ماذا وراء زيارة أوباما للسعودية؟

ماذا وراء زيارة أوباما للسعودية؟

[caption id="attachment_55250066" align="aligncenter" width="620"]باراك أوباما باراك أوباما[/caption]

أعلن البيت الأبيض عن تعيين "روبرت مالي" مديرًا في مجلس الأمن القومي، وستكون وظيفة مالي -الذي عمل سابقًا على العملية السلمية في إدارة الرئيس كلينتون- إدارة العلاقة مع السعودية، والمساعدة في ابتكار السياسة نحو إيران. يأتي تعيين مالي قبل زيارة الرئيس أوباما المعلنة إلى الرياض في مارس. طبعًا، هذا لا يعني أن مالي سيكون الرجل الأول في الملف السعودي الذي سيجتمع مع الملك عبد الله لمناقشة العلاقات الثنائية. بالأحرى، لفهم ما يريده البيت الأبيض من هذا التعيين، ينبغي العودة إلى وظيفة مالي السابقة في مجموعة الأزمات الدولية. هناك، خصوصًا في منتصف وأواخر العقد الماضي، عمل "مالي" على الانخراط مع عناصر ما كان يسمى آنذاك بمحور المقاومة، تحديدًا حركة حماس ونظام الأسد. بالفعل، كان انخراط مالي مع السوريين عميقًا لدرجة أنه دبَّر مع النظام لفتح مكتب لمجموعة الأزمات في دمشق عام ٢٠٠٧. كان منطق مالي بسيطًا، كما شرحه في مقابلة عام ٢٠١٠، فهو عمل في مجموعة "مفوضة لاستنباط أفكار حول كيفية منع أو حل الصراعات المميتة". للوصول إلى هذا الهدف -كما فسر مالي- علينا أن ننخرط مع كل المعنيين خصوصًا مع الذين يمتلكون القدرة على الإفساد.

عندما نقرأ هذا في سياق السياسة الحالية للبيت الأبيض في المنطقة، تصبح أهمية تعيين مالي في أنها تعكس عزم الرئيس أوباما على الانخراط مع إيران حول رزمة من القضايا الإقليمية، أبرزها سوريا، وهي موضوع لمالي فيه باع طويل وحميم. على الأرجح أن أوباما سيجلب معه هذه المسألة إلى الرياض.

في الأيام الماضية، عبرت إدارة أوباما علنًا عن امتعاضها حول وصول العملية الديبلوماسية في سوريا إلى طريق مسدود. على وجه التحديد، عبرت الإدارة عن خيبتها من الدور الروسي، كان من المفترض أن تقوم موسكو بدورها في استعمال نفوذها على نظام الأسد للدفع بالعملية قدمًا، وهذا ما لم يحصل، إنما هذا لا يعني بأية حال أن الإدارة قد تخلت عن الحل السياسي. بالأحرى، يبدو أن رسالة الإدارة هي أن القناة الروسية وحدها لا تكفي. ينبغي الانخراط مع أصحاب الشأن الرئيسيين الآخرين، أي إيران.

[caption id="attachment_55250062" align="alignleft" width="200"]روبرت مالي .. مدير مجلس الأمن القومي الأمريكي روبرت مالي .. مدير مجلس الأمن القومي الأمريكي[/caption]



[blockquote]تعيين "روبرت مالي" مديرًا في مجلس الأمن القومي، يأتي من أجل إدارة العلاقة مع السعودية، والمساعدة في ابتكار السياسة نحو إيران[/blockquote]



بدا هذا جليًّا حين سعى وزير الخارجية "جون كيري" فور انتهاء الدورة الأولى من المفاوضات في مونترو، إلى الحديث مع الإيرانيين حول سوريا أثناء مؤتمر ميونيخ للأمن. وحتى الرئيس أوباما نفسه لمح إلى أن هذا هو الطريق الذي يريد سلوكه أثناء المؤتمر الصحفي مع الرئيس الفرنسي الأسبوع الفائت. ذكر أوباما إيران بالاسم، وطرح تصوره لكيفية المضي قدمًا، "ليس فقط بالضغط على نظام الأسد، بل أيضًا بحمل دول مثل روسيا وإيران للاعتراف بأنه ليس في مصلحة أحد أن يشاهد تواصل سفك الدماء والانهيار" في سوريا.

بكلام آخر، يشير الرئيس أوباما إلى أن الانخراط مع إيران، كداعم رئيس لنظام الأسد بحوزته العديد من الأوراق، أمر ضروري، خصوصًا وأن القناة الروسية لم تكف. أضف إلى ذلك تأكيد أوباما على الحل السياسي، ورفضه المستمر للخيارات العسكرية، عندها لا يبقى سوى إيران.

غني عن القول إن السعودية في مكان آخر كليًّا؛ فحين يكون من الواضح أن نية الأسد الوحيدة هي الحسم العسكري، ما تسعى إليه الرياض هو دعم أوباما لإجراءات أكثر صلابة. وقد اتخذت المملكة خطوات عدة لإزالة مخاوف، أو قل ذرائع، واشنطن. لكن من المرجح أن آمال الرياض من الإدارة الأمريكية ستخيب مجددًا، إذ إن البيت الأبيض ما زال يرفض إمداد الثوار بالسلاح النوعي، مثل السلاح المضاد للطيران، وتبقى نظرته لأي دعم للثوار محدودة للغاية، و"فقط إذا دفع الطرفين في اتجاه الحل الديبلوماسي".

في المقابل، ينظر أوباما إلى الحرب السورية من منظور مختلف، إذ يعتبرها فرعًا من صراع سني-شيعي أوسع، ينبغي على الولايات المتحدة البقاء خارجه. لا بل يتصور أوباما، كما أوضح في مقابلة الشهر الفائت، "توازنًا بين الدول الخليجية السنية، أو ذات الأغلبية السنية، وإيران، بحيث تستمر المنافسة، أو ربما الريبة، بينهم، ولكن ليس حربًا فعلية أو بالوكالة". يحتاج هذا التصور -بحسب تسريبات البيت الأبيض عبر حلفائه في الإعلام- إلى منظومة أمن إقليمية جديدة توازن المصالح الإيرانية والسعودية.

طبعًا، تكمن مشكلة أوباما في تسويق هذه الرؤية إلى الحليف السعودي المتشكك، والذي يريد سماع كلام مختلف من حليفه الأمريكي، ولهذا السبب سيأتي أوباما شخصيًّا إلى الرياض، حيث سيحاول تسويق فكرة أن لا بأس في دعم الثوار السوريين -المعتدلين طبعًا- إلى حد ما، وخصوصًا لمواجهة المجموعات المتطرفة. إنما، سيضيف أوباما، إن أردنا أن نجد حلاً حقيقيًّا للأزمة السورية، فعلينا أن نجد إطارًا ما يجمع الرياض وطهران حول الطاولة.

يدرك أوباما أن تسويق هذه الفكرة سيكون صعبًا للغاية، خصوصًا وأن الإيرانيين لم يقدموا أي تنازل حقيقي حتى الآن في المنطقة. وربما ستضطر المملكة إلى تسلم زمام الأمور لوحدها في سوريا إذا تبين أن ما سيقدمه أوباما أقل من توقعات الرياض. لكن من المرجح أن أوباما سيحاول أن يقنع السعوديين بالحوار مع إيران. تعيين مالي -أحد كبار دعاة الانخراط مع المحور الإيراني في السابق- يشير إلى ذلك، وإلى نية البيت الأبيض في تشجيع السعودية للذهاب في هذا الاتجاه أيضًا.
font change