إلغاء "ستارت" للتغطية على الانتكاسات في أوكرانيا

إلغاء "ستارت" للتغطية على الانتكاسات في أوكرانيا

ثمّة استنتاج واحد لا مراء فيه يمكن استخلاصه من الصراع الذي أنهى في أوكرانيا سنته الأولى، وهو أنه أدى إلى صدع كارثي في العلاقات بين روسيا والغرب، قد يثبت أنه لا يمكن إصلاحه.

قبل قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق ما يسميه بـ "عمليته العسكرية الخاصة" ضدّ أوكرانيا في 24 فبراير/شباط من العام الماضي، كان التحالف الغربي قادرا على الحفاظ على علاقة عمل واقعية مع موسكو، حتى لو لم تلتقِ وجهات نظر الطرفين في كثير من الأحيان.

بالطبع، كانت هناك بعض الأزمات التي تطفو على السطح، مثل تسميم عملاء الاستخبارات الروسية للجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في الكاتدرائية الإنكليزية بمدينة سالزبوري عام 2018.

ردت بريطانيا وحلفاؤها وقتها على هذا الانتهاك الصارخ للسيادة البريطانية من خلال تنظيم أكبر طرد جماعي للدبلوماسيين الروس في العصر الحديث، كان العديد منهم ضباطا في الاستخبارات يعملون بشكل سرّي، ما ألحق أضرارا جسيمة بعمليات جمع المعلومات الاستخباراتية العالمية لروسيا.

وفي سورية، أعرب قادة غربيون عن قلقهم البالغ إزاء التكتيكات التي استخدمها الجيش الروسي خلال تدخله في الحرب الأهلية هناك، عندما لجأت القوات الروسية بانتظام إلى قصف عشوائي لمناطق مدنية.

ومع ذلك، بينما دعم الحذر المتبادل العلاقات بين موسكو والتحالف الغربي، كان هناك أيضا بُعدٌ عملي، انعكس في اعتماد العديد من الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، على روسيا لاحتياجاتها من الطاقة.

وكان التبرير الذي يقدّمه كثير من القادة الأوروبيين، خاصة في برلين، هو أن المحافظة على العلاقات التجارية مع موسكو، سيشجّع الكرملين على الحفاظ على حوار بناء مع الغرب، قد يؤدي في النهاية إلى تحسين العلاقات.

ولكن اليوم، في الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، صارت النسخة الحديثة من الانفراج الدبلوماسي الذي سبق الحرب في حالة يرثى لها، كما بدا واضحا بجلاء من التعليقات التي أدلى بها بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن هذا الأسبوع.

وفوق ذلك، يبدو احتمال حدوث أي تحسن في العلاقات في المستقبل المنظور قاتما بشكل ملحوظ، على الأقل ما دام بوتين في السلطة، وذلك بالنظر إلى الخطاب المتطرف المناهض للغرب الذي أعرب عنه خلال خطابه في هذه المناسبة.

اليوم، في الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، صارت النسخة الحديثة من الانفراج الدبلوماسي الذي سبق الحرب في حالة يرثى لها، كما بدا واضحا بجلاء من التعليقات التي أدلى بها بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن هذا الأسبوع


على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبدتها روسيا، في الأنفس والأموال، منذ بدء الصراع، ظلّ بوتين هو المشاكس المعتاد نفسه عندما ألقى خطابا متلفزا أمام النخبة العسكرية والسياسية في روسيا. وقد اعترف بوتين بأن موسكو عانت من انتكاسات في الحملة، ولكنه تعهّد بتكثيف "الإنتاج الضخم" للأسلحة والذخيرة لمواصلة الهجوم الروسي على أوكرانيا.


وفي خطوة قد يكون لها تداعيات عميقة على الأمن العالمي في المستقبل، أعلن الزعيم الروسي أنه علّق مشاركة موسكو في آخر معاهدة رئيسية لا تزال صامدة للحدّ من الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة.


ومن جملة مزاعم لا أساس لها تخللت الخطاب، اتهم بوتين الولايات المتحدة بالتخطيط لإجراء تجارب أسلحة نووية، وهي خطوة من شأنها أن تشكّل انتهاكا للمعاهدة النووية التي وقعتها موسكو مع إدارة أوباما في عام 2010 للحدّ من انتشار الأسلحة النووية.


بموجب شروط معاهدة "نيو ستارت" التي وقعها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في براغ عام 2010، اتفقت القوتان النوويتان اللتان تمتلكان 90 في المائة من الرؤوس الحربية النووية في العالم، على تحديد عدد الرؤوس الحربية النووية التي يمكن لكلا البلدين نشرها. وبموجب شروط الاتفاق، لا يجوز للدولتين نشر أكثر من 1550 رأسا نوويا استراتيجيا و700 صاروخ تطلق من الأرض أو من أعماق البحار.


كانت الوثيقة، التي كان من المقرر أن تنتهي صلاحيتها في عام 2026، جزءا من جهود واشنطن لتحسين العلاقات مع موسكو خلال رئاسة باراك أوباما، وهي مبادرة تعرّضت لضغوط منذ الغزو الروسي الأول لأوكرانيا في عام 2014 وما تلاه من احتلال وضمّ شبه جزيرة القرم.


الآن، ألغى بوتين المعاهدة بالكامل، وهو تطور يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة على انتشار الأسلحة النووية.


وقال بوتين في خطابه "أجد نفسي مضطرا للإعلان اليوم أن روسيا ستعلق مشاركتها في معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية [ستارت]"، زاعما، دون الاستشهاد بأدلة، أن الولايات المتحدة كانت تخطط لاستئناف التجارب النووية، ما يجعل روسيا مضطرّة لفعل الشيء نفسه".


وقال "بالطبع لن نقوم بهذا أولاً. لكن إذا أجرت الولايات المتحدة اختبارات، فسنقوم بذلك. لا ينبغي أن يكون لدى أحد أوهام خطيرة بأن التكافؤ الاستراتيجي العالمي يمكن أن يدمَّر."
لجأ بوتين في كثير من الأحيان إلى قعقعة السيوف النووية منذ بداية الصراع في أوكرانيا، عادة لصرف الانتباه عن الانتكاسات العديدة التي عانت منها القوات الروسية خلال العام الماضي. لكن إعلانه الانسحاب من معاهدة ستارت يرفع القضية النووية إلى مستوى جديد تماما، حيث يفتح الطريق أمام سباق تسلح نووي جديد بين واشنطن وموسكو.
 

font change