مأساة شبان بيرمنغهام.. وتراجيديا أوسكار - ريفا

مأساة شبان بيرمنغهام.. وتراجيديا أوسكار - ريفا

[caption id="attachment_55242733" align="aligncenter" width="618"]أوسكار بستوريوس و صديقته القتيلة ريفا ستينكامب أوسكار بستوريوس و صديقته القتيلة ريفا ستينكامب [/caption]


انفعل واكتسى صوته شيء من الغضب، مستمعٌ اتصل بالمذيع جيمس أوبريان أثناء فترته الإذاعية في "إل بي سي" ظهر نهار الجمعة 22 الجاري. سعيد مسلم، لكنه لم يكن سعيداً على الإطلاق عندما تدخل في حوار حول ما إذا كانت الجالية الإسلامية في بريطانيا تفعل أي شيء يحول دون غسل أدمغة بعض الشبان فإذا هم إرهابيون، هدفهم إزهاق أرواح بريطانيين مثلهم.

غضب المستمع مبرر. المذيع نفسه أدهشه ما سمع، فتساءل هو الآخر: كيف يحدث ذلك؟ ملخص القصة هو التالي: قال سعيد إن شكوكا ساورته لجهة سلوك نفر من الشبان المسلمين شعر أنهم ربما يكونون متأثرين بفكر متطرف، فبادر إلى إبلاغ جهة مسؤولة علّها تراقبهم من باب الحذر، لكن ما حصل في الواقع أنه وأسرته وُضِعوا تحت المراقبة!

سبق جيمس أوبريان، في الفترة الصباحية، زميله نِك فيراري. تداخلت خيوط مداخلات المستمعين وتشابكت. بينهم من البريطانيين غير المسلمين مَن تصدى لخطأ تعميم خطيئة الإرهابيين وجرها على المسلمين كافة، وبين هؤلاء المذيعان فيراري وأوبريان. لكن، بين المتدخلين من زعق بغضب أيضا ما مضمونه: لماذا يقيم هؤلاء الإرهابيون بيننا، لماذا لا نطردهم، نعيدهم إلى بلادهم؟ حاول فيراري تهدئة أحدهم، قال له: لكنهم بريطانيون(!) رد المستمع الغاضب: لا يعنيني ذلك(!) أما المتدخلون من البريطانيين المسلمين فوجدوا أنفسهم، كما الحكاية دائما، في منصة محامي الدفاع عن دينهم.

يحضرني الآن التعبير الإنجليزي المعروف:
HERE WE GO AGAIN

ليست لديّ ترجمة دقيقة له، ربما يمكنني ترجمته: ها نحن نعيد الكَرّة. إنما المقصود أن الإسلام سيظل بين حين وآخر يدخل قفص اتهام وسائل إعلام مقروءة، مسموعة، ومشاهدة، توصل خدمتها الإعلامية لجمهورها أينما كان في مشارق الأرض ومغاربها، وعبر أدوات متاحة في كل حين، فهي محمولة على الأكف، وليست جزءا من أثاث بيوت ومكاتب.


[caption id="attachment_55242735" align="alignleft" width="300"]البريطانيون الثلاثة المتهمون بالارهاب البريطانيون الثلاثة المتهمون بالارهاب[/caption]

نعم، سيحصل مثل هذا الأمر، كلما اكتُشف أمر مجموعة مسلمين يخططون لعمليات إرهابية، أو إنهم تمكنوا فنفذوا ما خططوه من إجرام بإسم الإسلام. هذه حقيقة لا مفرّ منها أمام مسلمي المهجر، في بريطانيا وفي غيرها، من تقبلها، والتأقلم مع ما تسببه من ألم موجع للنفس أحياناً، ومثير لغضب مفهوم، حتى حين ينزع في بعض الأحيان نحو لوم وسائل الإعلام ذاتها، من دون التأمل في حقيقة أن مَن أدخل الإسلام أقفاص الاتهام في مجتمعات الآخرين هم مسلمون أطلقوا الرصاص على دينهم ذاته، إذ فجروا القنابل ليسفكوا دماء "كفار" فتحوا لهم أبواب بلادهم، فظن نفرٌ منهم أن آنَ أوانُ غزوهم في عقر دارهم.

أعجب أن هذا العبث المجنون مستمر منذ بدأ مسلسل الذبح وجزّ الأعناق في الجزائر، أوائل التسعينيات، فسالت دماء أهل البلاد وبعض ضيوفهم من الرهبان، وغيرهم، بأيد جزائرية زكّت ذاتها على غيرها من العباد، فيما صمتت غالب مرجعيات المسلمين، إذ راحت تظن أنها قد أمنت الشر، لأن نار تلك الفتنة كانت تستعر بعيداً عن الدار؟

كلا، ليس ثمة غرابة، بل الغريب إنكار أن هناك مشكلة تحتاج أن يجدّ عقلاء جاليات المسلمين في الغرب بالبحث عن حل لها جذري، واقعي، وممكن التفيذ، على الأقل في ما يحول دون نمو مزيد من خلايا التنطع والإرهاب بين شبان المسلمين المولودين على الفطرة، مثل غيرهم من البشر.

***



مأساة أوسكار- ريفا






ليس بعيداً عن خطيئة القتل، كنتُ بدأت هذا النص بالتالي: لماذا يقع بعض نجوم مجتمع ما في شِراكِ فعل سوءٍ بشع، ينزل بهم من علياء شهرة تحظى بتقدير واحترام، إلى حضيض جريرة تغدو مضرب الأمثال في سوء العاقبة، فيما كان يُفتَرَض في الواحد منهم إدراك كم يمثّل لغيره من قدوة، وقد صار ممن تُضرب بهم الأمثال على أن نيل النجاح ممكن، وبلوغ المستحيل مُتاح برغم كل المُعوِقات؟

أثار التساؤل خبر مأساة قتل أوسكار صديقته ريفا ستينكامب؟


[caption id="attachment_55242736" align="alignleft" width="172"]أوسكار بستوريوس.. من بطل أولمبي ونجم في جنوب افريقيا إلى قاتل أوسكار بستوريوس.. من بطل أولمبي ونجم في جنوب افريقيا إلى قاتل[/caption]

على الفور قفزت إلى الذهن من مخزن الذاكرة قصة الأميركي أورينثال جيمس سمبسون، الشهير بـ "أو. جي"، وزوجته نيكول براون. ثم استُدعيت للشهادة حكاية الرئيس بيل كلنتون والسكرتيرة المتدربة مونيكا لوينسكي. كلاهما من قصص صحافة التسعينيات المثيرة.

أتذكر كيف كانت حمى التنافس تستعر حيثما كانت هناك جرائد ومحطات تلفزيون، لم تكن ثورة الانترنت قد انتشرت، ليس فقط في تغطية وقائع جلسات مستر سمبسون، أو جلسات الاستماع لتفاصيل، بعضها كان يُضحك ومنها ما يُخجِل، في ورطة السيد الرئيس الذي واجه خطر العزل، كلا... التنافس ذهب بالشطّار من أهل الصحافة أبعد من مجرد نقل ما هو مذاع، الى البحث عن أبطال جدد للقصة، شهود غير متواجدين في المشهد، جيران في الحارة، نجمات مرحلة المراهقة، أصدقاء زمن الدراسة، زملاء في الوظائف الأولى، وهكذا!

هل يبذل الصحافيون الشبان من جيل زمان غوغل، الجهد ذاته، أو ما يقترب منه، أم أن غواية الكسل لها الأفضلية؟ لست أدري، وليس لي أن أرتدي جبّة القاضي، إنما يمكنني القول بلا تردد، إن الاكتفاء بنقل ما يرد عبر الوكالات وعلى مواقع الانترنت عن تراجيديا قتل أوسكار بستوريوس للشابة ريفا ستينكامب، أو مأساة شبان بيرمنغهام عرفان نصير، عرفان خالد، وعاشق علي، المُدانين (رغم نفيهم التهمة) بالتخطيط لتفجير قنابل في أماكن مكتظة من مدن بلدهم الذي ولدوا فيه وكبروا، لن يرقى إلى مستوى الأداء الإعلامي المتوقع من جمهور أية صحيفة، إذاعة، أو تلفزيون.

يجب خلع عباءة الكسل، ولا مفر من النزول الى الشارع، ذلك ما يوفر لـ "دِسك" الأخبار مادة ليست بمكرورة، ولا مجترة، وما هي مستنسخة، ثم إن العثور عليها ليس بالمستحيل، فلطالما قيل: إذا وُجِدت إلارادة توفر الطريق. تمنيات بالتوفيق.
font change