الانتخابات الرئاسية ووهن الأحزاب المصرية

عبد الفتاح السيسي

الانتخابات الرئاسية ووهن الأحزاب المصرية

على غرار سابقتها، التي أجريت قبل عامين مضيا، تسلط الانتخابات الرئاسية المزمعة في مصر الضوء على عجز ووهن الأحزاب السياسية حيال تلك الانتخابات على نحو يمكن رصده في ملمحين بارزين:
أما أولهما، فيتمثل في افتقار تلك الأحزاب للكوادر السياسية التي بمقدورها خوض السباق الرئاسي المرتقب والمنافسة بقوة في فعالياته، إذ لم يكن في وسع أي حزب مصري تقديم مرشح رئاسي من بين أعضائه. يأتي هذا في الوقت الذي يتمتع قرابة تسعين حزبا سياسيا بحرية العمل على الساحة حاليا، بعدما تبددت العوائق القانونية التي كانت تكبل العمل الحزبي، حيث أضحى تأسيس الأحزاب السياسية أكثر يسرا عبر إخطار لجنة شؤون الأحزاب كتابة بتشكيل الحزب، علاوة على تجميع توكيلات من خمسة آلاف عضو فقط يقطنون عشر محافظات، ومن ثم يغدو الحزب معترفا به بمجرد مرور ثلاثين يوما على الإخطار بالتأسيس من دون اعتراض اللجنة. فبعدما أعلن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة، أعلن حمدين صباحي ترشحه للرئاسة، غير أن القيادي بحزب الكرامة، وزعيم التيار الشعبي، الذي لا يعد حزبا بالمعنى السياسي والمؤسسي للكلمة لكونه يطوي تحت مظلته ناشطين من مشارب سياسية شتى، كما يعد جزءا من جبهة الإنقاذ الوطني، التي تضم هي الأخرى أطيافا سياسية متنوعة من الأحزاب والحركات، لم يحظ بدعم الحزب أو تأييد التيار أو مساندة الجبهة له كمرشح رئاسي.

أما المشير عبد الفتاح السيسي نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع، فهو ليس عضوا بأي حزب سياسي من الأساس لكونه رجلا عسكريا ليس له باع أو سابق خبرة في العمل السياسي، ومن ثم بدا الرجل كما لو كان يتمتع بتأييد جماهيري جارف وإن افتقد للظهير السياسي التنظيمي القوي.


[blockquote]
لقد أفسح إحجام المرشحين المدنيين الحزبيين عن تجشم مغامرة السباق الرئاسي المجال أمام بروز ظاهرة المرشحين ذوي الخلفيات العسكرية، فبالإضافة إلى المشير السيسي، جاء الفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، ومن بعد ذلك أعلن المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق إمكانية الترشح حال عدول المشير السيسي عن خوض السباق.
[/blockquote]


بيد أن اللافت حقا في هذا السياق، أن الأحزاب السياسية، قديمها وحديثها، لم تكتف فقط بالتفريط في حقها الطبيعي وواجبها الأصيل في التقدم بمرشحين رئاسيين، وإنما حرصت على نفي أي نيات في هذا الصدد وكأن الأمر سُبّة أو جريمة تستوجب التبرؤ منها.

وأما الملمح الثاني، فيتجلى في ارتباك مواقف الأحزاب السياسية إزاء المرشحين للانتخابات الرئاسية. فبينما أكدت أحزاب الوفد والمؤتمر والتجمع دعمها لترشح المشير السيسي، لم تحسم أحزاب أخرى موقفها في هذا المضمار، بل إن الخلاف قد ضرب أطنابه داخل الحزب الواحد بعد أن تباينت الآراء بشأن تأييد ترشح المشير السيسي، وهو الحال مع إعلان حمدين صباحي رسميا خوضه لانتخابات الرئاسة المقبلة، فبينما اعتبر بعض الناشطين في هذا الإعلان فرصة لإضفاء طابع التنافسية والتعددية على تلك الانتخابات، ارتأى بعض آخر أن صباحي قد أخطأ في حق نفسه وبني وطنه.

[caption id="attachment_55250233" align="alignleft" width="129"]حمدين صباحي حمدين صباحي [/caption]

وفي حين لا يزال حزب الدستور منقسما ما بين تأييد ترشح السيسي وصباحي، أكد الدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي، أن حزبه لم يقرر بعد موقفه النهائي بشأن دعم مرشح بعينه في الانتخابات الرئاسية، مرجئا قرار الحزب لاجتماع هيئته العليا وأمانات المحافظات، حيث سيتم تأييد المرشح الذي سيحصل على 75 في المائة من موافقة الهيئة، وفي حال عدم التوصل لهذه النسبة سيتم منح الحرية لأعضاء الحزب بتأييد من يرونه مثلما حدث في الانتخابات الرئاسية الماضية. ومن جهة أخرى، ما زال حزب النور والدعوة السلفية منقسمين بشأن دعم المشير السيسي أو أي مرشح رئاسي آخر، ففي حين ترى القيادات أن السيسي هو رجل المرحلة والأنسب لرئاسة مصر، علاوة على أنه ليس معاديا للشريعة الإسلامية، ترى القواعد الشعبية غير ذلك وتريد مرشحا ذا خلفية إسلامية.

ورغم إعلان رئيس حزب الوفد العتيق تأييد المشير السيسي كمرشح رئاسي قبل إعلان الأخير ترشحه رسميا، دونما اعتراضات لافتة داخل الحزب، لوّح شباب عدد من اللجان بالاستقالة من الحزب جراء سلبيته حيال الانتخابات الرئاسية في الوقت الذي لا يتورع فيه عن قبول عضوية عدد من قيادات وأعضاء الحزب الوطني المنحل كاللواء محمد إبراهيم مدير أمن الإسكندرية أثناء ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، الذي يحاكم في قضايا قتل المتظاهرين.

ويبدو أن البنية التنظيمية والسياسية لحركة تمرد لم تكن على المستوى الذي يخولها الصمود أمام أول تحديات ما بعد الإطاحة بحكم الإخوان، إذ وقعت الحركة في إسار الانقسام بشأن مرشحي الرئاسة، فقبل فتح الباب رسميا أمام راغبي الترشح، أقدم بعض مؤسسيها من أمثال محمد عبد العزيز، مسؤول الاتصال السياسي للحركة، وحسن شاهين المتحدث باسمها، وخالد القاضي، إضافة إلى خمسين من أعضائها الأساسيين، على إعلان دعم الحركة لترشح صباحي، بينما أعلن محمود بدر، القيادي المؤسس بالحركة، تأييدها للمشير السيسي، رافضا دعم بعض كوادرها لصباحي، الذي اتهمه برفض التوقيع على استمارة تمرد في بداية ظهور الحركة خلال مايو (أيار) الماضي، في أحد المؤتمرات الجماهيرية التي عقدتها بقرية كمشيش بالمنوفية.

ولم يتردد بدر في إعلان تجميد عضوية كل من عبد العزيز وشاهين، على خلفية تحدثهما باسم الحركة حينما أعلنا دعمهما لترشح صباحي بما يخالف بيان الحركة الصادر في 23 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والذي تم التأكيد عليه في 7 فبراير (شباط) الماضي بإجماع الحركة على دعم ترشح المشير السيسي للرئاسة، وهو التصعيد الذي ردت عليه قواعد الحركة في الإسكندرية والبحيرة ومطروح بسحب الثقة من محمود بدر، بعد فصله مؤسسين بالحركة بقرار فردي، وإعلان دعم السيسي في الانتخابات الرئاسية من دون الرجوع إليهم، الأمر الذي من شأنه أن يطرح تساؤلات بالغة الدلالة حول جاهزية الحركة لمواصلة دورها مستقبلا بوصفها تنظيما سياسيا يأبى إلا أن يمارس بداخله الديمقراطية التي طالما تشبث بها على الملأ.
font change