الإعلامية البحرينية عهدية أحمد السيد: دفعت ثمن مواقفي المؤيدة للسلام

قالت لـ«المجلة»: المنطقة بحاجة لتحالفات جديدة ولا يمكن إلغاء إسرائيل

الرئيسة السابقة لجمعية الصحافيين البحرينية الإعلامية عهدية أحمد السيد

الإعلامية البحرينية عهدية أحمد السيد: دفعت ثمن مواقفي المؤيدة للسلام

لندن والقاهرة: لم تكن الإعلامية عهدية أحمد السيد تدرك أن دعمها للملفات السياسية والسيادية في دولتها البحرين ستعرضها لكمّ من الهجوم والتخوين والحملات «الممنهجة»، التي دفعتها لاحقا إلى التخلي عن منصبها كرئيسة لـ«جمعية الصحافيين البحرينية»، والاستمرار بدورها كصاحبة كلمة حق مشهود بمصداقيتها ومناقبيتها المهنية في الوسائل الإعلامية التي عملت فيها أو التي تستضيفها كمحللة سياسية ومستشارة إعلامية.

عهدية أحمد السيّد التي قررت الوقوف مع اتفاقيات السلام إيمانا منها بأنّ أي خطوة يمكنها أن تعزز الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط يجب دعمها والترويج لها عبر أي منبر يستطيع دعاة السلام الوصول إليه. ولكن ما لا يعرفه معارضو عهدية أنّ دعمها للسلام وإيمانها بأنّه الخلاص الوحيد لشعوب المنطقة، لم يولد مع عقد اتفاقيات سلام، بل هو إيمان متجذر ومترسخ داخلها، كونها المسلمة التي درست في مدرسة تابعة للكنيسة الكاثوليكية، منذ صغرها، وكان زملاؤها في الدراسة من جميع الأديان والطوائف، ولمست منذ صغرها تشابه المعتقدات الإسلامية مع معتقدات الأديان الأخرى من التسامح وقبول الآخر، وتؤكد عهدية أنّ هذه الفترة في حياتها كانت سببا في تكوين شخصيتها.

 

وتقول في حوارها مع «المجلة»: «كبرت على تقبل الرأي الآخر والتسامح، ولكن الأكيد أن لا تسامح في ملفات القضايا الوطنية، فعلى المستوى الشخصي أسامح كل من أساء لي بكلمة أو تصرف، وهذا ما تعرضت له كثيرا عند وقوفي مع اتفاقيات السلام، ولكن لا يمكنني التنازل أو المسامحة في حقنا بالأمان والاستقرار والدولة والوطن».

الإعلامية عهدية السيد التي خسرت بعض أصدقائها بسبب مواقفها السياسية، وآرائها التي تؤمن بها، تحلم حاليا بتكوين كيان دولي يضم إعلاميين من كل العالم يعملون على الوصول إلى خطاب إعلامي موحد للتصدي لكل أشكال التطرف الديني والسياسي لحماية الإعلاميين. وهنا نص الحوار مع الإعلامية المثيرة للجدل:

 

* عهدية أحمد السيد أول بحرينية تتولى منصب نائب تحرير لصحيفة أجنبية في البحرين، وأول بحرينية تفوز برئاسة إدارة جمعية الصحافيين البحرينية، وأول إعلامية تقدم برامج حوارية سياسية باللغة الإنجليزية، والآن عضو في مجلس «هيئة المرأة العربية»، ماذا تعني لك عضويتك في مؤسسة المرأة العربية، وما هي الرسالة التي تحمليها داخل المؤسسة؟

- أي منظمة معنية بالترويج لعمل المرأة في جميع الميادين، وتخدم المرأة في كل المجالات وخصوصا في عملها، هذا أمر يشرفني، ويعطيني فرصة كامرأة أن أطرح قضايا تهم المرأة العربية وأن أساهم حتى لو برأي أو مشروع لتمكين المرأة، وتطوير المجال التي تعمل فيه.

الهيئة نجحت في السنوات التي مضت أن تبرز دور المرأة العربية، وهي لا زالت تستحق أكثر مما حصلت عليه، وهذا ليس تحيزا تجاه المرأة بل تحيز تجاه إمكانيات المرأة، خصوصا أن المرأة لم تحصل على كل الفرص التي تستحقها.

 

خلال ترؤسي جمعية الصحافيين، حاولت إعادة زرع أهمية السلطة الرابعة في أذهان الصحافيين، وعملنا على ملف معاناة الصحافيين في وظائفهم، وغيرها من الملفات

 

* كيف تقيمين دور المرأة البحرينية؟ وما هي التحديات التي تواجهها برأيك؟

- أنا فخورة جدا بدور المرأة البحرينية خصوصا في المعترك السياسي، فهي بدأت مشوارها في عام 2006، دخلت كممثلة للشعب تحت قبة البرلمان وكان العدد حينها امرأة واحدة، وفي الوقت نفسه قامت القيادة بتعيين المرأة في مجلس شورى الدولة، ونجاح المرأة في المجلس أعطى الشارع البحريني الثقة بأن المرأة قادرة على أن تكون في السلطة التشريعية، وهذا ما أدّى إلى زيادة عدد النساء المنتخبات من الشعب لتمثيلهم في مجلس النواب، وأيضا استطاعت المرأة أن تحصل على مناصب سياسية مرموقة، سفيرة، ووزيرة، ودبلوماسية..

فالبحرين دولة متحضرة ومتمدنة ومثقفة ومتقدمة جدا، ودخلت المرأة الدراسة والتعليم في الخمسينات والستينات، وكبرت في بيئة مثقفة وحضارية تحترم المرأة.

وعلى الصعيد الشخصي بدأت في بداية التسعينات العمل في مجال الصحافة، وفي ذلك الوقت لم تكن المرأة البحرينية موجودة بكثرة في هذا المجال، ومن السهل القول إنّ هناك تحديات كثيرة ولكني لم أواجه أي تحدٍ خلال الثلاثين السنة التي مضت، وبالمقابل وجدت دعما من الرجل البحريني الزميل والرئيس في العمل، لولا زميلي الرجل في مكان عملي لولا ثقته ودعمه ووقوفه بجانبي كان يمكن أن أواجه تحديات كثيرة، وأيضا لا يمكن أن ننسى دعم عائلتي لي، ودعم القيادة البحرينية التي تؤمن بالمرأة وقدراتها وأتاحت لها بيئة ممتازة لكي تثبت قدراتها.

 

ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة يتوسط الشيخ عبد الله بن حمد وعهدية أحمد

 

* كبرت على تقبل الرأي الآخر والتسامح، ولكن الأكيد أن لا تسامح في ملفات القضايا الوطنية

 

* صرحت مؤخرا عن تخطيط إخواني- يساري للثأر منك عبر انتخابات رئاسة جمعية الصحافيين، لماذا يريدون الثأر منك؟ ومن وراء الهجوم الذي تعرضت إليه؟ ولماذا خافوا من عودة عهدية أحمد لهذا المنصب؟

- الهجوم الذي تعرضت إليه كان من قبل جماعات متطرفة إسلامية، خصوصا من تنظيم الإخوان المسلمين، وذلك بسبب مواقفي تجاه اتفاقيات السلام، ولأني أؤمن بالسلام وأن السلام هو مخرج لأي أزمة أو مشكلة، هذا الأمر أدى إلى أن أتعرض لهجوم ممنهج خصوصا أني إعلامية، ورئيسة الصحافيين، وتمركز الهجوم حينها أني أتحدث باسم الصحافيين في وسائل الإعلام، وهذا طبيعي كوني منتخبة من قبل الصحافيين، ولم يكن طبيعيا حينها أن أسأل 600 صحافي عن رأيه بقضية ما، بل كنت أتحدث دائما باسم غالبية الصحافيين الذين كنت ألتمس آراءهم عبر مقالاتهم التي تنشر، وفي قضية اتفاقيات السلام، غالبية صحافيي البحرين كانوا مؤيدين لهذه الخطوات وذلك من خلال مقالاتهم التي نشرت.

وردا على مواقفي، ولأني كنت رئيسة للجمعية، كان هدفهم أن ينتهي ترؤسي للجمعية حتى ينتهي الصوت الذي كان يدافع عن اتفاقيات السلام، وإذا انتهى هذا الصوت برأيهم تخلو الساحة لمن لا يريدون السلام وتخلو الساحة لتنظيم الإخوان الذي يحمل صوت الكراهية والحقد، والصوت الذي لا يريد أن يرى أي تغيير في المنطقة، بل متمسك بشعارات زائفة لن تتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني الذي عانى الكثير منذ 70 عاما، وهذه التنظيمات تستخدم القضية الفلسطينية كمظلة فقط لأن المتهم في هذه القضية كان عليه أن يقوم بخطوات جدية من أجل حلها، كما فعلت قيادتا الإمارات والبحرين، ولا يمكن أن ننسى كيف وقفت هذه القيادات لعشرات السنوات مع الشعب الفلسطيني وقدمت الدعم له. ولكن هل يعتقد أحد أن قيادتي الإمارات والبحرين تخلتا عن هذه القضية؟ طبعا لا، أنا أؤمن أنهما سيستطيعان المساهمة في حل هذه القضية بعد عقد الاتفاقية أكثر مما قبل. ولكن تبقى هناك أصوات لا تريد حلّ قضية فلسطين وشعب فلسطين، وفي المقابل يعملون على إطفاء أصوات الحق والسلام.

 

* هل دفعت ثمن مواقفك المؤيدة للسلام؟

- اخترت الانسحاب من الانتخابات لأنني رأيت أن صوتي يجب أن يبقى مسموعا ومدافعا عن قضايا السلام وأن أقول ما أريده بطلاقة وحرية، وكي لا يكون وجودي في هذا المنصب هدفا لمهاجمتهم الجمعية، ونعم يمكن القول إنني دفعت ثمن مواقفي ولكن الثمن الذي دفعته قليل جدا مقارنة بالمصلحة العليا، فالأهداف العليا لي هي الدفاع عن شعوبنا التي يجب أن تعيش حياة أفضل، ومليئة بالسلام والاستقرار وأصواتنا على قدر بساطتها يمكنها أن تساهم ولو بكلمة  للوصول إلى حق شعوب المنطقة.

 

فخورة جدا بدور المرأة البحرينية خصوصا في المعترك السياسي

 

* ما هي الإنجازات التي استطعت تحقيقها خلال فترة توليك رئاسة جمعية الصحافيين؟

- خلال ترؤسي جمعية الصحافيين، حاولت إعادة زرع أهمية السلطة الرابعة إلى أذهان الصحافيين، وإعادة الثقة للزملاء خصوصا لمن يقف وراء الكاميرا، فهو مصور صحافي وصورته بألف كلمة.

أيضا عملنا على ملف معاناة الصحافيين في وظائفهم، وأهمية الصحافة الاستقصائية، والأمان المهني، وملف الدفاع عن الزملاء المفصولين عن العمل والبحث عن فرص عمل لهم، واحتضان الصحافيين المتخرجين من خلال تأسيس لجنة للشباب، أيضا عملنا على ملف الدفاع عن المرأة والسعي لكي تأخذ مناصب إدارية أعلى في الصحف، وأتمنى أن أرى رئيسة تحرير امرأة في صحيفة محلية في البحرين، ومراكز قيادية في الإعلام، وحاولنا العمل على نظام التأمين الصحي للصحافيين.

ولكن أكثر ملف أنا فخورة به جدا هو ملف الحريات، فأي قضية تذهب إلى القضاء أو الجهات المعنية بمساءلة الصحافيين، كانت الجمعية موجودة دائما إلى جانب الصحافي من خلال لجنة الحريات.

وأيضا من الإنجازات المهمة التي أتمنى أن تتم هي تعديل قانون الصحافة والنشر الذي نشر عام 2002، فمع التغييرات والتطورات التي حصلت في عالم الصحافة والإعلام أصبح من الضروري تعديل هذا القانون، وفعلا تمّ طرح تعديل القانون، قمنا كجمعية صحافيين بإضافة تعديل مهم جدا وهو عدم سجن أي صحافي وإلغاء أحكام السجن من هذا القانون، وفعلا الحكومة وافقت على هذا التعديل وكان هذا التعديل الرئيسي والأساسي، والآن بعد شهور الحكومة أرسلت التعديلات المقدمة إلى المجلس التشريعي للموافقة عليه، وأعتقد أنّه سواء في عهد مجلس الإدارة الذي سبق أو في العهد الحالي تم هذا التعديل يمكن وصفه  بالإنجاز الكبير في البحرين وهو عدم سجن أي صحافي في قضايا تتعلق بالنشر.

 

* ما رأيك في السلام العربي الإسرائيلي، هل هذا المسار سيحقق أمنا وسلاما وازدهارا للشرق الأوسط؟

- نعم أؤمن أنه سيحقق أمنا وازدهارا في المنطقة، لأن الشرق الأوسط منذ 1976 تغيّر، فلسطين قضية كبيرة، ولكن بعد فلسطين هناك قضايا أخرى واجهتنا كالأزمات التي تعصف بالعراق ولبنان والتهديد الكبير للوجود الإيراني في المنطقة، والإخوان المسلمين الذين استطاعوا الوصول إلى الحكم في دول عربية، كتونس ومصر، وتنامي ميليشيات الحوثي وحزب الله والخطر الذي يشكلانه، كل هذه تحديات في المنطقة تحتاج إلى تغيير جذري لمواجهة هذه التهديدات التي تشكلها، التغيير الجذري من وجهة نظري هو عبر اتفاقيات السلام التي تمّت والتي تصب في المصلحة العليا لأمن واستقرار المنطقة، فإسرائيل اليوم أصبحت تلعب دورا مهما في المنطقة ولا يمكن لأحد أن يلغي إسرائيل من الخارطة، خصوصا بعدما وصلت إلى مرحلة متقدمة جدا اقتصاديا وعسكريا، ولا يمكننا تجاهل وجودها.

لذلك فمع تنامي التطرف الإسلامي في المنطقة كتهديد مباشر لأمننا واستقرارنا من الطبيعي أن يتغير الحلفاء والمصالح، وإذا كان التحالف يخدم المنطقة كلها فهذا التحالف مقبول ونعوّل عليه.

 

* يستحيل أن ننسى من جاء بلدنا لينقذنا... ولولا تدخل السعودية كان يمكن أن نخسر البحرين

 

* وماذا عن الحرب الأخيرة في غزة؟ حكي أنّ ردّة فعل إسرائيل كان مبالغا فيها تجاه صواريخ حماس؟ وأنّ من دفع الثمن هم مدنيون لا ذنب لهم؟

- كثيرون ينظرون إلى الحرب التي حصلت مؤخرا على غزة بأنّها أعادتنا إلى الوراء، ولكن برأيي علينا أن لا نكون عاطفيين، لا يمكن لحرب واحدة أن تعيدنا إلى ما قبل الاتفاقيات، أنا إنسانة أؤمن أن كل شيء مع الوقت يتعدل ويصبح أفضل، خصوصا أن حماس منظمة إرهابية لا نعترف بها، وهي تستغل القضية الفلسطينية لتحقيق البطولات، وللأسف القيادة الشرعية الفلسطينية فشلت في أن تحل هذه القضية، وهناك محللون كثر يقولون إنّه تم التصعيد من قبل حماس من أجل ضرب اتفاقيات السلام.

 

* كيف تصفين العلاقات السعودية- البحرينية، وما الذي يجعل العلاقة بين البلدين مترسخة وقوية؟

- العلاقة بين البحرين والسعودية علاقة أشقاء وإخوة وعلاقة عميقة جدا، قرب البحرين للسعودية ليس قربا جغرافيا فقط بل عمق العلاقة في قلوب الشعوب والعلاقات المميزة بين القيادات، جعلتنا نشعر بأننا نحن والسعودية بلد واحدة.

مواقف السعودية مع البحرين مواقف الأشقاء والبحرين دولة تقدّر من يقف جانبها، ولكن ما حصل في عام 2011 استثنائي بكل المعايير والمقاييس، عندما دخل درع الجزيرة إلى البحرين، هذا المشهد يستحيل لأي بحريني أن ينساه، يستحيل أن ننسى من جاء بلدنا لينقذنا من تدخل إيراني كان يمكن أن ندفع ثمنه غاليا جدا أي لولا تدخل السعودية كان يمكن أن نخسر البحرين، هذا الموقف ليس بعده موقف لأنّه كان دعما من أجل بقاء وطن.

 

 

 

font change