مسؤولية حزب الله عن اغتيال شخصيات سياسية وأمنية بارزة

مسؤولية حزب الله عن اغتيال شخصيات سياسية وأمنية بارزة

[caption id="attachment_55249808" align="aligncenter" width="619"]وقفة احتجاجية لأنصار تيار المستقبل على ضوء ضوء الشموع في مدينة صيدا بجنوب لبنان (16 يناير 2014) في ذكرى اغتيال رفيق ا لحريري وقفة احتجاجية لأنصار تيار المستقبل على ضوء ضوء الشموع في مدينة صيدا بجنوب لبنان (16 يناير 2014) في ذكرى اغتيال رفيق ا لحريري [/caption]

على الرغم من أن راني شطح لم يقلها بوضوح، ما يجعل المستقبل مظلما بالنسبة للبنان - بعيدا عن استمرار نظام الأسد في الجوار - هو استمرار انحراف حزب الله. ببساطة لم يعد من الممكن تحمل العلاقة التبادلية بين لبنان وحزب الله. في النهاية، يستطيع واحد منهما فقط البقاء. ونظرا لطبيعة ووظيفة حزب الله، ليس واضحا على الإطلاق أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال حل سلمي.



حزب الله بعد دخوله البرلمان




على مدار سنوات عديدة قدم مراقبون وواضعو السياسات نظريات عدة تهدف إلى إيجاد حل سلمي لهذه العلاقة المتناقضة بين الدولة والجماعة الشيعية. منذ دخول حزب الله إلى الحياة البرلمانية السياسية في التسعينات، دفع كثيرون بأن الحزب «يتطور»، ويتحرك تدريجيا نحو التخلي عن التزاماته الإقليمية، وأنه يتحول تدريجيا إلى «اللبننة» ويستعد لمرحلة «الحياة بعد المقاومة»، كما أشار أحد المحللين في عام 1998. وبالطبع كما كان متوقعا أثبتت هذه النظريات خطأها، حيث أساء المدافعون عنها فهم طبيعة الحزب ووظيفته الإقليمية في الأساس. وفي مفارقة، تجاهل توقعهم بتحرك الحزب تجاه اللبننة بناء على مشاركته في الحياة السياسية المحلية حقيقة أن الحزب اتخذ هذه الخطوة فقط بعد موافقة رسمية من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. بمعنى أن قادة الحزب دائما ما يقولون إنهم ملتزمون بمبدأ ولاية الفقيه الذي يعني أن خامنئي هو المرجعية النهائية لجميع القرارات الاستراتيجية.

لم يكن انخراط الحزب في السياسة الداخلية، وخاصة مشاركته في مجلس الوزراء منذ عام 2006، متعلقا بالاندماج في الدولة اللبنانية. ولكنه تعلق بإخضاع الدولة لتفضيلات حزب الله وأجندته الإقليمية، التي يجري تحديدها في طهران. أوضح نعيم قاسم، نائب الأمين العام للحزب هذه الرؤية في مقال نشر عام 2007 تحت عنوان «كيف ينخرط باقي المجتمع في المقاومة؟». كانت ولا زالت نية حزب الله هي الحفاظ على مكانته كجماعة مسلحة مستقلة، مع ضمان أن دولة لبنان وخصوم الحزب في الداخل لا يستطيعان اتخاذ خطوات في سبيل التعدي على هذه المكانة.

كانت النتيجة الأولى لهذا الترتيب المستحيل اندلاع حرب عام 2006 مع إسرائيل. بلغت أهمية هذه الحرب في تقديم عقيدة جديدة لدى الجيش الإسرائيلي تتضمن الرد المدمر على استفزازات حزب الله، وتحميل الدولة ككل المسؤولية، حيث أصبح الحزب في ذلك الوقت جزءا من الحكومة، وأصبح لممارساته غطاء رسمي. بعد انتهاء الحرب انتشر حزب الله بتوسع في جميع أنحاء لبنان، مما يعني بدوره أن الحريق المقبل مع إسرائيل قد يسفر عن دمار واسع يشمل البلاد.

وبالفعل تجعل عقيدة حزب الله بتحقيق التداخل بين «الجيش والشعب والمقاومة»، والتي فرضها على الحكومة اللبنانية، من الجيش والشعب اللبنانيين متورطين في حروب حزب الله وإرهابه في الخارج. يتضح هذا التوريط للبنان ومؤسساته أيضا في اشتراك حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا، وهي الحرب التي جلبها الحزب إلى البلاد. ولكن تتجاوز تداعيات مغامرة حزب الله في سوريا إثارة حوادث أمنية في بيروت. بل تدفع بما تبقى من تماسك اجتماعي لبناني إلى نقطة الانهيار.


الاقتصاد اللبناني




تسبب حزب الله بالفعل في توتر العلاقات الطائفية بشدة في مطلع عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. وتصاعدت التوترات بعد الهجوم المسلح الذي شنه الحزب على الضواحي السنية في بيروت وجبل الدروز في عام 2008. ودمر الكشف عن احتمالية تورط حزب الله في اغتيال الحريري، وما تلاه من الاشتباه في مسؤولية الحزب عن اغتيال شخصيات سياسية وأمنية سنية بارزة، الخيط الرفيع الذي كان يربط بين أطياف المجتمع.

ألحق الدور الذي يقوم به حزب الله في سوريا مزيدا من الضرر بهذه العلاقات. وكان معنى تدخل حزب الله الكامل لدعم نظام الأسد الحاجة إلى إحكام سيطرة حزب الله على الدولة ومؤسساتها، وبخاصة القوات المسلحة اللبنانية. وفي ظل تصاعد التوترات الطائفية، بدأ حزب الله في الاعتماد على القطاعات المتحالفة من الجيش لاستهداف مناطق سنية محددة. تضمنت هذه المناطق عرسال، التي تؤوي لاجئين سوريين وتعد ملاذا للدعم اللوجيستي للثوار السوريين، والمنطقة المحيطة بمعسكر عين الحلوة، الذي يضم فصائل متطرفة صغيرة. ومما فاقم من سوء الاستعانة الانتقائية بالجيش - الذي لم يستهدف في المقابل حزب الله مطلقا - هو الانتشار المتفرق لوحدات حزب الله إلى جانب الجيش في المناطق السنية. أدى ذلك إلى تآكل خطير في الثقة في الجيش كمؤسسة محايدة في الدولة.

ولكن لم يتوقف الشعور بالآثار الضارة لسياسات حزب الله الاستقطابية عند المجتمعات السنية. لا شك في أن من تحملوا ويلات مغامرة حزب الله غير المحسوبة في عام 2006 كانوا من الشيعة. وهم الآن يدفعون ثمن كارثة حزب الله في سوريا أيضا، حيث تستقبل جميع القرى الشيعية تقريبا بصفة يومية أحد أبنائها عائدا من سوريا في كفن. الأكثر من ذلك أن الشيعة الآن يعيشون تحت تهديد الهجمات الانتقامية من بعض الجماعات التي تعمل في سوريا. وبالفعل تعرضت ضواحي بيروت الجنوبية لعمليات تفجير سيارات مفخخة مما نشر الخوف والقلق بين السكان المدنيين.

يضيف هذا المناخ المتوتر إلى المشاكل التي ألحقها حزب الله بالمجتمع الشيعي، والذي تسبب الحزب عن عمد في تحويله إلى غيتو. يتحدث بعض السكان أيضا عن انتشار مشكلة المخدرات داخل المجتمع. في مفارقة، كان الحزب ذاته منخرطا بقوة في صناعة المخدرات وخاصة توزيع أقراص كابتاغون.
ألحق تأثير حزب الله السلبي على الاقتصاد مزيدا من الضرر بالمعاناة الأمنية والسياسية والاجتماعية. على سبيل المثال، تسبب زرع حزب الله لعملاء بين الشيعة المغتربين، وخاصة من يعملون في الخليج، في تعقيد إقامة العاملين المهاجرين وقدرتهم على إرسال حوالات مالية إلى بلدهم. بالإضافة إلى ذلك، أدت تصرفات حزب الله في الخليج بالإضافة إلى تهديداته وخطابه التصعيدي ضد دول الخليج العربية إلى انحسار السياحة الوافدة من عرب الخليج التي يعتمد عليها لبنان.


غسل الأموال




علاوة على ذلك، أصاب المشروع الإجرامي العالمي الواسع، الذي يضطلع به حزب الله، العمود الفقري للاقتصاد اللبناني: القطاع المصرفي. وأبرز مثال على ذلك قضية المصرف الكندي اللبناني. وعلى الرغم من أنه جرى التستر عليها فإن الضرر المحتمل أن يلحق بالمصارف اللبنانية نتيجة عمليات غسل الأموال التي يقوم بها حزب الله (وإيران)، مدمر. نتيجة تورط الحزب في تجارة السلاح والمخدرات وغسل العائدات عبر القطاع المصرفي ومكاتب الصرافة اكتسب لبنان لقب «آلة غسل الأموال»، على حد تعبير ديفيد آشر خبير التمويل غير الشرعي. يشير آشر أيضا إلى أن غسل حزب الله للأموال اخترق قطاع العقارات كما فعل مع القطاع المصرفي.

في إيجاز، يمثل حزب الله كارثة بالنسبة للبنان. وعلى الأرجح لا يمكن استمرار الوضع الراهن الذي يتعايش فيه لبنان مع جماعة منحرفة منتشرة. ولكن من المستحيل عمليا تصور حل سلمي لهذه المشكلة.
كما كان متوقعا، ثبت خطأ فكرة أن السياسة سوف تحول الحزب إلى الاعتدال. وكذلك خطأ أجندة «اللبننة» كما يتضح في مشاركته الراهنة في الحرب السورية بأوامر من إيران. وهنا تكمن قضية أخرى خطيرة: لا يملك حزب الله ذاته قرار نزع السلاح. إنه ميليشيا أقامتها ومولتها وأمدتها ودربتها دولة أخرى هي إيران. ولا توجد سابقة بأن قررت مثل هذه الميليشيا بمفردها نزع سلاحها سلميا.
يعتقد البعض أن إيران سوف تصل في النهاية إلى اتفاق مع القوى الإقليمية الأخرى، وتجبر الحزب على التغير. ولكن يسيء هذا الاعتقاد فهم دور حزب الله ومكانه في هيكل القوة في إيران. عندما نرى إيران تنشر علانية ميليشيات شيعية عراقية، وخاصة في سوريا، نعرف كيف تعد هذه الجماعات، التي تشبه حزب الله، أدوات ضرورية لصعود القوة الإيرانية في المنطقة. بصورة أكثر تحديدا يعد حزب الله، جوهرة تاج أصول إيران في المنطقة، امتدادا لقوات الحرس الثوري الإسلامي الذي أصبح الآن بفضل حزب الله يملك قاعدة تطل على البحر المتوسط.

على الرغم من الحديث عن حكومة معتدلة جديدة في إيران، تستقر القوة الحقيقية في يد خامنئي وقائد قوات القدس التابعة للحرس الثوري قاسم السليماني. في الواقع، قاد وزير الدفاع الإيراني الحالي قوات تدريب الحرس الثوري في لبنان في عام 1982، والتي نظمت ودربت حزب الله. بمعنى أن هناك استمرارية في النظام، الذي أصبح هو وحزب الله جزأين من شيء واحد. حتى يحدث تغيير جوهري في تشكيل ومنظور النظام في طهران، ربما تكون جميع أفكار التوصل إلى حل سلمي في مشكلة حزب الله خيالات.


ذراع طائفية لإيران في المنطقة




ومع ذلك لا شك في أن حزب الله في أزمة. بعيدا عن كشف حقيقته كذراع طائفية لإيران في المنطقة، ألحقت الحرب في سوريا خسائر فادحة بالحزب. في الوقت ذاته، انكمشت قدرته على المناورة في مواجهة إسرائيل بدرجة كبيرة، ومن المرجح أن تستمر قدرته في الانحسار ولا سيما إذا أصبحت إيران نووية. إذا أرادت إسرائيل تحمل مخالفات معينة قبل أن تمتلك إيران قدرة نووية، فسوف تتخلص من هذا الهامش بمجرد أن تحقق إيران تلك القدرة. ليس من المرجح أن تتحمل إسرائيل أن يعمل فيلق أجنبي تابع لإيران النووية المعادية بحرية وأن ينشئ جيشا على حدودها.

معنى ذلك ارتفاع احتمالية اندلاع حرب عنيفة. وحتى الآن، يمكن أن تكون هناك محاولات لوضع أسس لعمليات الطوارئ في الفترة المقبلة. قد يكون أفضل ما تفسر به المنحة السعودية إلى الجيش اللبناني أنها خطة طوارئ طويلة الأجل، ربما لإعداد الجيش تدريجيا على التدخل إذا تعرض حزب الله لضربة كبرى. ولكن ليس من المرجح أن تغير أي من هذه التصرفات الوضع الراهن كثيرا في المستقبل القريب. في الوقت ذاته، قد يتسبب وجود حزب الله الغريب في إراقة مزيد من الدماء في لبنان.

font change