مسلسل اغتيالات متواصل.. وشبح جزائر التسعينات يطل في مصر وتونس

مسلسل اغتيالات متواصل.. وشبح جزائر التسعينات يطل في مصر وتونس

[caption id="attachment_55246805" align="aligncenter" width="620"]متظاهرون في تونس يرفعون صورة البراهمي منددين باغتياله متظاهرون في تونس يرفعون صورة البراهمي منددين باغتياله[/caption]


فشلت جريمة اغتيال شكري بلعيد في بلوغ حجم رد فعل أُريدَ منها، فهل يحصل الآن ذلك المطلوب مع جرم مقتل محمد البراهمي؟
ماذا تقصد، ما المُراد؟
نسخ ولصق.
بعض التفصيل؟
النسخ من مصر. واللصق في تونس.

خاطر مر بي، وربما بغيري، لحظة قرأت نبأ جريمة اغتيال السياسي التونسي محمد البراهمي. القصة واضحة. ليس ثمة حاجة لكثير ذكاء، أو عبقرية خاصة، كي يرى كل ذي خبرة بقراءة ما وراء حدث سياسي ساخن، أن إخراج أحزاب وحركات الإسلام السياسي من ساحات اللعب بميادين «الربيع العربي» يتطلب تأييد الأغلبية ذاتها التي منحت تلك الحركات أصواتها، أو نسبة معتبرة منها. جرائم الاغتيالات السياسية تستفز الشارع المحلي في الداخل، وتثير تقزز من يرقبون المشهد عن بعد، خصوصا في عواصم ومدن عالم متحضر تجاوز زمن العنف السياسي منذ عقود.

ليس المقصد مما سبق التلويح بأصبع «مؤامرة» تستهدف «تشويه» صورة الإخوان المسلمين بمصر وتونس. هم فعلوا ذلك لأنفسهم بما كسبت أيديهم. ثم إنني لست ممن يأخذون بمشجب المؤامرة إزاء كل حالة، إنما أعتقد بوجوب احترام حرية الرأي عند مناقشة من يعتقدون بها. في الآن نفسه، يصعب بالنسبة لي تصوّر اتخاذ قرار اغتيال من جانب عقل سياسي بحنكة السيد راشد الغنوشي وتجربته. المنطق يفترض أن الغنوشي، ومعه أركان حركة النهضة وعقولها، يعرفون سلفا أن استهداف شخصيات علمانية بالقتل لن ينهي الحضور العلماني في تونس، ولن يفرض على التيار المعارض في إطاره الأوسع - الليبراليين، الديمقراطيين، والقوميين - أي تراجع عن رفض حكم حركة النهضة. إذنْ، ما الغرض ومن المستفيد؟ أعتقد أنه في إثبات حجة تزعم أن ديمقراطية صناديق الاقتراع بدعة غربية تتعارض مع الشرع الإسلامي. وأما المستفيدون فهم المتزمتون داخل التحالف الجهادي-السلفي.


من جهتها، أعانت سياسات الإخوان المسلمين في تونس ومصر ذلك التحالف عليها حين نجحت، بل تفوقت، في تأليب شرائح معتبرة من أطياف المجتمع ضدها قبل اغتيال شكري بلعيد في تونس، وقبل مباشرة العمليات الجهادية ضد القوات المسلحة المصرية في سيناء.
ليس في الأفق ما يشير إلى انفراج قريب في أوضاع كل الدول التي عصفت بها «ثورات» ما سمي «ربيع عربي». الأرجح أن مسلسل الاغتيالات أطل لكي يتواصل، وثمة من يرى أن شبح جزائر أوائل تسعينات القرن الماضي بدأ يظهر في مصر ومنها سيعبر إلى تونس. المفارقة أن ثورة تونس بدأت من بلدة سيدي بوزيد، مسقط رأس البراهمي، ومنها عبرت إلى مصر لتطيح حكم حسني مبارك. الآن، تعبر المواجهة مع حكم الإخوان من مصر إلى تونس، وإن تباين الأسلوب واختلفت الوسائل.

[caption id="attachment_55246787" align="alignleft" width="204"]الفريق السيسي في صباه يؤدي التحية العسكرية للراحل جمال عبد الناصر الفريق السيسي في صباه يؤدي التحية العسكرية للراحل جمال عبد الناصر[/caption]

السيسي.. ناصر في زمن «تويتر»؟




في مصر يبدو الحسم العسكري هو الأقرب. المشهد عشية ما اعتبرت «الجمعة الحاسمة» يعزز هكذا احتمال (أكتب مساء الخميس) فتضمين خطاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع المصري، صباح الأربعاء، الطلب من الشعب النزول للشارع، كي يحصل على تفويض «للتعامل مع العنف والإرهاب المحتمل»، فتح صفحة جديدة في مسار أوضاع مصر، ربما أن يكون الغرض منها تهيئة المصريين، والمجتمع الدولي، لاحتمال تولي قائد عام القوات المسلحة زمام الأمور مباشرة، بدل الاكتفاء بالجلوس في المقعد الخلفي.

ولفت نظري، في هذا الصدد، تزامن خطاب الأربعاء مع تداول صورة على موقع «فيس بوك» يظهر فيها السيسي، وهو يومئذ صبي في مقتبل العمر، يؤدي بيمناه تحية عسكرية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فيما تحمل يسراه باقة زهور. واضح أن تسريب هذه الصورة من الألبوم الشخصي للفريق السيسي، إلى الفضاء الإنترنتي في ظرف مصري كهذا، ذو مغزى سياسي. وجدت نفسي أتساءل: هل في أن هذا تبشير بولادة ثورة يقودها ناصر جديد من زمن ثورة «تويتر» و«فيس بوك»، أم هي مجرد مصادفة ضمن مشهد مصري يتحرك بسرعة تفوق القدرة على تحليل دقيق يخلو من خيال المبالغة؟



***


عاطفة عفوية





جرت خلال يوليو (تموز) ثلاثة أحداث في ثلاث دول استوقفتني دلالاتها الإنسانية الطابع. الدول هي جنوب أفريقيا، بلجيكا، وبريطانيا. في الأولى كان احتفاء العاديين من الناس ببلوغ نيلسون مانديلا الخامسة والتسعين فيما يمر بوضع صحي دقيق، مناسبة للتذكير بعمق علاقة تقوم على حميمية الود ورقي الاحترام، تربط قائدا بشعبه وبأغلب البشر، حيثما كانوا. دلالة ذلك أن تميز وضع مانديلا القيادي استمر خارج الموقع الرئاسي. لم يكن زعيم مثل مانديلا بحاجة كي ينادى بـ«السيد الرئيس»، حتى يحتفظ بمكانته في قلوب الناس أو بمهابته على المستوى العالمي.
أما في بلجيكا وبريطانيا فتجلت تلك العاطفة العفوية التي تشكل وشائج الصلة بين معظم مواطني البلدين وأسرتين تملكان ولا تحكمان في كليهما. تنازل ألبرت الثاني، ملك بلجيكا، في الحادي والعشرين من يوليو، لولي عهده الأمير فيليب، ببضع كلمات مقتضبة قوبلت من رعاياه بإعجاب وتقدير كبيرين. بعد ثلاثة أيام جاء وضع دوقة كمبردج لمولودها البِكر، الأمير جورج ألكسندر لوّي، وما رافقه من مظاهر ابتهاج جماعي بين أغلب البريطانيين، مؤشرا على عمق الرابطة بينهم وبين العائلة المالكة، وبدا الاحتفال بولادة ثالث وريث لعرش آل وندسور، بعد والده الأمير ويليام وجده الأمير تشارلز، أكثر من مجرد تأدية لواجب يؤديه الفرد العادي بإقبال عفوي يخلو من الضجر أو التردد.


***


على هامش إفلاس ديترويت




لفتني أيضا خلال يوليو إعلان ديترويت عن إفلاسها. لحظة سمعت الخبر، تساءلت: كيف تعلن مدينة إفلاسها، أشركة هي؟ ثم تبع ذلك تساؤل آخر: هل يمكن أن تحذو مدن عربية حذو ديترويت فتبادر إلى إعلان إفلاسها؟ كلا، لا أمل أن تصل أي مدينة عربية إلى ما أوصل ديترويت إلى الإفلاس بسبب خسائر بلغت نحو عشرين مليار دولار. إنما آمل أن تأخذ مدن العرب بمنهج شجاعة إعلان ميزانياتها على الملأ بشفافية تامة، توضح لأهليها ما دخل الصندوق وما خرج منه. ربما يكون هذا الأمر ضمن المعمول به في عدد من المدن العربية، أو كلها، لست أدري، فإن كان الحال كذلك فأنعم وأكرم، وإن لم يكن، دعونا نأمل أن يحصل في أقرب الآجال.


***


اكتشاف عالم «تويتر»





يبقى أن يوليو شهد حدثا على المستوى الشخصي بالغ الأهمية. هو بالنسبة لغيري أقل من عادي بكثير، أما بالنسبة لي فقد حصل بعد كثير تردد. لقد قررت اكتشاف عالم «تويتر». ليس هنا مجال التوسع في شرح أسباب التردد. باختصار، توصلت لاقتناع أن أجرِّب بين وقت وآخر التعبير، بأسطر لا تزيد عن مائة وأربعين حرفا، عما يخطر بالبال ولا يحتمل المقال البوح به. يجب أن تُجرِّب، هتفت الروح، كيف لك أن تعرف بلا تجربة؟ استجبت، ويمكن القول إن البدايات مشجعة، على رغم أن لا الوقت ولا الطاقة يسمحان بمجاراة المتمكنين من ذلك العالم المشرّع النوافذ والأبواب. لقد قرأت من الآراء المضغوطة ببضع كلمات، ما شعرت أنه أبلغ من مقالة بألف كلمة. أرجو ألا يكون نص مدونتي هذه كتلك المقالة.
font change