"انفصال" كاليفورنيا... بين الواقع الدستوري والتطلعات السياسية

نقطة توتر كامنة في النسيج السياسي والدستوري

أ.ف.ب
أ.ف.ب
حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، يحمل مشاريع قوانين خاصة بالولاية خلال مؤتمر صحفي، 23 يناير

"انفصال" كاليفورنيا... بين الواقع الدستوري والتطلعات السياسية

أثارت احتجاجات لوس أنجليس خلال شهر يونيو/حزيران الجاري ضد تشديد سياسات الهجرة بالإضافة إلى تصريح حاكم ولاية كاليفورنيا، "جافن نيوسوم"، في 4 أبريل/نيسان 2025، حول "عزمه عقد اتفاقيات بشكل منفرد ومباشر بين الولاية وبقية دول العالم لتجنب تداعيات التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جدلا واسعا حول مستقبل العلاقة بين كاليفورنيا والحكومة الفيدرالية.

فعلى الرغم من أن نيوسوم لم يعلن مطلقا نيته للانفصال عن الاتحاد، بل جاء تصريحه بصيغة دبلوماسية غير مباشرة، ضمن دعوة لعدة إجراءات طارئة لمواجهة سياسات الحكومة الفيدرالية، لضمان استمرار واستقرار العلاقات التجارية للولاية مع شركائها في جميع أنحاء العالم، واصفا اقتصادها بأنه "عماد الخيمة" بالنسبة للاقتصاد الأميركي، إلا أن هذا التصريح أعاد للواجهة سجالا دستوريا قديما أقدم من نشأة الدستور نفسه حول "إمكانية انفصال الولايات عن الاتحاد الأميركي".

ويتجدد ذلك السجال كلما تصاعدت الخلافات بين الولايات والحكومة الفيدرالية المركزية، وتتداخل فيه عدة أبعاد دستورية وتاريخية وسياسية معقدة تثير عدة تساؤلات، حول مدى استقلالية الولايات وقدرتها على التصرف بمعزل عن السياسة الفيدرالية؟ هل يجيز الدستور انفصال الولايات بالإرادة المنفردة؟ هل هناك سوابق تاريخية لانفصال ولايات عن الاتحاد؟ هل توجد سوابق قضائية تناولت هذا الموضوع؟ هل يمكن عمليا على أرض الواقع أن تشهد الولايات المتحدة سيناريو انفصال ولاية بحجم كاليفورنيا، أم إن هذا من قبيل الخيال السياسي؟

الإطار الدستوري والقانوني للانفصال في الولايات المتحدة

لطالما كان حق الولايات في الانفصال بالإرادة المنفردة، نقطة توتر كامنة في النسيج السياسي والدستوري للولايات المتحدة منذ اللحظة الأولى لتأسيسها، وبخاصة تباين الرؤى حول طبيعة الاتحاد، هل هو مجرد "ميثاق" بين ولايات ذات سيادة كاملة، يمكن لكل منها الانسحاب منه متى شاءت، أم إنه اتحاد دائم وغير قابل للحل.

ويعود ذلك الجدل للظهور بين الحين والآخر، خاصة في أوقات الاستقطاب الشديد أو عندما تتصادم مصالح الولايات مع السياسات الفيدرالية، فبينما يراه البعض تعبيرا عن حق السيادة الذاتية للولايات، ورثته من مركزها القانوني السابق كدويلات مستقلة، ارتأت بإرداتها الحرة أن تكون عضوا في الاتحاد، ومن ثم يكون من حقها الانسحاب منه إذا تجاوزت الحكومة الفيدرالية حدود صلاحياتها، يراه البعض الآخر تهديدا وجوديا لمفهوم الأمة الواحدة، وتقويضا لأسس الدولة والاتحاد المكون للولايات المتحدة.

لطالما كان حق الولايات في الانفصال بالإرادة المنفردة، نقطة توتر كامنة في النسيج السياسي والدستوري للولايات المتحدة منذ اللحظة الأولى لتأسيسها

وإزاء الغموض الدستوري حول هذه المعضلة يتعين الرجوع إلى الوثائق الدستورية الأولى للولايات المتحدة، والتي تشكل الإطار المرجعي للدستور قبل إقراره عام 1787، وهي: وثيقة إعلان الاستقلال (Declaration of Independence)، ومواد الكونفدرالية (Articles of Confederation)، والأوراق الفيدرالية (Federalist Papers)، وذلك لاستيضاح نية ومقصد المشرع الدستوري في هذا الصدد.

 وثيقة إعلان الاستقلال 1776

وهي الوثيقة الرسمية لقيام دولة الولايات المتحدة الأميركية التي تبناها ممثلو "المستعمرات" الأميركية الثلاث عشرة في 4 يوليو/تموز 1776، وأعلنوا فيه أنفسهم "ولايات" مستقلة، وأنهم ليسوا جزءا من الإمبراطورية البريطانية، وتعتبر هذه الوثيقة هي حجر الأساس في النظام الدستوري الأميركي، وقد وردت فيها الحجج الفلسفية والسياسية التي تُبرّر انفصال المستعمرات عن التاج البريطاني، بناء على الحق الطبيعي للشعوب في "تغيير أو إلغاء" الحكومات التي تفشل في حماية وضمان حقوق المواطنين الأساسية. مما رسخ مبدأ سيادة كل ولاية على حدة في مواجهة السلطة المركزية بغض النظر عن جنسية هذه السلطة، وهو ما قد يُفسره البعض كأساس نظري لحق "الانفصال أو الانسحاب المشروع"، إلا أن الإعلان لم يتطرق صراحة لحق الولايات في الانسحاب من اتحادٍ قائم، بل ركز بالأساس على الاستقلال عن بريطانيا.

 مواد الكونفدرالية (1777-1789)

تعتبر هذه الوثيقة أول دستور مؤقت للولايات المتحدة، وقد أخذ هذا الدستور بنظام الاتحاد الكونفدرالي، أي الاتحاد ضعيف الروابط، وكان الهدف منه إنشاء إطار حكومي يوحد الولايات الثلاث عشرة بعد الاستقلال، وعلى الرغم من النص في ديباجة هذا الدستور على مفهوم "ديمومة" الاتحاد (Perpetual Union)، فإن المادة الثانية منه نصت على "حق كل ولاية في الاحتفاظ بسيادتها وحريتها واستقلالها"، وبالتالي تُركت في ظله لكل ولاية سيادة شبه كاملة، وهو ما جعل الاتحاد في تلك المرحلة أشبه بتحالف بين دول مستقلة، مما قد يوحي بإمكانية الانسحاب، علاوة على أن مواده لم تتضمن نصا صريحا يحظر الانسحاب، ما فتح الباب على مصراعيه لتأويلات متباينة لاحقا.

 الأوراق الفيدرالية (1787-1788)

وهي مجموعة من 85 مقالة كتبها ثلاثة من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وهم ألكسندر هاملتون، وجيمس ماديسون، وجون جاي، تحت الاسم المستعار "بوبليوس"، نُشرت في عدة صحف، لإقناع ممثلي الولايات في المؤتمر الدستوري بوجه عام، وممثلي ولاية نيويورك تحديدا للتصديق على مشروع الدستور الفيدرالي المقترح، حيث كانت فيها معارضة ومقاومة قوية للدستور، من قبل "المناهضين للفيدرالية"، الذين كانوا يخشون أن يؤدي الدستور إلى نشأة حكومة مركزية قوية للغاية، وقد أعيدت طباعتها وتوزيعها في ولايات أخرى، مما جعلها مؤثرة على المستوى الوطني للولايات المتحدة، وأصبحت مرجعا أساسيا لفهم وإيضاح الدستور الأميركي.

وظهر جليا فيها الدفاع عن وحدة الاتحاد ورفض تفككه، ووجوب النظر إلى الاتحاد ككيان دائم موحد، وتصوير الانفصال كتهديد للأمن والاستقرار، ورغم أن بعض المعارضين للدستور في ذلك الوقت جادلوا بإمكانية انسحاب الولايات، فإن هذه المقالات نجحت في دحض حجج المعارضين، ففي المقال رقم 15 مثلا أكد ألكسندر هاملتون على أن الاتحاد الجديد يقوم على "نظام قانوني شامل" وليس مجرد معاهدة بين دول مستقلة، بينما رأى جيمس ماديسون في المقال رقم 39 أن الدستور يجمع بين عناصر فيدرالية ووحدوية، مما يقوّض فكرة السيادة المطلقة للولايات، بينما في المقال رقم 81 ناقش ألكسندر هاملتون حدود سيادة الولايات، مؤكدا أن السيادة المتبقية للولايات لا تعني حقها في الانسحاب من الاتحاد أو تحدي سلطة الحكومة الفيدرالية متى شاءت، بل إن الدستور الجديد جاء ليقيد هذه السيادة لصالح وحدة الاتحاد.

موقف الدستور الأميركي وتعديلاته

لم يتضمّن الدستور نصا صريحا يُجيز أو يمنع انفصال إحدى الولايات عن الاتحاد بالإرادة المنفردة، بل نجد أنه قد ورث من سلفه، "مواد الكونفدرالية"، مفهوم ديمومة الاتحاد، والذي انتقل إليه ضمنيا في ديباجته، خصوصا مع تعبيره عن سعي الشعب إلى "تشكيل اتحاد أكثر كمالا (A More Perfect Union)، ما يدلّ على نية الاستمرارية وعدم القابلية للتفكك، وأن الهدف الحقيقي من تأسيس الولايات المتحدة لم يكن مجرد تجميع مؤقت لكيانات مستقلة، بل خلق أمة موحدة ذات "سيادة مشتركة" بين الحكومة الفيدرالية والولايات لا تسمح لأي ولاية بالتصرف ككيان سيادي كامل خارج الإطار الفيدرالي.

وما أكد هذا المفهوم أن مواده صيغت لضمان استمرارية وديمومة الاتحاد، فمثلا تنظم المادة الرابعة، قبول ولايات جديدة في الاتحاد أو إعادة تقسيم وتنظيم الولايات القائمة، إلا أنها لا تشير إلى إمكانية الخروج من الاتحاد أو الانفصال عنه. كما أقرت المادة السادسة منه مبدأ "سمو الدستور الفيدرالي والقوانين الفيدرالية (Supremacy Clause) على أي دستور ولاية أو قانون داخلي مخالف للدستور والقوانين الفيدرالية، بوصفه "القانون الأعلى في الدولة"، إلا أن التعديل العاشر احتفظ للولايات بالسلطات غير المنصوص عليها صراحة للحكومة الفيدرالية، وهو ما يحد بشكل كبير من قدرة أي ولاية على التصرف بشكل مستقل تماما عن الاتحاد، بما في ذلك قرار الانفصال.

لم يتضمن الدستور نصا صريحا يُجيز أو يمنع انفصال إحدى الولايات عن الاتحاد بالإرادة المنفردة، بل نجد أنه قد ورث من سلفه، "مواد الكونفدرالية"، مفهوم ديمومة الاتحاد

البُعد التاريخي لتطور مفهوم الانفصال

أزمة الحرب الأميركية-البريطانية 1812: وفيها ظهرت بوادر فكرة الانفصال بشكل جدي لأول مرة، عندما فرضت بريطانيا بسبب حروبها مع نابليون قيودا تجارية قاسية على الولايات المتحدة، إضافة إلى تجنيد البحرية البريطانية للبحارة الأميركيين قسرا وإجبارهم على الخدمة في سفنها، واعتبارهم مواطنين بريطانيين، مما اعتُبر انتهاكا لسيادة الولايات الأميركية، ما دفعها إلى إعلان الحرب في يونيو 1812 بقرار من الكونغرس خلال إدارة الرئيس جيمس ماديسون، وقد أضرت هذه الحرب بالاقتصاد الأميركي ضررا بالغا، خاصة في ولايات إقليم "نيو إنغلاند" (الولايات الشمالية الشرقية) التي تربطها علاقات تجارية وثيقة ببريطانيا والتي عارضت قرار إعلان الحرب بضراوة بحسبانه تهديدا لمصالحها التجارية، وقاد هذه الحملة الحزب الفيدرالي (حزب سياسي سابق) الذي نظم مؤتمر هارتفور عام 1814 واقترح فيه لأول مرة فكرة الانسحاب من الاتحاد، والذي قوبل بالرفض من أغلبية أعضاء المؤتمر، خاصة بعد انتصار الولايات المتحدة في الحرب، وكان ذلك السبب الرئيس في أفول نجم الحزب الفيدرالي نتيجة اتهام أعضائه بالخيانة بسبب موقفهم من الحرب.

الحرب الأهلية الأميركية (1861-1865): تعد هذه الحرب نقطة تحول حاسمة في تاريخ الانفصال، ففي نوفمبر 1860 فاز الرئيس أبراهام لينكولن (أول مرشح رئاسي عن الحزب الجمهوري) بالانتخابات الرئاسية، والذي كان مرشحا معروفا بمناهضته للعبودية، أعلنت تباعا 11 ولاية من الولايات الجنوبية، التي يعتمد اقتصادها على الزراعة القائمة على العبيد، ابتداء من ديسمبر/كانون الأول 1860 انفصالها عن الولايات المتحدة بسبب الخلاف حول قضية العبودية، إلى جانب قضايا اقتصادية وسياسية أخرى.

رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترمب

وقد عمدت هذه الولايات إلى تقنين انفصالها وإصدار وثائق دستورية وقانونية تتشابه مع تلك الوثائق التي انضمت بموجبها إلى الاتحاد، حيث أصدرت كل ولاية من الولايات الجنوبية "مرسوم الانفصال" (Ordinance of Secession)، وكانت هذه المراسيم تصدر عادة من خلال مؤتمرات خاصة تعلن فيها الولاية أنها لم تعد جزءا من الاتحاد. يستتبع ذلك إصدار كل ولاية "إعلان الانفصال" (Declaration of Secession)، والذي يعتبر بمثابة الوثيقة التفصيلية التي تصدرها الولاية لتبرير قرارها بالانفصال، وتتشابه هذه الإعلانات إلى حد كبير مع "إعلان الاستقلال" الأميركي من حيث الصياغة، لكنها ركزت على الدفاع عن حقوق الولايات وحقها في إبقاء العبودية، فمثلا أشار إعلان انفصال ولاية "كارولينا الجنوبية" إلى أن الولايات الشمالية انتهكت الدستور من خلال عدم إنفاذ قانون العبيد الهاربين ومعارضة توسع العبودية، وأكدت هذه الإعلانات على مبدأ "حقوق الولايات" وأن لكل ولاية الحق في تقرير مصيرها، بما في ذلك الانفصال. وفي فبراير/شباط 1861 أعلنت الولايات المنفصلة قيام دولة "الولايات الكونفدرالية الأميركية"، واعتماد "الدستور المؤقت الانتقالي للولايات الكونفدرالية"، واختيار جيفرسون ديفيس كرئيس للدولة الجديدة (والرئيس الوحيد)، وفي مارس 1861 صدر "دستور الولايات الكونفدرالية"، ودخل حيذ التنفيذ في فبراير 1862.

وعلى الصعيد الآخر، لم تعترف الحكومة بهذا الانفصال، واصفة إياه بأنه عمل غير دستوري وتمرد على الاتحاد يجب قمعه بالقوة العسكرية المسلحة، وقد انتهت الحرب عام 1865 باستسلام الكونفدرالية وانتصار الشمال على الجنوب، وعودة الولايات المنفصلة إلى الاتحاد، وترسخ مبدأ أن الولايات لا تملك الحق في الانفصال من جانب واحد، وهو ما جسدته كلمات الرئيس لينكولن في خطاب "جيتيبيرغ"، عندما وصف شعب الولايات المتحدة بأنه "أمة واحدة غير قابلة للتجزئة" (One nation indivisible) ، ومن الملاحظ أنه قبل الحرب الأهلية كان من المعتاد استعمال فعل الربط للجمع (Are) للتعبير عن الولايات المتحدة، بينما بعد الحرب أصبح يستعمل فعل الربط للمفرد (Is) فقط، بما مؤداه أن الولايات المتحدة لم تعد مجرد مجموعة من الولايات، بل كيان سياسي واحد ودائم.


في نوفمبر 1860 فاز الرئيس أبراهام لينكولن بالانتخابات الرئاسية، والذي كان مرشحا معروفا بمناهضته للعبودية، أعلنت تباعا 11 ولاية من الولايات الجنوبية، التي يعتمد اقتصادها على الزراعة القائمة على العبيد، ابتداء من ديسمبر 1860 انفصالها عن الولايات المتحدة

السوابق القضائية للمحكمة العليا الأميركية

تناولت المحكمة العليا الأميركية شرعية تصرفات ولاية تكساس خلال الحرب الأهلية في حكمها الشهير "ولاية تكساس ضد جورج وايت" 1869، وكان وايت أحد المدعى عليهم قد اشترى سندات خزانة من الحكومة الكونفدرالية في تكساس خلال الحرب الأهلية، وقضت المحكمة بأن الاتحاد هو كيان دائم غير قابل للانفصام إلا بتوافق جميع الولايات أو عبر ثورة ناجحة جديدة، ولا يمكن لأي ولاية الانفصال عنه بإرادتها المنفردة، واعتبرت أن كافة أعمال ولاية تكساس أثناء فترة الانفصال وما ترتب عليها من آثار باطلة قانونا، وقد رسّخ وعزز هذا الحكم مبدأ وحدة الاتحاد الفيدرالي ورفض الانفصال الأحادي، وهو ما أكده رئيس المحكمة سالمون تشيس وقت صدور الحكم أن "أي تغيير في العلاقة بين الولايات والحكومة الفيدرالية لا يتم إلا من خلال الوسائل الدستورية، وليس عبر قرارات أحادية من جانب الولايات".

هل هناك بدائل دستورية لانفصال الولايات أحادي الجانب؟

طرح بعض فقهاء القانون الدستوري خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر نظريتي الإبطال (Nullification) والاعتراض (Interposition) كبدائل للانفصال الأحادي. وتقوم نظرية الإبطال على أن للولاية حق إبطال قانون اتحادي تعتبره غير دستوري داخل حدودها، بينما تقوم نظرية الاعتراض على أن للولاية الحق في الاعتراض على أعمال الحكومة الفيدرالية والتدخل لمنعها حماية لحقوق مواطنيها من تجاوزات الحكومة الفيدرالية. ولا توجد إشارة صريحة في الدستور الأميركي لهاتين النظريتين، ولكن الفقه استند إلى التفسيرات السياسية والفلسفية لحقوق الولايات، التي ظهرت في "قرارات المجالس التشريعية لولايتي كنتاكي وفيرجينيا" (1798-1799) والتي كتبها توماس جيفرسون وجايمس ماديسون خلال إدارة الرئيس جون آدامز، عندما كان الأول يتولى منصب نائب الرئيس، وكان الثاني عضوا في الكونغرس، ورغم تبني بعض الولايات لهاتين النظريتين، فإن القضاء الفيدرالي وعلى رأسه المحكمة العليا، خاصة بعد حكمها في قضية ولاية تكساس ضد جورج وايت 1869، رفض هاتين النظريتين، مرجحا مبدأ سمو الدستور الاتحادي وأن الفصل في دستورية القوانين اختصاص حصري للمحكمة العليا لا الولايات.

أ.ف.ب
متظاهر يقود دراجة هوائية أمام مركبات محترقة قرب المبنى الفيدرالي خلال احتجاج ردا على عمليات الهجرة الفيدرالية في لوس أنجلوس، في 8 يونيو

وتُعد كاليفورنيا حالة فريدة داخل الاتحاد الأميركي من حيث القوة الاقتصادية والتوجهات السياسية الليبرالية، ما جعلها في صدام متكرر مع الحكومات الفيدرالية المحافظة، خصوصا خلال رئاسة ترمب. وقد ظهرت على مر العقود عدة حركات انفصالية رمزية كان أبرزها حركة "نعم كاليفورنيا" والمعروفة إعلاميا (بكاليكزت-Calexit ) عقب انتخابات 2016، مطالبة باستفتاء على الاستقلال، لكنها لم تتجاوز حدود النقاش العام أو المبادرات غير الملزمة. ورغم غياب الدعم الرسمي، فإن هذه الدعوات تعكس مزاجا شعبيا آخذا في التنامي، خاصة بعد احتجاجات لوس أنجليس يونيو 2025 ضد تشديد سياسات الهجرة، ولذلك يمكن القول إن تصريح الحاكم نيوسوم قد جاء في سياق رمزي يعبّر عن رغبة في تعزيز الاستقلالية، دون الخروج عن الإطار الدستوري الفيدرالي.

font change