في الموسم الثالث من مسلسل "طهران" الذي تنتجه "آبل" يظهر مشهد يصوّر مواجهة محتدمة بين مشرف نووي أجنبي، وعلماء نوويين إيرانيين حول مسألة الثقة، إذ يخبرهم بأن كبار العلماء الإيرانيين "قُتلوا على يد حكومات أجنبية". لم يحقق المسلسل شعبية في الغرب فقط، بل لاقى رواجا داخل إيران أيضا، إذ وجد فيه كثير من الإيرانيين، من مدنيين ومسؤولين أمنيين، ما يعكس واقعهم. ورغم أنه عمل درامي متخيل، إلا أنه يُعد مدخلا لفهم الصراع الاستخباراتي، الذي امتد لنحو خمسة عقود بين إيران والغرب، صراعٌ تفوقت فيه طهران بوضوح على الولايات المتحدة في مناطق مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن، وحتى أفغانستان، وتمكنت من خداع أجهزة استخبارات غربية، في أماكن بعيدة كأميركا اللاتينية والوسطى.
يمكن القول إن الهيمنة الأمنية الإيرانية، بلغت ذروتها قرابة عامي 2018 و2019، في وقت تعثرت فيه جهود الولايات المتحدة، لمواجهتها في بلاد الشام واليمن، فضلا عن إخفاقها في أطول حروبها على الإطلاق في أفغانستان. ومع ذلك، وبينما نشهد اليوم انهيار الدولة الأمنية الإيرانية، يبرز سؤال جوهري: كيف وقع هذا الانهيار؟ الجواب بسيط: الموساد. باستثناء عملية اغتيال قاسم سليماني، التي نُفذت بأمر من دونالد ترمب، تمكنت إسرائيل وحدها، من التسبب في انهيار كامل، واختراق شامل لـ"الحرس الثوري" الإيراني ذلك الجهاز الذي كان يُعد في السابق من أكثر المؤسسات الأمنية إثارة للخوف، بجميع مكوناته. وأستطيع الجزم بأن الإيرانيين تمتعوا بتفوق نفسي وميداني على وكالات مثل "إم آي 6" البريطانية و"سي آي إيه" الأميركية و"إف إس بي" الروسية، غير أن عملية تفكيك هذه الهيمنة الأمنية الإيرانية بصورة منهجية ودقيقة، كانت من إنجاز جهاز الموساد وحده.
سقوط دمشق وتداعياته في طهران
لم تستوعب طهران بشكل كافٍ سقوط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، خاصة أنها لم تكن قد تعافت بعد من الانهيار، الذي أصاب "حزب الله" خلال الأسابيع والأشهر السابقة. وقد شكّل ذلك بداية نهاية مسار طويل، يمكن وصفه بـ"فيتنام إيران" ففي سعيها لإنقاذ الدولة البعثية، أهدرت إيران أفضل كوادرها وأكثرهم ذكاء، وعلى رأسهم قاسم سليماني، الذي أقلعت طائرته من دمشق في رحلته الأخيرة المشؤومة التي أنهت كل شيء. وربما تسربت معلومات استخباراتية من داخل سوريا، أو وصلت إلى إسرائيل، ومنها إلى الولايات المتحدة. فقد رفع سليماني من مستوى الاستخبارات الإيرانية في مختلف الساحات، من لبنان إلى أفغانستان.