اندلعت الحرب الإسرائيلية-الإيرانية في لحظة صعبة من العلاقات عبر الأطلسي إذ تمر العلاقات الأميركية-الأوروبية بمرحلة من الاضطراب، نتيجة التحول الذي قامت به إدارة دونالد ترمب لجهة فرض الرسوم الجمركية أو حيال المسألة الأوكرانية، بالإضافة لدعم اليمين المتطرف الأوروبي.
وقد انعكس ذلك على الارتباك الواضح في القمة الأخيرة لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في كندا، حيث بدا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يعرف شيئا عما ينوي ترمب فعله، ليس على مستوى الوضع بين إسرائيل وإيران بل أيضا على الصعيد البروتوكولي لناحية بقاء الرئيس الأميركي في القمة أو انسحابه منها.
يكمن الأدهى في تسارع خطوات التباعد الاستراتيجي بين الجانبين مما يضع مصير حلف شمال الأطلسي بصيغته الحالية على المحك، ويعمق الشرخ الذي اعتقد كثير من الأوروبيين أنه سيكون لحظة عابرة في التاريخ إبان ولاية ترمب الأولى. لكن بدايات الولاية الثانية حملت مفاجآت جديدة وأخبارا غير سارة لحلفاء أميركا التاريخيين في القارة القديمة. في الوقت الذي تبدو فيه الحاجة ملحة إلى تحالف غربي لمواجهة ما يمكن أن تحمله الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، بعد الانقسام العميق حول الصراع الأوكراني الروسي.
من البديهي أن يؤدي الطلاق المرتسم بين "الغرب الأميركي" و"الغرب الأوروبي" على مجمل التوازنات الدولية خاصة لناحية الصراع بين العملاقين الأميركي والصيني، أو بشأن تموضع روسيا ومستقبل علاقاتها مع أوروبا.
تبدو الصورة مشوشة على أكثر من صعيد لأن الانقسام داخل الصف الأوروبي وصعود اليمين المتطرف يعمقان تهميش الدور الدولي للاتحاد الأوروبي. في المقابل، يصح التساؤل عن قدرة الثنائي الألماني-الفرنسي على بلورة قطب أوروبي جيوسياسي، ويسري ذلك ليشمل سيناريو نهاية مركزية الغرب في العلاقات الدولية ونشوء ترتيبات جديدة ضمن مخاض "الفوضى الاستراتيجية " على درب إعادة تشكيل النظام العالمي.
الفراق بين ضفتي الأطلسي
تتوجب الإشارة إلى أن اتجاه واشنطن للابتعاد عن أوروبا، يبدو طويل الأمد، وقد كان قائما قبل حقبة دونالد ترمب. وكانت البداية مع باراك أوباما الذي تبنى استراتيجية "الاستدارة نحو منطقة آسيا- الباسيفيك، وفك الارتباط مع الشرق الأوسط وأوروبا". وبرز مسار التباعد مع جو بايدن بشكل "ملطف"، وانتقل مع ولاية دونالد ترمب الثانية ليكون "أكثر اندفاعا ووقاحة" حسب تعبير الأميركية كيلي جريكو (من مركز ستيمسون- واشنطن).
ونلحظ شعورا مشتركا عند صناع القرار الأميركيين بأن للولايات المتحدة، القوة العظمى في العالم أولويات واهتمامات أجدى من الاستمرار في تحمل الأعباء عن أوروبا العاجزة بنيويا عن الاضطلاع بدورها. ولا تخفي الأوساط الأميركية امتعاضها من عدم قيام الاتحاد الأوروبي بالإنفاق الكافي والضروري على شؤون الدفاع، وعدم مرونته في معاملاته التجارية والاقتصادية مع أميركا "الأخ الأكبر".
إضافة إلى التناقضات الآنية، توجد خلفيات تاريخية، سياسية، اقتصادية وثقافية مهدت لهذا التباعد التدريجي للولايات المتحدة عن أوروبا.
وتاريخيا، تتلاشى الروابط بين الجانبين من حقبة إلى أخرى: من استيطان الأوروبيين في القارة الجديدة، إلى تدخل أميركا الحاسم في أوروبا خلال حربين عالميتين في القرن العشرين. بعد الحرب العالمية الثانية كانت خطة مارشال دعامة إعادة إعمار أوروبا، التي أصبحت الحليف الأساسي للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة.