ماذا لو فشلت المفاوضات الأميركية-الإيرانية؟

نهج ترمب تجاه خامنئي: مخاطرة كبيرة وعوائد محتملة

براين ستوفر
براين ستوفر

ماذا لو فشلت المفاوضات الأميركية-الإيرانية؟

قد تكون سياسة تقديم العصا والجزرة معا سياسة تقليدية في المفاوضات الدبلوماسية، ولكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب دفع بها إلى مستويات جديدة. وعلى الرغم من تراجعه عن عدد وفير من الإجراءات التي اتخذها، فإن موقفه الثابت حيال إيران لم يتغير. فمنذ البداية وضع أمامها خيارين واضحين: إما أن توافق على صفقة معه فتجني ثمارها، أو مواجهة هجمات عسكرية مدمرة إذا فشلت في إقناع العالم بعدم سعيها لامتلاك سلاح نووي. باختصار: الازدهار أو الهلاك.

وكما توقعتُ سابقا على صفحات "المجلة"، نجح نهج ترمب على الأقل في جلب إيران إلى طاولة المفاوضات. وحتى وقت قريب، في فبراير/شباط، ظل "المرشد" الإيراني، علي خامنئي، متصلبا في مواجهة مزيج ترمب المربك من التهديدات والمساعي الدبلوماسية، قائلا إن طهران لن تتحدث مع الولايات المتحدة. ولكن عندما أرسل ترمب رسالة إليه، استجاب له، وبدأت المفاوضات بين الجانبين الآن بشكل جيد. وقد عُقدت ثلاث جولات حتى الآن، في مسقط وروما، بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. وتضمنت الجولة الثالثة، التي عقدت في 26 أبريل/نيسان، مفاوضات فنية للمرة الأولى. ويقول الجانبان إن الجولات الثلاث الأولى كانت بناءة، وبينما لا تزال الخلافات قائمة، فإنهما متفائلان، وإن بحذر، بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق.

وفي كل مرة تقريبا يُسأل ترمب عن إيران، يشهر العصا ويعرض الجزرة. ففي 14 أبريل، خلال استضافته نظيره السلفادوري نجيب أبو كيلة في البيت الأبيض، قدم ترمب رؤيته المألوفة للجنة والنار لإيران. وقال: "أريدهم أن يكونوا أمة غنية وعظيمة". ثم أردف مسرعا: "إذا اضطررنا إلى فعل شيء قاسٍ، فسنفعله... أنا لا أفعل ذلك من أجلنا، بل أفعله من أجل العالم". وفي الآونة الأخيرة، صرح ترمب لمجلة "التايم" بأن الولايات المتحدة "ستتوصل إلى اتفاق مع إيران"، محذرا في الوقت ذاته من أنه إذا تعثرت المحادثات، فإن الولايات المتحدة "ستكون في المقدمة" في شن حرب على إيران.

كارثة

لقد تجلى مدى الكارثة التي قد تكون عليها الحرب بالنسبة لإيران في 26 أبريل بعد الانفجارات المروعة التي ضربت ميناء رجائي في جنوب إيران. حيث أصيب وقتل المئات. ويعيش المجتمع الإيراني في حالة صدمة وحداد. وقد تصل التكلفة الاقتصادية إلى مليارات الدولارات. وستكون التكلفة الحقيقية أعلى من ذلك بكثير، إذ إن معظم التجارة البحرية الإيرانية تتمّ عبر هذا الميناء. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الانفجار حادثا صناعيا أم إنه نتيجة تخريب أجنبي. إننا قد نجهل ذلك، ولكن المؤكد أنه في حال وقوع ضربات جوية إسرائيلية وأميركية في المستقبل، فإن الآثار ستكون شبيهة بما رأيناه في 26 أبريل، ولكن بصورة مضاعفة مرات عديدة. وسيشمل ذلك تدميرا هائلا للبنية التحتية الإيرانية وخسارة في الأرواح الإيرانية.

وسترتكب إيران خطأ فادحا إذا اعتبرت أن تهديدات ترمب بالعمل العسكري مجرد خداع، فترمب، على ما يبدو، صادق كل الصدق في هذا الشأن. إنه يريد حقا تجنب اتخاذ إجراء عسكري ويفضل مسارا سلميا، ولكنه سيكون مستعدا بلا ريب لاتخاذ إجراء عسكري إذا فشل الخيار الأول. أجل، يمكن أن يكون الرئيس متقلبا، ولذلك، إذا تمكنت إيران من إزعاجه أو جعله يشعر بأنها تتلاعب به، عن طريق إطالة أمد المفاوضات لفترة طويلة مثلا دون تقديم تنازلات حقيقية، فقد يختار شن ضربات عسكرية.

لقد كانت هذه المعادلة ذاتها مطروحة من الناحية الفنية طوال الوقت، فخلال مفاوضات 2013-2015 مع إيران، قال الرئيس أوباما أيضا مرارا إن الضربات العسكرية على البرنامج النووي الإيراني يمكن أن تكون خيارا إذا فشلت المحادثات. وفي سبتمبر/أيلول 2013، عندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي، قال أوباما: "نحن لا نستبعد أي خيارات، بما في ذلك الخيارات العسكرية"، ما أثار وقتها غضب محاوريه الإيرانيين.

على أن تهديدات أوباما لم تؤخذ حينذاك على محمل الجد، خاصة بعد تراجعه عن اتخاذ إجراء عسكري في سوريا على الرغم من تجاوز نظام الأسد لخطوطه الحمراء المفترضة باستخدام الأسلحة الكيماوية. ولم تكن الولايات المتحدة قد خلصت بعد من آثار مغامرة بوش في العراق، وكانت لذلك مترددة بشأن العمل العسكري. بل إن نتنياهو نفسه، على الرغم من كل معارضته لمفاوضات أوباما مع إيران، لم يكن بالضرورة متحمسا للهجمات العسكرية أيضا، ففي النهاية، عارضت حكومته اتخاذ مثل هذا الإجراء، كما فعلت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت.

تهديدات ترمب بشأن العمل العسكري ليست لفظية فقط. هناك الآن وجود عسكري أميركي أكثر قوة في الشرق الأوسط والمحيط الهندي مما كان عليه في معظم الأوقات في التاريخ الحديث

لقد طرأ تحول ملحوظ في كل من واشنطن وتل أبيب. وكما يتضح من مثال قصف الحوثيين في اليمن، لا يبدو أن ترمب يمانع في اتخاذ إجراء عسكري. بل إن تفضيله للرسائل البسيطة والواضحة قد يكشف، في الواقع، ميلا كامنا للتحرك على الأرض. صحيح أن المزاج في الولايات المتحدة لا يزال يعارض توريط البلاد في صراعات الشرق الأوسط، إلا أن حالة الشلل التي أعقبت حرب العراق لم تعد قائمة اليوم. حتى بعض مسؤولي أوباما أنفسهم يشددون على الحاجة إلى الاستعداد العسكري.
وفي هذا السياق، رأى دانيال شابيرو، السفير الأميركي الأسبق لدى إسرائيل في عهد أوباما، أن شن هجوم محتمل على إيران قد يكون أكثر إلحاحا اليوم من أي وقت مضى، وكتب: "ربما لم يكن التوقيت والحاجة والفرصة في أي وقت من الأوقات أكثر إلحاحا مما هي عليه الآن. بل يمكن القول إن الخيار العسكري أكثر جدوى الآن مما كان عليه في العقود الماضية".
وحتى ريتشارد نيفيو، قيصر العقوبات في عهد أوباما ومهندس اتفاق 2015 مع إيران، وجد نفسه يطلب من الإدارة الأميركية محاولة الدبلوماسية مع إيران ولكن أيضا الاستعداد لخيار عسكري.

تأثير نتنياهو


في ذلك الوقت، كان نتنياهو قد بدأ للتو ولايته الثانية. أما اليوم، فهو أطول رؤساء حكومات إسرائيل بقاء في المنصب، وقد خاض معارك متكررة للدفاع عن بقائه السياسي في مواجهة منتقديه المتزايدين داخليا وخارجيا. وهو يواجه محاكمات بتهم الرشوة والفساد أمام القضاء الإسرائيلي، بينما– خارجيا– تطالب به المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وقد يرى في شن هجمات على إيران فرصة لصنع إرث سياسي والهروب من أزماته الحالية.
إذن فإن تهديدات ترمب بشأن العمل العسكري ليست لفظية فقط. هناك الآن وجود عسكري أميركي أكثر قوة في الشرق الأوسط والمحيط الهندي مما كان عليه في معظم الأوقات في التاريخ الحديث. وقد نقلت الولايات المتحدة، في مارس/آذار، ستاً من قاذفاتها من طراز "B-2" إلى قاعدتها في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، ولديها إجمالي 19 قاذفة من هذه القاذفات الاستراتيجية الثقيلة، ومدى طيرانها المذهل يعني أنها تستطيع بسهولة الذهاب إلى إيران والعودة. وكان في هجماتها الأخيرة في اليمن برهان على ذلك.
وكما أوردت قناة "الحدث" السعودية، أرسلت الولايات المتحدة أيضا نظام الدفاع الصاروخي "ثاد" (THAAD)، إلى جانب بطاريات باتريوت، إلى إسرائيل، لتنضم إلى تلك التي أرسلها بايدن إلى إسرائيل في العام الماضي. وقد أظهر النظام فعاليته في اعتراض صواريخ الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، ومؤخرا في مارس.

إذا ما حُشِرت إيران في الزاوية، فقد تتسبب في قدر كافٍ من الفوضى في المنطقة وخارجها لجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لكثير من الدوائر الانتخابية


العامل الحاسم في الحسابات العسكرية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل هو تزايد ضعف إيران. فقد أدى تبادل إطلاق النار مع إسرائيل في عام 2024 إلى تدمير جزء على الأقل من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، على الرغم من أن مدى الضرر لا يزال غير متفقٍ عليه. والأهم من ذلك، أن إيران شهدت تفكيك جزء كبير من شبكتها من الميليشيات المتحالفة– أي ما يسمى "محور المقاومة". ويأتي هذا الانهيار في أعقاب الضربات القوية التي وجهتها إسرائيل ضد "حزب الله" و"حماس"، وتراجع نفوذ هذه الميليشيات في السياسة اللبنانية والفلسطينية والعربية الأوسع، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا. وبعد أن كان "حزب الله" يتباهى في السابق بمخزون يزيد على 100 ألف صاروخ موجهة نحو إسرائيل، فإنه يناقش الآن علنا نزع السلاح كوسيلة لدرء المزيد من الهجمات الإسرائيلية.
وفي مواجهة مثل هذه الظروف القاسية، وافقت إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وهي مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة. ومع ذلك، فإن وعيها التام بضعف مركزها التفاوضي العلني يدفعها إلى محاولة استعادة بعض النفوذ عبر التهديدات واستعراض القوة. وقد تجلى ذلك حتى في التقارير التي نشرتها "ديلي تلغراف" حول تفكير قادتها في شن ضربات استباقية على قاعدة دييغو غارسيا، وهو ما أعقبه نشر وسائل إعلام متشددة لمقاطع فيديو دعائية تصور هذه الهجمات. كما  تتبنى طهران تكتيكا آخر يتمثل في التحذير من التداعيات الكارثية لأي تصعيد عسكري، حيث لوح محلل مقرب من النظام باحتمالية ارتفاع أسعار النفط بشكل غير مسبوق قد يؤدي إلى ركود عالمي مدمر، وتفاقم أزمة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وهو ما يعكس محاولة واضحة لمخاطبة أولويات وحساسيات قاعدة ترمب الانتخابية.
وعلى الرغم من أن هذه التهديدات قد تبدو محاولات حرب نفسية، فإنها ليست تهديدات فارغة تماما. فإذا ما حُشِرت إيران في الزاوية، فقد تتسبب في قدر كافٍ من الفوضى في المنطقة وخارجها لجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لكثير من الدوائر الانتخابية. والنتيجة، أن ترمب– بقدر ما سيكون حذرا من توريط الولايات المتحدة في صراع آخر في الشرق الأوسط– لن يتردد إذا شعر أن المحادثات لا تسير في أي اتجاه. ويعِد نهجه تجاه إيران بمكافآت عالية للبلاد، لكنه ينطوي أيضا على قدر كبير من المخاطر. وسيتعين على إيران أيضا أن تعمل بجد لتجنب سوء التقدير.

font change