
يساور كثير من الدول المجاورة لإيران - خاصة إسرائيل ودول الخليج العربي - قلق بالغ من أنه في مقابل التوصل إلى اتفاق نووي، سيوافق الغرب على أن تكون إيران قوية. وهذا، على الأقل، سيلقي بثقله على المنطقة. وليس مفاجئا أن طهران بالفعل تتباهي في الداخل من أن محادثات جنيف تبين أن الولايات المتحدة قبلت أن تكون الجمهورية الإسلامية قوة كبرى في المنطقة، مدعية أن واشنطن ليس لديها اعتراض على تدخل طهران في شؤون جيرانها مثل مشاركة الآلاف من الإيرانيين في القتال في سوريا. فهل هي حقيقة أن الغرب - وبالأخص الولايات المتحدة - يدرسون القيام بتحول استراتيجي يمكن أن يجمع بين طهران وواشنطن في تحالف؟
ليس تحالفا إيرانيا - أميركيا
على مدار سنوات عديدة، كانت هناك آمال لدى الإيرانيين ومخاوف لدى عرب الخليج من أن الولايات المتحدة قد تقرر أن تتحالف مع إيران على حساب دول مجلس التعاون الخليجي. على أي حال، يمكن القول إن إيران تعد المكسب الاستراتيجي في المنطقة: فهي حتى الآن الدولة الأكثر تعدادا للسكان، ولديها قاعدة صناعية كبيرة وموقع محوري، بالإضافة إلى وفرة مواردها الطبيعية. يملك الإيرانيون قناعة بأهمية بلدهم، مما يجعلهم على يقين بأن الولايات المتحدة يوما ما ستعود إلى رشدها وتتحالف مع من يعتبرونها القوة العظمى الطبيعية في المنطقة.
كما أن هناك مفارقة في أن الشعب الأكثر انجذابا للقيم الأميركية في المنطقة هو الشعب الإيراني، على الرغم من الجهود التي يبذلها المتشددون في الجمهورية الإسلامية. وطالما حذر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من المخاطر التي تشكلها ثقافة الغرب، وذلك لسبب وجيه هو أن الإيرانيين اعتنقوا العادات الثقافية الغربية التي حذر منها خامنئي. على الرغم من التزامهن الاسمي بالقيود المفروضة على ارتداء غطاء الرأس، تضع الإيرانيات مستحضرات تجميل أكثر مما تضعه الأميركيات، وأحيانا كثيرة تكون الملابس في شوارع طهران مغرية إلى درجة أنها قد تمنع داخل مكاتبنا في واشنطن. كما انقلبت الأخلاقيات الجنسية رأسا على عقب. يحاول منظرو الجمهورية الإسلامية كبح مد العولمة، لكن إمكانية نجاحهم في ذلك تشبه ما حققه الملك الفارسي أحشورش عندما قرر معاقبة مياه مضيق هيليسبونت لأنها تجرأت على إيقاف جيشه مع هبوب عاصفة.
[blockquote]منذ عصر قدماء الفرس، كان الإيرانيون على ثقة بأهمية إيران. أدى ذلك إلى انتظار طهران منذ فترة طويلة أن يستوعب الأجانب المطالب الإيرانية، وقد ساد هذا السلوك ليس فقط في المفاوضات الدبلوماسية ولكن أيضا في التعاملات التجارية. ومرة بعد أخرى أضاعت إيران فرص التعاون الذي يحقق فائدة متبادلة مع الأجانب من خلال الإصرار على شروط غير واقعية. وينطبق ذلك أيضا على استثمارات النفط والغاز وكذلك على العلاقات مع دول الخليج العربي. [/blockquote]
وكان النهج الإيراني غير البارع تجاه أوروبا لافتا بشكل خاص. على الرغم من أن الشركات الأوروبية كانت تتسابق منذ عشرين عاما مع بعضها البعض من أجل الاستثمار في إيران، وكانت الحكومات الأوروبية على استعداد للتغاضي عن الإرهاب الذي ترعاه إيران على أراضيها رغبة في التعاون مع إيران، فإنه في الوقت الحالي تشكك الشركات الأوروبية في إمكانية الاستثمار في إيران حتى إذا رفعت العقوبات الاقتصادية، وأصبح السياسيون الأوروبيون على أقل تقدير يرتابون مثل الأميركيين في نوايا طهران النووية.
[caption id="attachment_55249019" align="alignleft" width="300"]

لا يمكن التغلب على سنوات العداء بسهولة. في حين من المؤكد أن واشنطن تفضل تحسين العلاقات مع طهران، إلا أنها ستكون حماقة أن تتوقع إيران إعادة تقييم استراتيجية كبيرة من جانب الولايات المتحدة. الفجوة عميقة جدا. والولايات المتحدة ملتزمة بشدة بعلاقاتها مع إسرائيل، في حين تنفق إيران الثورية مليارات الدولارات كل عام في تسليح خصوم إسرائيل. ورغم وجود الخلافات، أثبتت العلاقات بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي أنها باقية ومستمرة لأن كل طرف يحقق كثيرا من المكاسب من خلال العلاقات القائمة الوثيقة. من جانبها، تغلف هوية الثورة الإيرانية ذاتها في معارضة ما تسميه «الغطرسة العالمية»، مما يعني أولا وقبل كل شيء النفوذ الأميركي في منطقة الخليج والشرق الأوسط الكبير.
نحو مزيد من العلاقات الطبيعية الأميركية - الإيرانية
ما يمكن تحقيقه ليس إعادة ترتيب التحالفات الاستراتيجية في منطقة الخليج، ولكن بدلا من ذلك يمكن إيجاد حل للمأزق النووي. الولايات المتحدة وشركاؤها في مجموعة الدول 5+1 مستعدون لقبول الهدف الذي أعلنته إيران منذ فترة طويلة، وهو تحديدا إقامة برنامج نووي سلمي متقدم. ليس من السهل الوصول إلى مثل هذه الصفقة. يثير سجل إيران الممتد منذ عشرين عاما من الخداع والتستر تشكك شركائنا في المفاوضات، لذلك سيصرون على الرصد والتحقق الصارم. وتتضاعف مخاوف مجموعة 5+1 بسبب عدم تقديم إيران أي تفسير مقنع لاستثماراتها الضخمة في أنشطة مصممة جيدا من أجل السلاح النووي وتتناسب قليلا مع أي أغراض أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، أنفقت طهران المليارات على تطوير صواريخ بعيدة المدى غير دقيقة بدرجة كبيرة لتحمل رؤوسا حربية تقليدية. كما أن برنامج تخصيب اليورانيوم خرج كثيرا عن نطاق احتياجاتها السلمية المحدودة، وخاصة في ظل اعتماد مفاعل بوشهر النووي على الوقود الروسي بدلا من اليورانيوم الإيراني المخصب. ورغم المخاوف الواضحة من أن النوايا المعلنة مجرد حيلة، ورغم قرارات مجلس الأمن الدولي المتعددة التي تأمر إيران بوقف برامج الصواريخ والتخصيب، فإن الدول 5+1 في الواقع على استعداد لقبول هذه البرامج إذا وافقت إيران على القيود والمراقبة الصارمة.
في نموذج لما يمكن أن يحدث مع إيران نجد الموقف الأميركي تجاه الأسلحة الكيماوية السورية ونظام الأسد. أوضح هذا الموقف أن أوباما يهتم كثيرا بأسلحة الدمار الشامل، في حين عدم اهتمامه بتغيير النظام، حتى عندما يكون النظام متهما بمقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء. وهذا تحديدا يناقض ما يدعيه خامنئي مرارا في خطبه العامة، حيث يزعم أن هدف الولايات المتحدة هو تغيير النظام وأن القضية النووية ليست سوى ذريعة. يعرب خامنئي عن مخاوفه الخاصة، بدلا من أن ينتبه إلى ما تفعله الإدارات الأميركية. وحتى إدارة بوش المكونة من الصقور كانت مستعدة للتغاضي عن تسليح إيران للمسلحين الذين قتلوا الجنود الأميركيين في العراق؛ حيث كانت الأولوية الرئيسة بالنسبة لها هي التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران. يمكن للمرء أن يتفق أو يختلف مع هذا النهج الأميركي - وقد كتبت كثيرا عن تفضيلي إعطاء مزيد من التركيز على مخاوف الشعب الإيراني - ولكن ينبغي للمرء أن يدرك أن أولوية واشنطن هي في الواقع الوصول إلى اتفاق نووي.
قد يكون الاتفاق النووي بداية لتطبيع علاقات أميركية إيرانية. ولا تعني العلاقات الطبيعية أن العلاقات جيدة: إنها مجرد اتصالات منتظمة، بما في ذلك عقد اتفاقات عرضية بشأن قضايا ذات اهتمام مشترك. سيكون شكل علاقات إيران مع مجلس التعاون الخليجي النموذج المحتمل أن تصبح عليه العلاقات الأميركية الإيرانية: وجود سفارات، وتنظيم رحلات طيران ذهابا وإيابا، ولكن هذه العلاقات سيشوبها ارتياب متبادل. بالفعل يمكن أن تستمر إيران والولايات المتحدة في حربهما الخفية، على أقل تقدير من خلال التجسس الإلكتروني إن لم تتخذا مزيدا من الإجراءات الفعالة. وقد تستمر العقوبات الأميركية أحادية الجانب.
فُرضت العقوبات الأميركية الشاملة على التجارة والاستثمار في إيران في منتصف التسعينات بسبب دعم إيران للإرهاب، وذلك قبل وقت طويل من المعرفة بأنشطة إيران النووية. ما يمكن أن يتغير مع عقد صفقة نووية هو قوة الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على دول أخرى لفرض قيود صارمة على المعاملات الاقتصادية مع إيران.
كيف يؤثر الاتفاق النووي على الجمهورية الإسلامية؟
ربما يكون أهم دافع وراء إقامة البرنامج النووي الإيراني هو تأمين مستقبل النظام الثوري من خلال إظهار قوته للتصدي للهجوم أمام جميع الأعداء. ولكن البرنامج النووي لم يفعل شيئا يذكر لمواجهة التهديد الأكبر الذي يواجه النظام والذي يتمثل في فقدانه للشرعية، ولا سيما منذ انتخابات عام 2009 المتنازع عليها. كشف الاقتتال الداخلي المستمر بين النخبة، والاستياء الشعبي خاصة حيال الوضع الاقتصادي، عن ضعف النظام. على الرغم من تركيزه الشديد على المبادئ الثورية، أثبت خامنئي أنه يشعر بقلق بالغ إزاء الانقسامات الداخلية. في الشهور الأخيرة، أكد خامنئي على توافق النخبة والتأييد الشعبي، كما اتضح من خلال موافقته الضمنية على انتخاب حسن روحاني رئيسا في يونيو (حزيران).
وأظهرت الحملة الانتخابية الرئاسية قلة حجم التأييد - بين النخبة أو الجمهور العريض - للموقف السابق الذي يدعو إلى المواجهة في القضية النووية. تعرض المرشح الوحيد الذي دافع عن هذا الموقف (المفاوض النووي السابق سعيد جليلي) للهجوم بسبب هذه القضية من جميع المرشحين الآخرين، ولحقت به هزيمة ساحقة في الانتخابات. فاز روحاني لأنه اتخذ موقفا بسيطا نال قبول الكثير: المشكلة المركزية هي الاقتصاد، لا يمكن أن يستقر الاقتصاد في ظل وجود العقوبات، وستستمر هذه العقوبات حتى يكون هناك اتفاق نووي. حظي روحاني بقبول العديد من الإصلاحيين بهذه الصيغة. يعلمون أن روحاني رجل النظام، ولكنهم قرروا اختيار تحسين الاقتصاد أولا، مع تأجيل الديمقراطية لوقت لاحق.
ستساعد الصفقة النووية روحاني كثيرا على تنفيذ وعده الأساسي، وهو تحسين الاقتصاد. سيقع تأثير على الاقتصاد على الرغم من أن الغرب فقط سوف يخففون العقوبات ببطء. وسيحدث تأثير الاتفاق النووي على الاقتصاد إلى حد كبير من خلال تأثيره على التوقعات. مع تقليل المخاوف من اندلاع حرب وتزايد الآمال بأن العقوبات سوف تخفف في نهاية المطاف، سينفق الإيرانيون المزيد. وبالفعل تغير المزاج الاقتصادي في إيران بشكل ملحوظ منذ وصول روحاني إلى السلطة. يرجع ذلك إلى مزيج من الآمال بتخفيف العقوبات بالإضافة إلى الثقة الكبيرة في الفريق الأكثر كفاءة الذي عينه روحاني محل فريق أحمدي نجاد الذي كان أداؤه سيئا.
ما يعنيه ذلك للخليج
في حين أن روحاني قد يفعل الكثير من أجل تحسين الاقتصاد وتطبيع علاقات مع الولايات المتحدة، فإنه ليس من الواضح ما سيبذله في سبيل تحسين العلاقات مع دول الخليج. كثيرا ما يتحدث معلمه الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني ويكتب عن نجاحاته في أوائل التسعينات في تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، التي كانت متوترة جدا بعد المواجهات التي حدثت خلال موسم الحج والتي أدت إلى مقتل مئات من الحجاج الإيرانيين. يشير ذلك إلى أن روحاني ربما يتلقى نصائح بتحسين علاقات مع عرب الخليج كوسيلة سهلة للحد من التوترات التي تقلق الإيرانيين العاديين. على جانب آخر، ينصب اهتمام روحاني الرئيس على تحقيق توافق داخلي. وهذا يعني عدم المواجهة مع الحرس الثوري بشأن القضايا التي تهمهم كثيرا، مثل دعم نظام الأسد الذي يلاقي كراهية شديدة في دول الخليج. لذا قد يقرر روحاني أن تحسين العلاقات مع دول الخليج ستكون محفوفة بالمخاطر على المستوى الداخلي.
تشعر دول الخليج بمخاوف من أن الولايات المتحدة قد تضحي بمصالحها من أجل الحصول على اتفاق نووي. حتى لو لم يصرح بشيء علني بين الولايات المتحدة وإيران بشأن دول الخليج، قد تعتقد إيران أن الاتفاق النووي يعطيها مطلق الحرية في اتباع أجندة تهدف إلى الهيمنة. إن مخاوف دول الخليج منطقية وتحتاج إلى معالجة. ومهمة إدارة أوباما هي توضيح أن الولايات المتحدة في الواقع لن تغير سياستها المستمرة من مدة بعيدة بالوقوف إلى جانب دول الخليج. ويجب أن يضم ذلك تعزيز العلاقات العسكرية.
ويعتبر الإعلان الأخير عن صفقة بيع أسلحة متقدمة يبلغ ثمنها 10 مليارات دولار إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة خطوة جيدة نحو تعزيز ثقة هذه الدول في قدرتها على وقف أي عدوان إيراني. ولا يقل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة أن تعزز مشاوراتها مع حكومات دول الخليج؛ بأن تستمع إلى مخاوفها ووضع سياسات تعالج هذه المخاوف معا. يقطع التواضع البسيط شوطا طويلا. وليس مناسبا لواشنطن أن تفترض أنها تعرف ما هو الأفضل لأمن الخليج؛ بل يجب على الولايات المتحدة أن تنتبه لمخاوف شركائها الخليجيين.