غافن نيوسوم… حاكم كاليفورنيا الذي يتطلع للإقامة في البيت الأبيض

انتقاده العنيف لترمب جعل الجمهوريين يتعاملون معه كمنافس رئاسي جدي

إدواردو رامون
إدواردو رامون

غافن نيوسوم… حاكم كاليفورنيا الذي يتطلع للإقامة في البيت الأبيض

في خطاب ألقاه مطلع هذا الشهر، وتوجّه من خلاله إلى نحو أربعين مليونا من سكان كاليفورنيا، وملايين الأميركيين في أنحاء البلاد، ندّد حاكم الولاية، غافن نيوسوم، بما وصفه بـ"العسكرة غير القانونية" التي يمارسها الرئيس دونالد ترمب في مدينة لوس أنجلوس.

وجاء هذا الانتقاد الحاد عقب قرار إدارة ترمب إرسال آلاف الجنود الإضافيين، إثر اليوم الثاني من الاحتجاجات، على اعتقال مهاجرين غير نظاميين، ومع اتساع رقعة الاضطرابات إلى مدن أميركية أخرى.

وحذّر نيوسوم من أن تصرفات الرئيس تشكّل منعطفا خطيرا في مسار البلاد، واصفا ما يحدث بأنه "خيال مريض لرئيس ديكتاتوري". وأضاف: "ما نشهده ليس تطبيقا للقانون، بل استبداد سافر. ما يريده دونالد ترمب، قبل كل شيء، هو ولاؤكم، صمتكم، وتواطؤكم معه في هذه اللحظة. فلا تنساقوا وراءه".

وأشار الحاكم إلى المداهمات الفيدرالية الأخيرة، التي استهدفت أحياءً ذات غالبية لاتينية، وإلى إجبار أربعة آلاف من عناصر الحرس الوطني في كاليفورنيا على الخدمة دون سند قانوني، فضلًا عن نشر أكثر من 700 عنصر من مشاة البحرية في شوارع مدينة أميركية، دون أي تشاور مسبق مع السلطات المحلية أو مسؤولي الولاية.

رفعت الولاية دعوى قضائية ضد الرئيس بسبب إرساله القوات دون موافقة الحاكم. فمن النادر جدا أن يضطلع الجيش الأميركي بأي دور في تنفيذ القانون داخل البلاد

وأضاف أن "ترمب يفرض طوقا عسكريا شاملا على لوس أنجلوس. إنه الضعف متنكّرا في هيئة قوة"، ووصف اللحظة بأنها محطة للمساءلة الوطنية، ومواجهة الحقيقة، داعيا الأميركيين إلى التحرك السلمي". وأضاف: "في الديمقراطية، المنصب الأهم ليس هو الرئيس، ولا الحاكم، بل المواطن".

وقد رفعت الولاية دعوى قضائية ضد الرئيس بسبب إرساله القوات دون موافقة الحاكم. فمن النادر جدا أن يضطلع الجيش الأميركي بأي دور في تنفيذ القانون داخل البلاد. وتمثل هذه المواجهة في لوس أنجلوس أول مرة منذ عام 1965 يُرسل فيها رئيس أميركي قوات من الحرس الوطني إلى مدينة دون موافقة حاكمها. علما أن القوات المسلحة، وتحديدا مشاة البحرية، سبق أن نُشرت في مناسبات سابقة داخلية، للتعامل مع كوارث كبرى، كإعصار كاترينا عام 2005 وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وكانت المظاهرات قد اندلعت بعد أن تبيّن أنّ عناصر من إدارة الهجرة والجمارك، ينفذون مداهمات في أحياء ذات كثافة سكانية من أصول لاتينية. وقد تصاعدت هذه الحملات منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وتجديده تعهده بمكافحة الهجرة غير الشرعية.

أ.ف.ب
حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، يحمل مشاريع قوانين موقعة لدعم جهود الاستجابة والإنعاش في لوس أنجلوس خلال مؤتمر صحفي، كاليفورنيا، 23 يناير

وبينما وجّه ترمب تركيزه نحو ولاية كاليفورنيا، أصدر حاكم ولاية تكساس الجمهوري، غريغ أبوت – المعروف بقربه من ترمب– أمرًا بنشر الحرس الوطني في مدينة سان أنطونيو، استعدادا لمظاهرات مرتقبة. كما تصدت الشرطة للمتظاهرين في أوستن ودالاس. وفي نيويورك أيضا، احتشد الآلاف من المحتجين، وأفادت الشرطة لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بأنها اعتقلت "عددا كبيرا" من الأشخاص خلال تظاهرات، وصفت في معظمها بالسلمية. أما في سان فرانسيسكو، فقد خرج آلاف المحتجين أيضا، واعتُقل أكثر من 150 شخصا بعد أن تحوّل الاحتجاج قرب مكتب الهجرة والجمارك إلى اشتباك عنيف يوم الأحد. كما سُجلت بؤر توتر في أتلانتا وشيكاغو وفيلادلفيا وواشنطن العاصمة.

وفي خضم موجة الغضب التي تجتاح البلاد، ساهمت انتقادات نيوسوم الصريحة لتكتيكات ترمب في تعزيز صورته كأحد أبرز معارضي الرئيس، ما دفع البعض إلى التكهّن بإمكانية ترشحه للرئاسة في وقت لاحق.ولد غافن كريستوفر نيوسوم في 10 أكتوبر/تشرين الأول 1967، ويتولى منذ عام 2019 منصب الحاكم الأربعين لولاية كاليفورنيا. وقد شغل سابقا منصب نائب الحاكم بين عامي 2011 و2019، وكان قبلها عمدة مدينة سان فرانسيسكو الثاني والأربعين بين عامي 2004 و2011، وكل ذلك ضمن صفوف الحزب الديمقراطي.

تخرج من جامعة "سانتا كلارا" عام 1989 بعد أن حصل على شهادة في العلوم السياسية. بعد ذلك، أسس شركة "بلامب جاك غروب" المتخصصة في صناعة النبيذ في أوكفيل، كاليفورنيا، بالتعاون مع الملياردير وصديق العائلة، غوردون جيتي، كمستثمر. ونمت هذه الشركة حتى باتت تدير 23 مشروعا تجاريا، بينها مصانع للنبيذ ومطاعم وفنادق.

بدأ نيوسوم مسيرته السياسية عام 1996، عندما عينه عمدة سان فرانسيسكو، ويلي براون، في اللجنة المكلفة بمواقف السيارات والمرور بالمدينة. وفي العام التالي عينه براون، الذي كان مرشدا لكامالا هاريس، وشريكا لها في النهاية، ليشغل منصبا شاغرا في مجلس المشرفين، ثم انتخب نيوسوم لعضوية المجلس لأول مرة عام 1998.

في عام 2004، لفت نيوسوم الأنظار إليه على الصعيد الوطني، عندما أصدر توجيهات إلى المسؤول عن إصدار رخص الزواج، في مدينة ومقاطعة سان فرانسيسكو، بإصدار تراخيص زواج للأشخاص من الجنس نفسه، منتهكا بذلك قانون الولاية

في عام 2004، لفت نيوسوم الأنظار إليه على الصعيد الوطني، عندما أصدر توجيهات إلى المسؤول عن إصدار رخص الزواج، في مدينة ومقاطعة سان فرانسيسكو، بإصدار تراخيص زواج للأشخاص من الجنس نفسه، منتهكا بذلك قانون الولاية. إلا أن المحكمة العليا في كاليفورنيا ألغت الزيجات التي أجازها نيوسوم، لتعارضها مع قانون الولاية، في أغسطس/آب 2004. وقد أدت خطوة نيوسوم غير المتوقعة إلى لفت الأنظار على الصعيد الوطني، إلى قضية زواج المثليين، مما عزز الدعم السياسي له في سان فرانسيسكو وفي مجتمع الميم.

رغم أن حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسوم كان يُعد في وقت من الأوقات نجما صاعدا في السياسة الوطنية، إلا أنه تراجع تدريجيا عن دائرة الضوء، مع تحوّل الاهتمام العام– وطنيا– إلى ما يجري في واشنطن، وإلى النقاش الدائر على الساحة المحلية بشأن المستقبل السياسي لكامالا هاريس، محليا.

غير أن الأمور تغيّرت الآن، إذ يصعّد دونالد ترمب وحلفاؤه هجماتهم على نيوسوم في ظل تصاعد الاضطرابات المرتبطة بالهجرة، في خطوة تبدو– من غير قصد– وكأنها تعزز مكانته لدى التيار التقدمي في البلاد. وقد أعادت هذه المواجهة المتصاعدة نيوسوم، المعروف بطموحاته الرئاسية التي لم يسعَ يوما لإخفائها، إلى صدارة المشهد الإعلامي من جديد.

ومع اقتراب نهاية ولايته في عام 2026، تأتي عودة نيوسوم إلى الواجهة في لحظة حرجة بالنسبة للديمقراطيين في كاليفورنيا، الذين لا يزالون يسعون لاستعادة زخمهم بعد الهزيمة القاسية التي تجرّعوها في الانتخابات الأخيرة. أما حملة ترمب التصعيدية ضد لوس أنجلوس، فقد منحت القيادة الديمقراطية في الولاية، عن غير قصد، دفعة معنوية جديدة، ويبدو أن نيوسوم يستمتع بالمواجهة على نحو خاص، وهو يدرس الآن احتمال ترشحه للانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2028، حاله في ذلك حال الكثير من المسؤولين الديمقراطيين المنتخبين.

رويترز
حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال جولة ترمب إلى المناطق المتضررة أو المدمرة بسبب حرائق الغابات في جنوب كاليفورنيا، الولايات المتحدة، 24 يناير

ويمكن أن نتبين بروز نيوسوم كمرشح رئاسي حقيقي في المستقبل للديمقراطيين، من خلال الردود العدائية التي يتلقاها من كبار الجمهوريين، مثل رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الذي دعم انتقادات الرئيس له. وبعد أن قال إن الرئيس "محق تماما" في إرسال الحرس الوطني ومشاة البحرية إلى لوس أنجلوس، مع استمرار الاحتجاجات ضد إدارة الهجرة والجمارك، دعم جونسون انتقادات الرئيس لنيوسوم، وقال إن الحاكم يجب أن يُعاقب كما كان يُفعل في القرن الثامن عشر، بأن يُدهن بالقطران، ويُغطى بالريش.

في هذه الأثناء، بدأ ترمب يحوّر– على جري عادته– اسم الحاكم من نيوسوم إلى "نيوسكَم" في تحوير ساخر لاسمه يدمج بين "نيوسوم" وكلمة "scum" الإنجليزية التي تعني "حثالة" وهو ما سخر منه نيوسوم في مقابلة أجريت معه مؤخرا ووصفها بأنها "إهانة من شخص غير ناضج" وأضاف في منشور له على منصة (إكس): "من الجيد أن نعلم أننا نتخطى مرحلة الاعتقال، وننتقل مباشرة إلى أشكال العقاب التي كانت سائدة في القرن الثامن عشر. تهديد يناسب رغبة الحزب الجمهوري في إعادة بلادنا إلى القرن الثامن عشر".

"على الرغم من فظاظة هذه الإهانات، فإنها تعكس حقيقة سياسية أعمق، وتكشف كيف أن انتقادات نيوسوم الصريحة لسياسة ترمب في مجال الهجرة قد أقنعت خصومه الجمهوريين بأن يتعاملوا معه كمنافس جدي محتمل على منصب الرئاسة في المستقبل.

font change