كتاب أميركي: «روسيا: من الوثنية إلى بوتين»

كتاب أميركي: «روسيا: من الوثنية إلى بوتين»

واشنطن:  يبدو أنه لا يوجد شخص يعرف ما تريد روسيا من غزوها لأوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي. لا بعد الغزو مباشرة، ولا الآن، بعد ثمانية شهور من الغزو.

في ذلك الوقت، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن سبب الغزو هو أن أوكرانيا «صارت لها ميول غربية تهددنا. وتجعلنا لا نشعر بالوجود، والأمن، والتطور». وقال رئيس استخباراته، سيرغي ناريشكين: «صار مستقبل روسيا، ومكانتها المستقبلية في العالم، على المحك».

في الجانب الأوكراني، قال رئيسها فولوديمير زيلينسكي: «تريد روسيا ابتلاع بلادي كلها. وتعتبرني عقبة. وبالتالي جعلتني هدفها الأول. وجعلت عائلتي هدفها الثاني». وقال وزير خارجيته ديمترو كوليبا: «هذا جنون. إنهم لا يعرفون حتى ماذا يريدون».

كلهم قالوا ذلك قبل ثمانية شهور تقريبا. لكن، حتى اليوم، مع استمرار الحرب بصورة مكثفة، يبدو أنه لا يوجد سبب واضح للحرب. خاصة لأن روسيا لم تحدد هدفها النهائي. «العملية العسكرية الخاصة» لم تعد كذلك. أيضا، بسبب عدم وجود مفاوضات بين الجانبين، لا توجد مواقف وأهداف موثقة.

يقول هذا الكتاب، كما يظهر من عنوانه، إن حرب أوكرانيا مجرد هزة في وضع استمر قرونا: «تاريخ قصير لروسيا: كيف اخترعت أكبر دولة في العالم نفسها، من الوثنيين إلى بوتين».

حقيقة، روسيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتد عبر قارتين. وهي ثُمن مساحة الأرض الصالحة للسكن. وفيها 11 منطقة زمنية. ولها حدود مع 16 دولة. وهي تاسع أكبر دولة في العالم سكانا. وهي الأولى في أوروبا سكانا (150 مليونًا).

وحقيقة أيضا، أن روسيا، ككيان، كانت موجودة منذ مئات السنين قبل ميلاد عيسى المسيح. وسع الإغريق حضارتهم إلى نهر الدون. ثم أسس القوطيون الألمان مملكة وصلت إلى البحر الأسود (وغطت معظم أوكرانيا الحالية). ثم اجتاحتها قبائل الهون الآسيوية مع أجزاء كبيرة من أوروبا الغربية.  ثم حارب الفايكنج (جدود الإسكندنافيين) والرس (جدود الروس) بعضهم البعض. ووسط ذلك، خلال القرن التاسع، وصلت المسيحية إلى كييف الحالية، والتي كانت مركز مملكة «كييف روس» السلافية.

تشكل هذه التطورات المعقدة، والقديمة، جوهر هذا الكتاب.  وتوضح أن الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا هي مجرد جزء صغير من تاريخ يمتد لأربعة قرون.

أوضح الكتاب أن الروس، عبر هذه القرون، «ظلوا يتفاعلون مع المجموعات الداخلية والخارجية. ويتوارثون الرموز، والأساطير، والتقاليد، والتي لا يسهل التخلص منها».

عبر تاريخهم، تعامل الروس مع ثلاثة كيانات خارجية: إلى الشرق (آسيويين)، وإلى الجنوب (شرق أوسطيين)، وإلى الغرب (الأوروبيين). لكن، أثبت الغرب أنه الأكثر أهمية ليس فقط بسبب العداء المتبادل، ولكن، أيضا، لأنه مهد الحضارة التي تظل تهيمن على العالم 400 سنة تقريبا.

لكن، داخل روسيا، تحولت هذه التفاعلات مع الهويات الشرقية، والجنوبية، والغربية، إلى حرب داخلية مستمرة. فقط حجبتها عن العالم مشاكل وسياسات روسيا الخارجية.

وظهر سؤالان:

أولا: هل تريد النخبة الروسية التقارب مع «حضارة الغرب»، خاصة غرس روح الحرية والعدل في نفوس الروس؟

ثانيا: أم هل تريد الهوية غير الغربية القائمة على الثقافة الأرثوذكسية؟

مؤخرا، ظهر صراع الهوية هذا في تصريحات بوتين عن أوكرانيا. بينما ركزت الحكومات والإعلام في الغرب على المواضيع العسكرية والسياسية، ركز بوتين على المواضيع الثقافية. يريد أن يثبت للغرب أن تراث روسيا ليس أقل أهمية تاريخيا من تراث الغرب.

مؤخرا انتقد بوتين ما سماها «الحرية الغربية المتطرفة»، وتحدث عن انتشار الشذوذ الجنسي، والتغيير الجنسي، و«الأخلاق المناهضة للطبيعة».

هكذا، ظلت اختلافات وحروب التاريخ دائما تدور حول الدين.

لكن، أي دين؟

في جانب، ظلت التفاعلات التاريخية بين أحفاد «مملكة كييف» (أوكرانيا)، وأحفاد «مملكة موسكوفي» (روسيا) داخل إطار الكنيسة الأرثوذكسية، التي تشكل نسبة 67 في المائة في أوكرانيا و75 في المائة في روسيا.  

في الجانب الآخر، جاء العداء من غرب أوروبا بقيادة كنيستين: الكاثوليكية (كما في بولندا وفرنسا)، والبروتستانتية (كما في ألمانيا وبريطانيا).

في بداية القرن السابع عشر، غزت بولندا الكاثوليكية روسيا وأوكرانيا الأرثوذكسيتين، ووصلت إلى موسكو، وجنوبا وصلت إلى حدود الخلافة العثمانية.

عندما صار بوتين رئيسا، أعلن يوم الوحدة الوطنية السنوي، يوم ذكرى طرد البولنديين الكاثوليك من موسكو. ورمزا لهزيمة أعداء آخرين، مثل المغول الآسيويين، والعثمانيين المسلمين، والكاثوليك الفرنسيين (غزو نابليون بونابرت خلال القرن التاسع عشر)، والبروتستانت الألمان (غزو أدولف هتلر خلال النصف الأول من القرن العشرين). خلال كل هذه الغزوات، كانت أوكرانيا حليفًا لروسيا، إذا لم تكن جزءا منها.

الآن، بعد أن غزا بوتين أوكرانيا، نشر مقالاً بعنوان «الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين»، واعتبر «مانفستو» (برنامجا) لما فعل.

تتشابه الأحداث الواردة في «المانفستو» المعلومات الواردة في هذا الكتاب الذي، أيضا، ربط بين الروس والأوكرانيين منذ القرن التاسع، عندما وصلت المسيحية الأرثوذكسية إلى الشعبين.

وكما أوضح الكتاب، «مانفستو» بوتين، يتهم الأوكرانيين بأنهم خرجوا عن الخط التاريخي، الأرثوذكسي، وانحازوا نحو الغرب الكاثوليكي والبروتستانتي. 

لهذا، قال الكتاب إن غزو أوكرانيا لم يكن فقط بسبب تهديدات حلف الناتو، ولكن، أيضا، بسبب الحصار على الأرثودوكسية، ثقافة، وتراثا، إذا لم يكن دينا.

 

الكتاب: «تاريخ قصير لروسيا: كيف طورت أكبر دولة في العالم نفسها، من الوثنية إلى بوتين»

المؤلف: مارك جالوتي

الناشر: هانوفر سكوير

عدد الصفحات: 224

السعر: ورقي: 14.99 دولار. إلكترونى: 9.99 دولار

 

font change

مقالات ذات صلة