صورة السعودية الجديدة في الذهن العربي

الإعلان الخاص بمدينة نيوم يعد بأنها ستكون أشبه بساحة للعب والترفيه

صورة السعودية الجديدة في الذهن العربي

جدة:«لقد انقلبت البلاد رأساً على عقب بإصلاحات هيكليّة عميقة للمجتمع والاقتصاد، بسلاسة غير مسبوقة وثبات هائل، وبأسلوب لم نرَ له مثيلاً في العالم العربيّ»، يقول رجل أعمال عربيّ التقته «المجلّة»في بيروت مؤخراً.

ويضيف:«ما يحصل في السعوديّة هو أشبه بالسحر. هذا الشاب لديه سحر خاصّ حقاً، إنّه ملهم أيضاً، والأهمّ أنه ذو قلب جريء على التغيير». (يقصد ولي العهد السعوديّ ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمّد بن سلمان).

فمنذ حلول العهد السعوديّ الجديد بإدارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله وليّ العهد، رئيس مجلس الوزراء الأمير محمّد بن سلمان، تعيش السعوديّة حالة لافتة، للعرب والغرب، في الإصرار على التجديد والابتكار والإصلاح. فارتقت البلاد من نظرة تحصرها في كونها ضامنة أمن إمدادات الطاقة النفطية الموثوق عالميّاً أو بعبارة أخرى «بئر النفط الذي يغذّي العالم»، وكذلك احتضان الحرمين الشريفين، إلى منارة للفنّ والإبداع وحريّة الثقافة والنشر وتجديد الفكر، ومثلاً يضرب في مكافحة الفساد وسوء الإدارة الحكوميّة، إلى جانب إطلاق إمكانات الاقتصاد والمشاريع العملاقة، التي ليس لها مثيل في العالم، والتي تطمح إلى تحقيق ثورة إنسانية فيما يخص أساليب الحياة والسعي نحو الاستدامة كما هو المأمول من مشروع «نيوم»والآخر المتفرّع منه «ذا لاين».

جمعنا قصصاً من عرب، رجالا ونساء، من مختلف مشارب الحياة، وليسوا من المشاهير، إنّما أشخاص عاديّون، يبحثون عن الإلهام والنموذج، فوجدوا بقعة ضوء في خضمّ منطقة متفجّرة بالصراعات وألعاب السياسة.

الأهم في الأمر أن الصورة الذهنيّة للسعوديّة لدى فئات متنوعّة من المجتمعات العربيّة في الخليج والهلال الخصيب وشمال أفريقيا، تساهم في تعاظم القوّة السعوديّة النّاعمة.

 

حريّات النشر والإبداع

ظلّ الشاب العربيّ جورج، وهو مدير مناوب بأحد الفنادق، يبحث عن مجموعة كتب فلسفيّة، فلم يجدها، لا في المكتبات السوريّة ولا اللبنانيّة. وللصدفة، كان زميله، ينتظر قدوم والديه من جدّة، فأوصاهما بإحضار الكتب لزميله.

وعندما تحدّث عن قصّته، ابتسم قائلاً: «إنّه MbS»، مضيفاً: «لم أكن أظنّ سابقاً أنّ السعوديّة أصبحت مكاناً نشيطاً للتأليف والنشر والتنوير.الآن، عرفت حجم ما يحصل في المملكة من تغيير».

ربّما لم يعلم جورج أن الجمعيّة السعوديّة للفلسفة، انطقت قبل نحو عامين، وتواصل عملها في نشر الحراك الفلسفيّ العقليّ للمهتمين بهذا النوع من المعارف ضمن المجتمع السعوديّ.

ويقول أحد المترجمين العرب من شمال أفريقيا إن الحراك الثقافي السعوديّ وارتفاع مستوى سقف الحريّات الفكريّة ورعاية النشر والفنون، يوفّر فرصاً تكامليّة لصناعة ثقافة عربيّة أكثر تطوّراً.

لم تعد المعادلة الثقافيّة العربيّة القديمة، المؤلّفة من: القاهرة تؤلّف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، سارية بعد اليوم. فقد وضعت السعوديّة اسمها على خارطة الكتاب العربي، إنتاجاً واستهلاكاً وتصديراً، أكثر من أيّ وقت مضى.

كما تحفل تلك الصفحات السعوديّة المهتمّة بالثقافة والفنون، حكوميّة كانت أم خاصّة، ضمن المنصّات الاجتماعيّة، بدعوات للحضور والمشاركة في ندوات أو حلقات بحث أو دورات تدريبيّة على الكتابة الخاصّة بالمسرح والدراما والسينما والرواية، إلى جانب فعاليّات ثقافيّة أخرى، يشارك فيها مبدعون عرب من كلّ مكان.

إن تحوّل السعودية إلى منارة للثقافة العربيّة في أذهان العرب، هو الرصيد المعنوي الأكبر للمملكة، فالأمم لا تقاس فقط بحجم ثرواتها، بل أيضاً بمدى تأثيرها على القلوب والعقول. 

 

صورة مكافح الفساد

اتّبعت السعوديّة نهج القمع الشديد للفساد وسوء الإدارة، بل إن هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ترسل تحديثات أسبوعيّة على شكل رسائل نصّيّة، يمكن لأي مواطن أو مقيم متابعتها ومعرفة عدد القضايا المنظورة والتهم والعقوبات المتّخذة بحقّ الفاسدين والمفسدين. ويعد ذلك أمراً قليل الحصول على مستوى العالم.

يقول رجل أعمال خليجيّ، التقته «المجلّة»صدفة في مطار البحرين، إن فكرة تفكيك تكتّلات الفساد وتطبيقها بشجاعة، أعطت زخماً هائلاً لانطلاقة السعوديّة الجديدة، وأعطت التجديد معنى تطبيقيّاً، يتجاوز أدبيّات مكافحة الفساد وسوء استغلال السلطة وضعف الإدارة الحكوميّة.

ويضيف:«الأمر كان يتطلّب شجاعة نادرة من الأمير محمّد بن سلمان، لكنّ أهمّية الحملة السعوديّة المتواصلة على الفساد، تكمن في فتح ملفّات الفساد القديم، وليس الجديد؛ حتى في أكثر مواقع المسؤوليّة حساسيّة».

وفي إحدى الجلسات مع مجموعة من روّاد الأعمال السعوديّين والعرب في جدّة، كان الحديث يدور حول أساليب الفساد في العالم العربي. فما كان من أحد الجالسين العرب إلّا أن قال: «لا بدّ من مجيء بن سلمان؛ ليحلّ قضايا الفساد في 24 ساعة».

لم يكن يقصد المتحدّث الوقت المحدّد، لكنّه كان يعني صورة الشابّ الشجاع الذي يخوض معركة ضد الفساد على أرضه، والذي فتح المجال واسعاً أمام الأفراد العاديين، مواطنين ومقيمين، للإبلاغ عن حالات الفساد، وبخاصّة تلك المتعلّقة بالرشى والتلاعب بالمناقصات والسرقات. وهي صورة تلهم الكثيرين حول العالم العربيّ، ممن يريدون رؤية بلدانهم تتخلّص من سطوة الفساد.

ولا يزال السعوديّون وجزء من العرب، يتذكّرون مقطع فيديو، انتشر على نطاق واسع قبل نحو 5 سنوات، يظهر صرخة مسافر لبنانيّ في مطار رفيق الحريري الدوليّ، بسبب سوء الإدارة على ما يبدو، مطالباً أن يأتي شخص مثل محمّد بن سلمان ليطهّر بلاد الأرز من الفاسدين والمفسدين!

ومن الجدير بالإشارة أن تسارع التحوّل الرقميّ السعوديّ، ساهم بفعاليّة في تحقيق قدر أعلى من الشفافيّة وتقليل اختراقات الفساد عبر جعل التقديم على المناقصات الحكومية، الكبيرة منها والصغيرة، مربوطاً ببوّابة رقمية، بدءاً من الترسية والتنفيذ، وصولاً إلى التحصيل.

 

الخيال الخلاّق

عندما أطلقت السعوديّة مشاريعها الطموحة في مجالات الاستدامة وأساليب العيش مثل «نيوم»،و«ذا لاين»أو السياحة البحريّة مثل أمالا والقدية، كان في ذهن صانع القرار إقامة مشاريع فريدة من نوعها في العالم، وليس على مستوى السعوديّة فقط. وبالفعل، توفّر هذه المشاريع، إمّا بذاتها، أو عبر الشركات المتعاقدة معها، فرص عمل متنوّعة للسعوديّين بشكل أساسي، ولغيرهم من العرب من أصحاب المواهب والكفاءات.

في إحدى جلسات المقاهي مع مجموعة من المخرجين الفنّيين والمهندسين المصريّين، دار الحديث حول أهميّة الخروج إلى العالم بمشاريع طموحة والإصرار على تنفيذها، مهما كانت العقبات؛ لأن تلك المشاريع المبتكرة هي التي تعطي تميّزاً للمملكة في الداخل مما يرفع جودة الحياة ويمنحها ثقلاً نوعيّا في تطوير تجربة سعوديّة في ميدان الابتكار، مّما يعطي العرب، وليس المملكة وحدها، قوّة إضافيّة بين أمم العالم، وبخاصّة القوّة الناعمة ذات الأثر في النفوس والعقول.

تحمل مشاريع ثوريّة مثل «نيوم»و«ذا لاين»صبغة الخيال الخلّاق، الذي يبدأ بالحلم وينتهي بالإنجاز المأمول، كما تصف «نيوم»نفسها بأنّها أرض الحالمين والمنجزين. وتسعى السعوديّة إلى أن تكون كلّها أرض الحالمين والمنجزين، بالقول والفعل.

ألم يقل ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان ذات مرّة: «كلّنا حالمون»؟!

font change