لعل الأمر الأساسي الذي تحاوله إسرائيل عبر الحرب "الاستباقية" التي شنتها ضد إيران، يتمثل باستعادة مكانتها كقوة إقليمية وحيدة في المنطقة، على نحو يقارب ما كانته بُعيد هزيمتها عدة جيوش عربية في حرب يونيو/حزيران 1967، وربما أكثر من ذلك، بالنظر للتطورات الحاصلة في كل المجالات، ويشمل ذلك، أيضا، استعادة ثقة الإسرائيليين في دولتهم، إثر الهزة التي تعرضت لها في عملية "طوفان الأقصى"، وتعزيز مكانة إسرائيل على الصعيد الدولي بعد التآكل الذي حاق بها في السنوات الماضية.
انكفاء إسرائيل وصعود إيران
كان الدور الإقليمي لإسرائيل، منذ مطلع التسعينات، قد شهد نوعا من الانحسار، بدفع من عوامل متعددة، أهمها: انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وبداية عملية التسوية مع الفلسطينيين، وقيام الولايات المتحدة بإخراج جيش نظام صدام حسين من الكويت (1991)، مع كف يد إسرائيل، في حينه، عن أية مداخلة عسكرية.
بيد أن الانحسار الأساسي في دور إسرائيل حصل مع صعود دور إيران في المنطقة، إثر إسقاط نظام صدام (2003)، إذ سلمت الإدارة الأميركية العراق لإيران، عبر القوى الميليشياوية التي تشتغل كأذرع إقليمية لها، بعد أن قامت إدارة الحاكم الأميركي بول بريمر بتسوية الأرض تماما أمام تلك القوى، من خلال حل كل أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، وضمنها الجيش والشرطة، وفرض دستور طائفي، في ديمقراطية توافقية، بدلا من دستور يتأسس على المواطنة المتساوية، يشكل قاعدة لبناء دولة ديمقراطية.
منذ ذلك الحين، أي منذ هيمنتها على العراق، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، باتت إيران بمثابة الدولة الأكثر فاعلية، أو الأكثر نشاطية وتدخلا، في شؤون بلدان المشرق العربي واليمن، ليس بالقياس للدول العربية فقط، وإنما بالقياس، أيضا، لإسرائيل وتركيا، الدولتين الإقليميتين.