في عالم يزداد فيه الاعتماد على الفضاء السيبراني، برزت إيران كلاعب رئيس في مشهد الحروب غير المعلنة، مستخدمة تكتيكات هجومية متطورة عبر الإنترنت، فلم تعد ساحة المعركة مقتصرة على القذائف والرصاص، بل امتدت لتشمل البيانات والشبكات، حيث تُدار صراعات خفية تهدف إلى تحقيق أهداف جيوسياسية دون إطلاق رصاصة واحدة.
في قلب هذه الاستراتيجيا، تبرز جماعات الهاكتفيست المدعومة من الدولة كأدوات قوية، تنفذ هجمات سيبرانية معقدة تستهدف البنية التحتية الحيوية للخصوم، وتزرع الفوضى، وتنشر رسائل سياسية موجهة. هذه الجماعات، التي تعمل غالبا تحت غطاء النشاط المدني أو الاحتجاج، تُعدّ ذراعا إيرانية سيبرانية خفية، تُمكن طهران من ممارسة نفوذها وتحدي خصومها في "حرب غير معلنة"، تداعياتها تتجاوز شاشات الحاسوب لتؤثر على الأمن القومي والاقتصاد العالمي.
وكثفت إيران من استخدام قدراتها السيبرانية كأداة رئيسة ضمن ما بات يُعرف بـ"الحرب الهجينة"، التي تمزج بين القوة العسكرية التقليدية والوسائل غير التقليدية، مثل الهجمات السيبرانية وحملات التضليل الإعلامي.
وبرزت مجموعات من "الهاكتيفيست" الموالين لطهران كمحرك أساس في هذا التصعيد الرقمي، من أبرزها "سايبر آفنجرز"، و"جنود سليمان"، و"فريق ٣١٣"، و"السيد حمزة"، و"كيموسبلس"، و"حركة الجهاد السيبراني".
وشنّت بعض من هذه المجموعات هجمات على بنى تحتية مدنية داخل الولايات المتحدة، استهدفت خلالها شبكات الكهرباء والمياه والمستشفيات، مستخدمة أدوات تبدو بدائية، لكنها فعالة في إحداث اضطراب حقيقي، فيما شنت بعض الجماعات الأخرى هجمات على اهداف خارج الولايات المتحدة.
ويشير مصطلح "الهاكتيفيست"، وهو دمج لكلمتي "هاكر" و"ناشط"، إلى أفراد أو مجموعات يستخدمون مهارات القرصنة والهجمات السيبرانية لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية، على عكس مجرمي الإنترنت الذين يسعون الى مكاسب شخصية.
وتهدف هذه المجموعات إلى لفت الانتباه إلى قضايا معينة، الاحتجاج على سياسات، أو تعطيل عمليات منظمات تعارضها، وتشمل أهدافها الترويج لحرية التعبير، والدفاع عن حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، والاحتجاج على السياسات، بالإضافة إلى دعم الثورات وفضح الأسرار.
وتشمل أساليبهم الشائعة تشويه المواقع، وهجمات حجب الخدمة الموزعة، وتسريب المعلومات، والقرصنة على وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام الروبوتات، والمراقبة الاستخباراتية. ومن أبرز الأمثلة على جماعات الهاكتيفيست المعروفة "أنونيموس"، و"ليجيون أوف دوم"، و"ماسترز أوف ديسيبشن"، ونادي فوضى الحاسوب.
تثير أنشطة الهاكتيفيست جدلا واسعا حول أخلاقياتها وقانونيتها، حيث يرى البعض أنها شكل من أشكال العصيان المدني الرقمي الذي يسلط الضوء على قضايا مهمة، بينما يرى آخرون أن أساليبها غالبا ما تنتهك القوانين وتتسبب في أضرار جانبية، متجاوزة الخط الفاصل بين النشاط المدني والجريمة السيبرانية.