من «مكتب الارتباط» على الحدود الأفغانية إلى «أنصار الشريعة» في بنغازي .. العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة الليبي

من «مكتب الارتباط» على الحدود الأفغانية إلى «أنصار الشريعة» في بنغازي .. العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة الليبي

[caption id="attachment_55254539" align="aligncenter" width="940"]وثيقة من وثائق أبود آباد تشير إلى دور طهران في أنشطة القاعدة وعلاقتها بجماعة الجهاد الليبية وقادتها المقيمة في إيران (المجلة) وثيقة من وثائق أبود آباد تشير إلى دور طهران في أنشطة القاعدة وعلاقتها بجماعة الجهاد الليبية وقادتها المقيمة في إيران (المجلة)[/caption]

[blockquote]
هي مسافة كبيرة. توجد شكوك تتراكم بمرور الأيام. من أسوار المعسكر القديم لجماعة تابعة لتنظيم القاعدة في بنغازي، وحتى مراكز التحقيق الأميركية في واشنطن، تبدو خيوط تحركها أصابع خفية، لكن يبدو أنها تعطي أرضية جيدة للتحقيق في «علاقة مشبوهة» بين إيران وفرع تنظيم القاعدة الليبي. أهم العناصر تبدأ من مكتب ارتباط للمتطرفين الليبيين على الحدود الإيرانية الأفغانية، وتصل، عبر سنوات، إلى تنظيم «أنصار الشريعة» في بنغازي، الذي يرجح قيامه بتفجير القنصلية الأميركية في المدينة في 2012.[/blockquote]


[caption id="attachment_55254540" align="alignright" width="300"]السفير الأميركي في ليبيا كريستوفر ستيفنز الذي لقي مصرعه خلال هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي عام 2012 السفير الأميركي في ليبيا كريستوفر ستيفنز الذي لقي مصرعه خلال هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي عام 2012[/caption]

دخلت إيران إلى الساحة الليبية في الأيام الأولى للانتفاضة المسلحة التي دعمها حلف شمال الأطلسي «الناتو» لإسقاط معمر القذافي. كانت طهران مع الانتفاضة على أساس أنها «ثورة إسلامية»؛ ومع ذلك كانت تعارض تدخل الناتو مع الثائرين المسلحين.
بعد سقوط طرابلس على أيدي مجموعات يشتبه في أن لها علاقة بتنظيم القاعدة وبإيران، لم تنتظر طهران اختفاء القذافي من ليبيا. فرَّ القذافي مع وزير دفاعه، أبو بكر يونس، إلى مدينته المفضلة، سرت، شمال وسط البلاد، أما في طرابلس فكانت المفاوضات بين الثوار والإيرانيين، تجري على قدم وساق لتنظيم رحلة سفر إلى طهران يبدو أن المراد منها كان الإيحاء للعالم بأن إيران موجودة «في قلب الثورة»، في هذا البلد الغني بالنفط في شمال أفريقيا.
يقول رجب أمحمد بن غزي، الإعلامي الليبي ابن مدينة بنغازي الذي تعود أصوله إلى بلدة مصراتة، إن إيران كانت حاضرة في الملف الليبي لكن «كيف وبأي طريقة؟ هذا غير ظاهر!». ومع ذلك يضيف موضحا أن الخيوط الإيرانية في ليبيا يمكن التقاطها من خلال تنظيم «الجماعة الليبية المقاتلة» المعروف أنه أحد فروع تنظيم القاعدة في هذا البلد، مشيرا إلى أن «مجموعة من ثوار طرابلس سافروا إلى إيران عقب دخولهم العاصمة في أغسطس (آب) 2011».


تفجير قنصلية أميركا في بنغازي




يظهر مجددا اسم إيران، والعلاقة مع تنظيم القاعدة الليبي، حين يتعلق الأمر، هذه الأيام، بقضية تفجير قنصلية أميركا في بنغازي في سبتمبر (أيلول) عام 2012. رغم مرور نحو أربع سنوات، فإن ما يهم الولايات المتحدة، بشكل لافت، خاصة في أوساط اللجان المعنية في الكونغرس، يبدو أنه السعي لإماطة اللثام عن تفاصيل مقتل سفيرها لدى ليبيا وثلاثة من رفاقه في هجوم القنصلية. ويقول أحد مسؤولي الاستخبارات الليبيين إنه يبدو أن هناك أشياء ما زالت خفية في ملابسات تفجير قنصلية بنغازي.. «أعتقد أن هناك صفحات لم تكشف بعد».
وتأتي هذه الشكوك بعد أن حرك تحليلٌ للكاتب الأميركي، كينيث تيمرمان، المياه الراكدة بشأن الوجود الإيراني في ليبيا، ليس من خلال تنظيم القاعدة فقط، ولكن من خلال فرع أصولي آخر بايع فيما بعد تنظيم داعش، ألا وهو «أنصار الشريعة» في بنغازي التي وقع فيها الهجوم الغامض على القنصلية.
نشر تيمرمان، الذي يرأس «مؤسسة الديمقراطية في إيران»، التحليل المشار إليه على موقع صحيفة «واشنطن بوست»، في العشرين من مارس (آذار) الماضي. ووصلت أصداء المعلومات التي تضمنها، أخيرا، إلى بعض الأروقة الليبية المعنية بالقضية، خاصة أنه مرفق مع التحليل صورة كرتونية عبارة عن ذارع سوداء تحمل في يدها سكينا وتخرج من إيران وتغرس السكين في قلب بنغازي.


نشاط إيراني مشبوه في بنغازي




تحدث تيمرمان عن نشاط إيراني مشبوه في بنغازي، سبق تفجير القنصلية. هذا النشاط يعتقد أنه كان بالتعاون مع عناصر من تنظيم «أنصار الشريعة». إيرانيون يتحركون في المدينة التي تعد ثاني أكبر المدن الليبية، تحت ستار «الهلال الأحمر الإيراني». من جانبه يقول بن غزي لـ«المجلة»: يمكن أن تقول إن المعلومات التي تطرق إليها التحليل المنشور في «واشنطن بوست» كانت «متوقعة بالنسبة لكثير من الليبيين، خاصة بعد تحرير طرابلس».
ومن مقره في الولايات المتحدة، يعلق باراك بارفي، الباحث الأميركي في مؤسسة «أميركا الجديدة»، ردا على أسئلة «المجلة» قائلا بشأن ما يتردد عن وجود علاقة بين إيران وتنظيم القاعدة في ليبيا وغيرها من التنظيمات المتطرفة المشابهة له في هذا البلد، مثل تنظيم «أنصار الشريعة»، المصنف دوليا كمنظمة إرهابية، إن العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة «موجودة بالفعل»، لكن المشكلة هي أننا لا نفهم عمق هذه العلاقة.
ويضيف بارفي الذي يقوم بزيارات اعتيادية لدول بمنطقة الشرق الأوسط، أن موضوع علاقة إيران بـ«القاعدة» بدأ بعد الغزو الدولي لأفغانستان، وهزيمة حركة طالبان، مشيرا إلى أن الكثير من عناصر تنظيم القاعدة لجأوا إلى إيران. ومن جانبه يقول بن غزي إن الحديث عن علاقة بين إيران وأصوليين ليبيين «تعززه الحقيقة المعروفة وهي لجوء بعض العناصر الليبية في تنظيم القاعدة إلى إيران عقب الغزو الدولي لأفغانستان».
من بين وثائق تنظيم القاعدة التي عثرت عليها القوات الأميركية في مايو (أيار) 2011، عقب هجومها على مقر أسامة بن لادن في بلدة أبوت آباد في باكستان، توجد وثيقة تتضمن نصوصا صريحة عن علاقة بين إيران وتنظيم القاعدة في ليبيا، من خلال فرعه «الجماعة الليبية المقاتلة». وتأسست «المقاتلة» أول الأمر في أفغانستان. ثم ظهرت على السطح بقوة وهي تقتل قوات القذافي، منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.
تتكون الجماعة المقاتلة في الأساس من مجموعة من الليبيين تتراوح أعمار معظم هؤلاء، اليوم، ممن ما زالوا على قيد الحياة، بين الخمسين والستين عاما. من بينهم مَن أصبح يطلق عليهم قيادات للثوار في الهجوم على مقر القذافي في العاصمة طرابلس قبل خمس سنوات.
وقبل ذلك بنحو عشر سنوات، كانت قيادات في «المقاتلة» قد اضطرت للفرار من أفغانستان، ضمن موجة هروب لتنظيم القاعدة، إلى إيران. مع العلم أن «المقاتلة» كانت، بقياداتها وعناصرها الليبية، تعمل في أفغانستان، دون أن تتبع تنظيم القاعدة بشكل مباشر. استمر ذلك إلى أن أعلن أيمن الظواهري في عام 2007 انضمام الجماعة إلى التنظيم بشكل رسمي. وربما كان هذا يفسر، لدى البعض، السبب وراء تأسيس الجماعة الليبية لمكتب خاص بها في إيران. مكتب أقامته الجماعة بعد 2001، كـ«محطة» من أجل تنسيق تحركات عناصر «المقاتلة» بين إيران وباقي الدول.


وثائق «أبوت آباد»




وتذكر وثائق «أبوت آباد» عدة أسماء لليبيين، ومعهم مصريون ويمنيون وغيرهم، ممن لجأوا إلى إيران، بعد الغزو الدولي لأفغانستان. ومما ورد في الوثيقة اسم عبد الله رجب الليبي، وكان لقبه المعروف به قديما هو «أبو الورد». وتقول الوثيقة إنه كان في إيران. وكذلك وصل إلى إيران في ذلك الوقت أبو مالك الليبي، المعروف بلقب «عروة». وتقول الوثيقة إنه «أحد الإخوة البارزين في المقاتلة، وبقي في إيران، ولم يأت عندنا (أي إلى المقر الجديد للقاعدة في المنطقة التي يعتقد أنها في الجبال بين أفغانستان وباكستان)».
وعلى هذا الصعيد تكشف مصادر قريبة من الجماعة الليبية المقاتلة في بنغازي لـ«المجلة» أن الجماعة تمكنت في تلك الأيام من تأسيس مكتب ارتباط لها في إيران يعني بشؤون المقاتلين الليبيين، خاصة أولئك الذين استقروا في إيران بعائلاتهم. ويضيف قيادي سابق في «المقاتلة» يعيش حاليا في بنغازي، أنه تعامل مع المكتب حين فرَّ من أفغانستان لإيران عام 2001، وأن «مكتب الارتباط» هذا لم تكن له علاقة مباشرة بالسلطات الإيرانية.
لكنه يضيف أنه «لا يمكن لمكتب كهذا كان معروفا لجميع الإخوة الليبيين في إيران وأفغانستان وباكستان، العمل والاستمرار في التنسيق واستقبال وإرسال المقاتلين، دون علم الأجهزة المعنية في الدولة الموجود فيها. هذا رأيي». عاش هذا القيادي الذي تحدث شريطة عدم تعريفه، قرابة الشهر في مجمع سكني شرق إيران بالقرب من الحدود مع أفغانستان.
ويوضح أن معظم الجنسيات العربية التي كانت تقاتل في أفغانستان، وجاءت إلى إيران، أسست مكاتب ارتباط مماثلة.. «مكتب مصري ومكتب يمني، وهكذا». ويقول إنه لم يتقاض أموالا من السلطات الإيرانية، لكن «السكن كان مجانا، وبعض الأخوة ممن كانوا قد استقروا هناك لفترة طويلة مع عوائلهم، خاصة من المصريين والليبيين، كانوا يحصلون على مؤن وإعاشة». ويضيف أنه تعامل عن قرب مع رئيس مكتب الارتباط لفرع تنظيم القاعدة الليبي، في إيران، والملقب بـ«الدرناوي» الذي قتل فيما بعد في غارة أميركية خارج إيران.
ويقول إن مقر المكتب كان على بعد بضعة كيلومترات من الحدود مع أفغانستان، وكان الدرناوي ينظم حركة التنقل عبر الحدود، ويتكفل، عبر المكتب، بمن تقطعت بهم السبل، ويرسل المرضى والجرحى إلى المستشفيات القريبة، بالإضافة إلى «معالجة مشكلة انتهاء صلاحية جوازات السفر الخاصة بالكثير من الأخوة الليبيين».



استراتيجية طهران في شمال أفريقيا




ووفقا لمعلومات أخرى من عناصر على علاقة بـ«مجاهدين عرب» فروا في 2001 من أفغانستان إلى إيران، بلغ عدد من دخلوا إيران عدة مئات، وتحولت مكاتب الارتباط الخاصة بعناصر «القاعدة» في إيران، بحلول عام 2011، إلى مقار لـ«تسفير المجاهدين إلى بلادهم للمشاركة في الثورة خاصة في مصر وليبيا». هذا رغم أن إيران كانت قد بادرت في عام 2004 بطرد عدد عناصر «القاعدة» ممن انتقدوا موقف إيران من غزو العراق، وكان من بين هؤلاء قيادات من «المقاتلة».
ويقول البعض إن هذه الواقعة تبدو، من جانب إيران، وقتها، كمحاولة منها على ما يبدو لاسترضاء نظام القذافي، إلا أن طهران سارعت بمباركة سقوط أنظمة الحكم في «ثورات الربيع العربي»، وأوحت للعالم بأنها «ثورات إسلامية» على غرار الثورة الإيرانية التي تولى فيها رجال الدين في إيران الحكم عام 1979، مع دخول «الثوار» إلى طرابلس، وفي أول اتصال رسمي لها بليبيا بعد خروج القذافي من العاصمة، سارعت طهران بتوجيه دعوة لزعيم الثوار الليبي، في أغسطس 2011 لزيارتها، ورحبت بانتصار «الشعب الليبي المسلم».
وتجدر الإشارة إلى أن التنظيمات المتطرفة في بنغازي كانت قد بدأت، منذ مايو (أيار) 2012 في تنفيذ هجمات على أهداف غربية بالمدينة، لكنها كانت محدودة، من بينها هجوم على القنصلية الأميركية وقع في يونيو (حزيران)، أي قبل الهجوم الكبير على القنصلية نفسها في سبتمبر.

ومن واشنطن يجيب بارفي عن أسئلة «المجلة» قائلا إنه توجد علاقة بين إيران والقاعدة، لكن لا نفهم عمق هذه العلاقة، فمنذ هزيمة حركة طالبان، وُجد أن عناصر من تنظيم القاعدة لجأوا إلى إيران، لكن المخابرات الأميركية تعتقد أنهم سكنوا هناك (في إيران) تحت اسم (house arrest) أي من دون دعم من الحكومة الإيرانية. هذا رغم أن أحد قيادات «القاعدة» في اليمن صرح من قبل قائلا ما معناه أن طهران دعمت التنظيم.
ويعرب باراك بارفي عن اعتقاده بأن الحرب في سوريا أدت إلى طي صفحة التعاون بين إيران وتنظيم القاعدة، ويقول: في الوقت الراهن، لا أعتقد أنه يوجد تعاون بين الجانبين، خاصة أن التنظيم يقاتل نظام بشار الأسد المدعوم من طهران.


[blockquote]مصادر أمنية: الجماعة الليبية المقاتلة في بنغازي تمكنت من تأسيس مكتب ارتباط لها في إيران يعني بشؤون المقاتلين الليبيين[/blockquote]


وعلى الصعيد الرسمي الإيراني، تسعى طهران لاستمرار الوجود في ليبيا التي تمتلك موقعا استراتيجيا في شمال أفريقيا، ولديها فرص استثمارية مهولة يتعلق أغلبها بإعادة الإعمار. ومنذ انتخاب البرلمان الليبي الذي يعقد جلساته في طبرق، تعمل إيران على تعزيز العلاقات الثنائية مع الحكومة المؤقتة المنبثقة عن هذا البرلمان، وذلك في المجالات الاقتصادية والتجارية وغيرها. لكن هذا لا يمنع من إعادة فحص الأوراق القديمة. كما يقول أحد القيادات السابقة في المجلس الانتقالي الذي تولى الحكم لعدة أشهر أثناء الثورة الليبية.
ويضيف أن إيران قدمت مساعدات إنسانية لـ«الثوار الليبيين»، منذ البداية، مشيرا إلى أن العلاقة استمرت بعد ذلك من خلال «بوابة المساعدات الإنسانية وتقديم العلاج في إيران لجرحى المواجهات مع القوات الحكومية التابعة لنظام القذافي. ويضيف: «ما أعرفه حين كنت في موقع المسؤولية أن هناك 127 جريحا جرى تسفيرهم عبر رحلتي طيران للعلاج في مستشفى في طهران، وكان برفقة هذه المجموعة من الجرحى مندوب من الثوار هو قيادي في الجماعة الليبية المقاتلة يدعى (ع.ع.)».

وتعطي إعادة النظر في وقائع تكشف يوما بعد يوم، أبعادا جديدة للقضية. بعض المعنيين يستعيد أجواء الدعاية الصادرة من الأبواق الإعلامية الرسمية وغير الرسمية من طهران التي كانت تثير الارتباك أثناء الانتفاضة ضد القذافي، فهي تحض «الثوار الليبيين» على الوقوف ضد الدول الغربية ودول حلف الناتو الذي كان بدوره يساعد «هؤلاء الثوار» أنفسهم، من خلال قصف قوات القذافي بالطائرات والصواريخ. ونسبت وسائل الإعلام للرئيس الإيراني في ذلك الوقت، محمود أحمدي نجاد، قوله لليبيين إن دول حلف الناتو جاءت لنهب ثروات ليبيا الطبيعية، داعيا الليبيين إلى عدم السماح بـ«الهيمنة الغربية في بلادهم».
ويتذكر مسؤول محلي في بنغازي كان يشارك في غرفة عمليات «الثوار» بالمدينة، أنه، وفي وقت لاحق من هذا الخطاب الإيراني التحريضي لليبيين، لوحظ تنامي دور الهلال الأحمر الإيراني في بنغازي. يبدو أن هذا الأمر أثار وقتها انتباه الأميركيين في هذه المدينة التي تعد ثاني أكبر المدن في البلاد. لكن ووفقا لتحليل تيمرمان، جرى التمويه على الأميركيين حتى لا يشعروا بأي خطر من وجود الإيرانيين في بنغازي أو التشكيك في طبيعة المهمة الإنسانية التي يوحون أنهم يقومون بها.
تقول تقارير أمنية ليبية إن «الجماعة المقاتلة» تستخدم «أنصار الشريعة» واجهة عسكرية لها. ووفقا لمعلومات من مصدر محلي في بنغازي، فقد وصل الوفد الإيراني «الطبي» إلى المدينة قبل الحادث الإرهابي الذي وقع على القنصلية الأميركية في بنغازي بنحو أربعين يوما، وذلك بدعوة من السلطات التي كان يتولاها الثوار في البلاد، بمن في ذلك قيادات من تنظيم «أنصار الشريعة». وأضاف: وصل وفد إيران صباح ذلك اليوم وأقام في فندق تيبستي، الذي يبعد عن مقر القنصلية الأميركية في بنغازي بنحو خمس عشرة دقيقة بالسيارة.
أضف إلى ذلك، كما يقول المصدر نفسه، أن الحراسة المحلية التي كانت مكلفة بتأمين القنصلية مع الحراس الأميركيين، كانوا أساسا من «معسكر 17 فبراير (الذي يعد الفرع الأم لتنظيم أنصار الشريعة، وكان المعسكر يقع على بعد خمس دقائق بالسيارة من مقر القنصلية)»، أحد أكبر معسكرات «الثوار» في المدينة، في 2012.
ويضيف: «كانوا تقريبا سبعة شبان ليبيين يشاركون في تأمين القنصلية.. جرى جلبهم من معسكر 17 فبراير بعد أن تأكد خضوعهم لتدريبات في حراسة المنشآت الدبلوماسية ومرافقة الوفود الأجنبية من مطار بنغازي إلى داخل المدينة، بما في ذلك مرافقة موكب السفير الأميركي وأعضاء البعثة الأميركية، حين يأتون من طرابلس إلى بنغازي أو حين يصلون مباشرة من خارج البلاد إلى بنغازي».


الحرس الثوري الإيراني




ويقول الإعلامي الليبي بن غزي، أحد أبناء المدينة، إن الجماعات المسلحة كانت تتعامل مع الجميع.. «هؤلاء الموجودون في بنغازي كانوا يتعاملون مع قوى مختلفة. أي كانوا يتعاملون مع إيران ومع جماعة الأميركيين، ومع جماعات محلية. هؤلاء سياستهم هي فتح الباب للتعامل مع كل الناس».
ويضيف بن غزي، فيما يتعلق بالفرق بين «الجماعة المقاتلة» وتنظيم مثل أنصار الشريعة، قائلا إن «الجماعة المقاتلة تشبه العقل المدبر. كما تلاحظ.. لا أحد منها يموت في العمليات. الذين يموتون هم من أنصار الشريعة، أو من الثوار، أو من مصراتة، أو من الزنتان، أما جماعة المقاتلة فهم لا يدخلون في الحرب على الأرض. آخرون يتحركون نيابة عنهم».
ووفقا لخبرته في العمل وسط محيط متقلب وخطر عبر سنوات، يعتقد بن غزي أن العلاقة الأساسية لإيران في ليبيا تتركز على «الجماعة المقاتلة».. ويضيف أن إيران كانت موجودة في ليبيا، بطريقة خفية، وليست بطريقة واضحة. «أعتقد أن علاقتها تتركز مع الجماعة المقاتلة أكثر من أي شيء آخر»، ولهذا يعلق بن غزي على الترجيحات الخاصة بتورط أطراف إيرانية في تفجير مبنى القنصلية الأميركية في بنغازي، بقوله: «هذا أمر يمكن أن تتوقعه. فبعد تحرير العاصمة من قوات القذافي، ذهبت مجموعة من ثوار طرابلس إلى إيران. أعتقد أن هذه كانت قصة غريبة، كبداية».
وعلى الجانب الآخر تبدو مسألة بحث الأطراف الأميركية عن علاقة بين إيران وتنظيم القاعدة في ليبيا، بما في ذلك احتمال تورطها، أو على الأقل، مساندتها، للهجوم الإرهابي على قنصلية الولايات المتحدة، مسألة غامضة. ووفقا للمعلومات الواردة في تحليل تيمرمان، فإنه «حتى الآن يرفض مسؤولون حكوميون في أميركا الربط بين تفجير قنصلية بنغازي وإيران»، رغم أن مدير وكالة استخبارات الدفاع، اللفتنانت جنرال مايكل فلين، كان قد كلف أجهزة الاستخبارات بالحصول على معلومات حول تورط إيران في الهجوم، وفقا للتحليل نفسه، الذي يتضمن إشارات إلى أن عناصر من قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني ربما كانت تتحرك في ذلك الوقت داخل بنغازي تحت ستار «الهلال الأحمر الإيراني»، وبمساعدة من عناصر من «القاعدة» (أنصار الشريعة).

وفتحت وثائق «أبوت آباد»، على ما يبدو، شهية محققين أميركيين بشأن البحث في علاقة إيران بتنظيمي الجماعة المقاتلة وأنصار الشريعة التابعين للتنظيم في ليبيا، وإعادة قراءة تحقيقات لجنة بنغازي التي خصصها الكونغرس لاستجلاء الحقيقة حول ملابسات الهجوم على القنصلية. ورغم ضعف الأجهزة الأمنية الليبية إلا أن الفرضية الجديدة مثيرة للانتباه، كما يقول أحد مسؤولي الأمن في بنغازي.
ومن بين البنود التي يجري التثبت منها مسألة قيام الإيرانيين في المدينة بالهروب من مراقبة الأميركيين لهم في شوارع بنغازي، وذلك من خلال محاولات إعادة التحري عن ملابسات المزاعم الإيرانية بخصوص اختطاف ليبيين مسلحين يعتقد أنهم من «أنصار الشريعة» لسبعة من فريق الهلال الأحمر الإيراني في بنغازي. ويقول مسؤول الأمن المشار إليه: حين تلقي نظرة على الفرضية المطروحة اليوم من أن عملية الاختطاف وقتذاك كانت مجرد تمثيلية لإبعاد العيون عن تحركاتهم، فإنني أقول إن إعادة التحقيق أمر لا بد منه.
هل كانت عملية اختطاف حقيقية أم تمويه؟ ويقول ضابط الاستخبارات الليبي الذي يعمل تحت سلطة الحكومة الليبية المؤقتة ومقرها مدينة البيضاء القريبة من بنغازي: في 2012 كانت البلاد في فوضى عارمة. من الصعب معرفة ما حدث بالضبط وقتذاك. الأمر يحتاج إلى فتح تحقيق واستدعاء شهود، وهذا لا يمكن إنجازه في الظروف الراهنة حيث الفوضى ما زالت في كل مكان، وقيادات أنصار الشريعة والجماعة المقاتلة ما زالوا يحاربون سلطة الدولة في بنغازي إضافة إلى درنة وطرابلس وغيرها.

font change