حكومة الأسد تستخدم الزلزال لإخفاء فشلها

حكومة الأسد تستخدم الزلزال لإخفاء فشلها

حظيت استجابة نظام الأسد لزلزال 6 شباط، الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا، باهتمام كبير بسبب ما بذله من جهود باكرة في استغلال الكارثة سعيا لتحقيق مكاسب سياسية ومالية، ولكنّ قلّة قليلة من الناس هم من انتبه إلى استخدام الحكومة السورية للكارثة في إخفاء ما خلفته ميزانية هذا العام من أثر سلبي على الظروف المعيشية للناس.

ومع أنه لا يمكن لأحد أن يتجاهل الأضرار التي سببتها الزلازل، غير أن النظام لم يبذل جهداً يذكر لمساعدة الضحايا مالياً كي يعيدوا بناء حياتهم. لا بل استمرت حكومته في حلْب هذه المأساة لجعلها السبب الأساس لجميع أوجه القصور فيها.

عندما صادق بشار الأسد على مشروع موازنة عام 2023، البالغة 16.5 تريليون ليرة سورية في ديسمبر/كانون الأول، احتفلت وسائل الإعلام الرسمية بالرقم الذي يمثل زيادة بنسبة 24% عن العام السابق. لكن النظر في الميزانية على أساس قيمتها بالعملة المحلية أمر مضلل. حتى عند حسابها حسب سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي في سوريا، والذي يبلغ 7200 ليرة سورية للدولار الواحد، فإن موازنة 2023 تقصّر بشكل كبير عن سابقاتها، حيث بلغت ميزانية العام الحالي حوالي 2.2 مليار دولار فقط، مقارنة بـ 5.3 مليار دولار في عام 2022، و6.8 مليار دولار في عام 2021، و9 مليارات دولار في عام 2020.

يهدف قرار الحكومة القاضي بتقييد الإنفاق الحكومي إلى تقليص عجز الموازنة الحالي. لكن هذه السياسة لم ترافقها إجراءات واضحة لمساعدة السكان الأكثر ضعفا، والأشد تأثراً من غيرهم، وهو ما يفسر لِمَ يبحث النظام عن كبش فداء.

بدلاً من أن يتحمل مسؤولو الحكومة تبعات سياستهم، تراهم يحاولون إلقاء اللوم في مسألة نقص الخبز على أضرار الزلازل، وعلى زيادة الاحتياجات في المناطق المتضررة منه

تُبين خطة توزيع الموازنة، أن الحكومة ماضية في سياستها بخفض الدعم الاجتماعي، الذي يشكل شريان الحياة لكثرة من السوريين الذين يعيش 90% منهم تحت خط الفقر. ومع ذلك، دفعت حالة الاقتصاد السوري السيئة إلى إعادة هيكلة شبكة الأمان الاجتماعي في عام 2020 وفقد عشرات الآلاف من السكان الدعم منذ ذلك الحين. 
رغم مخاطر انفجار الغضب العام، خفضت موازنة عام 2023 الدعم بمقدار 4.9 تريليون ليرة سورية، بقيمة حقيقية تزيد عن 50%. وبالتالي، ستؤدي ميزانية هذا العام إلى انخفاض الدعم لكل من الدقيق والقمح، وهو ما سيلحق الضرر بمئات الآلاف من السوريين، الذين يعانون أساسا من قبل.


 وبدلاً من أن يتحمل مسؤولو الحكومة تبعات سياستهم، تراهم يحاولون إلقاء اللوم في مسألة نقص الخبز على أضرار الزلازل، وعلى زيادة الاحتياجات في المناطق المتضررة منه.


بالإضافة الى ذلك، يساور الناس شعور بالقلق من أن النظام قد يستخدم الكارثة كذريعة لزيادة الأسعار. 
وفي ما يتعلق بالوقود، لا تغطي الميزانية إلا أقل من 30% من احتياجات البلاد من المحروقات، أي أن مخصصات الأسرة من المازوت وغاز الطهي ستظل غير كافية. وبالتالي، لن يكون أمام الناس خيار آخر سوى شراء كميات أكبر من السوق السوداء بسعر أعلى. وكي يتفادى مسؤولو النظام تحمل مسؤولياتهم، ألقوا باللوم من جديد في مسألة نقص الوقود، على الأضرار الأخيرة التي لحقت بمصفاة بانياس للنفط.


على الرغم من مزاعم الحكومة بأن أحد الأهداف الرئيسة لعام 2023 هو تقوية الاقتصاد، فها هي تستمرّ في إعطاء الأولوية للإنفاق بدل الاستثمار. وحسب الأرقام المنشورة، خصص 18% فقط من الميزانية للاستثمار، وهو مبلغ ضئيل لن يساعد كثيراً في تعافي الاقتصاد السوري.
مردّ ذلك أن القطاعات الضرورية لإحياء الاقتصاد، تحتاج إلى ضخ الكثير من رأس المال. على سبيل المثال، سيكلف إصلاح محطات الطاقة التالفة عدة مليارات من الدولارات، وهي أموال لم يجْرِ تخصيصها في ميزانية 2023. 
زد على ذلك أن الحكومة لم تفِ بوعدها بزيادة رواتب العاملين في القطاع العام. وقد صرح وزير المالية، قبل الزلزال، أن الأموال المخصصة لتحسين دخل الموظفين العامين، متوفرة، بيد أن مسؤولي الدولة صرّحوا مؤخرا أن الحكومة لم تعد قادرة على تحمل زيادة الرواتب، بسبب التكلفة غير المتوقعة لأضرار الزلزال.  
وجدير بالذكر أن عجز الموازنة العامة للدولة لعام 2023 كان بالفعل حوالي 30% من الإجمالي، وهو أعلى بنحو 20% من عجز العام الماضي.  بعبارة أخرى، فإن عدم قدرة الحكومة على تأمين إيرادات كافية لتغطية نفقاتها هو السبب الحقيقي وراء إلغاء الزيادة اللازمة في الرواتب.


وبالتالي، ستبقى رواتب القطاع العام غير كافية لمواجهة الارتفاع الصاروخي في أسعار السلع الأساسية، حيث يتجاوز متوسط تكلفة المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد 2.8 مليون ليرة سورية، أي أكثر مما يتقاضاه موظف الخدمة المدنية بثمانية وعشرين ضعفا.
على السوريين، كما على مناصري التطبيع مع الأسد، أن يعلموا أن النظام وسياساته، وليس الزلزال، هما السبب الرئيسي في معاناة السكان في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

font change