بين كوارث السقوط.. وحوادث الاختفاء المحيرة

بين كوارث السقوط.. وحوادث الاختفاء المحيرة

[caption id="attachment_55252114" align="aligncenter" width="620"]فريق العمل بهيئة مطار جوارولوس الدولي في البرازيل خلال محاولاتهم  انقاذ بعض الركاب الذين سقطوا من طائرة تحطمت فور اقلاعها من المطار عام 2011 فريق العمل بهيئة مطار جوارولوس الدولي في البرازيل خلال محاولاتهم انقاذ بعض الركاب الذين سقطوا من طائرة تحطمت فور اقلاعها من المطار عام 2011[/caption]


من البديهي أن نتساءل عن مدى سلامة السفر بالطائرة، ولكن الإحصائيات التي وردت في التقرير العالمي لسلامة الطيران قد تساعد في تبديل رأيك، وتبرئة الطائرة، وإبعاد شبح الخطر عنها، ففي عام 2013 حصلت 90 حادثة لطائرات مدنية مخصصة لنقل الركاب، تسببت في وقوع ضحايا في تسع رحلات من أصل 90 رحلة وكانت حصيلة الضحايا هي 137 مسافرا.
صحيح أن الرقم كبير نسبيا، ولكن إذا ما قارناه بعدد ضحايا حوادث السيارات في كل أنحاء العالم سنويا سوف نجد أن الطائرة هي وسيلة النقل الأكثر أمانا في العالم، ولو أن عدد الذين سقطوا في حادثة الطائرة الماليزية الأخيرة وطائرة «ترانس إيجا» مجتمعتين، كان ولسوء الحظ 350 راكبا، ولكن هذا لا يعني أن السفر بالطائرة تتعدى خطورته السفر بالباخرة أو السيارة أو القطار، لأنه يجب التنبه إلى أن هناك أكثر من 32 مليون رحلة مدنية في العام الواحد تابعة لمختلف شركات الطيران، وهذا يعني أن هناك أقل من حادثة واحدة من بين ثلاثمائة رحلة.
هذه الأرقام تبين أن السفر بالطائرة لن يتسبب بوفاتك، ولو أن الخطر يحيط بأي وسيلة نقل نستقلها أو أي خطوة نقوم بها، فالأعمار بيد الله، ولكن ما يمكن أن يقتلك هو خوفك من الطائرة أو ما يعرف بـ«فوبيا الطيران»، وهذه مشكلة يعاني منها أكثر من 500 مليون شخص حول العالم، وهناك نسبة كبيرة جدا من المسافرين الذين يتنقلون برا ولم يجربوا السفر بالطائرة ولو مرة واحدة.


خبير جوي




وفي مقابلة مع جميلة العياد، وهي من المسافرات اللاتي يخفن من السفر بالطائرة، تقول العياد لـ«المجلة» إن «سبب خوفها من السفر بالطائرة ناتج عن حادثة تعرضت لها وهي في سن صغيرة؛ حيث ضربت الطائرة حينها رياح شرقية عاتية؛ مما أحدث زعزعزة حقيقية لمسار الطائرة، والذي عظم من حجم الحادثة هو ردة فعل أحد مضيفي الطائرة الذي راح يصرخ بالصوت العالي طالبا من المسافرين الجلوس والإنذار بكارثة»، وتقول العياد إن هذه الحادثة رافقتها مدة حياتها وأثرت عليها كثيرا، خصوصا أن عملها يتطلب منها السفر إلى بلدان من شبه المستحيل الوصول إليها من دون الطائرة، وأضافت العياد أن حالة الذعر تدب فيها قبل نحو أربعة أيام من الرحلة وتصاب بنوبات عصبية تؤثر على حياتها اليومية، ولطالما حاولت التغلب على توتر أعصابها أثناء السفر من خلال تناول الحبوب المهدئة إلا أنها لم تجد نفعا، واليوم تعمل على إقناع نفسها بأنه لا بد من السفر ويتحتم عليها تغيير طريقة تفكيرها، واعترفت أن توتر المسافرين من حولها يجعلها تتوتر أكثر، كما أنها كانت تخاف في الماضي من الرحلات الطويلة، غير أنها اليوم تفضلها على الرحلات القصيرة وتعدها أكثر أمانا.

[inset_left]الخبير الجوي محمد عزيز : الطائرات مجهزة بآخر ما آلات إليه التكنولوجيا، ومن الصعب أن تسقط طائرة من دون سبب خارج عن إرادة الطيار[/inset_left]

ومما لا شك فيه هو أن الحوادث الجوية تؤثر على بعض المسافرين وثنيهم عن السفر، فتفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) جعلت عدد المسافرين في الولايات المتحدة الأميركية بواسطة الطائرات يتدنى إلى نسبة تعدت 20 في المائة، في حين أن نسبة المسافرين بواسطة السيارات ارتفعت إلى رقم قياسي، ولكن على مر السنين عاد الأميركيون إلى السفر بالطائرة لأنها وسيلة لا يمكن التخلي عنها، خصوصا عندما يؤكد لك أخصائيو الملاحة أنها آمنة، وفي الوقت الذي استبدل فيه الأميركيون الطائرة بالسيارة ارتفعت حوادث السير بشكل لافت؛ حيث وصل عدد الضحايا إلى 1595 ضحية في عام واحد (في أميركا فقط).

وفي اتصال مع الكابتن الطيار، والخبير الجوي محمد عزيز تكلم هذا الأخير عن أمن وسلامة الطائرة لأنها متطورة جدا ومجهزة بآخر ما آلات إليه التكنولوجيا، كما أنه «من الصعب أن تسقط الطائرة من دون سبب خارج عن إرادة الطيار، كما حصل مع الطائرة الماليزية (إم إتش 17) التي أسقطت بصاروخ فوق الأراضي الأوكرانية»، وأضاف أن «حوادث الطائرات أقل بكثير من حوادث السير والقطارات، ولكن حوادث الطيران تتناولها وسائل الإعلام؛ مما يجعل الخبر أكثر انتشارا وأكثر وقعا على المسافرين الذين يخافون من السفر في الأصل»، وتابع: «إذا ما نظرنا إلى عدد الذين يقضون في حوادث الطيران فنراه ضئيلا جدا بالمقارنة مع حوادث السير».
وفي كلمة مهمة قالها أنتوني تايلر، المدير العام والرئيس التنفيذي للاتحاد الدولي للنقل الجوي، شدد على أن «حوادث الطيران تصب في مصلحة المسافرين، لأنها بمثابة دروس يتعلم منها المختصون في مجال الملاحة الجوية وشركات تصنيع الطائرات العالمية»، وأضاف أن «كل حادثة مهما كان نوعها مهمة من ناحية التطوير والتطور في مجال السفر الجوي».


فوبيا الطيران




وبحسب بعض الأخصائيين في مجال الملاحة الجوية، فيمكن طمأنة من هم يهابون السفر بالطائرة بأن المقاعد الموجودة عند جناحي الطائرة هي الأكثر أمانا، والمقاعد التي بعدها وقبلها بقليل آمنة أيضا، بالمقارنة مع مقاعد الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال والمقاعد الخلفية في مقصورة الدرجة السياحية التي تعد أكثر عرضة للتحطم بالكامل في حال حدوث أي مكروه، كما أن المقاعد بمحاذاة النوافذ أقل أمانا من تلك في وسط الطائرة بمحاذاة الممشى الرئيس.
وبالعودة إلى المقارنة ما بين أكثر وسائل النقل أمانا، تعود الطائرة لتحتل المرتبة الأولى؛ من حيث السلامة مقارنة مع التنقل بواسطة الدراجة النارية التي تتعدى خطورتها الثلاثة آلاف مرة بالمقارنة مع التنقل بالجو، في حين أن التنقل بالقطار هو أكثر خطورة من الطائرة بواقع الضعف.

إذن، لقد قرأت أمن وسلامة التنقل بالطائرة بالأرقام بالمقارنة مع وسائل نقل أخرى، فإذا لم تقتنع بعد أن الطائرة وسيلة آمنة ومتطورة جدا فهذا يؤكد أنك تعاني من «فوبيا الطيران» (اضطراب نفسي سلوكي)، من الممكن تحسينه من خلال جلسات مع طبيب مختص وتمارين مكثفة كما يمكن تعديل نسبة النقص في الناقل العصبي من خلال تناول حبوب مضادة للاكتئاب يصفها الطبيب المختص، ليصبح المسافر أكثر جرأة لتحدي المواقف التي يهابها، كما يصف الأطباء أيضا حبوبا مهدئة يمكن تناولها قبل ثلاث ساعات من الإقلاع، ولكن هذه الطريقة من شأنها تهدئة المريض مؤقتا وليست علاجا أو دواء شافيا للمرض بحد ذاته.


ومن الممكن أيضا الاتصال بأحد خطوط الطيران والتأكد من تنظيمها دروسا خاصة بالمسافرين الذين يخافون ركوب الطائرة، ومن خلال هذه الدروس التي تستمر كل منها ليوم كامل في أحد المطارات، يتحدث أخصائيون في مجال الملاحة ومتخصصون في مجال علم النفس إلى المسافر، وتنظم شركة الطيران رحلة قصيرة في محيط المطار في نهاية اليوم.

وبحسب شركة طيران «فيرجين أتلانتيك» تغلب آلاف الركاب على خوفهم من السفر بالطائرة بعدما خضعوا للجلسات التي تنظمها الشركة، وأشار أحد المسؤولين عن تلك الدروس في الشركة، إلى أن هناك نسبة كبيرة من الركاب الذين يخافون من السفر الجوي، بالإضافة إلى ركاب يحبون التعرف أكثر على التكنولوجيا التي تتمتع بها الطائرة، وهذا الأمر يغطيه الدرس أيضا، لأنه من المهم إظهار كل جوانب السلامة التي تتمتع به الطائرات الحديثة لهؤلاء الركاب بمن فيهم أصحاب القلوب الضعيفة، فعندما يدركون كيفية عمل الطائرة، وما فيها من تطور تكنولوجي يجعلها قاهرة للرياح والثغرات الهوائية، يرتاحون نفسيا، فالمهم أن يقتنع الراكب أن الطائرة تتمتع بهيكل صلب لا يتأثر بالرياح ولا حتى بـ«المطبات الهوائية» التي تشكل الخوف الأكبر بالنسبة لهؤلاء المسافرين، ظنا منهم أن الطائرة على وشك فقدان سيطرتها، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى سقوطها.


[inset_left]تفجيرات 11 سبتمبر أدت إلى تدنى عدد المسافرين للولايات المتحدة الأميركية بواسطة الطائرات إلى نسبة تعدت 20 في المائة[/inset_left]

وبحسب الأخصائيين النفسيين، فمن المهم أن يلهي الراكب نفسه بأي شيء وهو على متن الطائرة، أو النظر إلى زاوية معينة في الطائرة، أو التكلم مع جاره المسافر، والتفكير بشيء على الأرض ومحاولة نسيان فكرة أن الطائرة تحلق بين الغيوم وعلى علو مرتفع، والمحافظة على التنفس بشكل منتظم.

ومن الضروري أيضا أن يخبر المسافر أحد مضيفي الطائرة بحالته، فلا عيب في ذلك، فهذا الأمر مألوف بالنسبة للمضيفين والمضيفات وسيكون بإمكانهم مساعدة المسافر أكثر، كما يجب الابتعاد عن المشروبات الكحولية، لأن مفعولها في الجو يساوي ضعف مفعولها على الأرض ويستحسن الاستعاضة عنها بالماء، وبكمية وافرة.


[blockquote]

شركات الطيران الأكثر أمانا في العالم بحسب دراسة أجرتها «ترافل بلاس ليجير»:


1 – «لوفتهانزا»، شركة الطيران الوطنية الألمانية، حافظت على سجل خال من الحوادث منذ تأسيسها عام 1920.
2 - بريتش إيرويز، الناقلة الوطنية البريطانية، وتأسست عام 1974.
3 - 4 – تعادلت في المرتبتين الثالثة والرابعة شركتا كوانتس الأسترالية وساوث ويست الأميركية.
5 - «كاثي ماسيفيك»، الناقلة الصينية.
6 - «كاي إل إم»، الناقلة الهولندية.
7 - «طيران الإمارات»، حادثتان طفيفتان خلال 28 عاما.
8 - «يونايتد كونتيننتال».
9 - «دلتا».
10 – «يو إس إيرويز».
11 - «طيران الاتحاد»، وتأسست عام 2003 وهي الأصغر سنا من بين شركات الطيران المصنفة في هذه القائمة.
[/blockquote]

font change