الصين لن تترك "ميثاق أوكوس" دون ردّ

الصين لن تترك "ميثاق أوكوس" دون ردّ

سيكون التحالف الجديد مقياسا للتوترات المتفاقمة حول هيمنة الصين المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث يشعر عدد من القوى الغربية الرئيسية بضرورة تشكيل تحالف يعزز قوتها العسكرية.

جاء التوقيع قبل أيام على اتفاقية جديدة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية لبناءِ أسطولٍ جديد من الغواصات العاملة بالطاقة النووية للبحرية الأسترالية كردّ مباشر على التهديد المستجدّ الذي تشكّلهُ الصين على أمن المنطقة.

إذ ينخرط الجيش الصيني حاليا في بناء تَرسَانة كبيرة، ما جعل رئيس أركانِ الدفاعِ البريطانيِّ الأدميرال السِّير توني راداكين يحذّر مؤخرا من أنّ الصين تَبْنِي كلَّ أربعِ سنواتٍ حمولةً مكافئةً لِحُمُولةِ البحريةِ المَلَكِيَّةِ البريطانيّة.

وتحل بعد ذلك المخاوفِ من تصميم حُكّامَ الصينِ الشيوعيينَ على استعادةِ السَيطَرةِ على تايوان بحلولِ نهايةِ هذا العقدِ، فضلا عن تصميمهم على توسيع نفوذهم في جميع أنحاء منطقةِ المُحِيطَين الهنديّ والهادئ، قد أضافت مصدرا جديدا للقلق بين الدول الغربية الرئيسة والحاجة لتعزيز قدراتها العسكريةِ للتعاملِ مع أي تهديدٍ مستقبليٍّ من جانب الصين.

لَقَد خَطَّت الدوَل الغربية الخُطْوةَ الأُولى المهمّة في اتجاهَ مواجهةِ التهديدِ المستجدِ الذي تشكله الصين في عامِ 2021 عندما وافَقت أستراليا على الانضمام إلى تحالف دفاعيّ جديد يجمعها مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة يُعرف باسم "ميثاق أوكوس".

وفي حين يطمح الاتفاق إلى زيادةِ التعاونِ لتطويرِ مجموعةٍ جديدةٍ من تقنياتِ الأسلحةِ من تطوير الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوتِ إلى تطوير تقنياتِ الحربِ الإلكترونيةِ، فإن السبب الرئيس وراء تشكيلِ مثل هذا التحالفِ هو تزويد البحرية الأسترالية بأسطول جديد من الغواصاتِ التي تعمل بالطاقةِ النوويةِ.

لَقَد شهدتِ العلاقات بين بكين وكانبيرا توترا كبيرا في السنواتِ الأخيرة، بلغت ذُروَتَها في 2020 عندما شنَّت الحكومة الأسترالية حملةً تدعو فيها لإجراءِ تحقيقٍ مستقلٍ حولَ مصدرِ فايروس كورونا، والذي زعَمَ العديد من السياسيينَ الغربيين أنه قَدِمَ من الصين.

وردّت بكين على تلك الحملة بشنِّ حربٍ تجاريةٍ ضدَّ أُستراليا، وفَرَضَت تعريفات عقابية على وارداتها من لحومِ الأبقارِ الأسترالية والشعير الأستراليِّ.

وكرد على ذلك، سَعت أستراليا إلى تَعزيزِ قوّةِ جيْشِها، حيثُ اعتبرت كانبيرا ميثاق أوكوس بيانا مهمّا للنوايا يهدِف إلى احتواءِ نشاطِ الصين في المنطقةِ، حيث دفعت العَسكرة المتزايدة لبحرِ الصينِ الجنوبي إلى تورّط بكين في نزاعاتٍ إقليميةٍ مع كلٍّ من فيتنام وماليزيا والفيليبين ودولٍ أخرى.

وبموجبِ شروطِ الاتفاقيةِ التي وقّعَهَا هذا الأسبوع كلٌّ من الرئيسِ الأميركيِّ جو بايدن، ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في القاعدة البحرية الأميركية في سان دييغو في ولاية كاليفورنيا، ستشتري أستراليا ثلاثَ غواصاتٍ تعملُ بالطّاقةِ النوويةِ من طراز فرجينيا الأميركية مع بدايات ثلاثينيات القرن الحالي، وإذا لَزِم الأمرُ فثمّة إمكانية لشراءِ اثنتين أخريين.

ستمرُّ اتفاقية الغواصات الجديدة بمراحل متعددة، إذ ستزور غواصة أميركية واحدة على الأقلِ الموانئَ الأسترالية في السنواتِ القادمةِ، وتتوّج تلك المراحل في أواخر الثلاثينيات ببناءِ فئةٍ جديدةٍ من الغواصات وفقا لتصاميم بريطانيّة، مع استخدام التكنولوجيا الأميركيّة. كما ستشهد الاتفاقيةُ نشرَ قوةٍ من الغواصاتِ الأميركيةِ والبريطانيةِ في غربِ أستراليا للمساعدةِ في تدريبِ الأطقمِ الأستراليّةِ وتعزيزِ قوةِ الردع.

لم يمرّ إنشاءُ "تحالف أوكوس" من دونِ إثارة الجدل. ذلك أن فرنسا كانت تعتقد في أول الأمر أنّها هي من سيبرم صفقةً مع أستراليا لبناءِ جيل جديد من الغواصَات. لكن العرض الفرنسيُ كان يقتصرُ على بناءِ سفن تعملُ على الدّيزِل وليس بالطّاقةِ النووية، والتي تعتبر أكثرَ فاعليةً في مواجهة التهديدِ الصيني الذي تتصوره أستراليا

تتمتع هذه الاتفاقية بأهميةٍ بالغةٍ لأنَّهَا ستكون المرّةُ الأولى في التاريخِ الّتِي تشاطر فيها واشنطن طرفا آخَرَ سرّ تكنولوجيا الدفع النووي منذ عقدها لشراكةٍ مع بريطانيا في خمسينيات القرن الماضي.
وثمة أسئلة كَبيرة بشأنِ استعدادِ الولاياتِ المتحدةِ لمشاطرة سرِّ تكنولوجيّةِ أسطولها من الغواصات النووية الحساسة، والتي يخضعُ بَعضُهَا لقيودٍ صارمةٍ تمنع تصديرها، وربما أدّى هذا إلى تأخيرٍ في المشروعِ، الأَمر الذي سيؤثر على طول الفترةِ الزمنيةِ الّتِي سيستغرقها تسليم الغواصات، والتي قد تسبّب مشْكلة مهِمَة مع تزايدِ التَّهدِيدِ الّذِي تتصور الدّول المذكورة أنّ الصينَ تشكّلُه.
من المؤكدِ أنّ تَشكيل التَّحالف قد أَثار ردَّ فعل غاضبٍ من بكين، والَّتِي سارعت إلى التنديد بتشكيل تَحالفِ أوكوس باعتبارهِ عملا غير قانوني يسهِم في انتشارِ الأسلحة النوية. وعندما تشكَّلَ تحَالف أُوكوس في الأصل في 2021، اتهمت وِزارة الخَارجيةِ الصينية الدول الثَلاث المعنية بـ "إلحاق ضررٍ جسيمٍ بالسّلام والاستقرار الإِقليمِيَين، وتكثيفِ سباقِ التَسلّحِ، وإلحاقِ الضررِ بالجّهد الدَّوليّ المبذول لمنعِ انتشارِ الأَسلحةِ النوويّةِ". واتهَمَت المشاركينَ في التحالف بالانخراط في "عقلية الحربِ الباردة الّتِي عَفَا عليها الزمن".
لقد قابلت بكين لاتفاقِ الغواصات الذي جرى توقيعه مؤخرا بتحذيرِ حُلفاء أوكوس من أَنَّهُم "ذهبوا شوطا بعيدا في طريقٍ خطرِ". وقالَ المتَحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين إِنَّ الدول الثلاث قَد "تجاهلَت" مخاوفَ المجتمع الدوليّ.
لم يمرّ إنشاءُ تحالف أوكوس من دونِ إثارة الجدل. ذلك أن فرنسا كانت تعتقد في أول الأمر أنّها هي من سيبرم صفقةً مع أستراليا لبناءِ جيل جديد من الغواصَات. لكن العرض الفرنسيُ كان يقتصرُ على بناءِ سفن تعملُ على الدّيزِل وليس بالطّاقةِ النووية، والتي تعتبر أكثرَ فاعليةً في مواجهة التهديدِ الصيني الذي تتصوره أستراليا. وأدى قرار أستراليا في إقدامها على تشكيلِ تحالف مع الولاياتِ المتحدةِ والمملكةِ المتحدةِ بدلا من العرض الفرنسي إلى حدوثِ أزمةٍ دبلوماسيةٍ كبيرة مع باريس.


بيد أن القرارَ القاضي بإنشاء تحالف جديد بين القوى الغربيةِ الثلاث هو جزءٌ من جهد يهدف لتعميقِ التعاون الدوليِّ بين هذه الدول التي تشكّل بالفعلِ جزءا من شراكة تحالُف العيون الخمس الذي تأسسَ مع نهايةِ الحربِ العالميةِ الثانية من أجل تبادل المعلومات الاستخباراتية، وهو التحالف الذي يضمُّ أَيضا كلا من كندا ونيوزيلندا.


والحال أن هنالك كثير من التوقعاتِ بأنّ كندا قد تُدعَى بدورها للانضمامِ إلى صفقةِ أوكوس، بعد أن جرى التوقيع في هذا الأسبوعِ على صفقةِ الغواصاتِ في سان دييغو، والتي تُؤمِّنُ مقرا لأسطولِ البحريةِ الأميركيّةِ في منطقة المحيطِ الهادئ، في وقتٍ يدور فيهِ نقاش حول إمكان انضمامِ اليابانِ – التي كانت قد أَعلَنَت مؤخرا عن زيادةٍ كبيرةٍ في إنفاقها الدفاعيِ – إلى ذلك التحالف. 
إنّ توقيعَ صفقةِ الغواصاتِ يعني على الأقلِ أَن أي طموحاتٍ قد تفكّرُ بِهَا الصين في الهيمنةِ على منطقةِ المحيطين الهنديّ والهادي في السنواتِ القادمةِ لَن تمرَّ من دونِ تَحدي الغَرْبِ لتلك الطُمُوحات.
 

font change