الصحافة الإيرانية: الاختراق الاستخباري الإسرائيلي... أخطر من الطائرات

توقيف 700 شخص واتهامات لـ"مجاهدي خلق"

أ.ف.ب
أ.ف.ب
صور لكبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين الذين قُتلوا في الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، رفعت في أحد شوارع طهران في 26 يونيو

الصحافة الإيرانية: الاختراق الاستخباري الإسرائيلي... أخطر من الطائرات

ما إن انتهت الحرب بين إسرائيل وإيران حتى توجهت الأنظار إلى الداخل الإيراني لمتابعة كيف ستتعامل طهران مع ملف الخرق الإسرائيلي الاستخباراتي لأراضيها، والذي يعد من أهم ملفات الحرب الأخيرة ومن المرجح أن يتفاعل أكثر فأكثر خصوصا في ظل الحديث عن أن السلطات الإيرانية قد تذهب بعيدا في هذا الملف لأسباب أمنية ولكن أيضا لأسباب سياسية متعلقة بالتضييق على الأصوات المعارضة، من خلال توسيع مروحة الاتهامات بالتعامل مع إسرائيل.

وقد اعتقلت أجهزة الأمن الإيرانية أكثر من 700 شخص بتهمة التخابر لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) وكانت معظم الاعتقالات في محافظات كرمانشاه (126 شخصا) وأصفهان (76 شخصا) والأهواز (62 شخصا) وفارس (53 شخصا) ولرستان (49 شخصا)، حسب وكالة "مهر" للأنباء التي أضافت أن عدد المعتقلين في محافظة طهران لم يتم الإعلان عنه بعد.

وتم توجیه اتهامات لهؤلاء الأشخاص على غرار توجيه ومراقبة طائرات صغيرة وطائرات مسيرة انتحارية وتصنيع قنابل محلية وتصوير مراكز عسكرية حساسة وإرسال معلومات للجيش الإسرائيلي. وأعدمت إيران صباح الأربعاء 25 يونيو/حزيران شنقا ثلاثة مدانين بتهمة التجسس لصالح الموساد.

وقالت السلطة القضائية: "ألقي القبض على كل من إدريس علي وآزاد شجاعي ورسول أحمد رسول أثناء محاولتهم استيراد معدات تستخدم في عمليات الاغتيال داخل البلاد". وتقول وسائل إعلام معارضة للنظام إن سرعة تنفيذ حكم الإعدام بحق هؤلاء الأشخاص يحمل رسالة سياسية واضحة يريد أن يرسلها النظام للداخل الإيراني وخارجه بأنه سيضرب بيد من حديد على كل من ساهم وشارك في الاختراق الاستخباراتي والأمني، خاصة بعد أن أثار حجم الاختراق الإسرائيلي في داخل إيران الدهشة داخل البلاد وخارجها". وأضافت أن سرعة الإجراءات القضائية بحق هؤلاء الأشخاص الذين لم يتمتعوا بحق الحصول على المحامي تعد انتهاكا لمبادىء العدالة.

ولم تكن الهجمات الإسرائيلية على إيران والتي بدأت يوم 13 يونيو باستهداف مواقع عسكرية ونووية إيرانية ثمرة التفوق العسكري الإسرائيلي وحسب بل أيضا نتيجة الجهود المستمرة لسنوات مديدة على مستوى الاختراق الأمني لإيران وتنظيم شبكات منظمة وموجهة داخل أراضيها واستغلال الظروف الداخلية، وهذا أمر حذر منه مرارا الكثير من القيادات الأمنية السابقة وبعض المسؤولين رفيعي المستوى، غير أنه لم يجد آذانا صاغية وتم إهماله. وفي السياق نشرت صحيفة "شرق" مقالا بقلم رئيسة قسمها السياسي وحيدة كريمي في 16 يونيو بعنوان "الضربة من الداخل.. كيف فاجأ الاختراق إيران؟".

وقالت "شرق": "لقد استهدفت إسرائيل خلال هجومها المفاجئ المراكز العسكرية الحساسة وحتى بيوت قيادات عسكرية مما أدى إلى مقتل عدد من القيادات العسكرية العليا، مشيرة إلى أن ما كشفت قناة "سي إن إن" عنه حول تفاصيل العمليات بمشاركة نحو 200 مقاتلة وقوات دعم ميداني مباشر من الموساد داخل البلاد لم يكن جديدا، وأن الهجوم الذي يوصف بأنه مفاجئ تم التحذير بشأنه مرارا في السابق على غرار وزير الاستخبارات الأسبق علي يونسي الذي قال في 2021 إن الاختراق الواسع من قبل الموساد مثير للقلق وإن الأجهزة الأمنية منهمكة في مواجهة الداخل بدلا من مواجهة الجواسيس.

وکشف الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد في 2021 في تصريحات غير مسبوقة عن شبكة اختراق في وزارة الاستخبارات قائلا إن أعلى مسؤول في قسم مواجهة إسرائيل في وزارة الاستخبارات كان جاسوسا لصالح إسرائيل. وأشار نجاد إلى أن إسرائيل قامت بعملية سرقة للأرشيف النووي في منطقة تورقوز آباد بالقرب من العاصمة الإيرانية في فبراير/شباط 2018.

وساهمت هذه العمليات، بحسب "شرق" في ترسيخ الاختراقات داخل إيران. وتشير هذه الشواهد إلى أن إسرائيل نجحت في تحقيق ما حققته خلال هجومها الأخير على إيران بسبب استنزاف أمني داخلي وتجاهل التحذيرات المتكررة حيث إنها بدأت الحرب على إيران من خلال اختراق أمني قبل أن تنتهك مقاتلاتها سماءها.

أضافت "شرق": "ينبغي أن لا ينسينا الرد الإيراني الحازم والقوي على إسرائيل الاختراق الذي دخل إلى أعماق البنية الأمنية للبلاد. لقد تجرأت إسرائيل على شن الحرب على إيران ليس بسبب قدراتها التكنولوجية بل بسبب شبكة منظمة من الاختراقات داخل البلاد وهي مكونة من جواسيس ومهام ميدانية ومعلومات استخباراتية. هذا الاختراق الفاضح مسار مزمن، حيث ركزت المؤسسات المعنية على المنافسات البينية والخلافات بين الأجنحة والإقصاءات السياسية، وهنا استغل العدو الفرصة وقام بتوجيه الضربة الاستخباراتية وليس فقط ضربات بالصواريخ والمسيرات. كما حذر يونسي وأحمدي نجاد، فكل شيء يصبح ممكنا عندما يكون أعلى مسؤول في مواجهة الاختراقات والتجسس جاسوسا".

برزت ساحة أخرى إلى جانب ساحة الحرب خلال العدوان الإسرائيلي وهي ساحة الاختراق والتجسس

صحيفة "شرق"

واعتبرت الصحيفة، أنه لا یمکن المواجهة من خلال الخيار العسكري فقط في هذه الظروف بل ينبغي إعادة بناء المنظومة الأمنية والهياكل الاستخباراتية وتطهير القوى العاملة فيها.

وقالت: "لقد تزامنت الهجمات مع عبور الطائرات الصغيرة على المراكز الحساسة والانفجارات الصغيرة والتفجيرات المحدودة والحرائق المتعمدة ومنع الحركة على الطرق السريعة من خلال إحراق إطارات السيارات وبث أخبار مزيفة موجهة في الشبكات الاجتماعية. تكشف هذه الصورة عن دخول الحرب الإسرائيلية المركبة على إيران في مرحلة جديدة يكون الهدف منها بث الرعب واستهداف الصحة النفسية وخلق حالة من عدم الثقة الشعبية بقدرة الأجهزة الأمنية للبلاد، حسب "شرق".

وتابع التقرير: "يستمر عدد من العمليات التخريبية بمشاركة عملاء في الداخل، أي هؤلاء الذين ساهموا في الاغتيالات وسرقة المعلومات الحساسة والتدمير. يبث العملاء وشبكة الاختراق المنظمة الرعب في نفوس المواطنين أكثر من الصواريخ والمسيرات. ينشط هؤلاء العملاء والجواسيس بشكل فاعل في البلاد. ولا يتحقق الأمن القومي من خلال الأسلحة المتطورة فقط بل عبر الثقة الجماهيرية بالهياكل النزيهة وإقصاء الخونة. وعلى الأجهزة الأمنية أن تشعر بالقلق في الوقت الراهن من التهديد في الداخل أكثر من التهديد الخارجي، فإذا تم تجاهل التهديدات الداخلية سيكون الهجوم التالي أكثر سهولة وأي نجاح في مهب الريح".

وركزت صحيفة "شرق" في تقرير لها بعنوان "الخيانة السلاح الرئيس لتل أبيب" في 18 يونيو على قضية الاختراقات الإسرائيلية في إيران. وقال التقرير: "لقد برزت ساحة أخرى إلى جانب ساحة الحرب خلال العدوان الإسرائيلي وهي ساحة الاختراق والتجسس... لقد أقر البرلمان مشروع قرار تشديد العقوبة على المتعاونين مع إسرائيل والدول المعادية ومشروع قرار تشديد العقوبة على من يقوم بإنتاج الطائرات الصغيرة والمسيرات وتجمعيها من أجل التعاون مع إسرائيل. لقد كانت هذه الخطوة البرلمانية استجابة للظروف التي يعتبرها الكثير من المراقبين بأنها تجاوزت مرحلة التحذير ودخلت مرحلة التهديد البنيوي. هذه الإجراءات متأخرة لأنها جاءت بعد مقتل عدد من القيادات العسكرية والمواطنين المدنيين".

 التعاون الإعلامي والدعائي الذي يؤدي إلى إضعاف معنويات الشعب والترويج للفشل في الحرب وبث الفرقة في المجتمع هو تهديد للأمن القومي ويستوجب التصدي القضائي لأقصى مستوى

النائب إبراهيم عزيزي

واعتبر النائب في البرلمان الإيراني أحمد آريايي نجاد، في حوار مع "شرق" أن موجة الأعمال التخريبية الأخيرة على غرار التفجيرات وإلقاء المواد الحارقة تدل على مخطط اختراق منظم في البلاد.

وقالت "شرق" إن بعض العناصر الداخلية قدمت دعما مباشرا لعدد من هذه العمليات. والأولوية القصوى هي مواجهة شبكة الاختراقات والجواسيس الناشطين في إيران لصالح إسرائيل. وقد نقلت هذه الشبكة التي قامت بهذا الكم الهائل من الاختراقات معلومات حساسة إلى العدو كما أنها أقدمت على استهداف الصحة النفسية المجتمعية وبث الفرقة في الداخل والتحريض الهادف على أعمال الشغب".

وقال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان إبراهيم عزيزي، إن "كل أشكال التعاون الإعلامي والصوري والدعائي الذي يؤدي إلى إضعاف معنويات الشعب والترويج للفشل في الحرب وبث الفرقة في المجتمع هو تهديد للأمن القومي ويستوجب التصدي القضائي لأقصى مستوى".

أ.ف.ب أ.ف.ب
احتفالات بوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في ساحة الانقلاب بالعاصمة طهران، في 24 يونيو

واعتبرت "شرق" أن هذه التصريحات الصادرة عن جهة تختص بوضع القوانين تشير إلى أن النظام استوعب بشكل عميق حجم التعقيد في الحرب والمواجهة الاستخباراتية في إيران، حيث إن العدو لم يكتف بالاغتيالات بل يشن الحرب السيبرانية والإعلامية علينا.

ونقلت وكالة "إيسنا" للأنباء عن مسؤولين أميركيين قالوا لقناة "إن بي سي نيوز" إن منظمة "مجاهدي خلق" (الجماعة المعارضة للنظام) كان لها دور مباشر في الجولة الأخيرة من الانفجارات في طهران. كما أن التقارير الاستخباراتية والإعلامية تفيد بأن "منافقین" (التسمية التي تطلقها السلطات الإيرانية على "مجاهدي خلق") قاموا بدور فاعل في التجسس وزعزعة الأمن وإرسال معلومات استراتيجية إلى إسرائيل خلال العقد الأخير.

font change

مقالات ذات صلة