مضيق هرمز... تاريخ من التحديات

إيران لا يمكنها إغلاقه وحرية الملاحة العالمية خط دولي أحمر

ميشال تومسون
ميشال تومسون

مضيق هرمز... تاريخ من التحديات

حظي مضيق هرمز، الممر المائي الذي يقع بين شبه الجزيرة العربية وبلاد فارس (الآن بين الامارات وسلطنة عمان وإيران) بتاريخ ممتد منذ أزل بعيد. ودارت حوله أحداث تركت آثارها على مسيرة التجارة في هذه المنطقة من العالم، منها معركة مهمة في هذا المضيق بين اسطول عثماني واسطول برتغالي في أغسطس/آب من عام 1553، وقد تمكن البرتغاليون من هزيمة الأتراك والتحكم بالمضيق إلى حين.

ويتساءل البعض عن تسمية المضيق بهرمز، ويذكر المؤرخون أن العرب أقاموا مملكة هرمز في القرن العاشر الميلادي على السواحل الشرقية من الخليج، أي من الجانب الفارسي، واشتهرت بالتجارة وعملت على تربية الخيول وتصديرها إلى الهند. وربما كانت لهذه المملكة وتجارتها وطبيعة البشر فيها تأثيرات قيمة على تعزيز التجارة بين مدن السواحل الغربية من الخليج مع الهند وشرق أفريقيا. كانت السفن الشراعية تبحر إلى الهند وسواحل أفريقيا محملة الخيول وغيرها من الصادرات، وتعود محملة التوابل والأحجار الكريمة والأقمشة والذهب والعاج. أصبحت هرمز مركزا لتجميع السلع في جنوب الخليج، وقد تحكم البرتغاليون بها منذ عام 1514 قبل أن يتمكن الصفويون، الفرس، من طردهم واحتلالها في عام 1622 بعد أن تحالفوا مع الانكليز.

هرمز في العصر الحديث

لا يزيد عرض هذا المضيق على 50 كيلومترا، يمر من خلاله ما يقارب 20 في المئة من الإنتاج العالمي من النفط، إذ تصدر السعودية نحو 88 في المئة من صادراتها النفطية من خلاله، والعراق 98 في المئة، والامارات نحو نصف صادراتها منه، وكذلك صادرات النفط الكلية للكويت وقطر وإيران. أما عرض ممر الدخول والخروج في المضيق فلا يزيد على 10.5 كيلو مترات، وهو يتعامل مع 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميا.

إغلاق مضيق هرمز يمثل تهديدا كبيرا للاقتصاد العالمي ويعني انقطاع امدادات النفط عن الاقتصادات المستهلكة ومنها الصين، والهند، والدول الآسيوية، والأوروبية، وهل تجازف إيران بتوقف صادراتها النفطية؟

يلعب المضيق دوره كممر ومنفذ للصادرات والواردات في منطقة الخليج العربي، وإن تغيرت الآليات والسلع والبضائع على مدار الزمن، نظرا الى حساسية التعامل مع امدادات النفط وأهميتها في التجارة الدولية واقتصاديات الطاقة. منذ بداية إنتاج النفط في بلدان المنطقة في بداية عشرينات القرن الماضي، فإن أية صراعات أو مناوشات بين بلدان المنطقة تثير المخاوف وتؤدي إلى رفع أسعار النفط وتكاليف تأمين الشحنات التي تمر من خلاله.

مضيق هرمز و"حرب الناقلات"

أهم الصراعات ذات الصلة، كانت الحرب العراقية الإيرانية التي اشتعلت في سبتمبر/ أيلول 1980، بعد نجاح ثورة الخميني في إيران. تلك الحرب أثرت على الصناعة النفطية وإنتاجها في العراق وإيران وأثرت على الدول المجاورة. لكن زاد التوترات، قيام الإيرانيين خلال الحرب بمهاجمة الناقلات النفطية بهدف التأثير على الدول الخليجية المصدرة للنفط. أطلقت على هذه الممارسات تسمية "حرب الناقلات". استفز العراق الإيرانيين بعد مهاجمتهم ناقلات النفط الإيرانية في محاولة لمنع إيران من تصدير نفطها. وقد دفع استمرار التوترات الإيرانيين الى اتخاذ إجراءات متعسفة، منها محاولة إغلاق مضيق هرمز أمام كل حركة النقل البحري. وأدت هذه التوترات إلى دفع دول الخليج إلى الاستعانة بالأميركيين لحماية امدادات النفط من الهجمات الإيرانية.

 

لا شك أن أحداثا مؤسفة جرت خلال حرب الناقلات ونتج منها قتل العديد من الجنود والمواطنين من مختلف بلدان المنطقة. وعزز قيمة المضيق، مرور ناقلات النفط من خلاله، والصراع الذي دار خلال الحرب العراقية الإيرانية، وزاد أهمية حمايته من أي تصرفات غير مسؤولة من أي من الدول المشاطئة له. لا يبدو أن هناك أي دولة سوى إيران في الوقت الحاضر تحاول أن توظف المضيق في صراعاتها الإقليمية.

ما هي أخطار حرب إسرائيل وإيران؟

يثير مراقبون ومحللون سياسيون واقتصاديون إمكان قيام إيران بإغلاق المضيق في ظل تضاؤل إمكانات الدفاع عن نظامها السياسي وبرنامجها النووي. عدد من هؤلاء يتوقع حدوث ذلك، ويشير إلى إمكان بلوغ سعر برميل النفط ما يراوح بين 120 إلى 150 دولارا. يمكن أن يطلق على هؤلاء اسم المبشرين بيوم الحشر أو " Doomsayers". ويمثل غلقه تهديدا كبيرا للاقتصاد العالمي، ويعني انقطاع امدادات النفط عن الاقتصادات المستهلكة ومنها الصين، والهند، والدول الآسيوية، والأوروبية. فهل تجازف إيران بتوقف صادراتها النفطية وهي تعاني من أوضاع اقتصادية مزرية؟ الأهم من ذلك، هل ستغلق المضيق متحدية مصالح دول العالم ومنها دول صديقة مثل الهند والصين، وتؤثر على اقتصادات دول الخليج وهي تحاول أن تحسن علاقات حسن الجوار معها؟

توقف الامدادات العالمية التي تعبر المضيق سيدفع الأسعار النفطية إلى الارتفاع وإحداث موجة تضخم غير مرغوب بها في الدول المستهلكة للنفط

لا بد أن يؤدي أي عمل من هذا العيار إلى توافق دولي على حماية المضيق والتجارة النفطية. وسيشكل غلقه خطا أحمر ولن يكون مفيدا للإيرانيين. الصراع محدد الآن بين إسرائيل وإيران، وليس من مصلحة طهران معاداة العالم والقوى الاقتصادية الرئيسة التي يهمها استمرار تدفق امدادات النفط.

تهديدات بالإغلاق

وصرح إسماعيل كوثري، عضو لجنة الأمن في البرلمان الإيراني، بأن "إيران تدرس بجدية إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي"، على الرغم من أهمية استمرار الامدادات النفطية. ليس هناك ما يؤكد الجدية في اتخاذ مثل هذا القرار، ولكن تدخل الأميركيين وغيرهم يصبح حتميا في حال القيام بذلك، مما يعني أن إيران توسع دائرة المحاربين ضدها. فمرور ما يقارب 20 مليون برميل من النفط من خلال المضيق، يعد أمرا مهما للاقتصاد العالمي، وسيدفع توقف هذه الامدادات الأسعار النفطية إلى الارتفاع وإحداث موجة تضخم غير مرغوب فيها في الدول المستهلكة للنفط. وإذا استطاعت إيران إغلاق المضيق في خضم صراعها مع إسرائيل، فإن الإغلاق قد يستغرق أياما ثم يستدعي تدخلا عسكريا لفتحه ووضع حد للتهديدات الإيرانية.

أ.ف.ب.
حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس دوايت أيزنهاور" خلال عبورها مضيق هرمز، 26 نوفمبر 2023

لا بد أن يكون الأمر صعبا ومكلفا، ويؤدي إلى خسائر بشرية ومادية، وقد تتأثر بلدان الخليج المجاورة بشكل أو بآخر. مثل هذا الأمر، وإن كان قصير الأجل ومحدود التكاليف، فإن الإمارات والسعودية كانتا تتوجسان من هذا الاحتمال ودرستا إمكانات إيجاد طرق أخرى لتفادي عبور المضيق. وتعتمد قطر بشكل كبير على المضيق حيث تنقل الغاز الطبيعي عبره، وهي تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي، وتوازي صادراتها ربع الاستهلاك العالمي من الغاز.

الممرات المائية شرايين التجارة العالمية

الممرات المائية عديدة في العالم وهي شرايين للتجارة العالمية وتعزز النمو والتنمية في معظم بلدان العالم. يتميز عالمنا العربي بعدد من هذه الممرات ومنها مضيق هرمز ومضيق جبل طارق (بين المغرب وإسبانيا) وقناة السويس وباب المندب. هناك ممرات عالمية أخرى مثل قناة بنما وقناة كيبل ومضيق البوسفور ومضيق الدردنيل ومضيق بالك ومضيق ماجلان ومضيق برينغ.

أي من هذه الممرات، يمكن أن يمنح دولة أو أكثر إمكانات التحكم بالمرور، ولكن دول العالم اتفقت من خلال القرارات الأممية على حرية الملاحة في أي منها دون تضييق أو استفزاز. لا بد أن تتعامل إيران مع الشروط والأنظمة الدولية وتتصرف بحكمة مع مسألة المرور من خلال مضيق هرمز وتعمل على تطوير علاقات إيجابية مع دول الجوار ومع البلدان المستفيدة من إمدادات النفط والغاز.

font change

مقالات ذات صلة