سوريا... "سجادة" عربية و"لاءات" غربية  

سوريا... "سجادة" عربية و"لاءات" غربية  

تلوح ملامح قطيعة بين الموقفين العربي وروسيا وايران من جهة والموقف الأوروبي – الأميركي من جهة ثانية. وقد اختار الطرفان الذكرى الثانية عشرة لبدء الاحتجاجات في سوريا، للتعبير عن الافتراق بين مسارين: سجادة حمراء في عاصمتين عربيتين، و"ثلاث لاءات" غربية.

منذ اندلاع الاحتجاجات السورية في مارس/آذار 2011، تشكلت جبهة واسعة من الدول العربية والاقليمية والدولية وراء موقف واحد بقيادة أميركية مقابل جبهة أخرى تضم ايران وروسيا. حافظت طهران وموسكو والأمم المتحدة على الاعتراف بـ"الحكومة ممثلا لسوريا"، في مقابل اعتبار الجمعية العامة للأمم المتحدة "الائتلاف الوطني السوري" المعارض "ممثلا للشعب السوري"، وحديث "بيان جنيف" عن تشكيل "هيئة حكم انتقالية"، وسحب دول عربية وغربية سفراءها من دمشق وتجميد عضوية دمشق في الجامعة العربية.

خلال العقد المنصرم، تغيرت أمور كثيرة في سوريا والاقليم والعالم. وخفض الغرب سقف مطالبه من "تنحي الأسد" و"تغيير النظام" الى "تغيير سلوك الحكومة السورية". طبّعت دول عربية ثنائياً مع دمشق. وقبلت دول غربية بالتعاطي مع الأمر الواقع، الذي يتضمن تقسيم سوريا ثلاث مناطق للنفوذ وأربع حكومات تحت رايات لخمسة جيوش ومئات الميليشيات والغارات والضربات وآلاف المقاتلين.

في السنة الأخيرة، حصل تحولان: كارثة طبيعية تمثلت في الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا الشهر الماضي، وكارثة من صنع البشر، تمثلت في المواجهة الروسية -الغربية في أوكرانيا. كان الزلزال سياسيا أيضا، اذ سرّع إقدام دول عربية على خطوات تطبيعية مع دمشق وطي صفحة العقد الماضي، فقام وزراء خارجية الامارات والأردن ومصر بزيارات غير مسبوقة لدمشق. أما حرب أوكرانيا، فإنها فرقت الأولويات ووسعت الفجوة بين دول غربية وعربية. أوروبا واميركا دعمتا كييف ضد موسكو. دول عربية اختارت الحياد أو الوقوف بين موسكو وواشنطن.

شكّل الأسبوع الماضي نقطة مفصلية. صادف دخول سوريا في الذكرى الـ 12 لبدء الاحتجاجات، ما أفسح في المجال لتعبير كل كتلة عن خلاصة موقفها. الخطوة الأولى كانت في العاصمة العمانية، مسقط، لدى استقبال الأسد للمرة الأولى في زيارة رسمية وعلى السجاد الأحمر، ثم قيام الرئيس السوري بـ"زيارة رسمية" لموسكو، تضمنت استعراض حرس الشرف. حفاوة، لم تقنع الأسد بالأخذ بنصيحة سيد الكرملين لترتيب لقاء بينه (الأسد) والرئيس التركي رجب طيب اردوغان لتسهيل عودة الأخير في الانتخابات المقبلة في مايو/أيار المقبل.

شكّل الأسبوع الماضي نقطة مفصلية. صادف دخول سوريا في الذكرى الـ 12 لبدء الاحتجاجات، ما أفسح في المجال لتعبير كل كتلة عن خلاصة موقفها. الخطوة الأولى كانت في العاصمة العمانية، مسقط، لدى استقبال الأسد للمرة الأولى في زيارة رسمية وعلى السجاد الأحمر، ثم قيام الرئيس السوري بـ"زيارة رسمية" لموسكو، تضمنت استعراض حرس الشرف

الامارات زادت على عمان وروسيا بخطوات رمزية أكبر. استقبال رسمي للأسد وعزف للنشيد الوطني وطائرات حربية ومراسم بروتوكولية أخرى، اضافة الى استقبال عقيلته أسماء في مراسم استثنائية وغير مسبوقة. سبق وزار الأسد هذه الدول، لكن المراسم الرمزية جديدة، ارادت ابوظبي ومسقط الايحاء بقطيعة مع العقد المنصرم من التعاطي مع الأسد. الخطوات العربية المقبلة، هي اقدام بعضها على خطوات دبلوماسية في المسارات الثنائية مع دمشق قبل عودتها/اعادتها الى الجامعة العربية. لكن هذا لاتزال رهن مواقف دول عربية اساسية. 


في المقلب الآخر، أصدرت "الرباعية الغربية" في "ذكرى الانتفاضة السورية" بيانا شديدا، وتمسكت اميركا وفرنسا والمانيا وبريطانيا بـ"لاءاتها الثلاث". وقالت في بيان مشترك: "لن نطبع العلاقات مع نظام الأسد. لن نمول إعادة إعمار الأضرار التي تسبب بها النظام في خلال النزاع. لن نرفع العقوبات المفروضة" بعد 2011. وزادت: "لن نطبع العلاقات مع نظام الأسد قبل أن نشهد على تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي، وذلك لصالح الشعب السوري".
ستشهد الساعات المقبلة، حملات ديبلوماسية غير معلنة. كل طرف يحشد لمواقفه. ستستضيف العاصمة الأردنية، عمان، الثلثاء اجتماعا لممثلي الدول الغربية والعربية والاقليمية حول سوريا. كما ستقوم مسؤولة اميركية بجولة في الشرق الأوسط. كيف يمكن التنسيق بين موقفين متضادين؟ كيف يمكن الجمع بين الذين "طبّعوا" ومعارضي "التطبيع" والراغبين به لأسباب سياسية أو قانونية مثل وجود "قانون قيصر" الأميركي؟ كيف يمكن الاستجابة للحاجات الانسانية لمواجهة الزلزال دون الاصطدام بعقوبات "قيصر"؟


بين هذا وذاك، الهتافات التي خرج بها سوريون قبل 12 سنة ليست في أجندة المطالب، سواء لـ"المطبعين" أو "المعترضين". غابت عباراتها عن البيانات وتجمدت اجتماعاتها الاممية في جنيف. هناك معالم جيوسياسية تخص المنطقة والعالم. لم تعد سوريا سوى ملحقاً لهذه المعركة الكبرى التي تترك اثرها على صوغ العالم الجديد والتحركات التي ستقوم بها الصين الصاعدة، في تايوان أو مناطق أخرى في العالم، بعدما باتت ايران منخرطة مع روسيا في الحرب الأوكرانية وروسيا والدول الغربية تتحارب في هذه الحرب.


من يطبّع، ينظر إلى سوريا من الزاوية الروسية. ومن يرفض التطبيع يراها بالعيون الأميركية. ومن لا يطبع لكنه لا يعترض على التطبيع، يترك خياراته مفتوحة، الى أن تنجلي معالم مخاض النظام العالمي الجديد وظلاله الاقليمية. لا شك أن سوريا احدى ساحاته، خصوصا اذا كان ثمة في هذا "الملعب" جيوش اميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وايران واسرائيل. لا شك أيضا، أن سوريا في عين الرياح الجديدة التي تهب في المنطقة العربية وتشمل اتفاق استئناف العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وايران وتبادل الزيارات بين مصر وتركيا.  ولاشك ان "المطبعين" مع دمشق، مقتنعون ان سقف تحركاتهم تحت "القيصر" الاميركي وعقوباته.


 

font change