الغلاء في أميركا... من يتحمل المسؤولية بايدن أم بوتين؟

شعبية بايدن وصلت إلى أدنى نقطة منذ أن صار رئيساً

الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء سابق

الغلاء في أميركا... من يتحمل المسؤولية بايدن أم بوتين؟

واشنطن: مؤخرا، انتقدت كثير من افتتاحيات الصحف الأميركية الكبيرة الرئيس جو بايدن لمزاعمه المتكررة بأن الغزو الروسي لأوكرانيا هو السبب الرئيسي للتضخم المذهل الذي ضرب الولايات المتحدة، لأول مرة بهذا المستوى منذ سبعينات القرن الماضي. 

بل إن بايدن تعمد شخصنة الاتهام، والتركيز على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وصفه أوصافا غير دبلوماسية، مثل أنه «كريمينال» (مجرم).

غير أن صحيفة «واشنطن بوست»، الأكثر نفوذاً، انحازت إلى جانب بايدن، على خطاها وهي تؤيد بايدن في مواضيع كبيرة أخرى، مثل: مواجهة روسيا، ومواجهة الصين، وتخفيف قوانين الهجرة، وتأييد السود في اتهامات العنصرية ضد الأغلبية البيضاء. 

غير أن صحيفة «نيويورك تايمز»، وهي، أيضًا، ليبرالية، لكنها أقل تقدمية، أعربت عن شكوكها في إصرار بايدن على مواجهة روسيا، ومواجهة بوتين شخصيا.

غني عن القول، إن الصحف اليومية المحافظة الكبرى، مثل «وول ستريت جورنال»، ظلت، منذ البداية، تحمل بايدن، وليس بوتين، مسؤولية التضخم المتصاعد سريعا.

في الأسبوع الماضي، وصل التضخم رقما قياسيا في محطات وقود السيارات، إذ وصل سعر جالون البنزين إلى خمسة دولارات. بل إلى أكثر من ذلك في 20 ولاية تقريبا (خاصة ولاية كاليفورنيا).

ولم يحدث ذلك في تاريخ أميركا.

مؤخرًا، أجرت وكالة «أسوشييتدبرس» استطلاعا أوضحت الآتي: «صار الأميركيون أقل تأييدا للعقوبات ضد روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، إذا أضرت العقوبات بالاقتصاد الأميركي».

في الاستطلاع، أيد 45 في المائة العقوبات، بينما قالت نسبة أعلى من ذلك (51 في المائة) إن العقوبات يجب أن لا تؤذي الاقتصاد الأميركي. بل إنه، في استطلاع قبل شهرين، «انعكست هذه الأرقام تمامًا»، كما قالت «أسوشييتدبرس». ويتوقع أن ترتفع، في استطلاعات في المستقبل، نسبة الذين يدعمون الاقتصاد الأميركي أكثر من دعم أوكرانيا.

على لسان «أسوشييتدبرس»: «أظهر الاستطلاع الأخير قلة ثقة الأميركيين في بايدن، وفي قدرته على مواجهة مشاكل كثيرة أخرى. وليس غريبا أن نسبة شعبيته وصلت إلى أدنى نقطة منذ أن صار رئيسا».

وفيما يلي مقتطفات من افتتاحيات بعض الصحف الأميركية الكبيرة، بما فيها صحيفة «واشنطن بوست»

 

«نيويورك بوست»: خطأ بايدن

كعادته تماما، وكعادة الصحافيين تماما، استغلهم الرئيس جو بايدن، وقال كلمة معينة ركزوا عليها، ونسوا بقية ما قال. 

في الأسبوع الماضي، في ولاية أيوا، قال لهم إن سبب التضخم العملاق الذي غزا الولايات المتحدة هو «جينوسايد» (الإبادة الجماعية) في أوكرانيا.. فعلا، ركز الصحافيون على «الإبادة»، ونسوا «التضخم».

ماذا تتوقع من قطيع يحاكي بعضه البعض بدون تفكير؟ وماذا تتوقع من رئيس شب وشاب على المناورات والمساومات؟

هكذا، يظل بايدن يركز على بوتين في نوع جديد من السياسات الخارجية الشخصية، وذلك حتى يصرف الانتباه عن إخفاقاته الداخلية الكثيرة..

لكن، عبارة «إبادة جماعية» لن تؤثر تأثيرا فعليا على الحرب في أوكرانيا، ولن تصرف انتباه الأميركيين عن كارثة التضخم، وكل واحد منهم يواجه كل صباح رجل البريد وقد جاء بمزيد من الفواتير المالية التي تستحق الدفع...

ها هي الفواتير تزيد أكثر من زيادات رواتبهم، وها هي ديونهم تطابق ديون حكومة الرئيس بايدن.

في الجانب الآخر، يبرهن الصحافيون الذين تثيرهم عبارة «إبادة جماعية» على ضحالة تفكيرهم، وهم يساقون كالأغنام، ويسوقهم راع لا يقل عنهم في ضحالة التفكير...  

 

«وول ستريت جورنال»: «ليس بوتين»

مؤخرا، احتشد المسؤولون في البيت الأبيض أمام ميكروفونات التلفزيونات 

حذروا من أن التضخم سيزيد، وأن السبب هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

لا شك أن هذه الاستراتيجية تنقذ الرئيس بايدن. لكن، بدأ التضخم قبل غزو أوكرانيا، وبايدن يعرف ذلك جيدا.  الآن، بعد قرابة عام، ستكون مواجهة التضخم صعبة، وبايدن يعرف ذلك، أيضا...

كان ذلك قبل وقت طويل من قرار بوتين بغزو أوكرانيا.

وكان بسبب كثرة الأموال التي صرفتها الحكومة. زادت هذه منافسات المستهلكين على السلع. وهكذا ناقضت الحكومة نفسها، بضخ المساعدات (بعضها بسبب فيروس كورونا، وبعضها لتنفيذ برامج إصلاحية جاء بها الرئيس بايدن)، وبرفض زيادة سعر الفائدة لوقف التضخم الذي نتج عن ذلك...

ومع ذلك، فإن الأسعار الجديدة تكاد تكون قاسية بالنسبة للعمال والمستهلكين الأميركيين. حسب الإحصائيات الحكومية نفسها، انخفض متوسط الدخل الأسبوعي بما يقرب من 18 دولارًا خلال رئاسة بايدن. 

هذا هو سبب استياء الأميركيين من الوضع الاقتصادي، رغم أنه يبدو سببا يناقض نفسه، لكنه هو الحقيقة: حتى مع وفرة الوظائف، انخفضت الأجور الحقيقية، وارتفعت أسعار السلع والخدمات اليومية.. 

 

نيويورك تايمز: «حكومتنا»

مرات كثيرة، أعرب جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي)، عن إعجابه بالعزيمة التي أظهرها أحد أسلافه، بول فولكر، الذي كان على استعداد لتحطيم الاقتصاد، في أوائل الثمانينات، وذلك حتى يسيطر على الغلاء.

لم يحطم الاقتصاد، لكنه نجح في السيطرة على الغلاء...

الآن، يجب على الفيدرالي فرض مزيد من الألم، بدون تحطيم الاقتصاد. ونحن نعتقد أن الفيدرالي يمكن أن ينجح. على الأقل، بسبب الإرث الدائم لإنجازات السيد فولكر. لكن، ربما ليست هناك حاجة ليرفع باول سعر الفائدة إلى 20 في المائة، مثلما فعل فولكر...

في نفس الوقت، ينقسم الاقتصاديون حول أسباب الغلاء الحالي:

في جانب، يلقي البعض اللوم على فيروس كورونا (الذي تسبب في انخفاض كميات الخدمات والسلع المتوفرة). وعلى الغزو الروسي لأوكرانيا (الذي عرقل الأسواق العالمية للطاقة والقمح)...

في الجانب الآخر، يلقي البعض اللوم على الكونغرس الذي أمر بطباعة وصرف تريليونات الدولارات لمساعدة الذي يستحق، والذي لا يستحق. لهذا، رغم فقدان كثير من الوظائف، حصل الناس على أموال كثيرة، وصاروا ينفقونها. وهكذا، زاد الطلب على السلع والخدمات.

هذا هو السبب الرئيسي في رأينا...

 

«واشنطن بوست»: خطأ بوتين

ما حدث للاقتصاد الأميركي سببه فلاديمير بوتين.

ارتفعت أسعار الغاز بنحو دولارين في العام الماضي، وكانت نسبة الزيادة 75 في المائة من تلك الزيادة بعد غزو القوات الروسية لأوكرانيا. نعم، استجابت الولايات المتحدة، وكثير من الدول الأخرى لهذه الحرب غير المبررة، بفرض عقوبات شديدة على روسيا، وبوقف مشتريات النفط والحبوب الروسية...

وكانت النتيجة أن الإمدادات انخفضت، وأن أسعار الطاقة والغذاء ارتفعت إلى مستويات قياسية في جميع دول العالم...

بوتين يريد، ويتوقع، أن تتأسف دول العالم للعقوبات. وأن ترفعها. وأن تقبل تنازل أوكرانيا عن أجزاء من أراضيها لروسيا، وذلك حتى تحل مشكلة الأسعار المرتفعة...

لكن، رغم صعوبة الوضع، لا يمكننا السماح لبوتين بأن ينتصر.

على المدى القصير، ليس هناك الكثير الذي يمكن للرئيس بايدن القيام به. لقد أطلق أكبر قدر من النفط من احتياطي البترول الاستراتيجي. وهي خطوة رحبنا بها.

لكن، لتحقيق انخفاض ملحوظ في الأسعار، يجب توفير عرض أكثر للبضائع والسلع، أو أن يحدث انخفاض كبير في الطلب...

font change

مقالات ذات صلة