إسرائيل أقوى... لكن القيود ستظل قائمة
مع تراجع احتمالات تغيير النظام في إيران، ستحتاج إسرائيل إلى دعم أميركي أكبر من أي وقت مضى. فرغم ما حققته القوات الجوية الإسرائيلية من نجاحات بارزة ضد أهداف إيرانية، فقد كشفت المواجهة أيضا عن حدود قدراتها، ولا سيما عجزها عن تدمير المنشأة النووية الإيرانية المحصنة تحت الأرض في فوردو. وإلى جانب ذلك، اضطرت إسرائيل إلى طلب تعزيزات أميركية عاجلة لدعم منظومتها الدفاعية ضد الصواريخ، شملت نشر مدمرة تابعة للبحرية الأميركية قبالة سواحلها، ووحدات إضافية من منظومة "ثاد" (THAAD) للدفاع الصاروخي من المخزون الأميركي المحدود.
وفي ظل هذا الغطاء الأميركي، لن تقتصر إسرائيل على تنفيذ ضربات متفرقة تستهدف مواقع يُشتبه في صلتها بالبرنامج النووي الإيراني، بل ستواصل أيضا سياساتها القمعية تجاه الفلسطينيين، إلى جانب المضي في عملية الضم التدريجي لأجزاء من الضفة الغربية، بينما سيجد الفلسطينيون أنفسهم أمام مستقبل قاتم. وفي الوقت ذاته، تستمر مصداقية إسرائيل ودعمها في التراجع بين أوساط الشباب الأميركيين المؤيدين للحزب الديمقراطي، في منحى واضح منذ نحو عشر سنوات.
والملاحَظ حديثا أن الشباب من الحزب الجمهوري أصبحوا بدورهم أقل تأييدا لإسرائيل، ومن المرجح أن تستمر هيمنة المؤيدين لإسرائيل في الكونغرس خلال السنوات الثلاث المقبلة، إلا أن الأعباء المتزايدة على الميزانية الأميركية، إلى جانب تراجع الإنفاق على البرامج الاجتماعية المحلية، سيعززان من حدة التساؤلات المطروحة بشأن جدوى واستدامة الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل.
توسيع اتفاقات أبراهام؟
مع انحسار القتال الجاري، ستواجه كل من الكويت وقطر وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية سلسلة من الحسابات المعقدة، في وقت ستعيد فيه واشنطن طرح مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لقد أعرب ترمب، في خطابه بالرياض بتاريخ 14 مايو/أيار، عن أمله بأن تبادر دول الخليج إلى هذه الخطوة، مع إقراره بأن توقيت ذلك متروك بالكامل لقرارها.
وفي حين أن بعض الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، مثل الجزائر وتونس واليمن، لن تتجه إلى التطبيع، فإن إسرائيل لا تزال حريصة على إقامة علاقات سياسية وتجارية رسمية مع جميع دول الخليج، ولا سيما السعودية.
ولكن مع ازدياد ضعف إيران بشكل ملحوظ، تتراجع الحاجة الملحّة لدى دول الخليج للتعاون مع إسرائيل لردع تهديدات طهران.
وإذا شعرت حكومات هذه الدول بالضيق من السياسات القمعية التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين، فقد تفضّل الإبقاء على مستوى من التعاون الهادئ مع إسرائيل، بدلا من الإقدام على خطوات تطبيعية معلنة.
ومع ذلك، سواء قررت هذه الدول المضي في التطبيع أم لا، فإنها ستسعى إلى تعزيز علاقاتها مع واشنطن، خصوصا مع إدراكها لحجم القدرات العسكرية المتنامية لدى إسرائيل. وفي الوقت نفسه، ستعمل على تنويع خياراتها من خلال توثيق علاقاتها مع قوى عالمية أخرى، من بينها الصين، بل وحتى روسيا.
قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت هناك نقاشات نشطة بشأن مشروع ممر للنقل يربط بين أسواق البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة العربية، وصولا إلى الهند وربما إلى الشرق الأقصى. كما تمتلك كل دولة خليجية بدورها رؤاها وخططها الخاصة لتنويع الاقتصاد وتحفيز النمو. غير أن استمرار القصف الأميركي والإسرائيلي على إيران من شأنه أن يُقوّض جاذبية البيئة الإقليمية للاستثمار، فيما تبقى الضربات الإيرانية، حتى وإن كانت محدودة، مصدر تهديد دائم للاستقرار المطلوب.
وإذا ما قرر ترمب استخدام القواعد الأميركية لشن هجمات مباشرة على أهداف إيرانية، فإن طهران ستصاب بالضعف، لكنها ستكون أكثر عدائية تجاه الدول المجاورة. مثل هذا السيناريو سيقوّض بيئة الاستقرار التي سعت حكومات الخليج إلى ترسيخها من خلال سياسة الانفتاح على إيران، وهي بيئة كانت تهدف في الأساس إلى جذب الاستثمارات الأجنبية. ومن ثم، قد تتجه الفرص الاستثمارية نحو مناطق أخرى، بينها، على سبيل المثال، أميركا اللاتينية التي قد تبدو أكثر استقرارا على المستوى الإقليمي، وبالتالي أكثر جذبا لبعض أشكال الاستثمار طويل الأجل.
وفي هذا السياق، من المرجح أن تواصل دول الخليج الدعوة إلى حل دبلوماسي وسياسي بعد وقف الحرب بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. إلا أن التوصل إلى اتفاق من هذا النوع يظل منوطا بالأطراف المباشرة في النزاع، ويتطلب حدا أدنى من الثقة المتبادلة، التي تقوضت بفعل الانسحاب المفاجئ لترمب من الاتفاق النووي لعام 2015، ومن ثم اندلاع القتال مجددا بعد الضربة الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو، ما يجعل استمرار المواجهة والتصعيد، ولو بوتيرة منخفضة، مرجحا في المستقبل المنظور.