مدارس السبت في بريطانيا بين الحفاظ على الهوية... والانعزال عن المجتمع

مدارس السبت في بريطانيا بين الحفاظ على الهوية... والانعزال عن المجتمع

بعضها تديره كوادر غير مرخصة وبمناهج لا تخضع للرقابة





* يوجد في بريطانيا اليوم نحو 850 مدرسة لتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي يوم السبت، وهي منتشرة في جميع أنحاء البلاد لكن أغلبها موجود في لندن.
* خبراء: لا بد من الإشراف الحقيقي على تلك المدارس. فهي بحاجة إلى رقابة وتنظيم مستمرين.



لندن: رنيم حنوش

تعتبر اللغة العربية لغة حيوية يقبل على تعلمها الكثير من سكان بريطانيا وعلى رأسهم أبناء الجالية العربية والمسلمة غالبا لأغراض دينية ومن أجل التعرف على النطق الصحيح للغة القرآن الكريم والحفاظ على ثقافة مسقط الرأس. وتوفر مدارس نهاية الأسبوع، أيام السبت بالتحديد هذه الفرصة لأبناء الجالية العربية والمسلمة، خارج ساعات الدوام المدرسي النظامي، على غرار المدارس التي تديرها كنائس البلاد يوم الأحد. الفكرة من ناحية المبدأ مفيدة، لكن تحوم بعض التساؤلات حول بعض تلك المدارس التي تدار من قبل بعض المساجد أو المسجلة تحت مظلة الجمعيات الخيرية، خصوصا أن مناهجها لا تخضع للرقابة.
يقول الدكتور محمد الدسوقي إن مدارس السبت نشأت عام 1972 تحت اشراف الأستاذ عبده خضر في المكتب الثقافي المصري. إذ أنشأ أول مدرسة وكان الهدف الأساسي منها المحافظة على الثقافة العربية بعاداتها وتقاليدها وتدريس اللغة الأم حرصاً على ضمان تواصل الأبناء مع دولهم الأصلية. ويكشف الدسوقي المدرس في أكاديمية الملك فهد ومدير امتحانات اللغة العربية لشهادة «A-Level» البريطانية في حديثه لـ«المجلة» أن هذه المدرسة بدأت بنحو 10 طلاب، ولكن يدرس فيها اليوم ما يقرب من 800 طالب. ويضيف: «يوجد في بريطانيا اليوم نحو 850 مدرسة لتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي يوم السبت، وهي منتشرة في جميع أنحاء البلاد لكن أغلبها موجود في لندن»، ويستطرد: «وفقا لمجلس المدارس الإسلامية، هناك نحو 4 آلاف تلميذ وتلميذة يرتادونها، جميعهم من أصول عربية أو من زيجات مشتركة (أحد الوالدين عربي والآخر أجنبي)».

ووفق الدكتور الدسوقي، فإن النوع الأول من مدارس السبت تابع لسفارات الدول العربية. فمثلا، المدرسة المصرية تابعة للملحقية الثقافية لدى السفارة المصرية وتمدها بالمناهج والكتب والامتحانات. أي أن مناهجها معروفة ومنظمة. لكن، هناك مدارس سبت تابعة لمساجد البلاد، إلى جانب المدارس المستقلة المرخصة تحت مظلة «الجمعيات الخيرية». والمساءلات على النوعين الأخيرين.

مناهج غير موحدة



الدكتور صلاح الأنصاري أكاديمي وباحث في مؤسسة كويليام الدولية لمكافحة التطرف، يشير إلى أن المناهج التي تدرس في المدراس التكميلية التابعة غالبا للمساجد أو في مراكز تابعة للجاليات المسلمة في بريطانيا ليست موحدة وبخاصة فيما يتعلق بمادة الدراسات الإسلامية، وفق ما يفيد الدكتور صلاح الأنصاري. ويضيف الأكاديمي والباحث في مؤسسة كويليام الدولية لمكافحة التطرف لـ«المجلة»، أن «القاسم المشترك بين الجاليات المختلفة سواء من جنوب شرقي آسيا أو الشرق الأوسط هو تعليم قراءة القرآن، ثم تعلم اللغة العربية إلى جانب اللغات القومية، الأوردو (الهنود والباكستان) أو التركية (الأتراك) أو البنغالية (بنغلاديش)، ثم الدراسات الإسلامية».

ويكشف الأنصاري أن المناهج في الدراسات الإسلامية غير موحدة، ومتأثرة بطبيعة الجالية وتوجهها الفكري، الأغلب مدارس سنية محافظة بعضها ينتمي للإسلام السياسي أو الديوبندي المحافظ. ويوضح: «رغم تنوع هذه الاتجاهات فإنها بشكل مباشر أو غير مباشر، تتبنى آراء محافظة ومتشددة إزاء نظرتهم للمرأة وعزلها أو تهميشها من داخل وخارج الجالية مثل قضية الاختلاط،، والسفور، وحرية العمل، ومساواتها بالرجل». ويعتبرها الباحث في شؤون التطرف «قراءة رومانتيكية لتمجيد فترات من التاريخ الإسلامي، ما يتناقد مع الواقع أو ما يتعلق بالأخلاق في المجتمع الغربي ومخاصمته أو الدعوة الصريحة المناهضة لقيمه من المساواة، وحرية التعبير، والتسامح». ويقول الأنصاري إن تلك المناهج تتجاهل غرس قيم إسلامية حديثة مثل المواطنة أو القيم الإنسانية المشتركة، وتزرع في الطلاب فقط سمو تعاليم الإسلام وأفضليته على غيره من الأديان.

كوادر من دون تراخيص



وفقاً للقوانين البريطانية، لا يستطيع أي شخص ممارسة مهنة التعليم إلا إذا كان مؤهلا ومرخصاً. لكن، لا يحقق هذا الشرط جميع معلمي مدارس السبت لأنها مستقلة.

[caption id="attachment_55260085" align="alignleft" width="408"]الدكتور محمد الدسوقي الدكتور محمد الدسوقي[/caption]

ووفق الأنصاري، يقوم عليها «خليط من المدرسين والمدربين في خارج بريطانيا وآخرون يعملون بالتعليم في المدراس الحكومية أو الخاصة، وأيضاً الأئمة المدربون في الخارج والداخل، ومتطوعون من الجالية ربما ليس لديهم أي مؤهلات سوى القدرة على قراءة النص القرآني». كما يتوقع أنه «بعد تشديد قوانين الهجرة والعمل يمكن القول إن الجيل القادم من المدرسين سيكون من مواليد بريطانيا».

أولئك المدرسون غير المؤهلين يرى الدكتور محمد الدسوقي أن «البعض منهم قاس في تعليم الدين، لعدم معرفتهم بالتأهيل التربوي وافتقارهم لفهم نفسيات وقدرات الطلاب وكيفية التعامل معهم». ويستطرد شارحاً: «أغلب التعليم الديني في تلك المدارس مبني على الحفظ وهذا يشوبه عيبان، العيب الأول هو انعدام الفهم والتركيز على التلقين، والأمر الآخر هو أن الطالب عندما يحفظ المطلوب يتصور أنه بارع جداً ويحصل على شهادات للتشجيع ومكافآت مالية ويصبح خاضعاً لهذا المدرس وفكره، ما يولد نوعاً من الطاعة العمياء».
كما يعتبر تعلم قراءة القرآن الأولوية في التعليم، حيث يبدأ الطالب من الصغر بتعلم بعض الكلمات القرآنية من خلال كتب تسخدم غالباً في جنوب شرقي آسيا لتعليم قراءة القرآن فقط دون فهم للمعنى. إذن، مشكلة تلك المدارس التي تكون غايتها تحفيظ القرآن الكريم، عادة ما يكون أئمتها، والمشرفون عليها، من بنغلاديش وباكستان. وهؤلاء لهم ثقافة مختلفة عن الثقافة العربية ومذاهب أخرى دينية. ويتم إهمال عنصر الفهم والتفسير، والتركيز على الحفظ والتلقين.

غموض وانعزال



غياب التنظيم والرقابة ولّد غموضاً حول طريقة إدارة تلك المدارس، وكيفية التعليم فيها... يقول الدكتور الدسوقي: «يدار بعضها تحت ستار تحفيظ القرآن الكريم لكن قد تكون لها أهداف أخرى، وهناك بعض المدارس هدفها الأساسي هو بناء طالب مخلص للدين، لكن أحيانا هذا الاخلاص للدين ينحرف بالاتجاه إلى أشياء أخرى لا تحمد عقباها».

ورداً على سؤال حول ما إذا كان لدى الدكتور الأنصاري علم، من خلال عمله مع كويليام، بحالة مؤكدة لتخريج متطرف خطط لعملية إرهابية من تلك المدارس، أجاب الدكتور الأنصاري: «لا، لكن لا يمكن أن نستعبد احتمالية أن معظم الانتحاريين من المولدين في بريطانيا لا بد وأنهم في فترة من فتراتهم قد تلقوا دروسا في المساجد المحلية لهم إذ إن هذا هو غالب حال كثير من المسلمين الذين يعيشون وسط جاليات إسلامية كبيره مثل لندن، وبرمنغهام، وبرادفورد، ومانشستر وغيرها».

ويعقب على قوله شارحاً: «أثبتت المدارس التابعة للمساجد والجاليات أنها لا تساهم في بناء مواطن يستطيع ممارسة دينة بحرية وفي نفس الوقت معتز بمواطنته وبلده، حيث لا تساعد المناهج التي تدرّس على خلق مسلم قادر على التعايش في مجتمع متعدد الثقافات والأعراق والديانات واللغات». ويضيف: «وبمساعده عوامل قد تخلق أزمة هوية وانتماء، واندماج لدى الطالب، والسبب بسيط أن المناهج لا تخاطب جيلا يعيش في القرن الواحد والعشرين كما أن القائمين على التعليم ليسوا مدربين على الوجه الكافي وأسلوب التعليم والتعامل مع الطلاب دون المستوى المطلوب».

ويتفق الدكتور الدسوقي مع الدكتور الأنصاري، مؤكداً على أهمية الإشراف الحقيقي على تلك المدارس. وينوه إلى أن «هذا النوع من المدارس بحاجة إلى رقابة وتنظيم مستمرين وضرورة إخضاع المناهج التي تدرس فيها إلى هيئة خاصة لأن كل منهج له سياسة، وهذه السياسة قد ترمي إلى بناء مواطن مخلص لأرضه وجماعته وبيئته لكنه غير قادر على التعايش مع مجتمعه البريطاني المحيط به».

يذكر أن حكومة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون كانت قد اقترحت إخضاع هذه المدارس والعاملين فيها للرقابة من قبل هيئة تنظيم التعليم المعروفة (أوفستيد)، والتشديد على قوانين تسجيل العاملين فيها والنظر في صلاحيتهم للعمل مع الأطفال. لكن، ليس هنالك لليوم رقابة منظمة على تلك المدارس، ما يفتح باب التساؤلات حول مستقبل الطلاب الذين يرتادون تلك المدارس، وتداعيات انعزالهم عن المجتمع البريطاني.
font change