الإيرانيون يتحسرون على ملاجئ هجرت منذ الحرب مع العراق

لا تتوفر الخدمات الضرورية في محطات قطارات الأنفاق في طهران

رويترز
رويترز
تصاعد الدخان عقب هجوم إسرائيلي على مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، في طهران، إيران، 16 يونيو

الإيرانيون يتحسرون على ملاجئ هجرت منذ الحرب مع العراق

يتساءل كثير من سكان إيران، وخاصة العاصمة، والكثير من الصحف عن سبب غياب الملاجئ في طهران والمدن الكبرى، خاصة في ظل الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، وبعد إعطاء الجيش الإسرائيلي أوامر لسكان طهران، بإخلائها فورا في ظل القصف والهجمات الجوية المكثفة عليها.

ونشرت صحيفة "هم ميهن" تقريرا في عددها الصادر في 16 يونيو/حزيران بعنوان "الطهرانيون يتحسرون على الملاجئ: هل العاصمة جاهزة للهجمات الإسرائيلية"؟ بقلم بريسا هاشمي التي قالت في تقريرها: "لقد مر 37 عاما على الحرب الإيرانية العراقية (التي استمرت 8 سنوات من 1980 إلى 1988) وما زالت أجيال كثيرة تتذكر تلك السنوات الثمانية وكوابيسها الليلية. لقد هزت الحرب إيران مرة أخرى، على هيئة الضربات الصاروخية والهجمات الجوية، وليس مواجهة برية وجها لوجه. مرت حروب عديدة على إسرائيل منذ بدء تشكيلها، وبالطبع تمتلك إسرائيل ملاجئ لحماية سكانها، ولكن الحكومات الإيرانية قللت من وتيرة البناء منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وانتهاء الحرب الإيرانية العراقية في 20 أغسطس/آب 1988، ولم يبق أي أثر من الملاجئ التي كانت موجودة في فترة الحرب".

وأشارت هاشمي إلى أن غياب الملاجئ في طهران، يشكل تحديا كبيرا في الوقت الراهن. ونقلت عن رئيس مجلس بلدية طهران مهدي جمران قوله للصحافيين في 15 يونيو: "إن طهران وسائر المدن تفتقر للأسف للملاجئ. يجب علينا الآن أن نستخدم تلك الملاجئ التي بنيناها في فترة الحرب. لقد تم تكليف لجنة خاصة لبناء الملاجئ في فترة الحرب الإيرانية العراقية. وكانت هناك مشاريع متعددة لإنشاء ملاجئ خرسانية. يجب أن نتخذ مرة أخرى الإجراءات غير العسكرية التي تحد من مخاطر الهجمات الجوية على المدنيين والمنشآت المدنية. يجب وضع الخطط لهذا الغرض. نلاحظ أن تل أبيب تحت قصف عنيف، غير أن عدد القتلى فيها ليس على المستوى الذي كنا نتوقعه، لأن كل السكان يعرفون أين يلجأون فورا وماذا يفعلون؟".

انتقد عضو مجلس بلدية طهران أحمد صادقي في حواره مع "هم ميهن" غياب صفارات الإنذار، وعدم دفع التعويض عن خسائر الحرب لممتلكات سكان طهران، وغياب الملاجئ

وأوضح مهدي جمران في حوار مع صحيفة "هم ميهن" حول مستوى الأمان الذي توفره محطات المترو للسكان في حالة الأزمات أنه "يجب إيقاف حركة قطارات الأنفاق أولا، وذلك سيحدث في حالة الأزمات الشديدة للغاية، مشيرا إلى أن محطات المترو تشكل ملاجئ مناسبة، لأنها تقع على أعماق كبيرة تحت سطح الأرض. كما يمكن أن تكون مواقف السيارات متعددة الطوابق خيارا آخر يلجأ السكان إليها".
وقال عضو مجلس بلدية طهران علي أصغر قائمي في حوار مع "هم ميهن" حول أسباب غياب ملاجئ في طهران، وذلك بالرغم من كل التهديدات الدائمة على البلاد: "لقد كان إنشاء قطارات الأنفاق في طهران، فكرة الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني في عام 1981 أو 1982 والذي طرحها في خطبة الجمعة آنذاك. وقال رفسنجاني إن أحد أسباب بناء محطات قطارات الأنفاق، هي استخدامها كملاجئ، وكنا آنذاك في ذروة الحرب". وأشار إلى أن عدد محطات قطار الأنفاق في طهران يتراوح بین 150 و160 محطة لا يستطيع كل السكان الوصول إليها بسهولة".

أ ب
رجل يحمل فتاة مصابة بعد انفجار في وسط طهران، في خضم الضربات الإسرائيلية ضد إيران، الأحد 15 يونيو

وتابع قائمي: "ينبغي التخطيط لنظام متكامل للملاجئ في طهران. لم يكن لدينا بعد نهاية الحرب مع النظام البعثي أي قلق من اندلاع حروب أخرى، وبالتالي لم نأخذ التخطيط لإنشاء مجموعات متكاملة للملاجئ التي تتمتع بالإمكانيات والخدمات في الحسبان... يجب على وزارة الداخلية ومنظمة إدارة الأزمات في البلاد ومنظمة إدارة الأزمات في طهران، أن تأخذ هذا الأمر بجدية من الآن فصاعدا، لنتجنب وقوع هذه الخسائر، التي قد نتعرض لها في المستقبل. لقد تم بناء ملاجئ في طهران خاصة في المناطق المزدحمة، على غرار البازار في فترة الحرب بين إيران والعراق، ولكنها أصبحت مهجورة بعد الحرب، وغير قابلة للاستخدام. وبناء عليه علينا أن نفكر في بناء ملاجئ تستخدم في الأزمات وفي الفترات الأخرى أيضا. لا تتوفر الخدمات الضرورية كالمياه للشرب والحمامات في محطات قطارات الأنفاق في طهران، ولذا لا يمكن أن ننقل المواطنين إلى هذه الأماكن".
وأشار جمران إلى أن "إيران تخلت عن فكرة الانتقام من إسرائيل بعد عمليات (الوعد الصادق-2) وقد أثار هذا انتقادات داخلية"، معتبرا أنه لو اتخذت إيران إجراءات انتقامية أكثر لما كان ليحصل كل هذا".
هذا وانتقد عضو مجلس بلدية طهران أحمد صادقي في حواره مع "هم ميهن" غياب صفارات الإنذار، وعدم دفع التعويض عن خسائر الحرب لممتلكات سكان طهران، وغياب الملاجئ موضحا: "یحق للناس أن يعرفوا الجهة المسؤولة عن متابعة التعويضات عن الخسائر. إن شركات التأمين ليس لديها التزام بدفع الخسائر في فترة الحرب، ولذا على الحكومة التدخل ومتابعة الأمر".
وقال: "إذا استمرت الظروف الحربية، فعلينا تفعيل صفارات الإنذار والملاجئ. ويجب على مركز إدارة الأزمة لمدينة طهران تحمل هذه المسؤولية. يجب أن نفكر في تفعيل الملاجئ على غرار محطات قطار الأنفاق للحفاظ على أرواح السكان في حال استمرار الوضع الراهن".
وقال موقع "اقتصاد أونلاين" في تقرير بعنوان "لماذا لا تملك طهران ملاجئ؟ أين الأماكن الآمنة تحت القصف؟" في 18 يونيو إن "الملاجئ التي كانت موجودة في فترة الحرب بين إيران والعراق أصبحت منسية ومهجورة أو تغير استخدامها. إن أعمال البناء والتشييد في طهران، خرجت عن النطاق المعقول والقانوني، ولم تترك مجالا لإحداث نظام ملاجئ رسمي وآمن، في الوقت الذي يعتبر إنشاء الملاجئ في الكثير من دول العالم منها سويسرا وإسرائيل جزءا من الشروط الضرورية لأعمال البناء في المدن".

يطلق الخبراء على غياب الملاجئ التي تتمتع بالمواصفات اللازمة، وغياب خطط محدثة لإدارة الأزمة والضعف في التوعية العامة، مصطلح "الإهمال المزمن"

وأضاف: "لا يمكن استخدام قطارات الأنفاق في طهران كملاجئ إلا في حالات متأزمة للغاية. وتعتبر مواقف سيارات متعددة الطوابق كملاجئ مؤقتة". وأضاف: "تقول الحكومة إن المساجد والمدارس يمكن استخدامها كملاجئ مؤقتة، لكنها تفتقر إلى الخدمات الأساسية كالمرافق الصحية والمياه والتجهيزات الضرورية في حالة الطوارىء. لقد أثبتت تجارب دول على غرار أوكرانيا بأن التخطيط السليم للبنى التحتية يمكن أن يحد إلى حد كبير من الخسائر البشرية".
وتابع التقرير: "إن التدابير غير العسكرية للحد من الخسائر البشرية كإحداث الملاجئ غائبة في طهران منذ انتهاء الحرب بين إيران والعراق، وإن المؤسسات التي كانت تعمل في هذه المجالات تم حلها بعد الحرب، ولم تتم إعادة هيكلة هذه المؤسسات والتدابير بعد ذلك، بهدف الحد من تداعيات أية أزمة مستقبلية".

شاترستوك
منظر لمحطة مترو تجريش في طهران

وتساءل "اقتصاد أونلاين": "وقد أصبحنا نعرف سبب غياب الملاجئ في طهران، فماذا نفعل ونحن تحت القصف؟ لا توجد ملاجئ تحمي السكان الذين عليهم البقاء في القبو أو السلالم والغرف، بعيدا عن النوافذ والأماكن المغلقة. يجب أن نحمل دوما حقيبة للطوارئ فيها الماء والغذاء والأدوية ومصباح يدوي".
وتطرقت صحيفة "شرق" إلى هذا الموضوع في تقرير بعنوان "طهران مدينة دون درع يحميها" في عددها الصادر 18 يونيو بقلم مريم لطفي جاء فيه: "يتخذ مستوى الجاهزية والاستعداد أمام الاستهدافات والقصف والدفاع عن المواطنين أهمية قصوى، في ظل التصعيد العسكري الكبير القائم، غير أن العاصمة الإيرانية طهران تواجه تحديات ونواقص عديدة على صعيد الحماية غير العسكرية، وغير جاهزة لحالات الطوارئ على غرار الهجوم العسكري".
وقالت: "يطلق الخبراء على غياب الملاجئ التي تتمتع بالمواصفات اللازمة، وغياب خطط محدثة لإدارة الأزمة والضعف في التوعية العامة، مصطلح "الإهمال المزمن"، الذي بدأت تتكشف معالمه أكثر فأكثر في طهران في ظل المواجهة العسكرية القائمة".
وأضاف التقرير: "لقد بدأ العديد من المواطنين في الأيام الأخيرة منذ الهجوم الإسرائيلي على إيران في الساعات الأولى من صباح 13 يونيو، البحث لأول مرة عن عناوين الملاجئ والأماكن الآمنة، ليلجأوا إليها، مشيرا إلى أن "المواطنين في حالة من التشتت والضياع، بسبب غياب البنى التحتية اللازمة، وغياب التوعية والإعلام وعناوين الأماكن الآمنة، والمصادر الإعلامية والتوعية الرسمية. السكان بأنفسهم يجب أن يكونوا جاهزين للطوارئ وهذا هو السبيل الوحيد للنجاة".
وتابعت الصحيفة: "كان يتمتع الكثير من المجمعات السكنية في مناطق على غرار إكباتان وطهران بارس أو مجمع الجيش السكني، بأقبية تتمتع بتجهيزات أساسية، غير أنها باتت في طور النسيان رويدا رويدا، وتحولت الملاجئ إلى مخازن تجارية، وتم إلغاء المنشورات والعلائم التحذيرية وتم إيقاف التوعية العامة".
ويقول عالم الاجتماع الحضري وأستاذ "جامعة طهران" حسين إيماني جاجرمي في حوار مع "شرق" إن "إيران لا تمتلك خطة معينة، وبرامج منظمة وآليات منظمة للدفاع غير العسكري. لم نتخذ هذا على محمل الجد وذلك بالرغم من أننا كانت لدينا تجربة الحرب".

يجب إصدار إرشادات للمواطنين بشأن كيفية التعامل مع كبار السن والمرضى والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، في حال التعرض للقصف والهجوم

ويضيف: "تتحمل منظمة إدارة الأزمة التابعة لمجلس بلدية طهران المسؤولية المباشرة، لتوفير واتخاذ هذه الإجراءات لحماية المواطنين. ويجب على مجالس البلدية ووزارة الداخلية فتح قنوات اتصال مباشرة مع المواطنين لإيضاح الخطط، ومنع المواطنين من اللجوء إلى الأماكن التي تستخدم في حالات الزلازل، لأن الملاجئ في ظروف الحرب والقصف، يجب أن تكون تحت الأرض، وتتمتع بالخدمات الأساسية. لا يمكن تقديم كل مكان على أنه ملجأ في حالة الحرب".
وتابع جاجرمي: "كانت منظمة الدفاع غير العسكرية تعمل في العشرينات من القرن الماضي، ولكن تم حلها بعد قيام الثورة. وتم تأسيس منظمة جديدة بعنوان مركز إدارة الأزمة، ولكن هذه الأخيرة لم يكن لها دور فاعل"، مضيفا: "إذا كانت التكهنات تتجه نحو استمرار الضربات الجوية، فيجب على المؤسسات الحكومية ومجلس البلدية ووزارة الطرق، أن تتعاون لبناء أو إعادة تأهيل الملاجئ".
وأشار إلى أن "السكان في المناطق التي تتعرض للهجوم، لا يعلمون أين يذهبون، وماذا يفعلون في حال التعرض للقصف؟ ويجب أن يكون هناك مصدر للتوعية الدقيقة والعملية. يجب أن يكون هناك مركز واحد يعمل على زيادة توعية الناس وتوجيههم، وإذا لم يحصل ذلك فسنتلقى خسائر لا تعوض".
وتابعت "شرق": "لا توجد حاليا أية مؤسسة فاعلة، على صعيد زيادة الوعي وإصدار التعليمات العامة والإعلان عن الطوارئ، والتوجيه حول الأماكن الآمنة، والإشراف على بناء الملاجئ. يرى المراقبون أن الوضع خطير وصعب، ولكن هناك فرصة للتعويض عما فات. إعداد الخطط الدقيقة والعناوين للملاجئ، وإعادة فتح الملاجئ القديمة، وتجهيزها بالخدمات وبناء منشآت جديدة، وإطلاق حملات التوعية في المدن والمناطق، إجراءات يمكن تنفيذها على الأمد القصير، بشرط أن يكون هناك قرار جاد. يجب إصدار إرشادات للمواطنين بشأن كيفية التعامل مع كبار السن والمرضى والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، في حال التعرض للقصف والهجوم. إن الصمت بهذا الشأن سيكلف كثيرا".

font change

مقالات ذات صلة