قد تكون سياسة تقديم العصا والجزرة معا سياسة تقليدية في المفاوضات الدبلوماسية، ولكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب دفع بها إلى مستويات جديدة. وعلى الرغم من تراجعه عن عدد وفير من الإجراءات التي اتخذها، فإن موقفه الثابت حيال إيران لم يتغير. فمنذ البداية وضع أمامها خيارين واضحين: إما أن توافق على صفقة معه فتجني ثمارها، أو مواجهة هجمات عسكرية مدمرة إذا فشلت في إقناع العالم بعدم سعيها لامتلاك سلاح نووي. باختصار: الازدهار أو الهلاك.
وكما توقعتُ سابقا على صفحات "المجلة"، نجح نهج ترمب على الأقل في جلب إيران إلى طاولة المفاوضات. وحتى وقت قريب، في فبراير/شباط، ظل "المرشد" الإيراني، علي خامنئي، متصلبا في مواجهة مزيج ترمب المربك من التهديدات والمساعي الدبلوماسية، قائلا إن طهران لن تتحدث مع الولايات المتحدة. ولكن عندما أرسل ترمب رسالة إليه، استجاب له، وبدأت المفاوضات بين الجانبين الآن بشكل جيد. وقد عُقدت ثلاث جولات حتى الآن، في مسقط وروما، بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. وتضمنت الجولة الثالثة، التي عقدت في 26 أبريل/نيسان، مفاوضات فنية للمرة الأولى. ويقول الجانبان إن الجولات الثلاث الأولى كانت بناءة، وبينما لا تزال الخلافات قائمة، فإنهما متفائلان، وإن بحذر، بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق.
وفي كل مرة تقريبا يُسأل ترمب عن إيران، يشهر العصا ويعرض الجزرة. ففي 14 أبريل، خلال استضافته نظيره السلفادوري نجيب أبو كيلة في البيت الأبيض، قدم ترمب رؤيته المألوفة للجنة والنار لإيران. وقال: "أريدهم أن يكونوا أمة غنية وعظيمة". ثم أردف مسرعا: "إذا اضطررنا إلى فعل شيء قاسٍ، فسنفعله... أنا لا أفعل ذلك من أجلنا، بل أفعله من أجل العالم". وفي الآونة الأخيرة، صرح ترمب لمجلة "التايم" بأن الولايات المتحدة "ستتوصل إلى اتفاق مع إيران"، محذرا في الوقت ذاته من أنه إذا تعثرت المحادثات، فإن الولايات المتحدة "ستكون في المقدمة" في شن حرب على إيران.
كارثة
لقد تجلى مدى الكارثة التي قد تكون عليها الحرب بالنسبة لإيران في 26 أبريل بعد الانفجارات المروعة التي ضربت ميناء رجائي في جنوب إيران. حيث أصيب وقتل المئات. ويعيش المجتمع الإيراني في حالة صدمة وحداد. وقد تصل التكلفة الاقتصادية إلى مليارات الدولارات. وستكون التكلفة الحقيقية أعلى من ذلك بكثير، إذ إن معظم التجارة البحرية الإيرانية تتمّ عبر هذا الميناء. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الانفجار حادثا صناعيا أم إنه نتيجة تخريب أجنبي. إننا قد نجهل ذلك، ولكن المؤكد أنه في حال وقوع ضربات جوية إسرائيلية وأميركية في المستقبل، فإن الآثار ستكون شبيهة بما رأيناه في 26 أبريل، ولكن بصورة مضاعفة مرات عديدة. وسيشمل ذلك تدميرا هائلا للبنية التحتية الإيرانية وخسارة في الأرواح الإيرانية.
وسترتكب إيران خطأ فادحا إذا اعتبرت أن تهديدات ترمب بالعمل العسكري مجرد خداع، فترمب، على ما يبدو، صادق كل الصدق في هذا الشأن. إنه يريد حقا تجنب اتخاذ إجراء عسكري ويفضل مسارا سلميا، ولكنه سيكون مستعدا بلا ريب لاتخاذ إجراء عسكري إذا فشل الخيار الأول. أجل، يمكن أن يكون الرئيس متقلبا، ولذلك، إذا تمكنت إيران من إزعاجه أو جعله يشعر بأنها تتلاعب به، عن طريق إطالة أمد المفاوضات لفترة طويلة مثلا دون تقديم تنازلات حقيقية، فقد يختار شن ضربات عسكرية.
لقد كانت هذه المعادلة ذاتها مطروحة من الناحية الفنية طوال الوقت، فخلال مفاوضات 2013-2015 مع إيران، قال الرئيس أوباما أيضا مرارا إن الضربات العسكرية على البرنامج النووي الإيراني يمكن أن تكون خيارا إذا فشلت المحادثات. وفي سبتمبر/أيلول 2013، عندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي، قال أوباما: "نحن لا نستبعد أي خيارات، بما في ذلك الخيارات العسكرية"، ما أثار وقتها غضب محاوريه الإيرانيين.
على أن تهديدات أوباما لم تؤخذ حينذاك على محمل الجد، خاصة بعد تراجعه عن اتخاذ إجراء عسكري في سوريا على الرغم من تجاوز نظام الأسد لخطوطه الحمراء المفترضة باستخدام الأسلحة الكيماوية. ولم تكن الولايات المتحدة قد خلصت بعد من آثار مغامرة بوش في العراق، وكانت لذلك مترددة بشأن العمل العسكري. بل إن نتنياهو نفسه، على الرغم من كل معارضته لمفاوضات أوباما مع إيران، لم يكن بالضرورة متحمسا للهجمات العسكرية أيضا، ففي النهاية، عارضت حكومته اتخاذ مثل هذا الإجراء، كما فعلت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت.