تحديات مصر والسيسي: الوضع الامني والاقتصادي وحراك شباب الميادين

تحديات مصر والسيسي: الوضع الامني والاقتصادي وحراك شباب الميادين

[caption id="attachment_55251340" align="aligncenter" width="620"]طفلة مصرية تقف قرب ملصقات الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي طفلة مصرية تقف قرب ملصقات الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي[/caption]

يبدو أن معظم المصريين يرون في السيسي أفضل ما ترجوه مصر للخروج من أعوام الاضطرابات في مرحلة ما بعد مبارك، يواجه الرئيس المنتخب لمصر سلسلة من التحديات التي سوف يكون من الصعب التغلب عليها. يشهد الاقتصاد منذ عام 2011، تدهورا كبيرا، وأصبح لتنظيم القاعدة موطئا في سيناء يهدد بالامتداد إلى وادي النيل.
إذا لم يتحسن وضع الاقتصاد – والأمن – في غضون عام أو ما شابه، ربما يفرغ صبر المصريين. وما تخشاه واشنطن – وأصدقاء مصر في الخليج – أن غياب التغيير الملموس قد يؤدي إلى مواجهة مصر لثورة أخرى. ولكن في هذه المرة يمكن أن تكون ثورة الجياع.


تحديات اقتصادية




في مصر، كان الواضح منذ فترة طويلة أن نحو 40 في المائة من أفراد المجتمع يعيشون على دخل يقل عن دولارين في اليوم. وعلى الرغم من عدم توفر أرقام موثوق بها، فإن هناك اعتقادا واسعا بأنه منذ عام 2011، ارتفعت نسبة الفقراء بدرجة كبيرة. في الوقت ذاته، انكمشت قدرة الدولة – وجماعة الإخوان المسلمين – على توفير شبكة أمان. وأصبحت الأعمدة الثلاثة التي يقوم عليها الاقتصاد المصري تحت ضغوط متزايدة.

كانت الضحية الأولى هي الاستثمارات الأجنبية المباشرة. أصابت الاحتجاجات المستمرة والعنف المنتشر في جميع أنحاء مصر المستثمرين بالقلق، مما أدى إلى تجفيف الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي كانت في السابق أحد أعمدة اقتصاد الدولة. ولم ينخفض حجم الاستثمارات فقط، بل وأيضا في عام 2013 هاجرت استثمارات بقيمة أكبر من ثلاثة مليارات دولار من البلاد.
أما العمود الثاني للاقتصاد المصري، السياحة التي كانت تمثل نسبة تتراوح من 10-15 في المائة من إجمالي النشاط الاقتصادي، فتشهد انهيارا. على سبيل المثال، انخفضت نسبة الإشغالات في شرم الشيخ المقصد السياحي في جنوب سيناء إلى 36 في المائة. وفي الجهة المقابلة من القناة في محافظة البحر الأحمر، أغلقت ثلث الفنادق التي كان عددها يصل إلى 250 فندقا أبوابها. ومع غياب أعداد كبيرة من الصحافيين، يغيب عن القاهرة أيضا الأجانب الذين ينفقون الأموال. وحتى قبل اندلاع أحداث العنف الكبرى في أغسطس (آب) عام 2013 في مصر، كان البنك الدولي قد وضع مصر في المرتبة رقم 140 – وهي الأخيرة في العالم، بعد باكستان واليمن – فيما يتعلق بسلامة السياح. ويزداد الوضع تدهورا حيث بدأت جماعات إسلامية إرهابية في شن هجمات بسيارات مفخخة في القاهرة.

ويتعرض العمود الثالث للاقتصاد الممثل في إيرادات قناة السويس، التي تصل إلى خمسة مليارات دولار سنويا، للخطر أيضا. في عام 2012، مرت أكثر من 17 ألف سفينة عبر القناة. ولكن مؤخرا، قل عدد السفن التي تعبر الممر الملاحي، مما أدى إلى انخفاض الإيرادات، وهو الاتجاه الذي دفع السلطات المصرية في عام 2013 إلى رفع الرسوم. وفي تطور مثير للقلق، في أغسطس (آب) عام 2013، أطلق شخصان مسلحان قذائف صاروخية على سفينة صينية أثناء عبورها قناة السويس. وأعلنت جماعة تابعة لـ«القاعدة»، تطلق على نفسها اسم كتائب الفرقان، مسؤوليتها عن الحادث، ونشرت مقطع فيديو للعملية عبر موقع «يوتيوب». وعلى الرغم من عدم إصابة السفينة بأضرار كبيرة، فإن الجماعة تعهدت بالاستمرار في مهاجمة السفن المارة عبر القناة.إذا استمر المسلحون، فسوف ينجحون عاجلا أم آجلا في إلحاق أضرار أو تعطيل أو إغراق إحدى السفن المارة، وهو التطور الذي قد يسفر عن تداعيات كارثية على مصر والتجارة الدولية.

وفي ظل العجز الكبير في الموازنة، وهو الدين الذي أورد البنك الدولي وصوله في عام 2013 إلى 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وندرة موارد الطاقة، والاعتماد على المساعدات المالية القادمة من الخليج، سوف يكون من الصعب على أفضل تقدير أن تعيد القاهرة تنشيط اقتصادها. على سبيل المثال، سوف تحتاج مصر أن تصل بمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.5 في المائة سنويا فقط من أجل الحفاظ على ثبات معدل البطالة، الذي يقدر بـ30 في المائة. في عام 2013، كان معدل النمو أقل من اثنين في المائة، مما يعني أن أكثر من نصف مليون مصري يدخلون سوق العمل سوف ينضمون إلى صفوف البطالة. جدير بالذكر أنه في أثناء الأعوام السبعة الأخيرة في عهد مبارك، حققت مصر معدل نمو وصل إلى 7.5 في المائة، وإن كانت آثاره لم تعد بالنفع على الفقراء.
بالنسبة للسيسي، يعني تحسين الاقتصاد أن يتولى مهمة صعبة بتنفيذ الإصلاح الاقتصادي، ولا سيما رفع الدعم الشعبي على الطاقة، وترشيد الدعم على الغذاء. تبلغ نسبة الدعم نحو 25 في المائة من ميزانية الدولة. وفي حين من الممكن ترشيد الدعم على الطاقة – عن طريق نظام «الكروت الذكية» – فإنه من غير المرجح تنفيذه على الدعم الغذائي. بيد أن القضية الأكثر إلحاحا والتي ليس من المحتمل أن يتطرق إليها السيسي، هي المصالح الاقتصادية للقوات المسلحة المصرية. من المعتقد أن الجيش المصري يسيطر على 30 في المائة تقريبا من الاقتصاد المصري، وهي نسبة إن لم يجر المساس بها فسيكون من الصعب حل مشكلة الاقتصاد المتهاوي.

برنامج «التقشف» الذي يدافع عنه السيسي، لن يكون كافيا على الأرجح نظرا للحرمان المستمر في السنوات الثلاث الماضية. حتى وإن اتخذ السيسي خطوات جريئة غير مقبولة شعبيا، سيظل تحقيق النمو الاقتصادي بعيد المنال، إن لم يتحسن الوضع الأمني.


تهديد إرهابي مستمر




على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، تدهورت الأوضاع الأمنية في سيناء التي عانت طويلا من الإهمال. قبل الثورة، كان جهاز المخابرات هو المسؤول الأول عن الأمن في شبه الجزيرة، ولكن أثناء الثورة انكمش حجم الجهاز وضعفت الثقة به، ولم يعد من الممكن أن يقوم بمهامه هناك. بعد ذلك، أطلق مرسي سراح سجناء إرهابيين إسلاميين قدامى من السجون المصرية، ولم يبد اهتماما بالتطورات المثيرة للقلق المتزايد في أراضي سيناء. أبرزت سلسلة من الحوادث الإرهابية، وخاصة الهجوم عبر الحدود إلى إسرائيل في سبتمبر (أيلول) 2012، وخطف ستة جنود مصريين في مايو (أيار)، وقتل 25 مجندا مصريا في سيناء في أغسطس (آب) عام 2013، خطورة تلك التهديدات.

أخطر ما يشكل تهديدا في سيناء اليوم هما جماعتا أنصار بيت المقدس ومجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس، اللتان ترتبطان بصلات مع غزة ووادي النيل. بدأت هاتان الجماعتان، بمساعدة ما يقدر بثلاثة إلى أربعة آلاف مقاتل بدوي وأجنبي، في شن سلسلة عمليات في سيناء وعبر قناة السويس مما أسفر عن مقتل عشرات من الجنود المصريين ومسؤولي الأمن، واستهدفتا من وقت لآخر مراقبي القوات متعددة الجنسيات الذين ينفذون معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. على المدى البعيد، يهدد هذا الاتجاه المتنامي بتحويل المجتمع البدوي في سيناء، فتنتقل الانتماءات القبلية التاريخية من القبيلة إلى السلفية الجهادية.

من جانبه، يعمل الجيش المصري على ملء الفراغ الأمني الذي خلفه جهاز المخابرات في سيناء عن طريق انتشار موسع للقوات في المنطقة وإقامة مزيد من التعاون مع إسرائيل. وفي الواقع، يتسم التعاون العسكري المصري الإسرائيلي في سيناء حاليا بنشاط أكبر من أي وقت مضى. وقد وافقت إسرائيل على نشر قوات الجيش المصري في مناطق في سيناء لم يكن مسموحا بها منذ توقيع معاهدة السلام.
وفي مواجهة تهديد الجهاديين، تستخدم مصر مدرعاتها وطائرات الأباتشي في سيناء. ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت تلك الأدوات كافية لإخماد قوتهم. وعلى الرغم من الثناء الذي يلقاه الجيش على جهود المكافحة في سيناء، فإن تكتيكاته في سيناء تواجه انتقادات. يوجد على وجه التحديد مخاوف في واشنطن من أن نشر صواريخ هيلفاير المضادة للدبابات والتي تطلق بواسطة مروحيات في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية سوف تؤدي إلى نشر تأييد تنظيم القاعدة.
وحتى الوقت الحالي، يتعرض الصحافيون المصريون للمنع من تغطية الأضرار الناجمة عن العمليات في سيناء. وبالإضافة إلى تلك المخاوف حول حرية الصحافة، وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه الحكم على حملة الجيش المصري الحديثة في سيناء ،يثير نقص المعلومات شائعات بأن أعداد الضحايا المدنيين مرتفعة ، وتشير مقاطع الفيديو على موقع «يوتيوب» عن المنطقة إلى أن حجم الخسائر التي لحقت بالمنازل والبنية التحتية كبير.

تمثل سيناء تحديا أمام القاهرة، حتى عندما كان جهاز المخابرات العامة المصري الذي ركز جهوده على مكافحة الإرهاب يتولى مسؤولية شبه الجزيرة. على سبيل المثال، فيما بين عامي 2004 و2006، نفذ إرهابيون مجموعة من الهجمات الخطيرة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 100 أجنبي ومصري. الدرس المستفاد من سيناء والعراق والضفة الغربية هو أن نجاح سياسات مكافحة الإرهاب لا يتطلب فقط القيام بعمليات عسكرية نشيطة، بل وأيضا وجودا استخباراتيا/ أمنيا طويل الأجل، وأحيانا التزاما حقيقيا بتحقيق النمو الاقتصادي.
تختلف المشكلة في وادي النيل، حيث بدأت هذه الجماعات الإرهابية، التي ربما تحصل على مساعدة من أعضاء متعاطفين معها داخل جماعة الإخوان المسلمين، في حملة تبدو شبيهة على نحو مخيف بإرهاب فترة التسعينات الذي شهدته مصر. في تلك الفترة، كانت الجماعة الإسلامية تستهدف السياح والمسيحيين والشرطة المصرية في داخل الأراضي المصرية. وحاليا في ظل غياب السياح، تركز الهجمات على قوات الأمن ومؤسسات الدولة. كما وقعت عدة حوادث انفجار لسيارات مفخخة في مناطق متعددة في مصر.
في سبتمبر الماضي، نجا وزير الداخلية من محاولة اغتيال في العاصمة. وفي لقاءات، أعرب بعض أعضاء الإخوان المسلمين عن أملهم – إن لم يكن طموحهم – في قتل السيسي انتقاما من الانقلاب واحداث ميدان رابعة.


تحديات مصرية




سوف يكون الرئيس المنتخب منشغلا تماما،حيث يشكل الأمن والاقتصاد على وجه الخصوص تحديا مستمرا للدولة. ولكن يضاعف المجتمع المصري الذي يعاني من الاستقطاب وقلة الصبر من تعقيد تلك المشكلات. من الصعب التوقع بأن تصعد الدولة في أي وقت قريب كقوى إقليمية، نظرا لتلك التحديات التي تواجهها. ومن المؤكد أن مصر تدين بكثير من الفضل لحلفائها في الخليج، لما قدموا من دعم مالي مهم في فترة ما بعد مرسي. ولكن مصر الآن ليست في موقف يسمح لها حتى بالتفاوض مع إثيوبيا ورواندا بشأن حصتها في مياه النيل – ناهيك بتهديدهما.

أحد التحديات الأخرى التي ستواجه القاهرة هي علاقاتها مع واشنطن. في حين يمنع القانون إدارة أوباما من تقديم مساعدات عسكرية للدول التي أطاح فيها الجيش بالحكومات المنتخبة بطريقة ديمقراطية، إلا أن إدارة أوباما لم تصف الإجراء الذي اتخذه الجيش في الثالث من يوليو (تموز) لعزل مرسي بأنه «انقلاب». ولكنها أوقفت تسليم بعض أنظمة السلاح – أبرزها عشر طائرات أباتشي هجومية، مما تسبب في توتر في العلاقات الثنائية.

ولكن تراجعت الإدارة الأميركية ووافقت على تسليم الطائرات العشر، والتي سمح بها بموجب بند مكافحة الإرهاب. ولكم بعد أن أصدرت إحدى المحاكم المصرية حكما بالإعدام على عدد كبير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين جمّد الكونغرس المساعدات العسكرية المقدمة إلى الدولة. ويهدد هذا التطور بزيادة التوترات في العلاقات الثنائية المصرية الأميركية تحديدا في فترة انتقالية شديدة الحساسية.
سوف تشهد الشهور المقبلة فترة حرجة في مصر،في ظل الإرهاب المستمر والتهديد الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين، والذي يعتبره الجيش تهديدا وجوديا. وإذا لم يحقق السيسي نموا وفرصا اقتصادية للجماهير، فربما ينفد صبر العامة. وإذا عادت الثورة الشعبية، فقد يصبح الجيش المصري في موقف مزعج، إما بدعم السيسي، أو كما حدث في عام 2011، أي أن يقف إلى جانب الشعب.
font change