عنود الروضان: الصفحات الثقافية خلقت شعراء من دون شعر

عنود الروضان: الصفحات الثقافية خلقت شعراء من دون شعر

[caption id="attachment_55246993" align="aligncenter" width="620"]الشاعرة عنود الروضان في إحدى إمسياتها الشعرية الشاعرة عنود الروضان في إحدى إمسياتها الشعرية[/caption]

تقول الشاعرة السعودية عنود الروضان إن "الشعرُ موجودٌ حيثُ هو الشاعر الحقيقي، لكنَّ مسماهُ أصبحَ يتداولهُ الطارئونَ والمجربونَ على سبيلِ الأنواع والتصنيفات التي تطغى على حضورهِ ".

وحول رأيها رأيها في تقسيم الإنتاج الشعري بـ "الأدب النسائي أو الرجالي"، أكدت أن "القصيدةَ هي كيانُ الشاعر وجنسهُ، فالنص ليس تشريحًا حيويًّا، أو تركيبة هرموناتٍ تحددُ جنسَ كاتبه".

للروضان العديد من النصوص الشعرية والنثرية، والقراءات المنشورة في الصحف والمجلات العربية الورقية والإلكترونية. صدر لها مجموعة نصوص منها: (لـم أُتـمَّ بـعدُ) عن دار مسعى للنشر و التوزيع ، و(وأوتيت بلقيس) ديوان شعري عن دار الخيال للطباعة والنشر.

إلى تفاصيل الحوار..

ماذا تشكّل القصيدة لديك؟

القصيدة هي عنود.. هيَ التي تتجاوزُ حدودَ المكانِ، وتخلقُ دهشةَ العالمِ الذي يريدُ أن يعبرَ إليهِ كثيرون؛ الفكرةُ التي يتداولها أطفالٌ نضجوا و نسوا أصواتهم فيها.. ؛ الغناءُ الذي قد يجعلك غريبًا أو يؤنسُ غربتك.. أو سأقولُ باختصارٍ : أنها نصُّ الحياةِ والموتِ معاً.. والذي قد أتابعُ الكتابةَ حولهُ الآن، ولن أنتهي!

الشِعريّة قد لا تكمن في القصيدة فقط، فهل هناك نوافذ شعرية تطلّين من خلالها؟

الشعريةُ التي أُطلُّ من خلالها قارئةً هي أرحب ربما من الشعرية التي ترتبط بنصّي ككاتبة؛ إذ إنني قد أتجرّدُ من كوني نقلتُ النصَّ الحيَّ من مخيلتي، وبلغت في لحظةٍ ما لأصبحَ قارئتهُ أيضًا. الشعريةُ هي التي تربطني بالجمال في أيٍّ مادةٍ أدبية وفنيّة وطبيعية، من الممكن أن تكمنَ في نصّي -سواءً كانَ موزونًا أو منثورًا- أو في النتاج الإنساني القيّم الذي أقدمُ حولهُ قراءاتٍ لآخرين. وأكثر من ذلك: ما الذي سيضع الشعريةَ بينَ قوسينِ؟ و نحنُ نختبرُ حواسّنا دائمًا في هذا السعي الذي لا نعرفُ مداه.

ما بين "وأوتيت بلقيس" المجموعة الأولى، و"لـم أُتـمَّ بـعدُ" آخر مجموعة صدرت، ما هي الإضافة التي ترينها في تجربتك الشعرية؟
[caption id="attachment_55246996" align="alignleft" width="200"]كتاب (وأوتيت بلقيس) ديوان شعري كتاب (وأوتيت بلقيس) ديوان شعري[/caption]

الإضافةُ لستُ من يُقدّرُ حجمَها، لكنني أؤمنُ بتجربتي ورسالتي، وأعرفُ أنني أرفعُ طرفَ فستاني، وأعبرُ عتبةً أو مرحلةً مع كلِّ مجموعةٍ جديدة.. أصبحُ أكثرَ جديّةً ونضجًا في التعاطي مع كل تجربة، لكنني أستمرُّ بشعورِ البدايةِ كما لو كنتُ لا أزالُ أتعلمُ الحرفَ الثاني من اللغة.
"و أوتيت بلقيسُ " كانت مرحلتي التفعيلية الأولى والمهمة بالنسبةِ لي؛ كوني وثّقتُ بها حضوري كاسمٍ يدوّنُ حلمهُ ويقدمهُ إلى شركاء الحياة.. فيما "لم أُتمّ بعدُ " هي مجموعةٌ من النصوص النثرية التي تُمثلُ مادةً مُغايرة في نوعها وأفكارها المرتبطة بتطوري إنسانيًّا و أدبيًّا بطبيعة الحال.

تقولين في أحد نصوصك "قلتُ: تُشبهني السفينةُ؛ كي أطاولَ عرشَ غاوٍ لا يجازفُ بالمسافةِ!"، التشبه بالسفينة ومحاولة قطع المسافة شعريًّا، هل هي محاولة لأنسنة التفاصيل في حياة الشاعرة؟

كلُّ ما في وجودنا قد يُؤنسن.. رغمَ أنها محاولةٌ مُكلفةٌ أحيانًا، وتدلُّ على أنّ ثمة زحامَ رؤوسٍ في هذا العالمِ إلاّ أنَّ المُحصلةَ معهُ هي الفراغ. محاولةٌ نختارُ فيها كائناتٍ تلعبُ أدوارَ الإنسانِ على الأرضِ في شغفهِ وخوفهِ و ألمهِ وخطيئتهِ أيضًا، حتى نصلَ معها إلى أرواحنا في حقيقتِها الخالصة؛ هذه التفاصيلُ هي التي تبني عوالمنا الأخرى.. هي التي تجعلُ غيرَ المألوفِ –مألوفاً- في واقعٍ ما. أي أن تحققَ شرطًا مهمًا من شروطِ هذا الخلقِ وديمومته.

هل يمثل النص الشعري لديك مغامرة ؟

النص الشعري هوَ الذي يختارُ طريقهُ ويقودنا، علينا أن نرضخَ لإرادتهِ.. أن نشعرَ حتى بالرصاصةِ التي قد تخترقُ سكونهُ ليبقى الحيَّ الوحيد القادرَ على هزيمةِ موتنا في النهاية؛ لم أفكر يومًا بأن أعدَّ الشعرَ مهنةً، ولا بأن أحملَ لقبَ الشاعرةِ.. هذا النص هو سلوكٌ أيضًا قد يأخذُ مني معناهُ وقيمته، وقد يغيّرُ شيئًا في جانبٍ من العالمِ وإن كانَ فرداً؛ هذا ما يهمني.
قلتُ في أحد نصوصي مؤخرًا: "حتى على الأرضِ الرخوةِ تعلمتُ أن أكتبَ عن الرقص.. "؛ إن كان ثمة مغامرةٌ يراها الآخرونَ فالأهم أن توقعَ النصَّ في الشعرِ، ولا تؤذي معناهُ وهيبته.

في فوضى النصوص التي تدّعي القرب من الشعر، أين وصل الشعر في عصر استسهال الكتابة؟

الشعرُ لم يتغيّر.. لا زالَ هو المعنى الكونيّ الذي يضعُ لغتهُ حتى في فمِ طفلٍ يغني على رصيفٍ ما، أو تحت قبعةِ عجوزٍ يعوّلُ على الذاكرةِ التي تُؤنسهُ نحوَ النهاية. الشعرُ موجودٌ حيثُ هو الشاعر الحقيقي، لكنَّ مسماهُ أصبحَ يتداولهُ الطارئونَ والمجربونَ على سبيلِ الأنواع والتصنيفات التي تطغى على حضورهِ.. عدا أنّ أزمة النقدِ الذي يفتقرُ إلى الجودة والصفحات الثقافية التي تبحثُ عن مادةٍ لملء الفراغِ فقط خلقت شعراءَ وشاعراتٍ دونَ "شعر "، ويحظونَ بفرصٍ جيدة للظهور على حسابِ سواهم. بالإضافةِ إلى الوعي المتدنّي بالقراءة لدى المتلقّي في بلادنا، والذي يتبعُ البريقَ المُتاحَ أمامهُ بسطحيةٍ وسهولةٍ أحيانًا.

بصفتك امرأة شاعرة، هل تتفقين مع تقسيم الشعر، حيث قصيدة نسائية وقصيدة رجالية، وأدب نسوي وآخر رجالي؟

أينَ هوَ الشعر النسائي إذًا؟ هل هناك تجربة ناضجة كاملة تضمُّ عددًا كافيًا من الشاعرات الحقيقيات حتى يمكنُ إطلاق هذا التوصيف بغض النظر عن التلميع النقدي الذي تحصل عليهِ كثيراتٌ كما يحصلُ عليهِ كثيرونَ لا تتمتع نصوصهم بالأهمية.
لستُ معَ هذا التقسيم؛ لأنَّ القصيدةَ هي كيانُ الشاعر وجنسهُ، عدا أنَّ هذا التقسيم يضع النصوص في ذاتيةٍ تختصُّ بكلَّ طرفٍ بعيداً عن الآخر؛ النص ليس تشريحًا حيويًّا، أو تركيبة هرموناتٍ تحددُ جنسَ كاتبه. قد تتضح "أنا" الأنثى أو الرجل، وتأخذُ وجهًا من النص، لكنها لا بدَّ أن تُحققَ شرطَ القصيدةِ المكتملة التي تجعلُ المتلقي أيًّا كان نوعهُ يردّد ما قالهُ "بسّام حجّار" : أيّنا أنا .. أيّنا أنت ؟

البحث عن عشبة الخلود، كان هذا هم جلجامش، ولكنك امرأة كـ عشتار، عن أي خلود تبحثين في قصائدك؟

قد أكونُ كعشتار ولكن قصيدتي لا تريدُ أن تجعلَ من الراعي ذئبًا.. هذه أنا التي سأودِعُها في القصيدةِ يومًا لكي أغيبَ دونَ أن يقولَ بموتي أحد.. و على نمطِ ما يراهُ المتصوّفة أنا أضعُ "الحبّ " الكونيَّ في سرِّ هذه القصيدةِ، وأقسو دونَ أن أخدشَ أحدًا. أعلّمُ البكاءَ لمن فقدهُ، والفرحَ لمن تركَ صورتهُ في ركنٍ مُعتم؛ أذهبُ إلى حيث الإنسان الذي يحملُ قلبي دونَ أن نحسبَ أسماءنا أو ألواننا أو تاريخَ عبورنا إلى هذا العالم. هذا بعضُ الخلودِ الذي أتوخاهُ فيها.

يلومكِ بعض المتابعين لأنك قليلة النشر والتواصل مع الصفحات الثقافية، لِمَ هذه القطيعة؟

أنا قليلة النشر تقريبًا حتى في صفحاتي التي أملكُ زمامَ أمرها على الإنترنت، والنوافذُ التي أطلُّ عبرها على الآخرين محدودة، لكنني راضيةٌ عن كل هذا؛ عدا أنني أحملُ مآخذ كثيرةً على الصفحات الثقافية العربية التي تحكمها العلاقات والأمزجة، وتُشبه إلى حدٍّ كبيرٍ أية مؤسسةٍ حكوميةٍ أو سياسيةٍ تقودُها السلطةُ مع اختلاف الأدوار.. أيضًا ليس دور الكاتب المؤمن بنتاجهِ أن يسعى بنفسهِ إلى التواصل مع هذه الصفحات دونَ أن تبادرَ هيَ بذلك، إذ ثمة من يوضعونَ على الهامش فيما تُجاز مقالاتٌ ونصوصٌ مليئةٌ بالأخطاء اللغوية والنحوية؛ لأنها تحملُ بريقَ أسماء أصحابها فقط؛ كلُّ من يُقدّرُ نتاجهُ يبتعدُ عن خوض هذه التجربة معها غالبًا. أيضًا: أرى أنَّ هذه الصفحات ستفقدُ دورها تمامًا معَ سرعة الفضاء الإلكتروني الهائلة، وقنواتهِ التي يصلُ إليها الجميع، لكنني موجودة في النهاية.. كمثلكِ متابعونَ أتاحَ لهم الإنترنت أن يجدوا كتاباتي وأجدهم أيضًا.

مَن من الأصوات الشعرية التي تجدين أنها تستحق الإنصات؟


الأصوات التي تستحقُّ الإنصاتَ هي الواثقةُ التي لا تخذلُ دهشتي دونَ أن أعددَ أسماءَ أصحابها؛ الأصوات التي ستكتشفُ بأنني أعنيها من خلالِ يقينها بالنص الذي تقدمهُ .. والذي يجعلُ وقتَ المتلقّي معهُ عمرًا آخرَ ثريًّا يُضافُ ويضيفُ إليه؛ لا تحملُ همَّ الشكلِ ولا تنحتُ أثرها بعيدًا عنِ المشاهدِ اليوميةِ التي تقعُ في مسرحِ العالمِ الكبير؛ هذه الأصوات الإبداعية موجودة، وستشكلُ تجاربَ فارقة تليقُ بالشعرِ الذي تمرُّ بهِ اللغةُ نفسها منذُ الأزل، و لكنَّهُ يحتفظُ بما ينتمي إليه فقط.









[blockquote]

من قصيدة "خارِجةٌ من التأويـل"



[caption id="attachment_55246998" align="alignleft" width="189"]كتاب (لم أتم بعد) ديوان شعري كتاب (لم أتم بعد) ديوان شعري[/caption]

فلْنفترضْ :
أنّ الحديثَ إلى القواقعِ قبلةٌ للبحرِ ؛
أعني: أنّني حينَ ”اغتوى” خصري بملحٍ لم يكن في الماءِ غيرُكَ،
حين ألبسَني غيابُكَ عِقدَ أصدافٍ.. وقفَتُ على سؤالِ الموجِ؛
بعتُ لطيفكَ النّائي الأمانةَ.
لم يكن يُدني إيابَكَ غيرُ خَلخالي المبلّلِ بالخلاصِ،
وأنت ”تنجِزُني”؛ أفكِّرُ كيف أغطِسُ في خلودِ الوقتِ..
أسترعي انتباهَكَ حين يجرفني ارتعاشٌ؛
كي تشقَّ الحزنَ عن قلبي.. وتُدفِئني بعريٍ..
لم يكن عريًا إذا ما قلتُ في سرٍّ : أحبُّكَ !
صرتُ نورسةً تعودُ إلى المكانِ؛
وتلثمُ القبلاتِ.. تلك الـ أسقطتها اللّهفةُ الأولى على جسرِ العناقِ.
خَرَجْتُ من ظلّي محمّلةً بحلمكَ؛
ترتشيني الريحُ إنْ عفّ الشّراعُ،
وأجدُلُ الأفكارَ .. مهملةً كحبلٍ فوقَ خاصرة الموانئِ.
قلتُ: تُشبهني السفينةُ؛
كي أطاولَ عرشَ غاوٍ لا يجازفُ بالمسافةِ!
قلتُ: قد تخبو الوجوهُ..
فلا أظلّلُ رغبةً مدّت بعمرِ النّارِ.
لا تدري القواقِعُ عن دوارِ الفقدِ؛
تسمعني أوشوشُ بالقصيدةِ،
تستردُّ الملحَ من جسدي بُعَيْدَ الجزرِ،
آخذُها.. كأشيائي لترقدَ في الخرافةِ،
أو أعودَ إلى لحافِ الليلِ أطويني فيرصدُ بردَ أطرافي،
ويفضحُ عورةَ الطرقاتِ.
لو أنّي أشحتُ الوهمَ –عن مطرٍ – تشتّتَ وشمُ تفّاحٍ..!
أَعُدُّ قبيلَ أغنيةٍ.. لأغفو : مُعتقٌ/ وَرِعٌ /يتيمٌ / ”عاشقٌ طَرِبٌ” / غريبٌ …
ثم أحذِفَ في النعاسِ الكونَ..
تدري؛ أنتَ تدري ما يخالجني إذا ماتوا جميعًا،
من تنفّستُ المدينةَ من نوافذِ حزنهم،
من علّقونيَ بالطفولةِ.. خلف أقنعةٍ؛ وراحوا!
هذه أنثاك خارجةٌ من التأويلِ؛
ناعمةٌ كسيفٍ لم يخضْ في الجرحِ،
تعرِفُها .. ولم تعرفْ كثيرَكَ،
مُرَّ –عن بُعْدٍ– وجادلْ كلَّ نورسةٍ يفيضُ الرّيشُ من دمِها،
وأمعِنْ في حنينِ البحرِ..
واقرأني؛
وأنصِتْ للبراءةِ حين نجري نحو قوقعةٍ،
ونحلمُ..![/blockquote]





font change