ايران وروسيا .. حجر عثرة في وجه دول الخليج لانقاذ اليمن من الانقلاب الحوثي

ايران وروسيا .. حجر عثرة في وجه دول الخليج لانقاذ اليمن من الانقلاب الحوثي

[caption id="attachment_55252967" align="aligncenter" width="620"]بوتين وروحاني بوتين وروحاني[/caption]

المتحدث باسم «أنصار الله»: الجماعة تعوّل على موقف أي دولة تمتلك نظرة مغايرة للنظرة الأميركية تجاه العالم.. وتواصلنا مع «الإخوة الروس» مستمر



المشروع الأول تقدمت به دول الخليج العربية في 13 فبراير الماضي، والمشروع الثاني تقدمت به كل من بريطانيا والأردن بعد يومين فقط من المشروع الخليجي، ولا تزال روسيا ترفض إصدار أي بيان من المجلس يحمل الحوثيين مسؤولية ما يجري في اليمن، وإبطال مفعول التغييرات التي جرت في اليمن بقوة السلاح، وتنفيذ اتفاق السلم والشراكة الذي تم التوصل إليه عشية استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء. بل وأعرب بيان وزارة الخارجية الروسية في 13 فبراير الماضي، عن اعتقاد روسيا أن تعزيز الضغوط الخارجية على أطراف العملية السياسية الداخلية، بما في ذلك فرض عقوبات، سيقود إلى نتائج عكسية، وفي وقت سابق أشارت السفارة الروسية في صنعاء إلى أنها لا تخطط لإغلاق أبوابها، على خلفية موجة من إغلاق السفارات الأجنبية في العاصمة اليمنية.
هذا الفيتو الروسي يطرح تساؤلات كثيرة بشأن ماهية أبعاد ودلالات الموقف الروسي تجاه الأزمة اليمنية الراهنة، وخصوصا أن روسيا لا تملك - حاليا - مصالح حيوية في اليمن؟! وفي الواقع، فإن الموقف الروسي من الأزمة اليمنية ثلاثي الأبعاد؛ يتعلق الأول منها بطبيعة العلاقات الروسية – السعودية (والخليجية)، والثاني يتعلق بنوعية العلاقات الروسية - الإيرانية، فيما يتمثل البعد الثالث بطموحات وأهداف روسيا بشأن الأزمة اليمنية الحالية.



العلاقات السعودية - الروسية




لقد تعقدت العلاقات السعودية - الروسية خلال السنوات القليلة الماضية على خلفية عدد من الملفات والقضايا:
على الجانب السعودي، حدث أمران كبيران أغضبا الرياض من موسكو: أولهما، الأزمة السورية، وثانيهما، الملف النووي الإيراني، وفي كلا الأمرين تلعب روسيا دورا أساسيا في تطوراتهما ومسارهما. أما على الجانب الروسي، فثمة هواجس وشكوك كبيرة خيمت على موسكو منذ زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرياض نهاية مارس (آذار) 2014، وما تمخض عنها من تكهنات باحتمال معاقبة روسيا على موقفها من الأزمتين السورية والأوكرانية.


علاقات نوعية بين موسكو وطهران




وفي المقابل، ثمة تعاون وتنسيق متناميان بين موسكو وطهران بشأن الكثير من القضايا والملفات الشرق أوسطية، وقد قام وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بزيارة إلى طهران في 19 - 21 يناير الماضي، وقع في أثنائها مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون العسكري والدفاعي الثنائي مع نظيره الإيراني، حسين دهقان، وهي الزيارة الأولى لوزير دفاع روسي منذ عام 2002. وهي تعد بمعنى ما خطوة نحو زيارة متوقعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيران للدفع باتجاه مزيد من العمل المشترك، على خلفية تصاعد المواجهة مع الغرب الأطلسي ومخاطر تنظيم داعش الزاحف على حدود الدولتين. وتنص المذكرة على توسيع التعاون العسكري بين البلدين في مجال التدريب، وتنظيم مناورات مشتركة، ودعم الأمن الإقليمي والدولي، ومكافحة «الإرهاب والتطرف والميول الانفصالية». وذهبت وسائل إعلام محسوبة على إيران، أو قريبة منها، إلى الحديث عن نشوء تحالف استراتيجي بين الطرفين. وفي المقابل، حاولت وسائل إعلام روسية إضفاء أهمية كبيرة على تلك الزيارة التي جاءت في ظروف حساسة ودقيقة، عبر الحديث عن مصالح مشتركة كثيرة تجمع بين الطرفين.
ويذكر مدير مركز تحليل الاستراتيجيات في موسكو، روسلان بوخوف، صراحة هذه المصالح، قائلا: «إن إيران الشيعية تقف، مثل روسيا، ضد الحركات الإسلامية السنية المتطرفة في الشرق الأوسط»، معتبرا أن «إيران، كما روسيا، من مصلحتها ارتفاع أسعار النفط، ويكفي العامل الأخير وحده لجعل العلاقات بين البلدين تتطور في المنحى الإيجابي، فضلا عن الوضع المتوتر حول روسيا في أوروبا، بسبب أوكرانيا، وفي الشرق الأوسط حول إيران والعقوبات الغربية المفروضة عليهما».



اليمن ساحة جديدة للتعاون




ومع أنه لا يخفى وجود تنسيق إيراني - روسي في الأزمة السورية بشأن دعم استمرار نظام الرئيس بشار الأسد، لكن الجديد في الأمر بروز مؤشرات على وجود تنسيق روسي - إيراني في الأزمة اليمنية، والسبب الرئيسي هو رغبة الطرفين في مساومة الخليج والضغط عليه.
ومن منظور أوسع، ترى موسكو أن استيلاء الحوثيين على صنعاء، وتنامي نفوذهم في عموم اليمن، يخدم مصالحها على المدى البعيد؛ إذ تنظر موسكو إلى الحوثيين بوصفهم جزءا من المحور الشيعي الذي تجد نفسها في تحالف موضوعي معه، في مواجهة القوى السنية في المنطقة، سواء أكانت دولا أم تنظيمات، والتي تعدها تهديدا استراتيجيا لها ولمصالحها، خاصة في القوقاز وآسيا الوسطى. ويبرر هذا الموقف أن الحوثيين هم خصوم القاعدة الرئيسيون في اليمن؛ لذلك، نجد أن معظم سلاحهم معدات روسية تنقلها سفن إيرانية، وتشمل صواريخ «سام 2» و«سام 3» المضادة للطائرات.



طموحات استعادة النفوذ الروسي في اليمن




ومن ناحية أخرى، تري موسكو في الأزمة الراهنة في اليمن فرصة تسمح لها بعودة نفوذها إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، فقد كان اليمن، وقبل ثورة عام 1962، ثاني دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي السابق بعد المملكة العربية السعودية، وقدمت موسكو للإمام حميد الدين دعما سياسيا واقتصاديا كبيرا، ربما نكاية في خصومه البريطانيين الذين اقتطعوا منه جنوب اليمن وأقاموا فيه قاعدة بحرية كبيرة في عدن منذ عام 1839، وكانت لموسكو علاقات وثيقة بجنوب اليمن في سنوات الحرب الباردة بعد استقلالها عن بريطانيا في ستينات القرن العشرين، وحصلت على تسهيلات بحرية في ميناء عدن بالقرب من المحيط الهندي، والتي قال عنها الأدميرال الروسي الشهير جورشكوف: «سأعطي نصف أسطول في المحيط الهندي مقابل هذه القاعدة».
وفي الوقت الحالي تسعي موسكو إلى استعادة نفوذها في اليمن وبالقرب من خليج عدن وباب المندب الممر الحيوي نحو المحيط الهادي، فالطريق المؤدي إلى الشرق الأقصى الروسي من البحر الأسود عبر قناة السويس أقصر بكثير منه حول أفريقيا، ومن الطبيعي أن تحرص روسيا على وجود تسهيلات بحرية على هذا الطريق البحري الطويل، خصوصا أن «مبدأ بوتين»، الذي أصدره عقب توليه السلطة في الكريملين عام 2000، يهدف إلى استعادة روسيا لمكانتها العالمية عبر العودة إلى أماكن نفوذها السابقة والتي انسحبت منها في التسعينات الماضية، وعلى رأسها القواعد البحرية في الشرق الأوسط، وجنوب آسيا وأميركا الوسطى.
وكانت الأمم المتحدة قد طلبت، في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، وقبل نحو أسبوع من سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء، من روسيا التدخل والضغط بصورة عاجلة على إيران لحل الأزمة اليمنية الراهنة، إذ التقي مبعوث الأمم المتحدة الخاص جمال بنعمر مسؤولين في سفارة روسيا بصنعاء وأبلغهم أن المنظمة الدولية تدعو القيادة الروسية بأهمية الاتصال بإيران لإيجاد حل مشترك لمعالجة الأزمة اليمنية، التي أخذت تطورا وبعدا إقليميا، وأن إيران من دون شك ضالعة وتلعب دورا كبيرا في عملية تأجيج الوضع السياسي والأمني باليمن عبر جماعة الحوثيين. وجاء هذا الاتصال بموافقة واتفاق بقية سفراء الدول العشر الذين أقروا بأنه لا «يمكن التوصل إلى حل ينزع فتيل الأزمة اليمنية المتصاعدة من دون تدخل روسي يشرع بالوساطة الإيرانية مع الحوثيين»، خصوصا أن روسيا عضو في مجموعة العشرة، التي تضم (دول الخليج عدا قطر + الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن)، وهي الدول نفسها التي تشرف على مسار الانتقال السلمي للسلطة في اليمن منذ الثورة على الرئيس السابق علي عبد الله صالح في عام 2011 بمقتضى المبادرة الخليجية.



تداعيات واحتمالات




إن دخول روسيا على خط الأزمة اليمنية، سيعيد ترتيب أوراق الأزمة اليمنية بشكل قد يرجح كفة الحوثيين، وفي شأن التعويل على موقف موسكو، قال المتحدث باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام، إن الجماعة تثمن الموقف (الفيتو) الروسي، مؤكدا أن التواصل مع «الإخوة الروس» مستمر، موضحا أن الجماعة تعول على موقف أي دولة تمتلك نظرة مغايرة للنظرة الأميركية تجاه العالم، قائلا إن روسيا تفهم جيدا الهيمنة التي تعرض لها اليمن ومحاولات الاستفراد.
لقد أثار هذا الموقف (الفيتو) الروسي قلقا كبيرا لدى دول الخليج العربية، فالخليجيون الذين كانوا ينظرون لليمن بعد وصول الحوثيين على أنها حاملة طائرات إيرانية رابضة عند حدودهم الجنوبية، باتوا يشعرون أن الأمر أبعد من ذلك، فحاملة الطائرات الإيرانية بإمكانهم إجبارها على الإقلاع، لكن قد يكون من الصعوبة إجبار البوارج الروسية التي تمخر عباب البحرين الأحمر والعربي والخليج العربي من المغادرة.
ويبدو أن مشاريع القرارات الخليجية في مجلس الأمن بشأن الأزمة اليمنية، ستصطدم بهذا الرفض الروسي في كل مرة. ولن تمر المقاربة الخليجية لحل الأزمة اليمنية التي تؤكد فيها على ضرورة احترام مبادرتها السابقة، عبر بوابة مجلس الأمن إلا في إطار تفاهمات دولية شاملة بين روسيا من جهة، وبين الدول الأخرى حول عدد من الملفات والقضايا، فأسباب الرفض الروسي لهذه القرارات تأتي في إطار مفاوضاتها حول ملفات أخرى، ولن ترضى بتقديم أي تنازل في اليمن من دون الحصول على مكاسب حيوية في أماكن أخرى.
font change