المساعي الدبلوماسية بين إسرائيل وإيران... سلام أم برميل بارود؟

كبح إسرائيل وإيران

إدواردو رامون
إدواردو رامون

المساعي الدبلوماسية بين إسرائيل وإيران... سلام أم برميل بارود؟

أخرجت الهجمات الإسرائيلية المثيرة على إيران في 13 يونيو/حزيران حرب الظل الطويلة بين البلدين إلى العلن، وهي الآن في طور التنفيذ الكامل، إذ باتت إيران وإسرائيل تستهدفان مناطق مدنية لدى الطرف الآخر. تمضي إسرائيل في هذه الحرب من دون أي تردد في قتل المدنيين الإيرانيين، تماما كما لم تُظهر في السابق أي اكتراث يُذكر في حروبها على غزة ولبنان. وتبدو طموحاتها في هذه الحرب متجاوزة لتدمير المواقع النووية والعسكرية الإيرانية، بل تتجه نحو تغيير النظام في إيران.

ورغم أن الولايات المتحدة لم تتدخل عسكريا حتى الآن، فإنها مرتبطة بالحرب ارتباطا لا يمكن فصله. فقد تزامنت الهجمات الإسرائيلية مع المحادثات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة. وكان من المقرر أن تُعقد الجولة السادسة منها في 15 يونيو في مسقط، لكن واشنطن تلاعبت بإيران وأعطت الضوء الأخضر للهجمات الإسرائيلية قبل انعقاد المفاوضات. ومع ما تتعرض له إيران من دمار واسع، يأمل ترمب أن تعود إيران إلى طاولة المفاوضات، مستسلمة فعليا لمطالبه وتوقّع اتفاقا. أما البديل، فقد يكون دخول الولايات المتحدة الحرب ضد إيران بشكل مباشر.

تمضي إسرائيل في هذه الحرب من دون أي تردد في قتل المدنيين الإيرانيين، تماما كما لم تُظهر في السابق أي اكتراث يُذكر في حروبها على غزة ولبنان

تختلف الأهداف المعلنة للحرب بين إسرائيل والولايات المتحدة. فبينما تعلن إسرائيل صراحة سعيها لتغيير النظام، من دون أن يكون واضحا الشكل الذي تريده لذلك، تريد الولايات المتحدة تغييرا في سلوك إيران فقط، على أن تثبت طهران أنها لن تمتلك أسلحة نووية، وأنها ستنهي عداءها للمنطقة.

وقد تكون هذه فرصة ذهبية لإيران لإحداث شرخ بين الولايات المتحدة وإسرائيل عبر التفاوض مع ترمب والوصول إلى اتفاق مقبول قد يقيها من أهداف إسرائيل الأشمل لتغيير النظام. وهناك مؤشرات على أن القيادة الإيرانية تسير في هذا الاتجاه، حتى بعد الدعم العلني من ترمب للحرب الإسرائيلية على إيران. ففي 17 يونيو، توجه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي يشغل أيضا منصب كبير المفاوضين في الملف النووي، إلى منصة "إكس" ليهاجم نتنياهو. واتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه يريد "إفشال اتفاق بين إيران والولايات المتحدة، كنا على المسار الصحيح لتحقيقه... إنه يخدع رئيسا أميركيا آخر، ويخدع المزيد من دافعي الضرائب الأميركيين، ويستخف بعقولهم علنا".

قد تنهي المحادثات الإيرانية الأميركية في هذا الظرف العصيب الحرب المدمرة مع إسرائيل. ومن شأن هذه المحادثات أن تخدم المصلحة الجارفة لغالبية دول المنطقة التي تسعى إلى خفض التصعيد. أما في المقابل، فإن توسع الحرب الإيرانية-الإسرائيلية لتشمل الولايات المتحدة قد يدفع إيران إلى محاولة إغلاق مضيق هرمز واستهداف القواعد الأميركية في المنطقة، بما في ذلك تلك الواقعة في دول مجلس التعاون الخليجي، ما سيكون كارثيا على استقرار المنطقة.

من يمكن اللجوء إليه؟

وقد تسعى عدة دول الآن إلى التقدم للعب دور في إنهاء هذا الصراع المدمر قبل أن يزداد اشتعالا في المنطقة. يمكن أن يكون لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين دور حاسم، نظرا إلى موقعهما الفريد في امتلاك علاقات واسعة مع الأطراف الثلاثة: ترمب وإيران وإسرائيل. وقد أعلن بوتين بالفعل عن استعداده، وقد يشكل الضغط المشترك من ترمب وبوتين على إيران وإسرائيل الوصفة المثلى لتحقيق هذا الهدف. كما يمكن أن تلعب الصين دورا أيضا، إذ إن لديها علاقات متينة مع كل من إسرائيل وإيران. ورغم أن بكين كانت حذرة من التورط المفرط في سياسات الشرق الأوسط، فإنها سبق وأن ساعدت في التوصل إلى اتفاق بارز بين إيران والسعودية أدى إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين.

وقد تكون السعودية شريكا مهماً أيضا. فالرياض، التي أدانت بحزم الهجمات الإسرائيلية على إيران، لا تقيم علاقات مع إسرائيل، وتشترط قيام دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية لتطبيع العلاقات. لكنها تتمتع بشراكة استراتيجية رئيسة مع ترمب. كما أن علاقاتها مع طهران تزداد أهمية، كما ظهر في زيارة وفد عسكري سعودي إلى إيران في أبريل/نيسان.

تجد إيران نفسها الآن أمام لحظة تاريخية لا يمكن النجاة فيها من دمار أوسع أو سيناريوهات أسوأ، مثل الفوضى أو انهيار الدولة، إلا من خلال دبلوماسية بطولية

وتعتبر طهران علاقاتها مع الرياض ذات أهمية قصوى، وأي انخراط سعودي في اتفاق محتمل سيكون عنصرا محوريا فيه. وحتى لو اكتفت المملكة بحثّ ترمب وإيران على التوصل إلى اتفاق، فإن كلمتها سيكون لها وقع كبير على الطرفين. كذلك يمكن للإمارات العربية المتحدة، الدولة الخليجية الوحيدة التي تقيم علاقات دبلوماسية مع كل من إيران وإسرائيل، أن تلعب دورا، شأنها شأن البحرين التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتطمح إلى إعادة علاقاتها مع طهران

وهناك أيضا أطراف من خارج المنطقة يمكن أن تلعب دورا في هذا السياق. فقد أثارت باكستان الكثير من الجدل من خلال إدانتها الصاخبة لإسرائيل ودعمها الخطابي لإيران. إلا أن هذا الدعم من غير المرجح أن يتجاوز مستوى التصريحات، إذ لا تسعى إسلام آباد إلى التورط في صراع جديد. وفي المقابل، لا تحظى الهند بكثير من الاهتمام، وهي التي تربطها علاقات ممتازة بكل من إسرائيل وإيران. فقد كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي شريكا مقربا من نتنياهو، وكانت الهند مؤخرا من الدول النادرة التي امتنعت عن التصويت في قرار رئيس يتعلق بغزة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، تقيم نيودلهي علاقات وثيقة وطويلة الأمد مع إيران. وفي سبيل الحفاظ على استقرار المنطقة، قد تستخدم هذه العلاقات كورقة ضغط، أو تساهم في محاولة أوسع لوقف الحرب.

رويترز
نيران وسحب من الدخان تتصاعد من منشأة شاران النفطية التي استهدفتها الغارات الإسرائيلية، طهران، 15 يونيو 2025

كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمجتمع الأوروبي الأوسع جزء من المشهد. فقد خيبوا آمال إيران بدعمهم الفعلي لإسرائيل في هذه الحرب. وكانت العلاقات بين الطرفين متدهورة أصلا بسبب الدعم العسكري الذي قدمته طهران لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. كما أن مكانتهم أمام الولايات المتحدة ليست قوية، كما ظهر في الخلاف العلني بين ترمب وماكرون خلال قمة مجموعة السبع في كندا. لكن نظرا إلى خبرتهم الواسعة في التعامل مع إيران، يمكن للأوروبيين أن يكونوا جزءا مهماً من الحل.

تجد إيران نفسها الآن أمام لحظة تاريخية لا يمكن النجاة فيها من دمار أوسع أو سيناريوهات أسوأ، مثل الفوضى أو انهيار الدولة، إلا من خلال دبلوماسية فعالة. لكن إن أحسنت استغلال هذه اللحظة، فهناك الكثير من الشركاء الإقليميين والدوليين الذين يمكن اللجوء إليهم.

font change

مقالات ذات صلة