قبل قرابة الشهرين، انتشر تسجيل صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي يعود إلى شهر أغسطس/آب 1970، سمع فيه الرئيس المصري جمال عبد الناصر، يحدث الزعيم الليبي معمر القذافي عن استحالة تحرير فلسطين. فضّل عبد الناصر الدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل، ما أثار حفيظة جمهوره الغفير، الذي طالما هاجم الرئيس أنور السادات ووصفه بـ"الخائن" لأنه زار إسرائيل عام 1977، ووقع على اتفاقية "كامب ديفيد" عام 1978. رفضوا التصديق بأن "ناصر العرب" كان مستعدا للدخول في مفاوضات سلام مع الإسرائيليين، بعد ثلاث سنوات من هزيمته في حرب يونيو/حزيران 1967، قبل أسابيع قليلة من وفاته في شهر سبتمبر/أيلول 1970. ولكن إذا عدنا إلى أرشيف الصراع العربي الإسرائيلي، نجد أن هذه الفكرة قد راودت الرئيس المصري منذ عام 1952، وقد دخل في مفاوضات سرية من يومها، كانت نتيجتها الفشل.
قناة اتصال سرية في باريس
في خريف عام 1952، كان الملحق الصحافي المصري في باريس عبد الرحمن صادق، حاضرا في قصر شايو، مقر اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة في فرنسا، عندما تقدم منه أحد موظفي السفارة الإسرائيلية. قال له: "أنا يهودي، وأريد أن أرى سلاما بين مصر وإسرائيل". سأله صادق: "هل أنت يهودي أم إسرائيلي؟".
أجاب الرجل أنه يعمل في السفارة الإسرائيلية في فرنسا، وعندها سأله صادق: "من تمثل؟" أجاب الدبلوماسي الإسرائيلي: "أمثل موشي شاريت، واسمي زيامه ديفون". كان موشي شاريت أحد الآباء المؤسسين لدولة إسرائيل، وقد هاجرت أسرته إلى فلسطين عام 1906، حيث أتقن اللغة العربية، وعاش طفولته بين رام الله ويافا. تعرف على رياض الصلح في مرحلة مبكرة، عندما كان الأخير يقضي إجازات الصيف مع أبيه في فلسطين، وفي عام 1949، حاول شاريت الدخول في مفاوضات سلام مع سوريا في عهد حسني الزعيم. وفي سنة 1952، سعى شاريت إلى إقامة سلام مع مصر، بعد أشهر من الانقلاب العسكري، الذي أطاح بحكم الملك فاروق، وفوض زيامه ديفون بفتح قناة تواصل مع عبد الرحمن صادق.
وفي لقاء مسجل لديفيد بن غوريون، بثّته قناة "BBC" في نهاية التسعينات، قال: "إنه حاول التواصل مع عبد الناصر بواسطة الرئيس اليوغوسلافي جوزيف تيتو، حيث عرض عليه الدخول في مفاوضات سرية مباشرة، ولكن عبد الناصر رفض، قائلا إن هذا الأمر قد يعرضه للاغتيال".