هل تتحوّل سوريا إلى دولة فاشلة.. السيناريوهات المحتملة

هل تتحوّل سوريا إلى دولة فاشلة.. السيناريوهات المحتملة

[caption id="attachment_55237555" align="aligncenter" width="620"]سوريا.. الثورة مستمرة سوريا.. الثورة مستمرة[/caption]





السيناريوهات الثلاثة المحتملة بالنسبة للمشهد السوري:

السيناريو الأول: أن يتمكن النظام من القضاء على المظاهرات وهزيمة المعارضة
السيناريو الثاني: أن ينهار النظام
السيناريو الثالث: أن تستمر النزاعات المدنية أو الحرب الأهلية

في الوقت الراهن يبدو السيناريوهان الأول والثاني مستبعدين ولذلك يجب أن ينتقل التركيز للخيارات المطروحة ضمن السيناريو الثالث. فبعد نحو 500 يوما من التظاهرات ومقتل نحو 15 ألف شخص، لا يوجد أي دليل على أن نظام الأسد يستعيد سيطرته على البلاد. كما أعربت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن اعتقادهما بأن النظام اقترب من النهاية وأن انهياره مسألة وقت من خلال الاتهام الذي وجهه له الأمين العام للأمم المتحدة بأنه «فقد جوهر إنسانيته».
وفي الوقت نفسه فإن فكرة التدخل العسكري ليست مطروحة، ليس فقط لمعارضة روسيا والصين لاتخاذ أي إجراء من خلال الأمم المتحدة، ولكن لأن هناك أقل من 20 في المائة فقط من شعبي واشنطن ولندن يؤيدون التدخل العسكري، ومن ثم فليست لدى هاتين الدولتين قاعدة شعبية تسمح لهما بالقيام بإجراء عسكري في الوقت الراهن.

ومع ذلك، فلا توجد أي دلالة على انهيار سريع للنظام، حيث إن معدلات الانشقاق عن الجيش وقوات الشرطة لا تمثل نسبة كبيرة تشكل خطرا على النظام نظرا لعدة أسباب من بينها تهديد النظام بالانتقام من عائلات المنشقين. فما زالت القوات المسلحة السورية قوية، يعتقد أن لديها نحو 235 ألفا من المجندين النظاميين وأكثر من مائة ألف من القوات شبه العسكرية، ناهيك عن عدد قوات الشبيحة الموالية للنظام. فقد أفادت تقارير «مجموعة الأزمات الدولية» بأنه بينما «في بداية الأزمة، كان العديد من أفراد القوات الأمنية ساخطين وراغبين في التغيير، نظرا لأن معظمهم يحصل على أجور متدنية ويعملون لساعات طويلة ويعانون من فساد المستويات العليا، ترتبط هذه القوات بعلاقات وثيقة بالنظام لا تتعلق بالولاء بقدر ما تتعلق بالمنظور الطائفي الذي نظروا عبره للحركة الاحتجاجية فهم مرتبطون بالنظام عبر آلية للدفاع عن مجتمعهم».

وهو ما يتركنا مع السيناريو الثالث وأفق استمرار النزاع سواء على المدى القصير أو المتوسط. ولكن من المهم أن نلحظ أن ذلك السيناريو لا يسير في منحنى خطي جامد وأن تطور الأحداث يمكن أن يؤدي إلى أي من السيناريوهين الأول أو الثاني. فهناك سيناريوهات «غير متوقعة» يمكن أن تؤثر على الأحداث. فمثلا من المحتمل أن ينهار النظام إذا ما حدث انقلاب رفيع المستوى أو وقعت عمليات اغتيال. ففي مايو (أيار)، أعلنت عناصر من المعارضة أنها نجحت في دس السم لعدد من كبار المسؤولين في النظام بمن فيهم، العماد حسن التركماني، نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة والعماد محمد الشعار، وزير الداخلية. وعلى الرغم من أن وكالة الأنباء السورية الرسمية أعلنت أن الحديث حول مقتلهما «لا أساس له»، تشير القصة للأحداث غير المتوقعة التي يمكن أن تقلب الأوضاع في سوريا.




وبالطبع، يمكن للتقارير التي تتحدث حول استعداد النظام لاستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المتظاهرين للقضاء على المعارضة أن تقدم متغيرا أساسيا في العوامل المؤثرة على توازن تلك السيناريوهات. ففي فبراير (شباط)، قالت المعارضة إن الجيش السوري بدأ في تكديس الأسلحة الكيماوية وتجهيز جنوده بأقنعة للغازات على مقربة من حمص. وعلى النقيض من ذلك، يمكن أن تضفي «حلبجة السورية» زخما جديدا على الرغبة غير الموجودة حاليا في التدخل العسكري في سوريا.

وعلى الرغم من أن البحث الذي قدمه «تشاثام هاوس» توقع أن يمثل ارتكاب النظام السوري لمذبحة كبرى شبيهة بمذبحة سربرنيتسا «نقطة تحول»، أظهر رد الفعل على مذبحتي الحولة والقبير غير ذلك. ومع ذلك، حذر كوفي أنان من أن يتحول «القتل الجماعي إلى جزء من الحياة اليومية في سوريا». وهناك أيضا احتمال ظهور عامل إقليمي غير متوقع مثل اندلاع الانتفاضة الثالثة في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو شن إسرائيل هجمة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية مما يمكن أن يؤدي إلى عدد من النتائج.
فكل من السيناريوهات المطروحة معرض لعدد من التغيرات وفقا لسلوك النظام السوري، والمعارضة، وعدد من الأطراف الإقليميين والدوليين. ولذلك فقد فحصت بعض السيناريوهات والخيارات الجديدة.


المعارضة السورية




يمكن أن نصف حركة المعارضة التي اندلعت في سوريا في مارس (آذار) 2011 بعد اعتقال الأطفال الذين يرسمون الغرافيتي في درعا بأنها معركة بين الشجاعة والخوف، شجاعة الناس الذين خرجوا إلى الشوارع ليعلنوا رفضهم للنظام الذي يحكم البلاد «بقوة تضاهي قوة الأباطرة» لمدة تزيد على الأربعين عاما والخوف الذي استخدمه النظام كوسيلة لإنهاء تلك الاحتجاجات.
وكانت الحجة الرئيسية التي استخدمها النظام السوري هي المعتقد الخاطئ بأن الأسد هو الدولة وأنه من دونه سوف تنهار الدولة وتتعرض للانقسام كما حدث في العراق ولبنان بالإضافة إلى انتشار الفوضى وهيمنة تنظيم القاعدة. وكانت تلك الحجة جلية في كافة خطب الأسد ومصاحبة لصور الرئيس المنتشرة في كل مكان والتي تحمل عادة كلمات مثل «سوريا، الأسد» فوق بعض. وتشير تلك الحجة إلى أنه لا بديل لحكم الأسد.

وفي الوقت نفسه، فإن المعارضة السورية منقسمة سواء جغرافيا أو سياسيا، وليس ذلك مفاجئا، أخذا في الاعتبار افتقارها إلى مناخ من الحرية السياسية في ظل حكم أسرة الأسد للبلاد. وذلك حيث إن جماعات المعارضة الناشئة مثل «المجلس الوطني السوري»، و«لجنة التنسيق المحلية»، و«الجيش السوري الحر» و«الإخوان المسلمين» والجماعات التي تتبع تنظيم القاعدة، وجماعات المعارضة الأكثر استقلالا وحيوية التي تمثل كلا من الأكراد والطلاب والقرى والمقاطعات والضواحي وما بعدها تعمل جميعا تحت مظلة ما يمكن وصفه بمعارضة نظام الأسد.




وعلى الرغم من أن اختيار الأكراد العلمانيين لعبد الباسط سيدا كرئيس للمجلس الوطني السوري هو محاولة لتوحيد جهود المعارضة، ما زالت هناك تحديات كبرى أمام تلك الوحدة. وهناك قدر هائل من المساندة الدولية لنشأة حركة معارضة فعالة وممثلة للشعب السوري وموحدة، منها حركة «أصدقاء سوريا». ولكن المصدر الرئيسي لشرعية المعارضة يعود إلى حد بعيد إلى سلوكها داخل البلاد. حيث كان نموذج المعارضة العراقية التي كانت تعيش في المنفى يمثل درسا لئلا تدعم بديلا للنظام. وبالطبع تمثل التحديات التي تفرضها محاولة التنظيم والعمل في ظل الهجمات المستمرة للنظام تحديا كبيرا أمام توحيد صفوف المعارضة. ففي مايو (أيار) تم عقد اجتماع في بلغاريا لوضع خارطة طريق لخلق رؤية مشتركة ووضع خطة للتعاون بين مجموعات المعارضة المتنوعة بهدف تطوير آلية للعمل معا تحت مظلة «المجلس الوطني السوري» مع الحفاظ على استقلال كل من تلك الجماعات.


سيناريوهات المعارضة




تقديم رؤية شاملة
على الرغم من تصاعد العنف في البلاد، ما زال هناك أمل في أن يتمكن إسقاط نظام الأسد من تأسيس سوريا جديدة تستطيع تلبية احتياجات كافة مواطنيها. وفي مناظرة حديثة في مجلس اللوردات البريطاني، تم سؤال إحدى اللجان: «كيف يمكن إنقاذ سوريا». ولكن بدلا من التركيز على الخيارات المطروحة ركز الجدل حول دور أكراد سوريا في المعارضة حيث ادعى أحد النشطاء أن «النظام والمعارضة أسوأ من بعض». ولكي يتجنبوا سيناريو ما بعد سقوط النظام الذي يتسم بالانقسامات الداخلية الشديدة المشابهة لما حدث في ليبيا في ظل وجود 200 ميليشيا مسلحة بها، يجب أن تقدم المعارضة رؤية أكثر اتساعا وشمولا لسوريا الجديدة.

ويمكن أن تمثل الرسالة التي أرسلتها المعارضة حول تقديم رؤية تقدمية موحدة من خلال الإعلان عن تبنيهم لعلم جديد للبلاد بدلا من العلم القديم الذي كان مستخدما في سوريا في الفترة من 1932 وحتى 1958 وفي الفترة من 1961 وحتى 1963 وفتح نقاش حول تغيير اسم البلاد من «جمهورية سوريا العربية» إلى «جمهورية سوريا الديمقراطية» إعلانا شعبيا حول نيتهم وهي الرسالة التي سوف تلقى رواجا خاصة بين الأكراد الذين يمثلون 10 - 15 في المائة من السكان.

وقد حذر تقرير «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» من أنه «طالما ظلت سوريا ساحة لتلك المصالح الواسعة، فإن أفق تقديم جبهة موحدة تستهدف إنهاء نزيف الدماء المراقة يظل هدفا بعيدا في أفضل الأحوال». فيجب أن تحافظ المعارضة على استراتيجية «سوريا أولا» التي تتجنب الانسياق لمصالح القوى الخارجية وتحدد كيف يمكنها الاستفادة من الدعم الخارجي بما يتوافق مع مصالحها.

طرح رؤية اقتصادية
أفاد تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صادر في يوليو (تموز) 2011 بأنه «خلال العقد الماضي، ازدادت الأوضاع سوءا في كل مكان تقريبا. فقد ظلت الرواتب على حالها رغم الارتفاع الشديد لمستوى المعيشة. كما أطاحت البضائع المستوردة بخسة الثمن بالصناعات الصغيرة خاصة لدى الطبقة العاملة على أطراف العاصمة. وفي المناطق الريفية، تزامنت المصاعب التي خلفها تحرير الاقتصاد مع الجفاف. كما دفع الريف المهمل والفقير قطاعا واسعا من السوريين المحرومين من الامتيازات إلى الهجرة إلى مراكز النشاط الاقتصادي».

وخلال الشهر الماضي، تبرع «المنتدى الاقتصادي السوري» بنحو 300 مليون دولار أميركي للمعارضة السورية وأوضح وائل ميرزا، الأمين العام للمجلس الوطني السوري، أن ذلك «التمويل مخصص لدعم عناصر الثورة في سوريا ولتأسيس علاقة قوية مع رجال الأعمال داخل وخارج سوريا بهدف حماية المدنيين».
ويجب أن تستخدم المعارضة مثل ذلك الدعم كجزء من مجموعة الوعود الاقتصادية لعصر ما بعد الأسد. حيث يمكن أن تحظى الحوافز الاقتصادية بجاذبية خاصة وأن العقوبات الدولية قد بدأت تؤثر على سوريا. فقد نشر «التقرير السوري» مقالا يوضح كيف «خفضت وزارة الاقتصاد متوسط وزن أنبوبة الغاز إلى 10 كيلوغرامات وأبقت السعر دون تغيير لكي ترفع تكلفة الأنبوبة بما يعادل 16 في المائة في إطار صراعها مع النقص المتنامي». وفي الوقت نفسه، أشارت الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة إلى أن التضخم السنوي لسعر المستهلك بلغ 31 في المائة في أبريل (نيسان) فيما يقول المواطنون إن أسعار البضائع الرئيسية مثل السكر، وزيت الطهي والبيض قد تضاعفت.

ومن ثم، يجب أن تركز أي رؤية اقتصادية جديدة لمستقبل البلاد على الريف الذي كان مهملا وتوفير فرص عمل. فعلى سبيل المثال مشروعات مثل الصفقات المعدة مسبقا مع تركيا والاتحاد الأوروبي، وأكبر خطة للاستثمارات في البنية التحتية في تاريخ سوريا والتي تدعمها دول الخليج، ومشروعات الطاقة المشتركة مع روسيا/ الصين والتي تمثل ضربة مزدوجة لتهدئة المخاوف الاستراتيجية. كما يجب أن تقدم الخطط الاقتصادية وعدا بإنهاء فساد الدولة ومحاباة الأصدقاء، تضمنها الأمم المتحدة، ربما من خلال «برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة» عبر إجراء عمليات تدقيق ومراقبة مستقلة للحكومة.




تحديد وضع القوات بعد سقوط الأسد
يجب أن تتعلم المعارضة من تجربة العراق في تخطيط الفترة الانتقالية والمصالحة التي أعقبت سقوط النظام. فيجب عليها أن تعمل على تحديد الشخصيات الرئيسية التي تلطخت يداها بالدماء وإدانتها فيما تعد خطة واسعة النطاق للعفو يتم الإعلان عنها بوضوح. وهو ما يمكن أن يمثل آلية مهمة لتشجيع الانشقاق الذي يمكن أن يمثل عاملا حيويا في توازن القوى. وبالفعل، أعلنت المعارضة في الحادي عشر من يونيو (حزيران) عن ارتفاع معدلات الانشقاق داخل صفوف الجيش السوري، فقد انشق المئات في مدينتي إدلب وحمص بما في ذلك كتيبة دفاع جوية استراتيجية مسلحة بصواريخ مضادة للطائرات ومضادة للدبابات.

تعزيز الاتصالات مع الخارج
يجب على المعارضة فهم طبيعة الانزعاج الذي تشعر به وسائل الإعلام الغربية والجماهير كذلك حيال ذلك النزاع وأن تعمل ببراعة على الحفاظ على بقاء الأحداث على الأجندة الدولية وأن تظل ملحة بالنسبة لضمير شعوبها.
في تغطية من داخل سوريا وصف تيم مارشال، من شبكة «سكاي» الإخبارية في يونيو (حزيران) حركة المعارضة قائلا: «تستخدم المعارضة آلة دعائية متطورة للغاية بما في ذلك استعانتها بـ(سكاي بي) و(يوتيوب) فيما نادرا ما يظهر المسؤولون الحكوميون لتقديم معلومات حول الجيش»، إذ يهتم «الجيش السوري الحر» باصطحاب مراسلين في عمليات أساسية، رغم أن تقارير أليكس ثومبسون من «القناة الرابعة» حول أنهم يتم اقتيادهم للمنطقة الخالية من إطلاق النيران، تظهر أنهم ما زال أمامهم الكثير ليتعلموه. فمن الضروري تعيين متحدث رسمي يستطيع التجاوب على مدار الساعة مع مطالب وأسئلة وسائل الإعلام العالمية ويفضل أن يكون ذلك الشخص مقيما في مكان داخل البلاد أو على الحدود التركية.

وفي الوقت نفسه، ما زال السوريون المقيمون بالخارج أو المنفيون يقدمون عروضا إبداعية حول الوضع في سوريا، من أبرزها عرض لمسرح العرائس بعنوان: «الأبله الأكبر: يوميا دكتاتور صغير»، ومسرحية تحمل عنوان: «66 دقيقة في دمشق» تقدم للمقيمين في لندن عرضا تخيليا حول الوضع تحت الاحتجاز السوري يعتمد على شهادات حقيقية.

تجنب السياسات الطائفية
حذر تقرير لمجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين البريطاني في بداية العام الحالي من أن «سوريا معرضة لحرب طائفية – العلويون والشيعة في مواجهة الأغلبية السنة والدروز، فيما يعلق المسيحيون، وغيرهم من الجماعات الأخرى في قلب خطوط النيران أو يضطرون لتشكيل تحالفات تكتيكية». فيجب أن تبذل المعارضة طاقتها القصوى لتجنب النزاعات الطائفية التي يسهل اندلاعها والتي ستعمل على تفتيت مجتمع ما بعد الأسد. فقد أوضح حداد في كتابه «الطائفية في العراق» كيف أن هناك حاجة ماسة لإقامة توازن مثالي بين الدولة والقومية الطائفية اللذين يتقاطعان في العديد من المناحي بما يسمح بإقامة توازن مثالي نظرا لأنه عندما تتبنى قومية الدولة موقفا لصالح أحد الفصائل على حساب الآخر فإن ذلك يؤدي إلى توترات طائفية وعادة ما ينتهي بالصدامات العنيفة.
فعلى المعارضة أن تضع خطة فورية لعملية المصالحة فيما بعد الأسد منفصلة عن عملية الانتقال لحكومة ديمقراطية.

مواجهة تهديد «القاعدة»
في الحادي عشر من يونيو (حزيران) قال وليام هيغ للبرلمان: «إن لدينا أسبابا للاعتقاد بأن هناك جماعات إرهابية ترتبط بتنظيم القاعدة قامت بشن هجمات لمفاقمة العنف هناك وهو ما له تداعيات خطيرة على الأمن الدولي». يجب على المعارضة مقاومة الرغبة في دعم أو تسهيل عمل الجماعات المتطرفة. فعلى الرغم من أنها تستطيع تقديم مزايا تكتيكية من خلال شن الهجمات على النظام فإنها سوف تثير النزاعات الطائفية كما سيسمح وجودها للنظام بالدفاع عن خطاب «الشيطان الذي نعرفه هو الأفضل».



النظام السوري




يرجع السبب الذي جعلني أبدأ بتحليل المعارضة السوية إلى اعتقادي بأن جعبة النظام قد خلت من الأفكار. فدائما ما كانت الأنظمة السلطوية تعتمد على سياسة التوازن بين العصا والجزرة للحفاظ على استمرارية حكمها، ولكنني أرى أن الوضع في الوقت الراهن يعني أن النظام يشعر أنه استخدم كافة أنواع الجزر التي يمتلكها وأصبح يركز تماما على استخدام أنواع متعددة ووحشية من العصا.

عاد مؤخرا جوليان بارنز - ديسي الخبير السياسي بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو متشائم تماما حول الوضع الراهن في سوريا دون أن يرى أي أمل في بزوغ حل سياسي للأوضاع هناك: «تبدو فرصة تقديم حل سياسي للأوضاع هناك محدودة للغاية حيث يعتمد كل شيء على ما إذا كان كوفي أنان سوف يستطيع الحصول على تنازلات فورية وذات معنى من الأسد – وهي الخطوة الوحيدة التي يبدو أنها تستطيع إخراج البلاد من أزمتها. ولكن ذلك مستبعد في الوقت الراهن - ولا يرجع ذلك لإحساس النظام بقوته ولكن على العكس يعود ذلك إلى أنه يشعر بضعفه».
لقد تضمنت جزرة الأسد حتى الوقت الراهن: المزيد من الحقوق والمواطنة للأكراد، إنهاء قانون الطوارئ، حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، إجراء تعديلات دستورية والسماح بنشأة أحزاب جديدة ووضع قوانين جديدة لوسائل الإعلام وتقديم امتيازات للمجتمع الإسلامي وغيره.



إلا أن المشكلة هي أن الأسد فقد شرعيته في إدارة البلاد، ومن ثم لم تعمل هذه العروض على تقليل حجم المظاهرات أو إنهائها رغم أنها ربما قد تكون قد شجعت البعض على ألا يقف ضد النظام – وهو عامل لا يمكن قياسه بدقة.

وفي الوقت نفسه، أصبحت خطة كوفي أنان هي اللعبة الوحيدة الصالحة للاستمرار دون أي إشارة إلى أن أيا من اللاعبين يحاول فعليا اللعب. فعلى الرغم من أن جماعات حقوق الإنسان قد أشارت إلى انخفاض معدلات العنف الدموي بنسبة 36 في المائة منذ الفترة التي كان يفترض تفعيل الخطة بها، أشارت مذبحتي الحولة والقبير إلى الانهيار الكامل لوقف إطلاق النيران غير الحقيقي.
ويشير تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية حول سيناريوهات الأوضاع في سوريا إلى أنه «يجب على كوفي أنان تشجيع المعارضة على المشاركة في عملية سياسية دون الشرط المسبق الخاص بتنحي الأسد». ففي الغالب لم يعد أمام النظام جزرة يقدمها بخلاف إجراء انتخابات رئاسية بمراقبة مستقلة لا تتم عرقلتها وتستطيع قيادات المعارضة المشاركة فيها وهو سيناريو مستبعد.


سيناريوهات الحرب الأهلية




في ظل غياب أي مبادرة سياسية، لم يعد أمامنا إلا النظر إلى العنف الذي تشنه الدولة ضد المعارضة من خلال السيناريو الثالث الذي تحدثنا عنه سابقا.
أصبحت اللغة المستخدمة في الحوار حول النزاعات الأهلية في سوريا متشائمة تماما خلال الأسابيع الأربعة الماضية. ووفق بعض المسؤولين بالأمم المتحدة، أصبحت سوريا على حافة حرب أهلية «كارثية» سوف تمتد خارج حدودها وستكون لها عواقب كارثية على الشرق الأوسط. وقد قال كوفي أنان، مبعوث الأمم المتحدة في يونيو إن «سوريا ليست ليبيا. فسوف تنفجر وسوف يمتد انفجارها إلى خارج حدودها».

وفي الوقت ذاته، قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون: «يمكن لسوريا أن تنتقل سريعا من كونها على حافة الانهيار للانهيار الفعلي. فهناك خطر حقيقي يهدد بالوقوع في براثن الحرب الأهلية الشاملة وهو ما ستكون له نتائج كارثية على سوريا والمنطقة برمتها». وقد قال وليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني: «لا نعلم كيف تتطور الأمور. فسوريا على حافة الانهيار أو على حافة الدخول في حرب طائفية، ومن ثم فإننا لا نستطيع استبعاد أي شيء». فيما قالت راديكا كومارسواني، مبعوثة الأمم المتحدة الخاصة للأطفال في النزاعات المسلحة بعد زيارتها للبلاد: «لم أرى من قبل مثل تلك الوحشية ضد الأطفال حيث تم احتجاز الأطفال وتعذيبهم وإعدامهم واستخدامهم كدروع بشرية».





لقد كان هناك جدل موسع حول مصطلح الحرب المدنية، حيث يصف النظام الأحداث بأنها معركة ضد المتطرفين، فيما تصف المعارضة أفعالها باعتبارها جزءا من انتفاضة ثورية. ونادرا ما يتم الحديث حول حرب أهلية ولكنها يتم الحديث عنها باعتبارها جزءا من العواقب المحتملة للفشل السياسي. وعلى غرار ما حدث في العراق عندما وقع تفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في 2006، فإنه لم يتم تفسير ذلك الحدث في إطار اندلاع حرب أهلية إلا بعد ذلك. ويدرك الشعب السوري تماما عواقب النزاعات المدنية الطائفية حيث إنه شهد جانبا من الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1991) والحرب الأهلية العراقية (2006 - 2008)
وأخذا في الاعتبار تلك النقاط هناك سيناريوهان رئيسيان في إطار استمرار العنف:


تسليح القوى الخارجية لمقاتلي المعارضة
على المستوى العملي، فإن قوات المعارضة تحتاج إلى مدفعية ودعم جوي في المناطق الريفية ومعدات مراقبة فعالة، وأسلحة جديدة تتضمن أسلحة «آر بي جي» متطورة، ومضادات للدبابات، وصواريخ محمولة، وبنادق قناصة تلائم المناطق المدنية التي يجري فيها القتال. وليس هناك من شك حول ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من زيادة زخم العنف الذي من المرجح أن يؤدي إلى زيادة أعداد القتلى والمصابين. وهو ما سيؤدي إلى وقوع مدن بأكملها فريسة للرعب مثلما كان حال بيروت والفلوجة، في كافة أنحاء البلاد. فعن ذلك يقول تقرير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «إن تقوية المقاومة المسلحة وتعزيزها سوف يؤدي إلى المزيد من العنف».

ألا تسلح القوى الخارجية مقاتلي المعارضة
قال المراقب المخضرم للشؤون السورية بـ«الغارديان»، باتريك سييل إن: «الطريق الوحيد لمنع اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق في سوريا.. هو النأي عن الجانب العسكري للنزاع والضغط على كلا الجانبين من أجل التفاوض». وفي يونيو أفادت «الغارديان» بأن هناك دليلا على وجود أسلحة تأتي من الحكومات في شمال سوريا، حيث تستخدم وحدات «الجيش السوري الحر» الأسلحة الخفيفة التي يأتي بها المنشقون أو التي يشترونها من القوات الموالية لهم والتي ما زالت تخدم في الجيش. فإذا ما تم حرمان مقاتلي المعارضة من الدعم الخارجي، سوف يضطرون إلى الحصول على الذخيرة من القوات الحكومية وسوف يلجأون للاعتماد على تكتيكات حرب العصابات ونموذج التمرد الذي شهدته العراق الذي يمتاز بشن هجمات «اضرب واجر» على القوات الحكومية ومنشآتها.


الخلاصة




إن مأساة الوضع في سوريا الرئيسية الآن هي الإجماع العام على أن الوضع سوف يستمر في التدهور على المدى القصير والمتوسط.
حيث إن الآليات الدبلوماسية الدولية معطلة، في الوقت الذي ما زال فيه الأطراف الرئيسيون على الأرض يتنازعون في حرب تتزايد دموية وتخلف أعدادا كبيرة من الجرحى بين صفوف المدنيين الأبرياء. وما يرغب ذلك المقال في إيضاحه هو أنه على الرغم من الصورة المظلمة، ما زال لدى المعارضة السورية القدرة على تقديم رؤية وخيارات جديدة للبلاد. وهو ما يتطلب رجال دولة حقيقيين يتحدثون ويقدمون خطابا متماسكا ومقنعا يستطيع أن يلتف الشعب حوله. وفي الوقت نفسه، فإن النظام، الذي يفتقر إلى الوسائل الجديدة والسلمية لتهدئة المظاهرات محاصر في لعبة خاسرة من رفع مستوى العنف الموجه ضد مدنه ومواطنيه.
font change