سوريا الجديدة... صراع الحلفاء وعودة روسية

الأمر الأكيد أننا أمام مرحلة جديدة من بروز أجندات حلفاء دمشق وتضاربها وتجدد الصراع على سوريا وفيها

سوريا الجديدة... صراع الحلفاء وعودة روسية

استمع إلى المقال دقيقة

سوريا دخلت في مرحلة جديدة. انتهى "شهر العسل" السائد منذ سقوط النظام نهاية العام الماضي. تطورات كثيرة تشير إلى ذلك، بينها: "مؤتمر وحدة المكونات" في الحسكة شرق الفرات، والصراع الفرنسي–التركي على "الملف الكردي"، وحوار عمان حول "الملف الدرزي"، وعودة حذرة للدور الروسي.

من غير الممكن انعقاد "مؤتمر المكونات" الذي استضافته الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، من دون دعم فرنسي وعدم اعتراض أميركي، ذلك أن القوات العسكرية والخاصة للبلدين موجودة شرق الفرات ضمن التحالف الدولي. ولا يمكن اعتبار مشاركة الشيخ الدرزي حكمت الهجري ورئيس "المجلس العلوي" غزال غزال بكلمات مرئية في المؤتمر، مجرد صدفة، بل إن ذلك بداية تشكيل "حلف الأقليات" المناهض لموقف الحكومة و"الأغلبية السنية".

إذن، هناك دفع نحو نظام لامركزي في سوريا، وكان هذا واضحا في البيان الصادر في ختام المؤتمر بدعم مبدأ اللامركزية وصوغ دستور جديد وتشكيل جيش جديد في البلاد. وما يعزز الاتجاه، ما حصل من خطوات لاحقة، إذ إن المرجعيات الدرزية الثلاث اتخذت خطوات لتوحيد موقفها، فأعلن كل من الشيخين حمود الحناوي ويوسف الجربوع بيانا مرئيا يتضمن مواقف مشابهة لتلك التي أعلنها الهجري، في انتقاد واضح للحكومة وسلوكها ومطالب بتحقيق دولي وتنويه بمواقف دول عدة بينها إسرائيل.

الخطوة الإضافية التي أعقبت "مؤتمر وحدة المكونات"، هي بدء الأردن وأميركا بالترتيب لعقد مسار تفاوضي وزاري بين الحكومة والمرجعيات الدرزية في عمان بمشاركة مسؤولين من دول عدة. واقع الحال أن هذا المسار يدل على رغبة في خلق مسار إقليمي بديل عن مسار باريس الدولي في التعاطي مع ملفين معقدين: الملف الكردي والملف الدرزي.

كل المعلومات تشير إلى أن رسالة وزير خارجية تركيا حقان فيدان لدى لقائه الشرع في دمشق قبل أيام، كانت ترمي إلى تجميد مسار باريس، وجاء "مؤتمر المكونات" ليعزز الرغبة في نسف المسار الفرنسي

كانت باريس استضافت محادثات سورية–إسرائيلية لبحث مستقبل المحافظات الجنوبية المحاذية للأردن، حيث قدمت تل أبيب قائمة طلبات تتضمن سحب جميع السلاح الثقيل والمتوسط من الجنوب وإفساح المجال لتأسيس مجالس محلية وإدارات مستقلة في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، مع غطاء جوي إسرائيلي. كما استضافت باريس محادثات سورية-أميركية-فرنسية تتناول الملف الكردي وتنفيذ اتفاق الرئيس أحمد الشرع وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي في 10 مارس/آذار الماضي.

كل المعلومات تشير إلى أن رسالة وزير خارجية تركيا حقان فيدان لدى لقائه الشرع في دمشق قبل أيام، كانت ترمي إلى تجميد مسار باريس. وجاء "مؤتمر المكونات" ليعزز الرغبة في نسف المسار الفرنسي، على اعتبار أن أنقرة تعتبر باريس "منحازة للأكراد" وباريس تعتبر أنقرة منحازة لحكومة الشرع. النتيجة كانت أن الحكومة السورية أعلنت رسميا تجميد المفاوضات مع الأكراد في باريس.

الصراع الفرنسي–التركي على الأكراد، والتركي–الإسرائيلي على الملف الدرزي وترتيبات الجنوب، مؤشران على بدء ظهور الشقوق في "حلف حلفاء" الحكومة السورية. الأشهر التي كانت تشهد وقوفا جماعيا موحدا لدول عربية وإقليمية وغربية وراء موقف دمشق، انتهت، وبدأت مرحلة الصراع بين الأجندات الخارجية في سوريا.

التطور الإضافي الذي بدأ يزيد خلط الأوراق، هو مؤشر على عودة الدور الروسي إلى سوريا بعد مؤشرات لتغيرات في الموقف الغربي

التطور الإضافي الذي بدأ يزيد خلط الأوراق، هو مؤشر على عودة الدور الروسي إلى سوريا. وزيارة وزيري الخارجية أسعد الشيباني والدفاع مرهف أبو قصرة ومدير المخابرات حسين سلامة إلى موسكو ولقاؤهم الرئيس فلاديمير بوتين ومسؤولين روسا، كلها بدايات لعلاقة جديدة بين دمشق وموسكو تتناول عناوين رئيسة: استئناف تزويد سوريا بالسلاح الروسي، وإدارة مشتركة لقاعدتي حميميم وطرطوس، والعلاقات الاقتصادية، والدوريات الروسية في مناطق مختلفة في سوريا، ومصير بشار الأسد وكبار مسؤولي النظام الموجودين في موسكو.

أغلب الظن أن دمشق التي حصلت على "دعم غربي غير محدود" في الأشهر السبعة الماضية، بدأت ترى اختلافا في خطاب وطلبات وتحركات الدول الغربية بعد أحداث الساحل والسويداء واستمرار الضربات والتوغلات الإسرائيلية، أرادت مد اليد إلى روسيا لأهداف محددة: خلق توازن شرقي مع الغرب، وضبط التحركات الإسرائيلية، وتوفير الاستقرار في الساحل السوري، والتوازن العسكري الميداني بتشغيل مطار القامشلي وتسيير الدوريات في شمال شرقي سوريا. ولا يمكن أن تكون تركيا بعيدة عن التقارب بين موسكو وسوريا الجديدة.

هل تسمح أميركا والدول الأوروبية لروسيا المنخرطة في أوكرانيا بالعودة إلى سوريا؟ هل تقبل دمشق بإدارات لامركزية؟ هل ينتقل التنسيق بين "المكونات" من السياسي إلى العسكري؟ كيف سترد دمشق على تغير المشهد والمطالب والخطابات؟ ما شكل العلاقة بين الأطراف المنخرطة عسكريا، أميركا وتركيا وروسيا وإسرائيل؟

هناك أجوبة كثيرة لهذه الأسئلة، لكن الأمر الأكيد أننا أمام مرحلة جديدة من بروز أجندات حلفاء دمشق وتضاربها وتجدد الصراع على سوريا وفيها.

font change