ما إن انتهت الحرب بين إسرائيل وإيران حتى توجهت الأنظار إلى الداخل الإيراني لمتابعة كيف ستتعامل طهران مع ملف الخرق الإسرائيلي الاستخباراتي لأراضيها، والذي يعد من أهم ملفات الحرب الأخيرة ومن المرجح أن يتفاعل أكثر فأكثر خصوصا في ظل الحديث عن أن السلطات الإيرانية قد تذهب بعيدا في هذا الملف لأسباب أمنية ولكن أيضا لأسباب سياسية متعلقة بالتضييق على الأصوات المعارضة، من خلال توسيع مروحة الاتهامات بالتعامل مع إسرائيل.
وقد اعتقلت أجهزة الأمن الإيرانية أكثر من 700 شخص بتهمة التخابر لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) وكانت معظم الاعتقالات في محافظات كرمانشاه (126 شخصا) وأصفهان (76 شخصا) والأهواز (62 شخصا) وفارس (53 شخصا) ولرستان (49 شخصا)، حسب وكالة "مهر" للأنباء التي أضافت أن عدد المعتقلين في محافظة طهران لم يتم الإعلان عنه بعد.
وتم توجیه اتهامات لهؤلاء الأشخاص على غرار توجيه ومراقبة طائرات صغيرة وطائرات مسيرة انتحارية وتصنيع قنابل محلية وتصوير مراكز عسكرية حساسة وإرسال معلومات للجيش الإسرائيلي. وأعدمت إيران صباح الأربعاء 25 يونيو/حزيران شنقا ثلاثة مدانين بتهمة التجسس لصالح الموساد.
وقالت السلطة القضائية: "ألقي القبض على كل من إدريس علي وآزاد شجاعي ورسول أحمد رسول أثناء محاولتهم استيراد معدات تستخدم في عمليات الاغتيال داخل البلاد". وتقول وسائل إعلام معارضة للنظام إن سرعة تنفيذ حكم الإعدام بحق هؤلاء الأشخاص يحمل رسالة سياسية واضحة يريد أن يرسلها النظام للداخل الإيراني وخارجه بأنه سيضرب بيد من حديد على كل من ساهم وشارك في الاختراق الاستخباراتي والأمني، خاصة بعد أن أثار حجم الاختراق الإسرائيلي في داخل إيران الدهشة داخل البلاد وخارجها". وأضافت أن سرعة الإجراءات القضائية بحق هؤلاء الأشخاص الذين لم يتمتعوا بحق الحصول على المحامي تعد انتهاكا لمبادىء العدالة.
ولم تكن الهجمات الإسرائيلية على إيران والتي بدأت يوم 13 يونيو باستهداف مواقع عسكرية ونووية إيرانية ثمرة التفوق العسكري الإسرائيلي وحسب بل أيضا نتيجة الجهود المستمرة لسنوات مديدة على مستوى الاختراق الأمني لإيران وتنظيم شبكات منظمة وموجهة داخل أراضيها واستغلال الظروف الداخلية، وهذا أمر حذر منه مرارا الكثير من القيادات الأمنية السابقة وبعض المسؤولين رفيعي المستوى، غير أنه لم يجد آذانا صاغية وتم إهماله. وفي السياق نشرت صحيفة "شرق" مقالا بقلم رئيسة قسمها السياسي وحيدة كريمي في 16 يونيو بعنوان "الضربة من الداخل.. كيف فاجأ الاختراق إيران؟".
وقالت "شرق": "لقد استهدفت إسرائيل خلال هجومها المفاجئ المراكز العسكرية الحساسة وحتى بيوت قيادات عسكرية مما أدى إلى مقتل عدد من القيادات العسكرية العليا، مشيرة إلى أن ما كشفت قناة "سي إن إن" عنه حول تفاصيل العمليات بمشاركة نحو 200 مقاتلة وقوات دعم ميداني مباشر من الموساد داخل البلاد لم يكن جديدا، وأن الهجوم الذي يوصف بأنه مفاجئ تم التحذير بشأنه مرارا في السابق على غرار وزير الاستخبارات الأسبق علي يونسي الذي قال في 2021 إن الاختراق الواسع من قبل الموساد مثير للقلق وإن الأجهزة الأمنية منهمكة في مواجهة الداخل بدلا من مواجهة الجواسيس.
وکشف الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد في 2021 في تصريحات غير مسبوقة عن شبكة اختراق في وزارة الاستخبارات قائلا إن أعلى مسؤول في قسم مواجهة إسرائيل في وزارة الاستخبارات كان جاسوسا لصالح إسرائيل. وأشار نجاد إلى أن إسرائيل قامت بعملية سرقة للأرشيف النووي في منطقة تورقوز آباد بالقرب من العاصمة الإيرانية في فبراير/شباط 2018.
وساهمت هذه العمليات، بحسب "شرق" في ترسيخ الاختراقات داخل إيران. وتشير هذه الشواهد إلى أن إسرائيل نجحت في تحقيق ما حققته خلال هجومها الأخير على إيران بسبب استنزاف أمني داخلي وتجاهل التحذيرات المتكررة حيث إنها بدأت الحرب على إيران من خلال اختراق أمني قبل أن تنتهك مقاتلاتها سماءها.
أضافت "شرق": "ينبغي أن لا ينسينا الرد الإيراني الحازم والقوي على إسرائيل الاختراق الذي دخل إلى أعماق البنية الأمنية للبلاد. لقد تجرأت إسرائيل على شن الحرب على إيران ليس بسبب قدراتها التكنولوجية بل بسبب شبكة منظمة من الاختراقات داخل البلاد وهي مكونة من جواسيس ومهام ميدانية ومعلومات استخباراتية. هذا الاختراق الفاضح مسار مزمن، حيث ركزت المؤسسات المعنية على المنافسات البينية والخلافات بين الأجنحة والإقصاءات السياسية، وهنا استغل العدو الفرصة وقام بتوجيه الضربة الاستخباراتية وليس فقط ضربات بالصواريخ والمسيرات. كما حذر يونسي وأحمدي نجاد، فكل شيء يصبح ممكنا عندما يكون أعلى مسؤول في مواجهة الاختراقات والتجسس جاسوسا".