مسيحيو مصر بين "نضال الديمقراطية" و"المظلومية القبطية"

مسيحيو مصر بين "نضال الديمقراطية" و"المظلومية القبطية"

[caption id="attachment_55245838" align="aligncenter" width="620"]حركة أقباط بلا قيود تُعلن مُشاركتها فى تظاهرات 30 يونيو المطالبة بانتخابات رئاسية سابقة لأوانها في مصر حركة أقباط بلا قيود تُعلن مُشاركتها فى تظاهرات 30 يونيو المطالبة بانتخابات رئاسية سابقة لأوانها في مصر[/caption]

الحوادث التي تظاهر الأقباط بسببها في محيط الكاتدرائية كانت تمس "صورتهم المجتمعية" أولا احتجاجا على صحيفة نشرت وقائع مغلوطة عن راهب له فضائح أخلاقية، وثانيا احتجاجا على اختفاء زوجتي كاهنين، تردد أنهما كانتا مقدمتين على اعتناق الإسلام، أو هكذا أشيع، وأستقر في خطاب الحركات الإسلامية الراديكالية التي وجدت في المناسبتين فرصة مواتية لابتزاز نظام مبارك من ناحية، والتضييق علي الأقباط من ناحية أخرى. ولم يكن مستبعدا أن يكون نظام مبارك- بما أمتلكه من خبرات في اللعب على أوتار الملف الديني- أن تكون تلبيته لمطالب الأقباط بإعادة السيدتين لهم مقرونة بإطلاق التيارات الإسلامية للهجوم عليهم تحقيقا للتوازن الذي عشقه إلى حد الرتابة السياسية وتدشين الطائفية في الممارسة العملية، وابتعاد النظام الحاكم من مرمى النيران. أما المناسبتين اللتان خرج فيها الأقباط محتجين وغاضبين في المجال العام فقد اقترنت بحقوق المواطنة وهي الحق في الاعتقاد وأداء الشعائر الدينية (اغلاق كنيسة العمرانية)، والحق في العبادة والسلامة الشخصية (تفجيرات كنيسة القديسين)

مما سبق يتضح أن خروج الأقباط باحتجاجاتهم من صحن "الكنيسة" إلى "المجتمع" استغرق ما يقرب من عقد من الزمن، وكان احتجاجهم على نظام مبارك سابقا لسقوطه ببضعة أشهر، مما جعل مشاركتهم في الثورة المصرية عام 2011 تأكيدا على خروجهم إلى المجتمع مطالبين بالمساواة والحرية والديمقراطية أسوة ببقية المصريين. راود قطاع عريض من الأقباط والمسلمين حلم بأن الطائفية انتهت إلى زوال في ميدان التحرير مع سقوط نظام مبارك، وتنسموا معا عبيرا جديدا، وتطلعوا إلى تحقق أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولكن لم يمض وقت طويل حتي تبين أن الأحلام التي راودت المصريين لم تكن واقعية، فقد أطلت التوترات الدينية بوجهها القبيح، تارة في هدم كنيسة "صول"، ثم حرق كنيسة "إمبابة" ثم الاعتداء على كنيسة "المريناب"، فضلا عن التوسع في إحالة أقباط إلى المحاكمة بتهمة إهانة العقيدة الإسلامية، فضلا عن اختفاء فتيات قبطيات قاصرات يٌشاع تزوجهن لمسلمين في إطار ظاهرة أعم وأشمل عن خطف أطفال ونساء وأحيانا رجال، مسلمين ومسيحيين، طلبا للفدية في ضوء الانفلات الأمني الذي ضرب المجتمع المصري منذ ثورة 25 يناير إلى الآن. وجاء تولي الدكتور محمد مرسي، أول رئيس لمصر من التيار الإسلامي ليزيد من المخاوف القبطية، ويرفع من مستوى شعورهم بالتحديات التي تواجههم خاصة في ظل تمتع بعض الفصائل الإسلامية، التي يربطها بالنظام القائم، تحالف وتنسيق بغطاء واضح في تعاملها الخشن مع الأقباط في مناسبات عديدة.
منذ ذلك الحين وجد الأقباط أنفسهم بين طريقين يتوازيان حينا، ويتقطعان حينا آخر. هل النضال يكون من أجل "حرية مصر" أم من أجل "مواطنة الأقباط" أم الأثنين معا؟ هنا تبدو الإشكالية الممتدة.

عرفت الثورة المصرية خروجا للشباب القبطي إلى ميادين النضال الديمقراطي. تشكلت حركة "شباب ماسبيرو" من قلب النضال أمام مبني ماسبيرو احتجاجا على ما حدث في كنيسة "صول" بعد أسابيع من سقوط نظام مبارك. فقد هدم السكان المحليون مبنى الكنيسة، ولم تفلح الدولة وقتئذ بقيادة المجلس العسكري في حل الأزمة إلا بالاستعانة بالمشايخ السلفيين لتهدئة الخواطر الهائجة، مما أعطى انطباعا لدى قطاع من الأقباط بأن قضاياهم تعالج بعد الثورة على أرضية دينية طائفية وليس من خلال المنظور الوطني المدني الأرحب الذين توقعوه في أعقاب ثورة 25 يناير.

"شباب ماسبيرو"، وما تلاهم من حركات شبابية قبطية متعددة الأسماء هم نتاج واقع سياسي مرتبك يجعلهم دائما بين مفترق الطريق الذي طالما واجه الأقباط: الديمقراطية لمصر أم المواطنة للأقباط، أم كلا الأمرين متلازمين غير منفصلين. في بعض الأحيان يتلاصقون مع الحركات الشبابية المصرية المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وفي أحيان أخرى يرون أنفسهم في خندق المطالبة بحل المظالم القبطية، وما بين النضال من أجل الديمقراطية والسعي إلى مواجهة المظلومية القبطية يجد الشباب القبطي النشط نفسه في غالب الأحيان. ولا ينبغي أن نجهل أمرين في هذا الخصوص: أولهما الإرث الطائفي في الإعلام والتعليم والوظائف الذي نشأ عليه الشباب القبطي على مدار عقود، وثانيهما التفاعل مع الحركات الشبابية الاحتجاجية. في الأولى تقوقع حول المظلومية القبطية الممتدة دون حل، وفي الثانية انفتاح على رحابة النضال السياسي الديمقراطي.

في حادث "الخصوص" الذي وقع في إبريل 2013، وما تلاه من مواجهات أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ما يشير إلى أن الشباب القبطي بدأ يفقد حلمه. يواجه عنفا بعنف، ويسعى إلى صد العدوان باللجوء إلي أساليب النضال اللا سلمي، والسبب يعود إلى أن دولة العدالة غير متحققة، والقانون غائب أو مغيب، ومؤسسات الدولة لا تفعل الكثير أو القليل لحل مشاكل مواطنيها. هنا يظهر التأثير الذي تعرض له الشباب القبطي من خبرة الاحتكاك مع الاحتجاجات الشبابية على مستوى الشارع التي تلجأ إلى العنف في مواجهة النظام القائم بما يحويه من نزعات للاستئثار بالسلطة، واقصاء المختلفين، والسعي إلى إعادة تشكيل هوية الدولة وفق تصورات فصيل سياسي واحد دون مشاركة من جانب الفصائل السياسية الأخرى.

ورغم أن هناك أحداثا ظهر فيه "القبطي" بمظهر من يلجأ للعنف إلا أنه يصعب تصور أن تنشأ حركات قبطية تؤسس منهجها علي العنف لتحقيق غاياتها أو أهدافها. سيظل الأمر عشوائيا وليد اللحظة، مقصور على شباب في مواجهة واقع متأزم، وليس منهجا فكريا متكاملا يقوم على فكر وتنظيم وحركة. ولعلنا نتذكر أن خبرة "الكتيبة الطيبية"، التي بدأت مطبوعة تحمل الأسم، ثم تجمع قبطي في أحد المناطق العشوائية (عزبة النخل)، رغم حدة خطاباتها، وإرتفاع منسوب الشعور بالاحتقان الطائفي بين أعضائها، لم تنزلق لتأسيس مرجعية فكرية للعنف أو تجعلها منهجا لها، ولم تكن في مناسبات كثيرة سوى معبئة لطاقات الغضب، ودافعة للتظاهر. ثانيهما أن الحضور القبطي في مصر معقد، الطرف الأكثر تنظيما وتشعبا فيه هو "المؤسسة الكنسية"، وهذه –بحكم تكوينها وفلسفتها وخبرتها التاريخية- يصعب أن توفر أية مظلة فكرية أو مؤسسية للجوء للعنف. ثالثهما وجود قطاع عريض من الأٌقباط في المهن المختلفة، وبخاصة في القطاع الخاص، واعتمادهم اقتصاديا علي التفاعل مع المجتمع العام، بمسلميه ومسيحييه، يؤثرون عادة العلاقات الهادئة، وينأون بأنفسهم عن أي صدام قد يحدث لما له من تأثير سلبي مباشر على مصالحهم.

[caption id="attachment_55245837" align="alignleft" width="300"]الانبا تواضروس بابا الاقباط في مصر الانبا تواضروس بابا الاقباط في مصر[/caption]


ويجب أن نتذكر أنه علي مدار أكثر من أربعة عقود وقعت العشرات من أحداث التوتر الديني، وبضعها خلف قتلى وجرحي في صفوف الأقباط، فضلا عن الاعتداء على الكنائس والمنازل والمحلات المملوكة لهم، ولم نر تحولا كيفيا في اللجوء العنف أو استخدام السلاح على نحو ممنهج، وكل ما حدث في بعض المناسبات المحدودة هو استخدام بعض الأفراد للسلاح في الخلافات الاجتماعية، وهو أمر يحدث علي نحو متسع في مصر بمسلميها ومسيحييها منذ ثورة يناير 2011م، لكنه لا يشكل تحركا جماعيا.

وبالتالي يصعب تصور نشوء "سلفية قبطية" تؤسس للعنف منهجا، قد تنشأ تجمعات قبطية تتبني رؤى متشددة لكنها لن تتحول يوما إلى العنف، فضلا عن أن تشددها عادة ما يرتبط بمستوى التعامل النظامي مع المطالب القبطية، فإذا حدثت انفراجة في مجال حل المشكلات القبطية سوف ينخفض منسوب التشدد.
خرج الأقباط من رحم نظام مبارك بمشاعر مختلطة. هناك فريق منهم اشتبك مع الحياة العامة، وبالتالي كانوا مشاركين أو علي الأقل متعاطفين مع نداء الميادين برحيل هذا النظام، وفريق آخر يصنف ضمن غالبية المصريين الذين ينشدون الهدوء والاستقرار.

في الشهور الأولى التي أعقبت ثورة يناير 2011م، خاصة بعد ان استشعر الإسلاميون عامة القوة بعد إجراء الاستفتاء علي تعديل بعض مواد في الدستور في مارس من نفس العام، الذي أعقبه صدور الإعلان الدستوري الأول. في تلك الأجواء حاول الإخوان المسلمون التقرب للأقباط من منطلق برجماتي، لا يبحث في مخاوف الأقباط من فتاوى وممارسات الإسلاميين عامة والأخوان خاصة، ولكن يركز على استيعاب الأقباط في ظل ترتيبات النظام الجديد بما يضمن أن يحل الإخوان المسلمون، أو حزب الحرية والعدالة ذراعهم السياسي محل الحزب الوطني. جس النبض بدأ أولا بلقاء جمع أثنين من صحفيي الإخوان المسلمين مع أحد قيادات الكنيسة، ثم تعثر الأمر، والسبب أن البابا شنودة رأى أن الحوار بين الإخوان المسلمين والأقباط ليس له مبرر. فالأقباط جزء من المجتمع، وإذا كان للإخوان المسلمين حزب فهو يخاطب كل المجتمع، ومن بينه الأقباط بالطبع، أما الكنيسة- فهي مؤسسة- تتحاور وتتعاون وتدخل في علاقات مع مؤسسات مماثلة لها في مقدمتها الأزهر. وبالتوازي لم تؤد اللقاءات التي عقدتها قيادات إخوانية مع مثقفين ونشطاء أقباط إلى نتائج ذات دلالة، ولاسيما أن الإخوان المسلمين لم يكن لديهم رغبة في بناء جسور ثقة مع الأقباط أنطلاقا كونهم فصيلا سياسيا جامعا، ولكن من منطلق "الصفقة الشاملة" مع المؤسسة الكنسية أسوة بما كان يحدث في عهد مبارك. الملفت أن الإخوان المسلمين، والتيار الإسلامي عامة، كثيرا ما كان يدعو الأقباط طيلة التسعينيات تحديدا، وما تلاها إلى الخروج من الكنيسة، والمشاركة في المجتمع. وعندما جاءت اللحظة التي أصبح الإخوان المسلمون فيها في صدارة المشهد السياسي سعوا إلى تمكين الصيغة التقليدية في تعامل النظام الحاكم مع الأقباط بدلا من تقديم صيغة وطنية أرحب تقوم على الاندماج القومي.

جاء انتخاب الرئيس محمد مرسي في أجواء من الاستقطاب، لم تكن غالبية الأقباط مؤيدة له. ورغم أن مرسي حاول الظهور بمظهر رئيس كل المصريين، إلا التطورات على أرض الواقع كانت تسير في اتجاه مزيد من انتهاك حقوق الاقباط، وتراكم المشكلات التي يعانون منها، ومحاصرة الخطابات المتشددة لهم، وإهانة العقيدة المسيحية على يد إسلاميين.
في حوار مع شخصية مهمة في دائرة السلطة ذكر لي: هناك اعتقاد في قصر الاتحادية بأن الأقباط لا يريدون الرئيس محمد مرسي، وليسوا على استعداد للتعاون معه، بل هم يقفون إلى جوار المعارضة. هذه الملاحظة لها ما يؤكدها من شواهد، فقد وقف الأقباط إلي جانب المعارضة في كل المناسبات الانتخابية في مواجهة الإسلاميين، والسبب يعود إلى اعتقاد الأقباط بأن حكم الإخوان المسلمين يحمل تراجعا لهم في الوضع القانوني، والمكانة السياسية، والحضور الثقافي. وبالتالي التيارات المدنية التي تقر بمواطنتهم، وتسعى لإدماجهم في المجتمع على أساس من المشاركة والندية والمساواة، وترى فيهم شركاء أصلاء في المشروعات السياسية والاقتصادية المطروحة أفضل بالنسبة لهم من ارتباط بالإخوان المسلمين الذين عمدوا في خطابهم السياسي خاصة في المواسم الانتخابية إلى التقسيم الديني للمجتمع أملا في حشد أصوات المسلمين طائفيا.

الأقباط خرجوا إلي الفضاء المدني، ولا يريدون العودة إلى الانكفاء أو العزلة مرة أخرى. لا هم يرغبون في ذلك، ولا القيادة الكنسية الجديدة متمثلة في البابا تواضروس الثاني راغبة في التدخل في الشأن السياسي. المسألة بالنسبة للأقباط لم تعد مناصب أو مواقع أو كنائس تبني أو ترمم كما كان الحال في عهد مبارك، ولكن في الأساس حضور ووجود واعتراف بالدولة الوطنية التي تحتفي بكل مواطنيها، وليست الدولة التي تجعل الجماعة في مواجهة الوطن. باختصار هي معركة وجود في وطن يتغير، وتهتز أسسه، وتتبدل ثوابته.

وصل البابا تواضروس الثاني إلى سدة الكرسي المرقسي في نوفمبر 2012م خلفا للبابا شنودة الثالث الذي شكل رحيله حالة من الفقد الوطني، ولم تعرف مصر منذ عقود وداعا شعبيا جارفا لإحدى الشخصيات التي أثرت في المجتمع المصري مثلما حدث في جنازة البابا شنودة. قبل أن يجري تنصيب البابا "تواضروس الثاني" رسميا أسدى له الكثير التهنئة، والنصائح، والتحذيرات، هناك من نصحه بأن يمضي على نهج سلفه، وآخرون- من الإسلاميين على وجه الخصوص- طالبوه بتغيير توجهات الكنيسة، وعدم الانخراط في ملفات سياسية.


[caption id="attachment_55245840" align="alignleft" width="300"]مصريات يطالبن بالوحدة الوطنية مصريات يطالبن بالوحدة الوطنية[/caption]

عقب تنصيبه بطريركا للإسكندرية، ظهر البابا تواضروس الثاني متحدثا عن الوحدة الوطنية، متواصلا مع المؤسسات الدينية الإسلامية، مفضلا عدم الحديث أو الظهور في المجال السياسي العام، تاركا الأمر للمدنيين الأقباط في الفضاء العام. ومع تراكم أحداث العنف الديني، خاصة ما حدث في "الخصوص" ثم في محيط "الكاتدرائية" التي ظلت في مرمى اعتداء مجموعات وصفت بأنها "مجهولة" من جانب الأجهزة الأمنية، في مشهد غير مسبوق، تصاعدت نبرة النقد من جانب البابا تواضروس، خاصة عندما وجد أن حديث المسئولين، بما في ذلك رئيس الجمهورية، عن الوحدة الوطنية لا يجد صدى واقعيا. إدارة الشأن العام ليست بالأماني ولكن بالأدوات السياسية المتاحة. إذا كان مطلوبا من المؤسسة الكنسية "الصمت" فمن يتحدث؟. طالما نادى البعض بالمثالية في إبعاد المؤسسة الدينية عن الحديث عن الشأن الحقوقي للأقباط، فالواقعية السياسية تقضي بأن يكون هناك نظام سياسي، بمؤسساته وهيئاته وقوانينه وقراراته، يعبر عن كل المواطنين، ويسعى دائما لحل مشاكلهم. وهو ما لم يحدث، بل ظهرت مؤسسات الدولة غير محايدة في مناسبات عديدة في تعاملها مع الشأن القبطي، ولاسيما في ظل سعي جماعات إسلامية لفرض سيطرتها على المجتمع، ولي ذراع أجهزة الدولة التي لم تعد تملك سوى التفاوض معها، وهو ما يعزز سلطتها ومكانتها في المجتمع.

الإشكالية الحقيقية في نظام الرئيس محمد مرسي هي تعامله مع الأقباط من منظور "العلاقات العامة"، التي تقتصر على اجتماعات في الرئاسة مع ممثلي الكنائس، وأحاديث فضفاضة عن الوحدة الوطنية، وخطابات عامة لا تمس جوهر المشكلات التي تواجه الأقباط، الموروثة والمستحدثة، ولا تحدث أية تغيرات على أرض الواقع، بل ما يحدث يشكل تحولات سلبية.
الشواهد تشير إلي أن غالبية الأقباط لا يشعرون بأن الرئيس محمد مرسي رئيسا لهم، خاصة مع تكاثر المشكلات فوق رؤوسهم. هموم مصرية عامة، وهموم قبطية خاصة، الكل يتقاطع، ويخلق حالة من الغضب الممزوج بالقلق. من الإنصاف ألا نٌحمل رئيسا جديدا تركة ثقيلة من الطائفية تراكمت على مدار عقود، لكن يٌنتظر منه أن يتخذ سياسات عامة تُشعر المجتمع بأنه يحسن إدراكها، ويسعى لإزالتها. وكم هو ملفت، أن رئيس الجمهورية في موقعه منذ نحو عشرة أشهر لم يظهر خلالها أي لفتة بأنه يقدر التراث الثقافي المتعدد، والتجربة الحضارية للمجتمع المصري بزيارة أي من المعالم المسيحية أو المشاركة في أي مناسبة تخص الأقباط، أو الحديث عنهم بما يتجاوز الخطابات التقليدية المعتادة عن الوحدة الوطنية، والعلاقات الطيبة بين المسلمين والأقباط.

وبمرور الوقت يتعمق شكل الانقسام في المجتمع. هناك قوى إسلامية لديها مشروعها السياسي الذي يهدف إلى التمكين من مفاصل المجتمع بتأكيد الانقسام على أسس دينية، وهناك قوى آخرى مدنية، يصطف فيها الأقباط والمسلمون، ويبدو إلي جوارها مؤسسات رئيسة في الكيان المصري مثل الأزهر والكنيسة والسلطة القضائية. وقد كان ملفتا عشية الاحتفال بعيد القيامة، الذي خرج عن مفتي الإخوان المسلمين الدكتور عبد الرحمن البر للمرة الأولى تصريح صادم بعد جواز تهنئة المسيحيين في هذه المناسبة، أن يصفق الأقباط في صحن الكاتدرائية لشيخ الأزهر، والجيش، والقضاء، وجميعها في حالة مواجهة بدرجة أو بأخرى مع الإخوان المسلمين، دون أن يتجهوا بتصفيقهم لأي من رموز النظام الجديد.
font change