في منطقة تقف على شفا الجنون، حيث كل هجوم بطائرة مسيّرة هو همسة تنبئ بنهاية للعالم، وتحمل كل جنازة تُبث على الشاشات رسائل سياسية مشفّرة، اتخذت باكستان موقفها.
صرّح رئيس الوزراء شهباز شريف: "لإيران الحق في الدفاع عن النفس". وفي وقت لاحق من تلك الليلة، وخلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قدّم رئيس الوزراء شريف تعازيه في الأرواح التي أُزهقت جرّاء الغارة الجوية المفاجئة التي شنّتها إسرائيل. وجدّد تأكيده على أن باكستان تقف بثبات إلى جانب حكومة وشعب إيران في مواجهة ما وصفه بـ"العدوان غير المبرر وغير المشروع".
وذكّر رئيس الوزراء الباكستاني بأن باكستان أعلنت دعمها لإيران خلال جلسة مجلس الأمن الطارئة، وندّد بحملة "الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنّها إسرائيل ضد الفلسطينيين الشجعان"، واصفا إياها بأنها تهديد للسلم الإقليمي والدولي. وحثّ المجتمع الدولي على عدم التزام الصمت.
وجاء تصريح رئيس الوزراء الباكستاني، بعد ساعات فقط من إشعال الطائرات الحربية الإسرائيلية لسماء إيران، مستهدفة ما زُعم أنها منشآت نووية قرب نطنز وأصفهان.
وخلال ساعات فقط بعد الضربة الإسرائيلية، اندلعت الاحتجاجات في كراتشي ولاهور وبيشاور وإسلام آباد. خرجت حشود غاضبة إلى الشوارع، تلوّح بأعلام إيران وفلسطين، وتحرق رموزا إسرائيلية. فيما وجدت الأحزاب السياسية، المعتادة على التناحر، وحدة مؤقتة.
بالنسبة لكثيرين في باكستان، لم تكن هذه مجرد حرب أجنبية. بل كانت مواجهة روحية وتاريخية وأيديولوجية، امتدادا لصراع بدأ عام 1947، حين وُلدت باكستان من رحم الهوية الإسلامية ورفضت الاعتراف بدولة إسرائيل.
ومع ذلك، خلف الأبواب المغلقة، كان المسؤولون في إسلام آباد يرزحون تحت وطأة التوتر. تشترك باكستان مع إيران في حدود تمتد على 900 كيلومتر، معظمها تضاريس جبلية وعرة ومناطق خارجة عن السيطرة. وإيران ليست مجرد جار، بل شريك في رقصة معقّدة، غالبا متوترة، لكنها ضرورية من أجل البقاء المشترك.
في وقت سابق من هذا العام، أطلقت القوات الباكستانية صواريخ على مواقع إرهابية داخل الأراضي الإيرانية، ردا على سلسلة هجمات عابرة للحدود نفذتها جماعات مسلحة انطلقت من إقليم سيستان-بلوشستان الإيراني. ورد الطرفان بضربات عبر الحدود. لكن القصة الحقيقية كانت فيما حدث بعد ذلك: صمت، تلاه حوار دبلوماسي، ثم خطوات لخفض التصعيد. بعدها، عقد الجانبان محادثات لتسيير دوريات حدودية مشتركة، وتبادلا معلومات استخباراتية، واتفقا على تحجيم نشاط الجهات الفاعلة غير الحكومية.