الاسلامية في تونس لأول مرة يوم 19 يناير 1983 في بيان لحركة الاتجاه الإسلامي (النهضة حاليا) ممضى باسمه بصفته أمينا عاما معلنا عن تشكيل المكتب التنفيذي الجديد للحركة الذي كان مكونا من ثلاثة أسماء إضافة إلى الأمين العام.

وقد اشترك الجبالي مع علي العريض (وزير الداخلية الحالي) في تلك الفترة في إدارة شؤون الحركة في فترة دقيقة جدا تلت أول اعتقالات واسعة في صفوفها في أواخر عهد بورقيبة.
ابتداء من سنة 1984 وبعد اطلاق سراح القيادة وعودتها إلى رأس الحركة تولى المهندس حمادي الجبالي عضوية المكتب التنفيذي والمكتب السياسي ومجلس الشورى.

وفي مواجهة سنة 1987 التي عزم فيها بورقيبة على استئصال الحركة حكم عليه غيابيا بالإعدام شنقا من محكمة أمن الدولة. وعلى الرغم من الحكم والتتبع فقد لعب حمادي الجبالي دورا بارزا في تلك الأيام العصيبة ونجح بين "التخفي والنفي" في الحفاظ على حريته وبقاء حركته ومواصلة إدارة المواجهة في وضع حرج.
بعد انقلاب بن علي الأبيض في 7 نوفمبر 1987 الذي أطاح بحكم بورقيبة اعترض الجبالي لدى القضاء على الحكم الصادر ضده وعرفت الحركة فترة "هدنة" مع رئيس جديد اتضح في ما بعد أنه يضمر عكس ما يظهر.
تولى الجبالي رئاسة تحرير جريدة الفجر التي كانت لسان حركة النهضة منذ صدورها حتى اعتقل وأوقفت الجريدة عن الصدور بعد قرابة سنة.
حوكم أمام المحكمة العسكرية في سنة 1992 وصدر ضده حكم بالسجن 15 سنة سجنا منها 10 قضاها في "حبس انفرادي" رأى فيها الذل والمهانة وكل صنوف التعذيب الجسدي والنفسي. خاض خلال عام 2002 إضرابا عن الطعام احتجاجا على ظروف سجنه، ثم أطلق سراحه في فبراير/شباط 2006.

ميزات إيجابية

بعد نجاح الثورة، وبعد أول انتخابات ديمقراطية وتعددية حقيقية، وجد حمادي الجبالي نفسه المرشح لرئاسة الوزراء بصفته أمين عام حزب حركة النهضة الفائز في الانتخابات. تشكل في تونس "ائتلاف" حكومي بين حركة النهضة الاسلامية التي يرأسها راشد الغنوشي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات برئاسة مصطفى بن جعفر (رئيس المجلس التأسيسي) وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة المنصف المرزوقي (رئيس الجمهورية).
فقد فاز حزب حركة النهضة في الانتخابات بما يزيد على 40 في المائة من مقاعد المجلس التأسيسي الذي مهمته الرئيسة وضع دستور جديد لتونس.

[caption id="attachment_55233404" align="alignleft" width="180" caption="الرئيس التونسي المنصف المرزوقي"]الرئيس التونسي المنصف المرزوقي[/caption]

وعن الفوز الكبير لحزب اسلامي في بلد عربي شهد ثورة قال الجبالي ان اختيار جزء هام من الشعب التونسي للحركة "ينم عن ثقة كبرى في برنامجها وسعيها الجاد إلى خدمته والنهوض بالقطاعات التي تعاني مشاكل كبيرة" مؤيدا في الوقت نفسه بعض التفسيرات التي تقول ان من "اختار الحركة أراد مجازاتها على نضالها وما تعرضت له طوال عشرات السنوات من قمع وتعذيب وإقصاء من النظامين السابقين".
وعل هذه "المجازاة" هي ذاتها التي أوصلت الاسلاميين، إخوانا وسلفيين، الى مجلس الشعب المصري وحزب العدالة والتنمية المغربي الى رئاسة الحكومة، والبقية تأتي..

يعترف حمادي الجبالي بوجود خلافات بين القوى المؤتلفة في الحكومة، النهضة الاسلامي والتكتل والمؤتمر اليساريان، اذ يقول: "اعتقد ان الخلافات العقائدية والفكرية ميزات ايجابية، خصوصا وان الشعب التونسي يسعى للسلم والوحدة ولم يعد مهتما بهذه الخلافات".

لكن حمادي الجبالي "المبتسم أبدا" والمعروف بهدوئه واتزانه واختياره ألفاظه بدقة، أثار انتقادات العلمانيين وأحزاب تونسية أخرى عندما تحدث في خطاب جماهيري "لأنصار النهضة" في سوسة عن "خلافة راشدة سادسة"..
"يا إخواني أنتم الآن أمام لحظة تاريخية، أمام لحظة ربانية في دورة حضارية جديدة إن شاء الله في الخلافة الراشدة السادسة إن شاء الله، مسؤولية كبيرة أمامنا والشعب قدم لنا ثقته، ليس لنحكم لكن لنخدمه"..
كلمات أقامت الدنيا ولم تقعدها ووجد "أعداء" النهضة، الكثيرون، الفرصة لمهاجمة الحركة والتشكيك نياتها واتهامها بازدواجية الخطاب. الجبالي أوضح لاحقا أنه يقصد البعد الحضاري للخلافة وليس الخلافة بكل أبعادها وقال: "استعارة كلمة الخلافة الراشدة المقصود منه الاستلهام القيمي لتراثنا السياسي وحضارة المجتمع التونسي الذي ننتمي إليه ونعتز به والمشبع بمبادئ العدل والصدق والحرية والأمانة".
المخاوف التي أحدثتها "زلّة اللسان" من ان حزب النهضة سيفرض حكما اسلاميا متشددا، إذا استطاع إليه سبيلا، أجبرت الجبالي على التأكيد مجددا لحلفائه في "الترويكا" الحكومية والى الشعب التونسي أن حزبه لا ينوي التدخل في حريات الناس الشخصية ولا في وضع المرأة في المجتمع وأن النهضة حزب مدني ذو مرجعية اسلامية يؤمن بالديمقراطية والحريات الفردية.

وقد نفى الجبالي ما تروج له بعض الأحزاب "المهزومة" في الانتخابات وجمعيات كثيرة في المجتمع المدني من ان الحركة "ستعمل على فرض دستور كما تراه يلغي حريات عدة من بينها حرية ممارسة المعتقد والحريات الفردية والوضع التشريعي للمرأة ومكانتها في المجتمع" مؤكدا ان الدستور سيكتب بتوافق مع جميع الأحزاب والأطراف الممثلة في المجلس التأسيسي و"لن يلغي أية حريات بل سيكفلها جميعا".
ويضيف: "نعد الشعب بأننا سنطور المجتمع ونحسنه اذا كان ذلك ضروريا. لن نخون الشعب وسنلتزم بوعودنا الانتخابية. فبعد الله، نحن مسؤولون من الشعب الذي سيحاسبنا غدا وبعد غد. هدفنا الاساسي تحقيق الحرية للشعب نساء ورجالا. ان اسس حكمنا مبنية على الحوار والحرية والديمقراطية".

هدف استراتيجي

وحول مكاسب المرأة في تونس أوضح امين عام حركة النهضة انه "لا مساس أبدا بمجلة الأحوال الشخصية ولن يتم اقتراح تعدد الزوجات ولا فرض الحجاب على المرأة بل ستترك لها حرية ممارسة دينها ومعتقدها"، مضيفا انه "لا سبيل لإعادة المرأة إلى البيت كما يسعى مناهضو الحركة الى إشاعته"، معتبرا خروج المرأة إلى العمل "هام ويحقق الإضافة للمجتمع".

[caption id="attachment_55233405" align="alignright" width="240" caption="رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي"]رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي[/caption]

وفي المجالين الاجتماعي والاقتصادي اوضح الجبالي ان" الحركة لن تعمل على المساس بأي قطاع بل ستدعم المكتسبات وتوجد حلولا آنية للمشاكل التي تعوق تحقيق التنمية العادلة بين الجهات والحد من مشكلة البطالة" موضحا ان القطاع السياحي يعد من "المكتسبات التي لا مجال للمساس بها ".
وقال الجبالي في هذا الصدد "هل من المعقول ان نصيب قطاعا حيويا مثل السياحة بالشلل بمنع الخمور وارتداء لباس البحر وغيرها من الممارسات؟..هي حريات شخصية مكفولة للاجانب وللتونسيين أنفسهم ".
وحول تخوفات بعض رجال الاعمال وتأثيرات توجهات الحركة على القطاع المالي أكد انه "لن يتم تعميم المصارف الإسلامية وإلغاء النظام المصرفي الذي تعمل به تونس ولا تحديد نشاط رجال الاعمال بل دعمهم بجلب الاستثمارات العربية والأجنبية " مبينا انها "تخوفات لا مبرر لها".

واقعية الجبالي و"براغماتيته" وتحمّله مسؤولية انقاذ الاقتصاد التونسي في مرحلة حرجة تمر بها بلاده بعد ثورة أطاحت بنظام "أفسد البلاد وأذلّ العباد" تجلت في زيارة أخيرة الى المملكة العربية السعودية حيث أكد على متانة العلاقة التي تربط تونس مع المملكة، وقال إن لدى حكومته حجر زاوية وهدف استراتيجي في سياساتها الخارجية لدعم العلاقات التونسية السعودية والمملكة ركن استراتيجي في هذه السياسة، وقال: "لن نساوم على علاقتنا بالمملكة من أجل بن علي".. وأضاف: "لسنا مستعدين للتضحية بهذا الهدف من أجل ملف بن علي". وأشار الجبالي إلى أن حكومته تريد استرجاع العلاقات ودعمها مع المملكة وفتح آفاق رحبة وواسعة في بناء استراتيجي بين البلدين.

عام ونيف على فرار بن علي وقرابة الثلاثة أشهر على توليه رئاسة الوزراء، والاقتصاد التونسي يترنّح. العاطلون عن العمل ارتفع عددهم ليصل الى قرابة المليون عاطل والاضطرابات الاجتماعية من اضرابات واعتصامات وقطع للطرقات عقّدت عمل الحكومة وعطّلته.. المجتمع منقسم على نفسه حول خيارات المستقبل وأصبح التطرف "سيّد الموقف".. تطرّف من اليمين ومن اليسار على حد السواء. سلفيون وعلمانيون وانتهازيون و"فلول".. والسؤال: هل ينجح الجبالي في "الاختبار" والتوفيق بين قناعاته الاسلامية وضرورات العمل الديمقراطي فيثبت للداخل والخارج أن الإسلاميين قادرون على الحكم وقيادة الدول وليس فقط إلقاء المواعظ والخطب؟.
font change